باب ما يقول إذا فرغ من الطعام
- عن ابن أبي ليلى عن بعض أهل مكة عن أبي سلمة هو ابن عبد الرحمـٰـن بن عوفٍ عن أبيه رضي الله عنه عن النبي r أنه كان يقول إذا فرغ من طعامه: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، الحمد لله الذي كفانا وءاوانا، الحمد لله الذي أنعم علينا فأفضل، نسأله أن يجيرنا برحمته من النار، فرب غير مكفي لا يجد مأوى ولا منقلبا». أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في «مسنده» و«مصنفه» جميعا.
قلت: إن ثبت أن الـمبهم هو ابن أبي نجيحٍ فالحديث حسن. وأخرجه عبد الله بن الـمبارك في كتاب «الاستدراك» بسندٍ صحيحٍ عن ابن عباسٍ لكن قيده بالـمسجد.
- عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: كان رسول الله r إذا فرغ من طعامه – وقال مرة: إذا رفع مائدته – قال: «الحمد لله الذي كفانا وأروانا غير مكفي ولا مكفورٍ([1])». هذا لفظ البخاري.
- عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه أن النبي r كان إذا فرغ من الطعام قال: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين». هذا حديث حسن أخرجه أبو داود.
- عن سهل بن معاذ بن أنسٍ عن أبيه رضي الله عنه أن النبي r قال: «من أكل طعاما ثم قال: الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوةٍ، غفر له ما تقدم من ذنبه». هذا حديث حسن أخرجه أبو داود.
- عن سهيل بن أبي صالحٍ عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: دعا رجل من الأنصار من أهل قباء رسول الله r فانطلقنا معه، فلما طعم([2]) النبي r وغسل يده قال: «الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم([3])، من علينا فهدانا، وأطعمنا وسقانا، وكل بلاءٍ حسنٍ أبلانا، الحمد لله غير مكفورٍ ولا مودعٍ ولا مكفي ولا مستغنى عنه([4])، الحمد لله الذي أطعم من الطعام، وسقى من الشراب، وكسا من العري، وهدى من الضلالة، وبصر من العماية، وفضلا على كثيرٍ من خلقه تفضيلا، الحمد لله رب العالمين». هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه أخرجه النسائي.
- عن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما قال: خرج أبو بكرٍ رضي الله عنه بالهاجرة([5])، فسمع بذلك عمر رضي الله عنه فخرج فقال: ما أخرجك يا أبا بكرٍ هذه الساعة؟ قال: والله ما أخرجني إلا ما أجد من حاق الجوع([6])، قال: والله وأنا ما أخرجني غيره، فبينما هما كذلك إذ خرج رسول الله r فقال: «ما أخرجكما؟» قالا: ما نجد من حاق الجوع، فقال: «وأنا والذي نفسي بيده([7]) ما أخرجني غيره، فقوما»، فانطلقوا إلى بيت أبي أيوب الأنصاري، وكان أبو أيوب يدخر لرسول الله r طعاما أو لبنا، فأبطأ رسول الله r يومئذٍ عن إتيانه في حينه فأطعمه أهله وانطلق إلى نخله([8]) يعمل فيه، فلما أتوا بابه خرجت امرأته فقالت: مرحبا فقال لها: «أين أبو أيوب؟» قالت: يأتيك الساعة، فرجع فبصر به أبو أيوب فجاء يشتد([9]) فقال: مرحبا برسول الله وبمن معه فرده وجاء إلى عذقٍ([10]) فقطعه، فقال: «ما أردت إلا هذا»، تأكل من بسره([11]) ورطبه وتمره ولأذبحن لك مع ذلك، قال: «لا تذبح ذات در»، فأخذ عناقا([12]) فذبحه وقال لامرأته: اختبزي وأطبخ أنا، فلما أنضج وضعه بين يدي رسول الله r، فأخذ رسول الله r منه شيئا فوضعه على رغيفٍ وقال: «يا أبا أيوب أبلغ بهذا فاطمة، فإنها لم تصب مثل هذا منذ أيامٍ»، فلما أكلوا وشبعوا، قال النبي r: «خبز ولحم وبسر ورطب وتمر»، ودمعت عيناه، «هذا هو النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة»، فكبر ذلك على أصحابه فقال: «إذا أصبتم مثل هذا فضربتم بأيديكم فقولوا: بسم الله وببركة الله، فإذا شبعتم، فقولوا: الحمد لله الذي هو أشبعنا وأروانا وأنعم علينا وأفضل، فإن هذا كفاف هذا»، فذكر بقية الحديث. هذا حديث حسن أخرجه الطبراني.
- عن عبد الرحمـٰن بن جبيرٍ عن رجلٍ خدم النبي r ثماني سنين أنه كان يسمع النبي r إذا قرب إليه طعامه قال: «بسم الله»، فإذا فرغ من طعامه قال: «اللهم أطعمت وسقيت، وأغنيت وأقنيت([13])، وهديت وأحييت، فلك الحمد على ما أعطيت». هذا حديث صحيح أخرجه النسائي في «الكبرى».
- عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: دخلت مع رسول الله r على خالتي ميمونة رضي الله عنها ومعها خالد بن الوليد رضي الله عنه فقالت له ميمونة: يا رسول الله، ألا نقدم لك شيئا أهدته لنا أم حفيدٍ([14])؟ قال: «بلى»، فأتته بضبابٍ([15]) مشويةٍ، فلما رءاها تفل ثلاث مراتٍ فقال له خالد: لعلك تقذره، قال: «نعم»([16])، ثم أتي بإناءٍ فيه لبن فشرب وأنا عن يمينه وخالد عن يساره فقال لي رسول الله r: «الشربة لك، وإن شئت ءاثرت بها خالدا» فقلت: لا أؤثر بسؤرك أحدا([17])، فناولني رسول الله r الإناء، ثم قال رسول الله r: «من أطعمه الله طعاما فليقل: اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه، ومن سقاه الله لبنا فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه، فإني لا أعلم شيئا يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن». هذا حديث حسن أخرجه داود والترمذي والنسائي في «الكبرى» وابن السني، ولم يذكر أبو داود قصة الإيثار بالشرب ولا الترمذي قصة الضباب، وأخرجه النسائي أيضا من طريق شعبة عن علي بن زيدٍ مختصرا.
- عن سعد بن مسعودٍ الثقفي قال: كان نوح عليه السلام إذا لبس ثوبا أو أكل طعاما قال: «الحمد لله» فسمي عبدا شكورا. أخرجه أبو نعيمٍ. وهو موقوف حكمه الرفع وسنده قوي.
- عن جابرٍ عن أبي جعفرٍ الباقر قال: كان رسول الله r إذا شرب الماء قال: «الحمد لله الذي سقانا عذبا فراتا برحمته ولم يجعله ملحا أجاجا([18]) بذنوبنا». هذا حديث مرسل أخرجه الطبراني، وجابر الجعفي الراوي عنه ضعيف.
- وجاء من طريقٍ أخرى عن باقرٍ ولفظه: «الحمد لله الذي سقانا عذبا فراتا برحمته ولم يجعله ملحا أجاجا بذنوبنا»، فأفادت هذه الطريق زيادة.
- وعن عثمان بن عبد الله بن شبرمة قال: كان الحسن – يعني: البصري – يقول ذلك إذا شرب الماء. وهذا سند حسن موقوف أخرجه ابن أبي الدنيا.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه «أن رسول الله r كان يشرب في ثلاثة أنفاسٍ، إذا أدنى الإناء إلى فيه([19]) سمى الله، وإذا أخره حمد الله، يفعل ذلك ثلاث مراتٍ». هذا حديث حسن أخرجه الخرائطي في «فضيلة الشكر».
- عن شهر بن حوشبٍ قال: «إذا جمع الطعام أربعة فقد كمل: أن يكون أصله حلالا، ويسمى الله في أوله، ويحمد في ءاخره، وتكثر عليه الأيدي»، فالتفت إلى أصحابه فقال: «كيف رأيتم؟». أخرجه ابن أبي الدنيا.
- وعن شهر بن حوشبٍ قال: كان يقال: «إذا جمع الطعام»، فذكر نحوه إلى قوله: «الأيدي». هذا موقوف حسن أخرجه ابن أبي الدنيا إن كان الذي نقله عنه شهر بن حوشبٍ صحابيا، ثم يحتمل أن يكون مرفوعا وإلا فهو مقطوع([20]).
[1])) قال ابن الأثير في النهاية (4/182): «(غير مكفي) من الكفاية فيكون من الـمعتل. يعني: أن الله هو الـمطعم والكافي وهو غير مطعم ولا مكفي فيكون الضمير راجعا إلى الله».
وقال المناوي في فيض القدير (2:251): «(غير مكفي)، أي: ربنا غير محتاجٍ للطعام فيكفى (ولا مكفورٍ)، أي: مجحودٍ فضله».
[2])) أي: أكل.
[3])) أي: هو الرازق لغيره ولا يحتاج إلى أحدٍ.
[4])) قال المناوي في التيسير (2/251): «(ولا مودعٍ) بفتح الدال المشددة، أي: غير متروكٍ فيعرض عنه (ولا مستغنى عنه ربنا) بفتح النون منونا أي: غير متروك الرغبة فيما عنده».
وقال ابن الأثير في النهاية (4/182): «ويجوز أن يكون الكلام راجعا إلى الحمد، كأنه قال: حمدا كثيرا مباركا فيه غير مكفي ولا مودعٍ ولا مستغنى عنه، أي: عن الحمد».
[5])) قال ابن الأثير في النهاية (5/246): «الهجير والهاجرة اشتداد الحر نصف النهار».
[6])) قال ابن الأثير في النهاية (4/182): «(ما أجد من حاق الجوع)، أي: صادقه وشدته. ويروى بالتخفيف من حاق به يحيق حيقا وحاقا إذا أحدق به، يريد من اشتمال الجوع عليه».
[7])) أي: أحلف بالله الذي نفسي تحت مشيئته وتصرفه، والله منزه عن الجارحة والعضو.
[8])) أي: بستانه.
[9])) أي: يسرع في مشيه.
[10])) أي: عنقودٍ.
[11])) قال الزبيدي في التاج (10/174): «البسر التمر قبل إرطابه لغضاضته، وذلك إذا لون ولم ينضج».
[12])) قال النووي في شرح مسلم (13/113): «العناق بفتح العين الأنثى من الـمعز إذا قويت ما لم تستكمل سنة، وجمعها أعنق وعنوق».
[13])) قال ابن علان في الفتوحات (5/236): «(وأغنيت وأقنيت) الأول من الغنى، أي: أغنيت من شئت بالكفاية في الأموال، والثاني بالعفاف، أي: أعطيت المال الـمتخذ قنية».
[14])) في النسخ الخطية: «حفيد أم عتيقٍ»، والـمعروف: «أم حفيدٍ». وقال الحافظ العسقلاني في الإصابة (8/340): «فوقع في مسند ابن أبي عمر العدني من هذا الوجه بلفظ أم عتيقٍ بعينٍ مهملةٍ بدل الحاء المهملة وقافٍ في ءاخره بدل الدال، والمعروف أم حفيدٍ».
[15])) جمع ضب. قال الشهاب الرملي في شرح أبي داود (15/269): «الضب دابة شبه الجرذون، وهي أنواع؛ منها: ما هو قدر الجرذون ومنها: ما هو أكبر».
[16])) قال الشهاب الرملي في شرح أبي داود (15/269): «وبإباحته قال مالك والشافعي وأحمد؛ لأنه أكل على مائدة رسول الله r، ولو كان حراما ما أكل على مائدته. وقال عمر: إن رسول الله r لم يحرم الضب ولكن كرهه. وقال أبو حنيفة: هو حرام لما روى إسماعيل ابن عياشٍ عن ضمضمٍ عن شريحٍ عن أبي راشدٍ عن أبي عبد الرحمــٰن بن شبلٍ أن رسول الله r نهى عن أكل لحم الضب. قال البيهقي: إسماعيل بن عياشٍ ليس بالقوي عندهم».
[17])) قال الملا علي في جمع الوسائل (1/247): «(فإن شئت ءاثرت بها خالدا)، أي: مراعاة للأكبر أو الأفضل (فقلت: ما كنت لأوثر) بكسر اللام ونصب الفعل على أن اللام لتاكيد النفي (على سؤرك) بضم فسكون همزٍ ويبدل أي ما بقي منك (أحدا)، أي: غيري يفوز به، وروي: «ما كنت لأوثر بفضلٍ منك أحدا»».
[18])) قال المناوي في التيسير (2/252): «(أجاجا) بضم الهمزة مرا شديد الملوحة».
[19])) أي: قربه إلى فمه.
[20])) والمقطوع هو ما انتهى سنده إلى التابعي ومن دون التابعي من أتباع التابعين، ويصح أن يقال: موقوف على فلانٍ.