الأربعاء ديسمبر 4, 2024

براءة الشيخ الكبير والعالم النحرير والقطب الشهير الباز الأشهب عبد القادر الجيلاني من عقيدة الحلول والاتحاد والتجسيم

الشيخ عبد القادر الجيلاني حذّر من أهل الضلال، مع جلالة قدر الشيخ عبد القادر رضي الله عنه حصل من كثير من المنتسبين إليه شطحات ودخل الدس في الكثير من كتبه وغلا فيه قوم ونسبوا إليه ما لم يقله،
كقول بعضهم:

ولو انني ألقيت سري على لظى *** لاطفئت النيران من عظم برهاني

وهذا رد للنصوص لا يقوله مؤمن عرف أن الله خلق الجنة والنار للبقاء فلا تفنيان أبد الآباد، وأن نار جهنم لا يلحقها انطفاء أبدا، هذه عقيدة كل مسلم، فكيف تجرأ هذا المفتري على نسبة هذا الكلام إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه.
وهناك أشياء لا يسعنا أن نذكرها كلها في هذا البيان فلذا نحث الجميع على طلب العلم الشرعي من أهل العلم والمعرفة، أمدّنا الله بأمداد الجيلاني النورانية.
فمما افتروه على الشيخ الكبير والعالم النحرير والقطب الشهير الباز الأشهب سيدنا عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه ما يلي:‏

ما ورد في قصيدة عبد الكريم الجيلي التي رويّها [العين المضمومة] ومن جملتها:‏

قطعت الورى من نفس ذاتك قطعة *** وما أنت مقطوع ولا أنت قاطع

فإنه لفظ لا يجوز إطلاقه على الله تعالى مطلقا بل هو كفر وضلال.‏

وما يجب التحذير منه كتاب [الانسان الكامل] المنسوب لعبد الكريم الجيلي، ومنظومة تسمى [العينية] تقع في ثمانمائة بيت فيها كلام صريح بالكفر كهذه الأبيات:‏

وما الكون في التمثال الا كثلجة *** وأنت لها الماء الذي فيه نابع
وما الكون في التحقيق غيرا لمائه *** وغيران في حكم دعته الشرائع

ففي البيت الأول حلول أي أن الله بزعمه حال في العالم حلول ماء الثلج في الثلج، وفي الثاني أن العالم والله شىء واحد أي ليس الله غيرا للعالم بل هو عين العالم فيما يزعم والعياذ بالله تعالى، وهاتان العقيدتان عقيدة الوحدة المطلقة وعقيدة الحلول أي حلول الله في الخلق وعقيدة الطبائعيين الذين يقولون لا اله والعالم مادة، أشد الكفر والعياذ بالله.‏

وكذلك ما نسبوه افتراء إلى الشيخ عبد القادر ما ورد في كتاب [الفيوضات الربانية في مآثر الطريقة القادرية] فانّ فيه كلاما مفترى على الشيخ عبد القادر الجيلاني، ويوجد فيه من الكلمات الشاذة التي لا تليق بالشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه ما لايوجد في كتب الشيخ عبد القادر الصحيحة النسبة إليه، فانّ للشيخ عبد القادر كتابا مشهورا اسمه الغنية في الفقه الحنبلي لأنه حنبلي المذهب، وهذا الكتاب ثابت أنه من تأليفه لكن مجسمة الحنابلة الذين يعتقدون أن الله جسم ساكن جهة فوق أدخلوا عليه مسائل افتروا عليه فيها أنه يقول (أن الله ساكن في جهة فوق)، وافتروا عليه بأنه يقول (بأنّ حروف المعجم قديمة) أي ليس لوجودها ابتداء وهذا خلاف عقيدة أهل السنة، فإنّ عقيدة أهل السنة أنّه لا موجود أزلي قديم ليس لوجوده ابتداء إلا الله، والحروف مخلوقة حادثة، والأصوات حادثة، وهو رضي الله عنه لا يخالف في العقيدة شيئا مما عليه أهل السنة السلف والخلف من أن الله تعالى متكلم بكلام لا يشبه كلام الخلق، ومعلوم أن كلام الخلق حرف وصوت حادثان يوجدان شيئا بعد شىء وهذه صفة البشر، والله تعالى متعال منزه عن كل ما هو من صفات البشر انّما هو متكلم بكلام ليس حرفا ولا صوتا.‏

وليس القرءان شيئا قرأه الله بحرف وصوت على جبريل انّما القرءان كتبه الله تعالى في اللوح المحفوظ بأن أمر القلم الأعلى فجرى وكتب القرآن وغيره من الكتب السماوية،‏ وأمر جبريل بأن يأخذه ويقرأه على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالحرف والصوت بدليل قوله تعالى (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40)) [سورة الحاقة] والضمير في (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ ‏كَرِيمٍ (40)) ‏يعود لجبريل باتفاق المفسرين، ومعنى الآية أن القرءان شىء قرأه جبريل، والذي نعتقده أن الجيلاني بريء من مثل هذه الأقوال.‏

وما نُسب للشيخ لا يقول به أقل المسلمين في الدين فكيف بالشيخ عبد القادر الذي هو‏ من أكبر الأقطاب، كيف يقول بأن الله ساكن السماء والله تعالى يقول (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا ‏فِي الْأَرْضِ ‏‏(31)) [سورة النجم] أي كلّ متحيز في السموات والأرض فهو ملك لله مخلوق لله حادث وُجدَ بعد أن لم يكن موجودا، فكيف يخفى هذا الحق على القطب الكبير الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه، إنّما مشبهة الحنابلة دسوا عليه في كتابه هذه المقالات ليوهموا الناس أن الشيخ عبد القادر على عقيدتهم عقيدة التشبيه.‏

ومن المعلوم أن الصوفية المحققين هم من أكثر الناس تأدبا مع الله تعالى لا يطلقون على الله عبارة شنيعة.‏

ومما في هذا الكتاب أيضا من الافتراءات إيهام أن الله تعالى أوصى الى الشيخ عبد القادر وخاطبه بكلمات عديدة يقولون لها الغوثية بهذه الصيغة (يا غوث الأعظم الأمر كذا وكذا)، ومما فيه (يا غوث الأعظم أكل الفقراء أكلي وشربهم شربي) وهذا من أشنع الكفر، وهذا اللفظ متكرر فيه (يا غوث الأعظم).‏

قال الشيخ أبو الهدى الصيادي في كتابه الطريقة الرفاعية ما نصه:
فقد عزوا للقطب الجليل الفرد الأصيل خزانة الكمالات والمعاني أبي صالح محي الدين السيد الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه الكثير من الكلمات التي لم تصدر منه ولم تنقل بسند صحيح عنه مثل الكلمات المكذوبة التي سمّوها فهو عطّر الله مرقده بعيد عنها وبرىء منها.‏

وهذا الكتاب المسمى [الفيوضات الربانية] ألفه اسماعيل القادري الكيلاني من أهل القرن الثالث عشر، ومؤلفه ليس من العلماء فقد نسب إلى الشيخ عبد القادر قصيدتين إحداهما ميمية والأخرى نونية، ففي القصيدة الميمية يوجد هذا البيت:‏

كل قطب يطوف بالبيت سبعا *** وأنا البيت طائف بخيامي

فهذا الكلام أي أن الكعبة تترك مكة وتذهب إلى العراق لتطوف بخيام الشيخ عبد القادر لا يقوله إلا كذاب وقح لأن الكعبة الله وضعها في مكة ليطوف بها المؤمنون بالليل والنهار في مكانها، وقولهم هذا فيه أن صلوات المسلمين لمّا تنتقل الكعبة لتطوف بالجيلاني غير صحيحة لأنهم يكونون قد اتجهوا إلى غير الكعبة وفي ذلك القول بأن المسلمين بإجماعهم جهّال وصلواتهم فاسدة ولا يقول بذلك عاقل.‏
ومثل هذا الكلام مذكور في كتاب [روض الرياحين] ونص عبارته (وقد سمعنا سماعا محققا أن جماعة شوهدت الكعبة تطوف بهم طوافا محققا) انتهى. هو دس على مؤلفه.‏

تنبيه: ويقال لهم أو ليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهب إلى الكعبة ويطوف بها ولم ينقل ولم يحصل أن الكعبة طافت به.‏

وأما النونية ففيها هذا البيت:‏

ولو أنني ألقيت سري على لظى *** لأطفئت النيران من عُظم برهاني

وهذا ردّ للنصوص لا يقوله مؤمن عرف أن الله خلق الجنة والنار للبقاء فلا تفنيان أبد‏ الآباد، وأن نار جهنم لا يلحقها انطفاء أبدا، هذه عقيدة كل مسلم، فكيف تجرأ هذا المفتري على نسبة هذا الكلام إلى الشيخ عبد القادر رضي الله عنه.‏

ومن الكتب التي فيها دس كثير على الشيخ عبد القادر كتاب [بهجة الأسرار ومعدن الأنوار] لعليّ الشطنوفي المصري، وهذا المؤلف يركب أسانيد باطلة ليروج ما ينسبه إلى الشيخ ‏عبد القادر ‏وليوهم الناس أن هذا الكلام الذي ينسبه إليه صحيح مسند، وقد نص الحافظ ابن حجر ‏العسقلاني وغيره في الدرر ‏الكامنة وطبقات القراء أن الشطنوفي مؤلف [بهجة الأسرار] ذكر في ‏كتابه هذا ما لا يصح إسناده للشيخ الجيلاني ‏رضي الله عنه.‏

ومن جملة ما فيه من الكذب عليه قوله أن الشيخ عبد القادر قال (قدمي هذه على رقبة كل ولي) وقد بين أن هذه الكلمة مدسوسة على الشيخ عبد القادر الامام الجليل سراج الدين المخزومي في كتابه [صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطمية الأخيار] وذكر فيه من كذب هذا الرجل في نسبة هذا الكلام الى الشيخ عبد القادر.‏

وقد ورد هذا القول المكذوب (قدمي هذه على رقبة كل ولي) في كتاب [الفتاوى الحديثية] لابن حجر الهيتمي، فقد أطال المؤلف النفس في إثبات نسبة ذلك إلى الشيخ عبدالقادر ولا صحة لها، والعجب كيف صحح ابن حجر نسبتها إليه، وهي كلمة التعالي والترفع، والأولياء من أكثر الناس أدبا مع الله، وهم من أكثر الناس تواضعا، وهذه ليست من باب التحدث بنعمة الله، وحاشا أن يقول ذلك الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه.‏

ومن المعلوم أن الصوفية الكاملين من أشد الناس تواضعا وهذا القول بعيد من التواضع، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن التواضع أفضل العبادة) ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في الأمالي المصرية أي أن التواضع من أفضل العبادات.‏

قال الشيخ أبو الهدى الصيادي في كتاب الطريقة الرفاعية ما نصه:
وأما ما جاء في الكتاب المسمى [بهجة الأسرار] مؤلفه الشطنوفي في مناقب الشيخ عبد القادر قدس الله سره الطاهر من الحكايات والكلمات والروايات الموضوعة ففيها للأكابر كلام، منهم من اتهم الشطنوفي في ذاته بالكذب والغرض، ومن القائلين بذلك الحافظ ابن رجب الحنبلي طاب ثراه وقد ذكر ذلك في طبقات الحنابلة في ترجمة القطب الجيلي نفعنا الله بمدده وعلومه، ومنهم من قال إنه راج على الشطنوفي حكايات كثيرة مكذوبة وكأنهم نسبوه إلى البَـلَهِ وقبول ما يصح وما لا يصح. اهـ، وذكر منهم الحافظ الذهبي والبدر العيني وابن كثير وغيرهم.‏

ثم قال الصيادي بعد ذلك ما نصه:
وأما هذه الكلمة التي بنى الشطنوفي عليها كتابه البهجة وهي إسناد قول: (قدمي هذه على رقبة كل ولي) أن الحافظ ابن رجب الحنبلي والامام العز الفاروثي الشافعي والذهبي والتقي الواسطي وابن كثير والكثير من الأكابر قد أنكروها وبرءوا الشيخ عبد القادر وقالوا إنها من موضوعات الشطنوفي وإنها لم تنقل بسند صحيح يعتمد عليه. اهـ.

ومما يشبه هذا الكلام الفاسد الذي يؤدي بقائله إلى الكفر والعياذ بالله تعالى ما اشتهر عن جماعة الشيخ قطب الصومالي المشهور من كلمات يرددونها في مجالسهم وعندما يخرجون إلى مكان وهي:‏

إن لشيخي تسعة وتسعين اسما *** كَسُمى ذي الجلال في استجاب الدعاء

يعني قائل هذه الكلمتين الشيخ عبد القادر فيصفه بأن له تسعة وتسعين إسما كأسماء الله تعالى تسعة وتسعين في استجابة الدعاء، وهذا الكلام فيه تشبيه للشيخ بالله تعالى، وهذه فرية جديدة على الشيخ الجيلاني الجليل، ومقام الشيخ عبدالقادر بعيد من هذا كل البعد، لأن هذا الكلام من باب تشبيه العبد بالخالق، وتشبيه العبد بالخالق كفر.‏

وكذلك من الافتراءات على الشيخ عبد القادر عبارة وردت في كتاب اسمه [الشيخ عبد القادر الجيلاني الإمام الزاهد القدوة] لعبد الرازق الكيلاني فإن مؤلفه يقول فيه ما نصه (يقول الشيخ عبد القادر عن صفة الشيخ المرشد: لا يجوز للشيخ أن يجلس على سجادة النهاية ويقلد بسيف العناية حتى يكمل فيه اثنتا عشر خصلة اثنتان من صفات الله تعالى وهما: أن يكون الشيخ ستارا غفارا).‏

ومما لا شك فيه ولا ريب أن الشيخ الجليل عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه برىء من مثل هذه الألفاظ، كيف لا وقد اتفق أهل السنة على أن صفات الله أزلية أبدية لا تنتقل إلى غيره، فمن ادعى ذلك كفر وذلك لأن الله تعالى موجود أزلي لم يسبقه عدم، أبدي لا يلحقه فناء، وصفاته كذلك، فيستحيل أن يتصف العبد بصفة الرب، ومن المعروف أن الشيخ عبد القادر الجيلاني من كبار أئمة أهل السنة.‏

ومما يجب إنكاره ما اعتاده بعض أصحاب الطرق لا سيما بعض المنتسبين للطريقة القادرية من قولهم عند قراءتهم الورد بين المغرب والعشاء وبعد صلاة الصبح جماعة (اللهم أجرنا وأجر والدينا وجميع المسلمين من النار).‏

هذا الكلام فيه رد للنصوص القرءانية والحديثية، وقد جزم ابن عبد السلام في الأمالي والغزالي بتحريم الدعاء للمؤمنين والمؤمنات بمغفرة جميع الذنوب وبعدم دخول النار لأنا نقطع بخبر الله تعالى وخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فيهم من يدخل النار، وقد نقل قول ابن عبد السلام والغزالي الرمليّ في شرح المنهاج والشوبري في تجريده حاشية الرملي الكبير.