بعضُ أحكامِ الحجِّ
ــــــــــــــــ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره وسنغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا هيئة ولا شكل له ولا صورة ولا كيفية له ولا جسم ولا أعضاء له ولا حيز ولا مكان له سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا .
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرة اعيننا محمدًا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيًا من أنبيائه، اللهم صل على سيدنا محمد صلاة تقضي بها حاجاتنا، اللهم صل على سيدنا محمد صلاة تفرج بها كرباتنا، اللهم صل على سيدنا محمد صلاة تكفينا بها شر اعدائنا، وسلم عليه وعلى ءاله سلامًا كثيرًا.
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي القدير القائل في محكم كتابه: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ ءايَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءامِنًا وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً * وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} . (سورة ءال عمران ءاية/96-97) .
إنها رحلة العمر التي تشتاق نفوس المؤمنين إليها لرؤية الكعبة المشرفة والحجر الأسود وحجر اسماعيل ومقام ابراهيم وميزاب الرحمة وجبل عرفات وجبل الرحمة وجبل النور وغار حراء وجبل أحد ومقام حمزة وبئر تفلة والبقيع ، وليرتوي العطشان من بئر زمزم ، ولترتوي نفس الظمآن، ولترتوي نفس العاشق الولهان بزيارة سيد المرسلين وحبيب رب العالمين سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
إخوة الإيمان، إنها رحلة طاعة، إنها رحلة امتثالٍ لأمر البارىء عزّ وجلّ ، والطاعة لا بد لها من العلم لتوافق شرع الله تعالى .
لذلك أحببنا في خطبتنا اليوم أن نذكّركم ببعض أحكام هذه الفريضة العظيمة فريضة الحج ، التي جعل الله تعالى لها مزية ليست للصلاة ولا للزكاة مع أن الصلاة هي أعظم من الحج وأفضل ، إلا أن الله خص الحج بأنه يكفّر الكبائر والصغائر لقوله صلى الله عليه وسلم: “من حجّ فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيومَ ولدته أمه” .
فمن أراد أن يكون حجه مبرورًا يتجنب كبائر الذنوب في حجه ويتجنب الرفث أي الجماع وأن تكون نيته خالصة لله تعالى والمال الذي تزوّده للحجِّ حلالاً وإلا فلا يجعله حجه كيوم ولدته أمه. فلا شك حتى ينال هذه الفضيلة العظيمة لا بد له من العلم فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد” أي كل عمل لا يوافق شريعتنا فهو مردود غير مقبول.
فقاصد بيت الله الحرام إن انطلق من بلادنا يصل أولاً إلى طيبة ، إلى طابة، إلى المدينة التي سكنها خير الناس وأعظم الناس وأفضل الناس ، إلى المدينة التي نُوِّرت برسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلى المدينة المنورة. وهناك يضع هموم الدنيا ، يقف أمام قبر محمد صلى الله عليه وسلم فارغ القلب من علائق الدنيا ، غاضّ الطّرْفِ في مقام الهيبة والإجلال ، مستحضرًا في قلبه جلالة موقفه ويسلم على رسول الله وصاحبيه أبي بكر وعمر ، والزيارة من القرب العظيمة هنيئا لمن أكرمه الله تعالى بها ، والزيارة ليست من أركان ولا واجبات الحج بل هي سُنّة مستحبّة .
ثم ينطلق من المدينة إلى مكانٍ يقال له ءابار علي وهو ميقات أهل المدينة ومّن مرّ بطريقهم ، أي المكان الذي عينه رسول الله ليحرم منه فيحرم ، والإحرام فيه الدخول في النسك كأن يقول في قلبه “نويت الحج وأحرمت به لله تعالى” .
وقبل إحرامه يتجرد الحاجّ الرجل عن الملبوس الذي يحيطه بخياطةٍ ويلبس إزرا وردًا والأحسن كونهما جديدين نظيفين أبيضين ثم ينطلق إلى أفضل بقاع الدنيا إلى أم القرى إلى مكة المكرمة فيطوف طواف القدوم وهو سُنّة وبعده يستطيع أن يسعى بين الصفا والمروة ، والسعي ركن من أركان الحج.
وبعد ذلك وفي يوم التاسع من ذي الحجة بتوجه إلى عرفة وهناك تسكب العبرات وتستقال العثرات وترجى الطلبات وليكثر من التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل ، وأفضل ذلك ما رواه الترمذي وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” أفضل الدعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير “ .
وبعد عرفة يتوجه إلى مزدلفة فيلتقط الحصيات وينْزل إلى منى وينتظر دخول وقت الرمي وهو بعد منتصف ليلة العيد فيرمي الجمرة الكبرى وهي العقبة بسبع حصيات ويحلق أو يقصر ثم يذهب إلى مكة للطواف لطواف الركن لطواف الإفاضة ، وهكذا يكون تحلل من إحرامه فجاز له ما حرم عليه وهم محرم ، ويبقى واجب الرمي أي رمي الجمرات الثلاث في أيام التشريق الثلاث بعد زوال الشمس فيرمي في اليوم الأول الجمرة الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى ، وفي اليوم الثاني كذلك ، وفي اليوم الثالث كذلك، ثم يخرج إلى خارج مكة إلى محلة يقال لها التنعيم أو نحوها فيحرم للعمرة أي يقول في قلبه: “نويت العمرة وأحرمت بها لله تعالى” ثم يطوف بالبيت ، ثم يسعى بين الصفا والمروة، ثم يحلق أو يقصر، فبهذا يكون أتم أعمال العمرة.
إخوة الإيمان، لو كان وقتنا يسع لتحدثنا عن الشروط والواجبات وكيفية الطواف والسعي والوقوف ، لو كان وقتنا يسع لتحدثنا أكثر عن تفاصيلَ مهمةٍ تتعلق بأداء هذه الفريضة العظيمة ، لذلك من أراد الحجّ والعمرة فليسارع إلى التعلّمِ ، إلى تعلًّمِ الأحكام التي تتعلق بهذه الفريضة العظيمة من شروطٍ وأركانٍ وواجباتٍ وسُنَنٍ ، فالعلم قبل القول والعمل .
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما وارزقنا الحجّ والعمرة وزيارة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، إنك على كل شىء قدير.
هذا وأستغفرالله لي ولكم
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الْوَعْدِ الأَمِينِ وَعَلَى إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ. وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَءَالِ الْبَيْتِ الطَّاهِرِينَ وَعَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَعَنِ الأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَاتَّقُوهُ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَى نَبِيِّهِ الْكَرِيْمِ فَقَالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾، اللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعَاءَنَا فَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَءَامِنْ رَوْعَاتِنَا وَاكْفِنَا مَا أَهَمَّنَا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ. عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغِي، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يُثِبْكُمْ وَاشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَاتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.