الأربعاء أبريل 16, 2025

باب ما يَقُولُ إِذَا عَرَضَ له شَيطانٌ أو خافَهُ

  • عن أبِي إدريسَ الخولانيّ عن أبي الدَّرْداءِ رضي الله عنه قال: قامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصلّي فسَمِعناهُ يقول: «أَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ»، ثُمّ قال ثلاثًا، ثُمّ بسَطَ يدَه كأنّه يَـناوَلُ شيئًا، فلَمّا فرَغَ مِن صَلاتِه قالوا: يا رسولَ الله سَمِعْناكَ تقولُ في الصّلاةِ شَيئًا لَم نَسمَعْكَ تَقولُه قَبلَ ذلكَ، ورَأيناكَ بَسَطْتَ يدَكَ، فقال: «إِنَّ عَدُوَّ اللهِ إِبْلِيسَ جَاءَ بِشِهَابٍ([1]) مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي، فَقُلْتُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ([2])، فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ، فَقُلْتُ أَلْعَنُهُ بِلَعْنَةِ اللهِ([3])، فَلَمْ يَسْـَتأْخِرْ، فَأَرَدْتُ أَنْ ءاخُذَهُ، فَلَوْلا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ لأَصْبَحَ مُوَثُوقًا([4]) يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ»([5]). هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه مُسلِم والنَّسائيّ جميعًا وابنُ خُزيمة.

[1])) أي: شُعلةٍ.

[2])) قال ابن الجوزي في كشف الـمُشكِل (2/164): «والإشارةُ بدَعوةِ سلَيمان إلى قوله: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحِدٍ مِن بَعْدِي} [سورة ص: 35]، والمعنَى: لو تصرَّفتُ في الشّيطانِ بِحَبْسِه ضاهِيتُه فيما سُخِّرَ له مِن حُبسِ الشياطِين، وقد سألَ أنْ لا يُشارَك فتركت له هذه الحالة».

[3])) قال مُلّا عليّ القَاري في المرقاة (2/797): «والمعنَى أسأَلُ اللهَ أنْ يَلْعَنَكَ بلَعنَتِه المخصُوصَةِ لكَ التي لا تُوازِيهَا لَعنةٌ أو أُبعِدُكَ عَنِّي بإبَعادِ اللهِ لكَ».

[4])) قال النّووي في شرح صحيح مسلم (5/30): «وقال القاضي: وقوله r: «أَلْعَنُكَ بِلَعْنةِ اللهِ وَأَعُوذُ باللهِ مِنكَ» دليلُ جوازِ الدُّعاء لغَيرِه وعلى غَيرِه بصِيغةِ المخاطَبة خلافًا لابنِ شَعبانَ مِن أصحاب مالكٍ في قولِه: إنّ الصّلاةَ تَبطُل بذاك. قلتُ: وكذا قال أصحابُنا تَبطُل الصّلاةُ بالدُّعاء لِغَيرِه بصِيغةِ المخاطَبة كقوله للعاطِس: رَحِمَك اللهُ أو يَرحمُك، ولِمَن سَلَّم عليه: وعلَيكَ السّلام وأشباهِه، والأحاديثُ السابقةُ في الباب الذي قَبْلَه في السّلامِ على الـمُصَلِّي تُؤيِّد ما قاله أصحابُنا، فيُتأوَّل هذا الحديثُ أو يُحمَل على أنّه كان قَبلَ تحرِيم الكَلام في الصّلاةِ أو غيرِ ذلك».

[5])) قال شيخنا رحمه الله: «الرّ    سولُ r قالَ ذاتَ يَومٍ لإبليسَ حينَ جاءَه وهوَ يُصلّي وبيَدِه شُعلةٌ مِن نَارٍ ليُحرِقَ بها وَجْهَ النّبيّ: «أَلْعَنُكَ بِلَعنَةِ اللهِ» ثُمّ نصَرَه اللهُ علَيه وما استَطَاع إبليسُ أنْ يَعمَلَ لهُ شَيئًا؛ بلْ صَارَ مَقهُورًا بحَيثُ إنّ الرّسولَ r كانَ في استِطَاعَتِه أنْ يَأخُذَهُ ويَربِطَهُ إلى عَامُودٍ مِن أعمِدَةِ المسجِد حتى إذَا أَصْبَح تَفَرَّجَ علَيهِ المسلِمُونَ، كانَ بإمكَانِه أنْ يَفعَلَ ذلكَ لأنّ اللهَ جَعلَه مَقهُورًا لهُ، جعَلَ إبلِيسَ مَقهُورًا للرّسولِ، ثم تَركَه لأنّهُ تَذكَّرَ دَعْوةَ سُلَيمانَ علَيهِ السَّلامُ. سُلَيمَانُ علَيهِ السَّلامُ دَعا ربَّهُ أنْ يَهبَهُ مَلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِن بعْدِه، وكانَ مِنَ الـمُلْكِ الّذي أعطَاهُ اللهُ لسُلَيمانَ أنّ الشّياطِينَ كانَت مُسَخَّرةً لهُ، مِن كِبَارِهِم إلى صِغَارِهِم كانُوا مَقهُورِينَ لهُ، يُسَخِّرُهُم بما يُرِيدُ ويَشاءُ فَيَنَفِّذُونَ لهُ أَوَامِرَه وهُم كُفّارٌ مَا أَسْلَمُوا».