الأحد مارس 16, 2025
  • بيان أفضلية علم التوحيد ومزيد عناية السلف بعلم التوحيد
    قال الإمام أبو الحسن الأشعري: «أول ما يجب على العبد العلم بالله ورسوله ودينه».
    فلما كان علم التوحيد يفيد معرفة الله على ما يليق به ومعرفة رسوله على ما يليق به وتنزيه الله عما لا يجوز عليه وتبرئة الأنبياء عما لا يليق بهم، كان أفضل من علم الأحكام. قال الإمام الشافعي [(25)]: «أحكمنا ذاك قبل هذا» أي علم التوحيد قبل فروع الفقه.

     

    وقد ألَّف الإمام أبو حنيفة الذي هو أحد أعلام الأئمة في وسط القرون الثلاثة الفاضلة كتبه «الفقه الأكبر» و «الرسالة» و «الفقه الأبسط» وكتاب «العالم والمتعلّم» و «الوصية» نسبت إلى الإمام واختُلِف في ذلك كثيرًا فمنهم من ينكر عزوها إلى الإمام مطلقًا ويزعم أنها ليست من عمله ومنهم من ينسبها إلى محمد بن يوسف البخاري المكنى بأبي حنيفة وهذا قول المعتزلة لما فيها من إبطال نصوصهم الزائفة وادعائهم كون الإمام منهم كما في «المناقب الكَردَريَّة» وهذا كذب على الإمام فإنه رضي الله عنه وصاحبيه أول من تكلم في أصول الدين وأتقنها بقواطع البراهين على رأس المائة الأولى، قال الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في شرح الإحياء [(26)]: «ففي «التبصرة البغدادية» أول متكلمي أهل السنة من الفقهاء أبو حنيفة ألَّف فيه «الفقه الأكبر» و «الرسالة» في نُصرة أهل السنة. وقد ناظر فرقة الخوارج والروافض والقدرية والدهرية وكانت دُعاتهم بالبصرة فسافر إليها نيّفًا وعشرين مرة وفَضَّهُم بالأدلة الباهرة. وبلغ في الكلام أي علم التوحيد إلى أنه كان المشار إليه بين الأنام واقتفى به تلامذته الأعلام» اهـ.
    وفي «مناقب الكردري» [(27)] [(28)] عن خالد بن زيد العمري أنه قال كان أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمدٌ وزفر وحماد بن أبي حنيفة قد خَصَمُوا بالكلام الناس أي ألزموا المخالفين وهم أئمة العلم.
    وعن الإمام أبي عبد الله الصَّيْمري [(29)] [(30)] أن الإمام أبا حنيفة كان متكلّم هذه الأمة في زمانه وفقيههم في الحلال والحرام.

    وقد عُلم مما تقدم أن هذه الكتب من تأليف الإمام نفسه والصحيح أن هذه المسائل المذكورة في هذه الكتب من أمالي الإمام التي أملاها على أصحابه كحمَّاد وأبي يوسف وأبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي وأبي مقاتل حفص بن سَلْمٍ السمرقندي. فمنهم الذين قاموا بجمعها وتلقاها عنهم جماعة من الأئمة كإسماعيل بن حمَّاد ومحمد بن مقاتل الرازي ومحمد بن سَمَاعة ونُصَيْر بن يحيى البلخي وشداد بن الحكم وغيرهم إلى أن وصلت بالإسناد الصحيح إلى الإمام أبي منصور الماتريدي فمن عزاهنّ إلى الإمام صح لكون تلك المسائل من إملائه ومَن عزاهن إلى أبي مطيع البلخي أو غيره ممن هو في طبقته أو ممن هو بعدهم صح لكونها من جمعه. ذكره الفقيه المحدث الحافظ اللغوي السيد محمد مرتضى الزبيدي بل هو خاتمة الحفاظ واللغويين [(31)].
    وقال الزركشي [(32)] في «تشنيف المسامع»: «بل انتدبوايعني الأئمةللرد على أهل البدع والضلال، وقد صنف الشافعي كتاب القياس رد فيه على من قال بقِدم العالَم من الملحدين وكتاب الرد على البراهمة وغير ذلك، وأبو حنيفة كتاب الفقه الأكبر وكتاب العَالِم والمتعلّم رد فيه على المخالفين، وكذلك مالك سئل عن مسائل من هذا العلم فأجاب عنها بالطريق القويم وكذلك الإمام أحمد رضي الله عنه» اهـ.

    وقال أبو المظفر الأسفراييني في التبصير بعد أن ذكر اعتقاد أهل السنة والجماعة وأنه لا خلاف في شىء منه بين الشافعي وأبي حنيفة وجميع أهل الرأي والحديث من أئمة الحجاز والشام والعراق وأئمة خراسان وما وراء النهر ومن تقدمهم من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين ما نصه [(33)]: «ومن أراد أن يتحقق أن لا خلاف بين الفريقين في هذه الجملة فلينظر فيما صنفه أبو حنيفة رحمه الله في الكلام وهو كتاب «العلم» وفيه الحجج القاهرة على أهل الإلحاد والبدعة، وقد تكلم في شرح اعتقاد المتكلمين وقرر أحسن طريقة في الرد على المخالفين، وكتاب «الفقه الأكبر» الذي أخبرنا به الثقة بطريق معتمد وإسناد صحيح عن نصير بن يحيى عن أبي مطيع عن أبي حنيفة، وما جمعه أبو حنيفة في «الوصية» التي كتبها إلى أبي عمرو عثمان البتي وردَّ فيها على المبتدعين وليُنظر فيما صنفه الشافعي في مصنفاته فلا [(34)] يجد بين مذهبيهما تباينًا بحال، وكل ما حكي عنهم خلاف ما ذكرنا من مذاهبهم هو كذب يرتكبه مبتدع ترويجًا لبدعته» اهـ.
    فشُدَّ عليها يَدَيك ولا تلتفت إلى من يطعن في نسبتها إلى الإمام أبي حنيفة لما فيها من تنزيه الله عن الجسمية والتحيُّز وإثبات خلق الأفعال وهم المشبّهة الذين يعتقدون في الله الجسمية والتحيُّز في المكان والمعتزلةُ الذين يعتقدون أن الله ليس خالقًا لأفعال العباد.

    ـ[25] مناقب الشافعي (1/ 454 – 455).
    ـ[26] تبيين كذب المفتري (ص/337).ـ[27] مناقب الشافعي للبيهقي (1/ 457)، تبيين كذب المفتري (ص/342).
    ـ[28] إتحاف السادة المتقين (2/ 14).
    ـ[29] هو محمد بن محمد بن شهاب الكردري الخوارزمي الشهير بالبزاري، كان فقيهًا على مذهب أبي حنيفة، تنقل في بلاد القرم والبلغار وحج واشتهر، من كتبه الجامع الوجيز، المناقب الكردرية، توفي سنة 827هـ.
    ـ[30] مناقب أبي حنيفة (ص/44).
    ـ[31] هو أبو عبد الله الحسين بن علي بن محمد بن جعفر الصيمري، أحد فقهاء الحنفية وإمامهم ببغداد، ولي قضاء المدائن ثم ربع الكرخ وبقي فيه إلى حيث وفاته سنة 436هـ، حدَّث عن أبي حفص بن شاهين والمعافي بن زكريا وغيرهما، وروى عنه الخطيب البغدادي وقاضي الفقهاء الدامغاني، من مؤلفاته أخبار أبي حنيفة وأصحابه.
    ـ[32] إتحاف السادة المتقين (2/ 14).
    ـ[33] إتحاف السادة المتقين (2/ 13).
    ـ[34] تشنيف المسامع (4/ 258).