باب مشروعية تلقين الميت في القبر
قال جماعة كثيرون من العلماء باستحباب تلقين الميت بعد الدفن، وممن نص على استحبابه:
الحافظ الفقيه النووي الشافعي في كتابه روضة الطالبين وعمدة المفتين، كتاب الجنائز، باب الدفن، قال ما نصه: هذا التلقين استحبه جماعات من أصحابنا منهم القاضي حسين وصاحب التتمة والشيخ نصر المقدسي في كتابه التهذيب وغيرهم ونقله القاضي حسين عن أصحابنا مطلقا، والحديث الوارد فيه ضعيف لكن أحاديث الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم من المحدثين وغيرهم، وقد اعتضد هذا الحديث بشواهد من الأحاديث الصحيحة كحديث:” اسألوا له التثبيت“، ووصية عمرو بن العاص: أقيموا عند قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وأعلم ماذا أراجع به رسل ربي. رواه مسلم في صحيحه، ولم يزل أهل الشام على العمل بهذا التلقين من العصر الأول وفي زمن من يقتدى به. اهـ
الفقيه علاء الدين المرداوي الحنبلي في كتابه الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، كتاب الجنائز، باب تلقين الميت بعد دفنه وتطييبه، قال ما نصه: فائدة: يستحب تلقين الميت بعد دفنه عند أكثر الأصحاب.[1]اهـ
الفقيه الحنفي أبو بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي اليمني الزبيدي في الجوهرة النيرة شرح مختصر القدوري في فروع الحنفية، باب الجنائز، قال ما نصه: وأما تلقين الميت في القبر فمشروع عند أهل السنة. اهـ
الفقيه المالكي أبو عبد الله محمد بن يوسف العبدري الشهير بالـمواق في كتابه التاج والإكليل لمختصر خليل، كتاب الجنائز، باب زيارة القبور، قال ما نصه: قال أبو حامد: ويستحب تلقين الميت بعد الدفن .وقال ابن العربي في مسالكه: إذا أدخل الميت قبره فإنه يستحب تلقينه في تلك الساعة وهو فعل أهل المدينة الصالحين من الأخيار. اهـ
فقد روى الطبراني في المعجم الكبير عن سعيد بن عبد الله الأودي قال: شهدت أبا أمامة الباهلي وهو في النزع فقال: إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: “إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب عليه فليقم أحدكم على رأسه قبره ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة فإنه يسمعه ولا يجيب ثم يقول: يا فلان ابن فلانة، فإنه يستوي قاعدا. ثم يقول: يا فلان ابن فلانة، فإنه يقول: أرشدنا رحمك الله، ولكن لا تشعرون فليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرءان إماما، فإن منكرا ونكيرا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه يقول: انطلق بنا ما نقعد عند من لقن حجته فيكون الله حجيجه دونهما“. قال رجل: يا رسول الله فإن لم يعرف أمه؟ قال: “فينسبه إلى حواء يا فلان بن حواء“.
قال الحافظ النووي في الأذكار[2]: وسئل الشيخ الإمام أبو عمر بن الصلاح رحمه الله عن هذا التلقين فقال في فتاويه: التلقين هو الذي نختاره ونعمل به، وذكره جماعة من أصحابنا الخراسانيين قال: وقد روينا فيه حديثا من حديث أبي أمامة ليس بالقائم إسناده، ولكن اعتضد بشواهد وبعمل أهل الشام به قديما. اهـ
وقال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير[3]: وإسناده صالح وقد قواه الضياء في أحكامه وأخرجه عبد العزيز في الشافي والراوي عن أبي أمامة سعيد الآزدي بيض له بن أبي حاتم ولكن له شواهد منها ما رواه سعيد بن منصور من طريق راشد بن سعد وضمرة بن حبيب وغيرهما قالوا: إذا سوي على الميت قبره وانصرف الناس عنه كانوا يستحبون أن يقال للميت عند قبره يا فلان قل لا إله إلا الله قل أشهد أن لا إله إلا الله ثلاث مرات قل ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد ثم ينصرف.اهـ
قال المحدث إسماعيل العجلوني في كتابه كشف الخفاء[4]: قال في اللآلئ حديث تلقين الميت بعد الدفن قد جاء في حديث أخرجه الطبراني في معجمه، وإسناده ضعيف، لكن عمل به رجال من أهل الشام الأولين مع روايتهم له، ولهذا استحبه أكثر أصحاب أحمد انتهى، وأقول: كذا أكثر أصحابنا كما يأتي. اهـ ثم قال: قواه الضياء في أحكامه، ثم الحافظ ابن حجر أيضا بـما له من الشواهد، ونسب الإمام أحمد[5] العمل به لأهل الشام. وابن العربي لأهل المدينة، وغيرهما لقرطبة، قال في المقاصد وأفردت للكلام عليه جزءا.اهـ
قال ملا علي القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح[6]، عن تلقين الميت: وهو سنة على المعتمد من مذهبنا خلافا لمن زعم أنه بدعة كيف وفيه حديث صريح يعمل به في الفضائل اتفاقا بل اعتضد بشواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن. اهـ
[1] وإلى أولئك الذين يمنعون التلقين ويقدسون ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، نقول لهم: قال ابن تيمية: تلقينه بعد دفنه مباح عند أحمد، وبعض أصحابنا، وقال: الإباحة أعدل الأقوال ولا يكره.اهـ انظر كتاب الانصاف للمرداوي الحنبلي(1/409، طبع بيت الأفكار الدولية). وقال ابن القيم في كتابه الروح (ص/20) المسئلة الأولى وهي هل تعرف الأموات زيارة الأحياء وسلامهم أم لا: فصل ويدل على هذا أيضا ما جرى عليه عمل الناس قديما وإلى الآن من تلقين الميت في قبره، ولولا أنه يسمع ذلك وينتفع به لم يكن فيه فائدة وكان عبثا، وقد سئل عنه الإمام أحمد رحمه الله فاستحسنه واحتج عليه بالعمل. ثم قال: فهذا الحديث وإن لم يثبت فإتصال العمل به في سائر الأمصار والأعصار من غير انكار كاف في العمل به. اهـ
[2] الأذكار،كتاب أذكار المرض والموت وما يتعلق بهما، باب ما يقوله بعد الدفن، (1/188)
[3] تلخيص الحبير في تلخيص أحاديث الرافعي الكبير، كتاب الجنائز، (2/270، مؤسسة قرطبة)
[4] كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، حرف المثناة الفوقية، (1/316، مكتبة القدسي).
[5] انظر كتاب المغني للحنابلة، كتاب الجنائز، فصل في تلقين الميت، (3/438، طبع دار عالم الكتب)، وتلخيص الحبير للحافظ ابن حجر (2/271).
[6] انظر كتاب مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، كتاب الإيمان، باب إثبات عذاب القبر، (1/327، دار الكتب العلمية).