الجمعة نوفمبر 15, 2024
  • باب ما يقول إذا خدرت رجله
    حدثني محمد بن إبراهيم الأنماطي وعمرو بن الجنيد بن عيسى قالا حدثنا محمود بن خِداش قال حدثنا أبو بكر بن عياش قال حدثنا أبو إسحاق السَّبيعي عن أبي شعبة قال كنت أمشي مع ابن عمر رضي الله عنهما فخدرت رجله فجلس فقال له رجل «اذكر أحب الناس إليك» فقال: «يا محمداه» فقام فمشى.
    وقال حدثنا جعفر بن عيسى أبو أحمد قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن رَوْح قال حدثنا سلام بن سليمان قال حدثنا عثمان بن خُثيم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال خدرت رِجلُ رجل عند ابن عباس فقال ابن عباس «اذكر أحب الناس إليك» فقال «محمد صلى الله عليه وسلم» فذهب خدره.
    قال حدثنا محمد بن خالد بن محمد البرذعي حدثنا حاجب بن سليمان حدثنا محمد بن مصعب بن إسرائيل عن أبي إسحاق عن الهيثم بن حنش قال كنا عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فخدرت رجله فقال له رجل «اذكر أحب الناس إليك» فقال: «يا محمد» فكأنما نشط من عِقَال.
    وقال ابن السُّني رحمه الله: روى محمد بن زياد عن صدقة بن يزيد الجهني عن أبي بكر الهذلي قال دخلت على محمد بن سيرين وقد خدرت رجلاه فنقعهما في الماء وهو يقول: [الطويل]
              إذا خدرت رجلي تذكرت قولَها         فناديت ابني باسمها ودعوت


             دعوت التي لو أن نفسي تطيعني       لألقيت نفسي نحوها فقضيت


    فقلت يا أبا بكر تنشد مثل هذا الشعر فقال يا لُكَع [(315)] وهل هو إلا كلام حَسَنُه كَحَسنِ الكلام وقبيحه كقبيحه.
    أخبرني أحمد بن حسن الصوفي حدثنا علي بن جعد حدثنا زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن سعد أنه قال: كنت عند ابن عمر فخدرت رجله فقلت يا أبا عبد الرحمن ما لرجلك قال اجتمع عصبها من ههنا قلت: «ادع أحب الناس إليك» فقال «يا محمد» فانبسطت.
    وأورده ابن تيمية في كتابه «الكلم الطيب» [(316)] وهو ثابت أنه من تأليفه كما ذكره صلاح الدين الصفدي في كتابه [(317)] الذي ألفه في تراجم علماء العصر وكان معاصر ابن تيمية يحضر بعض دروسه وذكر له عشرات من مؤلفاته قال وله كتاب الكلم الطيب، فهؤلاء من العلماء ورواة الحديث أكثر من عشرة أنفس ووافقهم ابن تيمية الذي تسميه الوهابية شيخ الإسلام لأنه مشبه مثلهم فماذا تفعل الوهابية تكفر كلًّا أم تستثني ابن تيمية مع أنه يستحق التكفير لا لهذه الحكاية بل لأنه مجسم كالوهابية.
    ثم إن الأمة المحمدية علماءهم وعوامَّهم ما أحد حرَّم هذا فضلًا عن التكفير. فماذا تفعل الوهابية تكفره لهذه القصة لأنه قال في كتابه فصل في الرِّجل إذا خدرت ثم ساق القصة بسندها الذي أورده؟! أم يقولون ابن تيمية ما كفر لإباحته نداء الرسول بعد موته أما غيره فيكفر! والحق الذي لا تردد فيه أن الأمة ما كَفَرَتْ ولكن الكافر من كفَّر الأمة السلف والخلف.

    ومما يؤيد أن الصحابة وغيرهم كانوا يتوسلون بالرسول في حال الشدة ويقولون «يا محمداه» ما رواه الحافظ ابن جرير الطبري في تاريخه [(318)] وابن كثير الذي هو تلميذ ابن تيمية في تاريخه [(319)] أن الصحابة الذين حاربوا مسيلمة الكذاب في عهد أبي بكر كانوا يقولون في أثناء القتال «يا محمداه يا محمداه» فعلى قول الوهابية كل هؤلاء كفروا وكان قائد تلك المعركة خالد بن الوليد. ومن فساد فهم الوهابية أنهم يحملون كلمة الدعاء على معنى العبادة فعلى قولهم ما رواه إبراهيم الحربي من أن عبد الرحمن بن سعد قال لعبد الله بن عمر «ادع أحب الناس إليك» شرك أكبر وكأنهم لا يدرون أن كلمة «ادع» تأتي أحيانًا بمعنى اذكر وفي بعض الأماكن تأتي بمعنى اعبد. وقد ألف وهابي حبشي أروسي كتابًا سماه «الدعاء» ينحو فيه هذا النحو أي أن مجرد «ادع» معناه اعبد. وكلمة «ادع» عند اللغويين وعند علماء أهل السنة يجوز ذكرها في الحي وفيمن قد مات فقد روى مسلم [(320)] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن عباس: «اذهب فادع لي معاوية» فذهب فعاد فقال إنه يأكل فقال: «اذهب فادع لي معاوية» فذهب فعاد فقال إنه يأكل فقال: «لا أشبع الله بطنه» لكن الوهابية حُبب إليهم تكفير المسلمين، بدون أدنى سبب للتكفير يكفرون المسلمين وقد رأيت في كتاب لعبد الرحمن ابن حسن حفيد محمد بن عبد الوهاب هذه العبارة [(321)]: «أهل مصر كفار يعبدون أحمد البدوي وأهل الشام كفار يعبدون ابن عربي وأهل اليمن كفار يعبدون أحمد بن علوان» قال «وكذلك غيرهم» قرأت ذلك في طبعة لهذا الكتاب منذ نحو خمسين سنة على التقريب وكأنه طبع بعد ذلك بعبارة أخف من هذه. هذا فليعلم الناس من هم الوهابية. وهذه المقالة التي قالها عبد الرحمن أوضح ما عندهم لأنه ما استثنى بلدة من بلاد الإسلام من التكفير.

    وفي قول الطحاوي في تسميته عقيدته المشهورة «ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة» دليل على أن كل الأئمة المجتهدين يكفرون المجسم وذلك لقوله في هذا الكتاب: «تعالىيعني اللهعن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات». وقوله: «ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر» فهذا أوضحُ الدليل على أنهم يكفرون من يقول بالتجسيم ومن يقول بوصف الله تعالى بوصف من أوصاف الخلق كالحركة والسكون والاتصال بشىء والانفصال عنه والحلول في مكان أو في كل مكان لأن هذه من أوصاف البشر وغيره من العوالم، بل اعتقاد هذا من سخافة العقل لأن الله تعالى لو كان جسمًا لاستحال أن يخلق الجسم ولو كان يصح في العقل أن يكون الخالق جسمًا لصحت الألوهية للشمس فماذا يقول هذا المجسم لله لو قيل له أنت تقول الله جسم والشمس جسم فكيف لا تصح على موجب قولك الألوهية للشمس مع أن الشمس جسم كبير حسن المنظر كثير النفع وبأي دليل عقلي يرد قول الذي يقول بألوهية الشمس ليس عنده دليل بل عابد الشمس يسكته يقول له عابد الشمس أنا أقول الشمس هي الإله لأنها جسم كبير مشاهد كثير النفع تنفع البشر والنبات والهواء أما معبودك الذي تزعم أنه خالق العالم وتزعم أنه جسم قاعد فوق العرش فليس مشاهدًا لك ولا لنا وليس له منفعة مشاهدة فكيف لا تستحق الشمس التي أنا أعبدها الألوهية ويستحقها الذي تقول إنه جسم قاعد على العرش، وليس عند المجسم الوهابي وغيره جواب فإن قال: قال الله في القرءان  ﴿… أَفِي اللَّهِ شَكٌّ … *﴾ [سورة إبراهيم] ﴿… اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ … *﴾ [سورة الرعد] قال عابد الشمس أنا لا أؤمن بكتابك أريد منك دليلًا عقليًّا على صحة ما تقوله وعلى بطلان ديني عبادة الشمس هنا ينقطع المجسم ليس له إلا السكوت.

    أما المنزه لله تعالى عن الجسمية والتحيز في المكان والمقدار والكمية والحجم وكل صفات الجسم فإنه يقول لعابد الشمس: أنا معبودي هو الذي تصح له الألوهية لأنه لا يشبه شيئًا ولا يجوز عليه التغيُّر الذي يجوز على الشمس، الشمس لها طلوع وغروب ويعتريها كسوف في بعض الأوقات فهي تحتاج إلى من يدبرها وإلى من خصصها بهذه الصفات التي فيها بدل غيرها لأنه لا يصح في العقل أن تكون هي خلقت نفسها ولا يصح أن تكون هي جعلت نفسها على هذا الشكل الخاص الذي هو الاستدارة ولا على صفة الحرارة التي هي عكس صفة القمر ولا على هذا الحجم والمقدار دون غيره، فالعقل لا يصحح وجود شىء من الأشياء إلا بإيجاد موجد ليس جسمًا وليس متحيزًا في جهة من الجهات، فذلك الموجود هو الذي يصح في العقل أن يكون خالقًا للعالم مدبرًا له للشمس وما سواها وذلك الموجود هو المسمى الله عرفنا وجوده بالعقل وعرفنا اسمه بطريق الأنبياء.
    فإذا تبين ذلك عُلم شدة سخافة عقل المجسم الذي يعتقد أن مكون العالم على اختلاف أنواعه من حيث صغر الحجم وكبره والحرارة والبرودة والألوان المختلفة جسم قاعد على العرش خلق هذا كله ودبره. يقال له أنت جسم فاخلق إن كنت تستطيع جسمًا ولو حبة خردل ولن يستطيع.

    ـ[315] تاريخ الطبري (2/ 281)، الكامل في التاريخ (2/ 364).
    ـ[316] البداية والنهاية (6/ 243).
    ـ[317] رواه مسلم في صحيحه: كتاب البر والصلة والآداب: باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه وليس هو أهلاً لذلك كان له زكاة وأجرًا ورحمة.
    ـ[318] انظر الكتاب المسمى «قرة عيون الموحدين» (ص/106 – 107).
    ـ[319] توفي سنة ثمانمائة وست وعشرين للهجرة.
    ـ[320] طرح التثريب: كتاب القضاء والدعاوى، باب تسجيل الحاكم على نفسه (8/ 84).
    ـ[321] فتح الباري (8/ 596).