الأربعاء أبريل 24, 2024

بداية المرض بالنبيّ الأعظم صلى الله عليه وسلم
لمـّا عاد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم من حجّة الوداع أقام بالمدينة المنورة أشهر ذي الحجّة والمُحرّم وصفر، وكان المرض قد بدأ بالنبيّ صلى الله عليه وسلم في ليالٍ بقينَ في مطلعِ شهر ربيع الأول، وذلك بعد رجوعه عليه الصلاة والسلام من جبّانة البقيع بعد شهود جنازة دفن فيها صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه، وكانت بداية مرضه صلى الله عليه وسلم صُداعًا في رأسه في بيت زوجته عائشة رضي الله عنها.
فعن السيّدة الجليلة عائشة رضي الله عنها قالت: رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع فوجدني وأنا أجدُ صداعًا في راسي وأنا أقول وارأساه. فقال عليه الصلاة والسلام بل أنا يا عائشة وارأساه ” قالت عائشة رضي الله عنها: ثم بديء بوجعه الذي مات فيه.
ولما اشتدّ المرض والوجع برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت زوجته ميمونة رضي الله عنها، دعا نساءه واستأذنهن أن يُمرَّض في بيت عائشة فأذنَّ له صلى الله عليه وسلم ، فخرج عليه الصلاة والسلام وهو بين رجلين تخُطُّ رجلاه الأرض بين عمه العبّاس بن المطّلب وابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، ولمّا دخل صلى الله عليه وسلم بيت عائشة رضي الله عنها أمرهم أن يصبوا عليه الماء، قالت السيدة الجليلة عائشة رضي الله عنها : فأجلسناه في مِخضبٍ (وهو ما يشبه الإناء الكبير الذي تغسل فيه الثياب)
لحفصة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم طفِقْنا نصبُّ عليه من تلك القِرَبِ حتى طفِقَ يشير إلينا بيده أن قد فعلتنَّ ثم خرج عليه الصلاة والسلام إلى الناس فصلّى بهم وخطبهم.
وكان صلى الله عليه وسلم قد خرج إلى الصحابة عليهم الصلاة والسلام عاصبًا رأسه (أي شدّ عمامته على رأسه) فجلس صلى الله عليه وسلم على المنبر ثم كان أول ما تكلم به أنه دعا لأصحاب غزوة أُحُد ، واستغفر لهم، ثم واجه أصحابه وقال لهم صلى الله عليه وسلم وكله ثقة بخالقه ومولاه: إنّ عبدًا من عباد الله خيّرهُ الله بين الدنيا وبين ما عندهُ فاختار ما عند الله”، ففهمها الصّديق أبو بكرٍ رضي الله عنه وعرَف أنه صلى الله عليه وسلم يريدُ نفسهُ فقال له: بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا ، فقال له عليه الصلاة والسلام :” على رسلك يا أبا بكرٍ”، ثم قال لما رءاه يبكي حزينًا لما علم بقرب أجله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكرٍ لا تبكِ إنَّ أمنَّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر ولو كنتُ مُتَّخذًا خليلاً من أُمتي لاتَّخذتُ أبا بكرٍ ولكن أُخُوَّةُ الإسلام ومودَّتُهُ”، ثم قال عليه الصلاة والسلام :” لا يبقيَنَّ في المسجد بابٌ إلا سُدَّ إلا بابُ أبي بكرٍ. وهذا الكلام من الرسول الأعظم والقائد الأكبر صلى الله عليه وسلم يحمل بين طياته فضل ومقام الصّديق أبي بكر رضي الله عنه.

وتروي السيدّة الجليلة عائشة زوجُ النبيّ صلى الله عليه وسلم قصة مرضه الشديد عليه الصلاة والسلام ثم خروجه إلى الصحابة ليصلي بهم بعد أن خفَّ عنه المرض، فقالت رضي الله عنها: ثقُل النَّبيّ صلى الله عليه وسلم (أي اشتد به الوجع والمرض) فقال:” أصلَّـى النَّاسُ؟” قُلنا: لا وهم ينتظرونكَ يا رسول الله قال:” ضعُوا لي ماء في المِخْضَبِ” (وعاء) ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لِيَنُوء (أي لينهض) فأُغْمي عليه ثم أفاقَ، فقال:” أصلَّى النّاس؟ ” قلنا: لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله، قالت (عائشة رضي الله عنها) : والنَّاس عُكوفٌ في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء والآخرةِ ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر أن يُصليَ بالناس فأتاه الرسول (أي جاء من أرسله الرسول إلى أبي بكر) فقال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمُرُك أن تصلي بالنَّاس ، فقال أبو بكر رضي الله عنه، وكان رجُلاً رقيقًا : يا عُمرُ صلِّ بالنّاس، فقال عُمَرُ رضي الله عنه: أنت أحقُّ بذلك. فصلّى بهم أبو بكر رضي الله عنه تلك الأيام ، ثم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وجَدَ في نفسه خِفَّة(أي خفّ عنه المرض) فخرج بين رجُلينِ أحدهما العبّاسُ لصلاة الظهر، وأبو بكرٍ رضي الله عنه ليُصلي بالنّاسِ ، فلما رأه أبو بكرٍ رضي الله عنه ذهب ليتأخرَ (أي ليرجِعَ عن الإمامة في الصلاة بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم) فأومَأ إليه (أي أشار) النبيّ صلى الله عليه وسلم أن لا يتأخّر وقال لهما: أجلساني إلى جنبهِ فأجلساه إلى جنبِ أبي بكرٍ رضي الله عنه ، فجعل أبو بكرٍ رضي الله عنه يصلي قائمًا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من شدَّة مرضه يصلي قاعدًا.
وبذلك يتبيّن لنا أن أوّل مرضه صلى الله عليه وسلم كان صداع الرأس، والظاهر أنه كان مع حمّى ، فإن الحمّى اشتدّت به صلى الله عليه وسلم في مرضه ، فكان عليه الصلاة والسلام يجلس في مِخضبٍ (شبه الوعاء الكبير الذي تغسل فيه الثياب) وكان يُصبّ عليه صلى الله عليه وسلم من سبع قِربٍ لم تُحلَّل أوكيتُهُنَّ ( الوكاء رباط القربة التي يُشدُّ به رأسها والقِربة من الأساقي)، يتبّرد صلى الله عليه وسلم بذلك ، وكان عليه قطيفة ، فكانت حرارة الحمّى تُصيب من وضعَ يده عليه من فوقها ، فقيل له في ذلك فقال:” إنَّ (أي الأنبياء) كذلك يٌشدَّد علينا البلاء ويُضاعف لنا الأجر ” .
وقال عليه الصلاة والسلام:” إنّي أوعَكُ كما يوعَكُ رجُلين منكم” (الوعكُ مغثُ الحمّى وهو إيلامها وما يكون منها في البدن) وكان النبيّ! المصطفى صلى الله عليه وسلم من شدّة وجعه يغمى عليه في مرضه، ثم يفيق وحصل له صلى الله عليه وسلم ذلك غير مرة.