أخرجَه أبو داود هكذا وسنَدُه صَحِيحٌ، وليسَ في البابِ حدِيثٌ صَحِيحٌ غيرُه، ولا مُنافاةَ بَينَه وبَينَ حَديثِ عائشةَ، فإنّ الأسَفَ يَجِيءُ بمعنَى الغَضَبِ وَيجيءُ بمعنَى النَّدَمِ وهو المرادُ هُنا، ولَعلّ مَن رَواه بِلَفظِ السّخَطِ أو الغَضَبِ حَمَلَه على المعنَى الأوّلِ وهو كذلك في حَقِّ الكافِر، وأمّا المؤمِنُ فيمكِنُ فيه المعنَى الثّانِي بأنْ يَندَمَ على فَوْتِ فِعلِ خَيرٍ كالوَصِيّةِ وغَيرِها، ولَعلّ إلى ذلكَ الإشارةُ بما في حَدِيثِ أبِي هُريرةَ مِن تَسميَتِه «مَوْتَ الفَوَاتِ» والله أعلم([3]).
[1])) قال شيخنا رحمه الله: «ماتَ من الأَنبياءِ اثْنانِ فَجْأَةً سيِّدُنا سُلَيمانُ وأَبوهُ داودُ عليَهِما السّلامُ، ماتَا مِ، دُونِ مرَضٍ ولا لَسعِ هَوامَّ حَيّةٍ أو غَيرِ ذلك، ولا يَنقُص هذا الموتُ الـمُفاجِئُ مِن مرتبَتِهما شيئًا، لكن مَن ماتَ فَجأةً وكانَ بِحالةٍ سيِّئةٍ قبلَ التَّوبةِ فهذا علامةُ شَرٍّ سَيِّئةٍ إنْ ماتَ على غَيرِ تَوبةٍ وقبلَ أنْ يَرُدَّ للنّاسِ حُقوقَهم، فلا يَجوزُ أنْ يقالَ: «مَن مات فَجأةً فهو من المغضُوبِ علَيهِم»، ولا يَجوزُ إساءةُ الظَّنِّ بالـمُسلِم الّذي طالَتْ علَيهِ سَكْرةُ الـمَوتِ. حصَل في الحبَشةِ أنّ إنسانًا مِن أَهلِ الخَيرِ كان يُصلِّي وفي أثناءِ سُجودِه نزلَتْ صاعِقةٌ بِجانبِهِ فماتَ بها، ونحن نَقولُ: هذا إنْ شاءَ اللهُ تعالى أرادَ بِه الخيرَ».
[2])) أي: غضَبٍ مِن اللهِ علَى الكافِر، وقد قُيِّدَت في روايةٍ أُخُرَى بِلَفظٍ: «مَوْتُ الفَجْأَةِ تَخْفِيفٌ عَلَى الـمُؤْمِنِ، وَأَخْذَهُ أَسَفٍ علَى الكَافِرِ».
قال الشّهاب الرَّمليّ في شرح أبي داود (13/309): «(أَخْذَةُ أَسِفٍ) بفَتحِ الهمزةِ وكَسرِ السِّين الشَّدِيدِ الغضَبِ، ويَجوزُ فَتحُ السِّين، والأَسَفُ الغَضَبُ، ورُوِيَ بِوَزنِ فاعِلٍ، أي: غَضْبانَ، قال الله تعالى: {فَلَمَّا ءَاسَفُونَا} [سُورة الزُّخرُف: 55]، يُقال: ءاسَفَنِي فأَسِفْتُ، أي: أَغضَبَنِي فغَضِبتُ. والمرادُ بالغضَب انتِقامُ اللهِ مِمّن عَصاهُ، كما أنّ الرّضَا مِنهُ ظُهورُ رَحمَتِه ولُطْفِه لِمَن أطاعَه، لأنّ اللهَ تعالَى يَستَحِيلُ في حَقِّهِ التَّغَيُّر بالرِّضا والغضَب». مُختصرًا.
[3])) قال ابنُ الأثيرِ في النهاية (3/412): «مَوْتُ الفَجْأةِ في غَيرِ مَوضِع. يُقال: فَجِئَه الأمْرُ وفَجَأه فُجَاءةً بالضّمّ والمدّ وفَاجَأه مُفاجَأةً إذَا جاءَه بَغْتَةً مِن غَيرِ تَقَدُّمِ سَبَب. وقيَّدَه بَعضُهم بفَتح الفاء وسكُون الجِيم مِن غَير مَدٍّ على الْمَرّة».
الإشعارات