الخميس نوفمبر 21, 2024

بيان أن أهم أمور الدين معرفة الله

درس ألقاه المحدث الأصولِـيّ الشيخ عبد الله بن محمد العبدريّ رحمه الله تعالى فِي الأردن فِي بيان أن أهمَّ أمور الدين معرفة الله تعالى. قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:

الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى جميع إخوانه من النبيين وءاله الطاهرين.

أمَّا بعدُ: فإن أهم أمور الدين معرفة الله تبارك وتعالى وإنما تكون معرفته بإثبات وجوده من غير اعتقاد أنه كشيء من الأشياء فمن تصور الله فِي نفسه كشيء من الأشياء لم يعرفه من تصوره كالأجرام الكثيفة كالإنسان والحجر والشجر والشمس والقمر فلم يعرف الله ومن تصور الله فِي نفسه جرمًا لطيفًا كالنور والهواء، أي: الريح والظلام والروح لم يعرف الله لأن هذين الصنفين الجرم الكثيف والجرم اللطيف مهما كان كل منهما كبيرًا فهو مخلوقٌ حادثٌ أوجده الله بعد أن لم يكن، الله تعالى قال فِي القرءان: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّور} [سورة الأنعام: 1]، يعني: أنه خلق الظلمات والنور، يعني: أنهما لم يكونا قبلُ، كانا معدومين ثم أوجدهما الله وهذا معناه أن الله ليس كالنور ولا كالظلام، أي: ليس جسمًا لطيفًا، وقبل هذه الجملة فِي القرءان الكريم: {الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [سورة الأنعام: 1] أفهمنا بذلك أنه ليس جِرْمًا كثيفًا كالإنسانِ والشجرِ والماءِ والنارِ والعرشِ والشمسِ والقمرِ، هذه الآية يَفهم منها مَن عنده فهمٌ صحيحٌ أن الله ليس كهذا العالم الكثيف ولا كالعالم اللطيف إنما هو موجود لا يشبه الموجودات، غاية ما يقال فيه موجودٌ لا كالموجودات.

ثم وجوده غيرُ وجود الخلق وجوده أزليّ أبديّ لم يسبقه عدم أما ما سوى الله سبقه عدم، النور والظلام ما كانا موجودين والزمانُ كذلك ما كان موجودًا ثم أوجده الله والمكانُ كذلك. ثم هذه العوالم الكثيفة واللطيفة لها حيز من الفراغ يحويها  فخالقها لا يجوز أن يكون كذلك ولا يجوز أن يكون حجمًا لطيفًا أو حجمًا كثيفًا يحويه جزء من الفراغ مقدارٌ من الفراغ أما ما سواه ما سوى الله يحويه الفراغ، حتى النور والريح لهما كمية لهما حجم لطيف له مقدار له كمية، نور الشمس له حدّ ينتهِي إليه، له كميةٌ ونور الشمعة كذلك له حدٌّ ينتهِي إليه، والريح كذلك، الأرياحُ لها حدودٌ، الملائكة يرسلونها بوزن معلوم عندهم، فخالق هذه العوالم اللطيفة والكثيفة لا يجوز أن يكون يحويه فراغ، لذلك يقول أهل الحق: الله موجود بلا مكان موجود بلا جهة؛ لأنه ليس حجمًا كثيفًا ولا لطيفًا فمن اعتقد فِي الله أنه جرم لطيف أو جرم كثيف تحويه جهة كجهة الفوق ما عرف الله، صَورَهُ فِي نفسه كما هو شأن المخلوق فلم يعرفه، إنما عرفه من اعتقد أنه موجود لا كالموجودات لا يمكن تصوره فِي النفس لا يحويه فراغ ولا تحويه جهة ولا هو شيء منتشر فِي جميع الجهات فِي جميع الأماكن. أمرٌ من المخلوقات لا نقدر أن نتصوره، النور والظلام قبل أن يُخلقا ما كان نور ولا ظلام وهذا لا يمكن أن نُصَوّرَهُ فِي أنفسنا، مَنْ مِنّا يستطيع أن يتصور وقتًا ليس فيه نور ولا ظلام، نستطيع أن نتصور وقتًا فيه نور بلا ظلام ونستطيع أن نتصور وقتًا فيه ظلام بلا نور أما أن نتصور وقتًا ليس فيه نور ولا ظلام لا يمكننا، فكيف يمكننا أن نتصور خالقَ هذا وغيرِهِ. سخافةُ عقل الذي يعتقد أن الله جسم تحويه جهة؛ كالوهابية هذه سخافة عقل هؤلاء ما عرفوا الله إنما تصوروا فِي نفوسهم شيئًا متحيزًا فِي هذه الجهة على وجه العرش، هؤلاء يعبدون شيئًا مُتَوَهَّمًا لا يعبدون شيئًا له وجودٌ، لا يوجد فوق العرش جرم حيّ سميع بصير، لا يوجد. الرسول r ما أخبر بذلك إنما أخبر أنه يوجد فوق العرش كتاب كَتَبَ الله فيه: إن رحمتي سبقت غضبِي، معناها: إن الأشياء التي هي مظاهر الرحمة التي يحبها الله أكثر من الأشياء التي هي مظاهر الغضب، أي: الأشياء التي يكرهها وبيان ذلك أن الملائكة أكثر خلق الله، أكثر من الأوراق، أكثر من عدد الرمال، أكثر من عدد النجوم، أكثر من كل ما خلق الله السماء الأولى مع أنها أوسع من هذه الأرض بكثير فيها بابٌ واحدٌ يسمّى باب التوبة مسيرة عرضه سبعون سنة ماذا يكون جملة السماء إذا كان باب من أبوابها مسيرة عرضه سبعين سنة هذه السماء الأولى والتي فوقها والتي فوقها ثم التي فوقها ثم التي فوقها إلى السابعة، الملائكة مالئون ذلك لا يوجد موضع أربع أصابع إلا فيه ملك قائم أو راكع أو ساجد ثم هؤلاء شيء قليل بالنسبة للذين هم حافون حول العرش. العرشُ جسم سريريُّ الشكلِ، أيْ: شكله كشكل السرير حوله ملائكة لا يعلم عددَهم إلا الله أما فوق سطح العرش لا يوجد إلا هذا الكتاب وكتابٌ كتب الله فيه بعض ءايات القرءان كآمن الرسول، هذا الذي يوجد فوق العرش. هؤلاء الملائكة الذين هم أحباب الله أما ما سوى ذلك من كفار البشر والجن شيء كالعدم بالنسبة لكثرة الملائكة لذلك قال تعالى: «إن رحمتِي سبقت غضبي»([i]).اهـ. كما كتب فِي هذا الكتاب الذي هو على سطح العرش كما أخبر الرسول r بحديثه الثابت الصحيح عنه الذي لا شك فِي ثبوته رواه البخاريُّ فِي «الجامع الصحيح» ورواه ابن حبّان فِي صحيحه، والبيهقيُّ وغيرهما مما لا يُحصى من المحدثين. هذا الذي يوجد فوق العرش. هؤلاء الذين يعتقدون أن رب العالمين جسد فوق العرش هؤلاء ما عرفوه يعبدون شيئًا لا وجود له من قال لهم إنه فوق العرش يوجد حيٌّ سميعٌ بصيرٌ متحيزٌ بقدر العرش أو على بعض العرش أو على صورة إنسان من قال لهم، هذه توهماتٌ من عندهم لذلك لم يتفقوا، كلّ فِرقة تَدَّعِي الإسلام من هؤلاء كهذه الوهابية يختلف كلامها عن غيرها. الوهابية تقول كما قال ابن تيمية، ابن تيمية قال أقوالًا مختلفة مرة قال الله بقدر العرش لا أصغر ولا أكبر ومرة قال هو أوسع من العرش ومرة إنه على الكرسيّ، والكرسيّ شيء صغير بالنسبة للعرش، وترك مكانًا لِيُقْعِدَ فيه محمدًا يوم القيامة، هذه عقيدة ابن تيمية الذي يسميه كثير من الناس شيخ الإسلام، والوهابية تتبعه، ما يقوله تقوله فِي الغالب، لكن حصل شيء خالفوا فيه ابن تيمية، ابن تيمية يقول فِي كتاب اسمه «الكلم الطيب»، ومعناه: أنَّ هذا الكتاب كل ما فيه شيء حسن يذكر فِي هذا الكتاب أن الإنسان إذا أصابه مرض خَدَرٍ فِي رِجْلِهِ يقول: يا محمد هؤلاء الوهابية عندهم قول يا محمد شركٌ كفرٌ، يقولون هذا النداء عبادة له فهو شرك، فِي هذه المسألة خالفوا ابن تيمية لعله عَنْ عَدَمِ عِلْمٍ؛ لأن ابن تيمية قال فِي هذا الكتاب إنه مطلوب لمن خَدِرَتْ رِجْلُهُ أن يقول: يا محمد؛ لأنه اعتمد فِي ذلك على أن عبد الله بن عمر بن الخطاب رَضِيَ الله عنه وعن أبيه خدرت رجله ذات مرة أصابه مرضٌ، ليس الذي يقال له تنميل لا؛ بل مرض مثل الشلل يحصل بالرّجْلِ يصيب الرّجْلَ ينزل بالرجل لا يستطيع الإنسانُ أن يحركها إلى أن يتعافى منه إما بالتداوي وإما بدون تداوٍ على حسب مشيئة الله فقال له بعض الناس اذكر أحبَّ الناس إليك، فقال: يا محمد فتعافَى فِي الحال، اعتمادًا على هذا يقول ابن تيمية مطلوب لمن خدرت رجله أن يقول: يا محمد، الوهابية عندهم هذا شرك يا محمد، يا عليُّ، يا أبا بكر، يا فلان يا فلان من أنبياء الله أو أولياء الله عندهم كفرٌ عبادةُ الوثن، هم تائهون ليس لهم مُسْتَقَرٌّ، زعيمهم هذا الذي أخذوا من كتبه أشياء من ضلالاتهم كفّروه من حيث لا يدرون، هؤلاء ليسوا شيئًا يُلْتَفَتُ إليه فاحذروهم وحَذّرُوا منهم؛ لأنهم شَبَّهُوا الله بخلقه، خالفوا قول الله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [سورة الشورى: 11] هذه الآية تَنْفِي عن الله أن يكون جسدًا كثيفًا؛ كالبشر والحجر والشمس والقمر والعرش وتَنْفِي عنه أن يكون جرمًا لطيفًا؛ كالنور والظلام والريح، إذن هو موجود لا كالموجودات كما يقول أهل السُّنَّة، على هذا مئات الملايين من أمة محمد، هذه الوهابية شرذمة قليلةٌ منبعُها الذي نبعت فيه بلدةٌ قرب الرياض يقال لها: دِرعيّة مِن هناك نبعوا منذ مائتين وستين أو سبعين سنة تقريبًا ظهورهم، أمّا زعيمهم محمد بن عبد الوهاب فقد توفِّي سنة ألف ومائتين وست لكن دعوته هذه ما كانت ظاهرة هو علّم بعض الأشخاص ما كانوا كثرة كثيرة بعدما مات وَسَّعوها إلى حدّ ما لكن هِيَ بالنسبة للأمة شِرذمة صغيرة جدًّا على زعمهم مئاتُ الملايين كفارٌ وهذه الشرذمة هِيَ المؤمنة هِيَ الموحّدة فإن قالوا الله تعالى قال: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سورة سبأ: 13]، نحن مع كوننا شرذمة نحن أفضل منكم وإن كنتم كثرة قولوا لهم قول الله تعالى: { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} ليس معناه: قليل مِن عبادِي مسلم إنما معناه الأولياء بين المسلمين قلة الشكور، معناه: العبد المؤمن الوليُّ الذي يحفظ جوارحه وقلبه من المحرمات ويؤدِّي الفرائض تمامًا ويزيد على ذلك النوافل هذا الشكور، هم يُحَرِّفُون الآيات يستدلون ببعض الآيات لأنفسهم وهِيَ بعيدة منهم. الله تعالى يثبّتنا على عقيدة أهل السُّنَّة اللَّهُمَّ أحْيِنَا عليها وأمتنا عليها وابعثنا عليها. انتَهَى.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

([i]) رواه البخاريُّ فِي صحيحه، باب: قوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ}.