السبت أبريل 26, 2025

باب فَضِيلَةِ الأَذانِ

  • عن زَيدِ بنِ أرقَمَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بِلَالٌ سَيِّدُ الْمُؤَذِّنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَتْبَعُهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»([1]). هذا حدِيثٌ غرِيبٌ أخرجَه أبو بكرِ بنُ أبي شَيبةَ في «مصَنَّفِه».
  • عن قَبِيصةَ بنِ ذُؤَيبٍ عن بلالٍ رضي الله عنه أنّه قال: يا رسولَ الله، إنّ النّاسَ يَتْجُرونَ ويَبتَغونَ مَعايِشَهُم ولا نَستَطِيعُ أنْ نَفعلَ ذلك، فقال: «أَلَا تَرْضَى أَنَّ الـمُؤَذِّنِينَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْناقًا يَوْمَ القِيامَةِ». هذا حدِيثٌ حسَن أخرجَه البَزّار.

وقد اختُلِف في مَعنَى: «أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْناقًا» على أقوالٍ:

فقال أبو بكرٍ بنُ أبي داودَ: سَمِعتُ أبِي يقولُ: ليسَ معنَى هذا الحديثِ أنّ أعناقَهُم تَزدادُ طُولًا، وإنّما مَعناهُ أنّ النّاسَ يَعطَشُونَ يومَ القِيامةِ، ومَن عَطِشَ الْتَوَتْ عُنُقُه، والـمُؤذِّنُون لا يَعْطَشُون([2]) فأعناقُهم قائِمةٌ.

وجاء عن النَّضر بن شُمَيلٍ نحوُ ذلك.

وقال ابنُ حِبّانَ في «صَحِيحِه» ما حاصِلُه أنّ الـمُرادَ بالطُّولِ أنّ أعناقَهُم تَمتَدُّ تَشوُّفًا للثّوابِ.

وقال غيرُه: تَمتَدُّ لِكَونِهم كانوا يَمُدُّونَها عِندَ رَفعِ الصَّوتِ في الدُّنيا، فمُدَّتْ في القيامةِ لِيَمتازُوا بذلكَ عن غَيرِ÷م، وفي هذا إبقاءٌ للطُّولِ على حَقِيقَتِه.

وقيل: المعنَى فيه أنّ الناسَ إذَا ألجمَهُم العرَقُ لَم يُلجِمْهُم، وهذا إذَا انضَمَّ إلى الّذِي قَبلَه بَيَّنَ ثَمَرَتَه.

ومِنهُم مَن حمَلَ الأعناقَ والطُّولَ علَى معنًى ءاخَرَ فقال: هو جَمعُ عَنَقٍ بمَعنَى جماعةٍ، فكأنّه قيل بأنّهُم أكثَرُ النّاسِ أتباعًا لأنّ مَن أجابَ دَعوتَهُم يكُونُ معَهُم.

وقيل معنَى العُنُقِ العَمَلُ، فكأنّه قيل: أكثَرُ النّاسِ أعمالًا، وهذا عن ابنِ الأعرابِيّ.

وقيل: المرادُ أنّهُم رُؤوسُ النّاسِ، والعرَبُ تَصِفُ السَيِّدَ بِطُولِ العُنُق.

وشَذَّ بَعضُهم فكسَرَ الهمزة وقال: «الإِعناق»؛ بمعنَى: العَنَقِ بفَتحتَين، وهو ضربٌ([3]) مِن السَّيرِ السَّرِيع، والمعنَى أنّهُم أسرَعُ النّاسِ سَيرًا إلى الجنّة([4]).

فهذه ثمانِيةُ أقوالٍ جمَعتُها مِن مُتفرّقاتِ كَلامِهم، والعِلمُ عِندَ اللهِ تعالى.

  • عن مُوسَى بنِ أبِي عُثمانَ قال حدّثَنِي أبو يَحيَـى وأنا أَطُوفُ معَه – يعنِي: حَولَ البَيتِ – قال سَمِعتُ أبا هُرَيرةَ يقولُ: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «الـمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَّ صَوتِه([5]) وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيابِسٍ». هذا حديث حسَن أخرجَه أحمدُ.
  • عن البَراءِ بنِ عازِبٍ عنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ([6])، وَالـمُؤّذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَّ صَوْتِهِ وَيَشْهَدُ لَهُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ رَطْبٍ وَيابِسٍ، ويُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ مَنْ صَلَّى مَعَه». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه أحمدُ.
  • عن عبدِ اللهِ بنِ أبِي أَوفَى قال: قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ خِيارَ عِبادِ اللهِ الَّذِينَ يُراعُونَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالأَظِلَّةَ لِذِكْرِ اللهِ([7])».

قال ابنُ شاهِينَ: هذا حديثٌ صحِيحٌ غرِيبٌ، وأخرجَه الحاكِمُ في «الـمُستدرَكِ» وقال: صحيحٌ علَى شرطِ البُخاريّ. لكِنّ الحدِيثَ معلولٌ، وقد اعترفَ الحاكمُ بهذِه العِلّةِ لكِنْ قال: إنّها لا تُؤثِّرُ.

[1])) قال شيخنا رحمه الله: «(أَطوَلُ النّاسِ أَعْناقًا)، معناهُ: أكثرُ النّاسِ فرَحًا لأنَّ الفَرْحان يمُدُّ عُنُقهُ والمحزُونَ يَخفِضُ عُنُقه».

وقال ابنُ الأثير في النهاية (3/310): «(الـمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النّاسِ أَعْناقًا يَوْمَ القِيامَةِ)، أي: أكثَرُ أعمالًا. يقال: لفُلان عُنُقٌ مِن الخير، أي: قِطعة. وقيل: أراد طُولَ الأعناق، أي: الرِّقابِ؛ لأنّ الناس يومَئذٍ في الكَرب وهُم في الرَّوح (أي: النَّعِيم) مُتطلِّعون لأنْ يُؤْذَن لهم في دُخول الجنة. وقيل: أراد أنهم يكونون يومَئذٍ رُؤساءَ سادةً، والعربُ تصِف السّادة بطول الأعناق».

[2])) وكذلك الصّالِحُون.

[3])) أي: نَوْعٌ.

[4])) قال القاضي عِياض في إكمال الـمُعلم (2/255): «ورَواه بعضُهم: «إِعْناقًا»، أي: إسراعًا إلى الجنّة، مِن سَيرِ العَنَقِ».

[5])) قال ابن الأثير في النهاية (4/308): «(إِنَّ الـمُؤَذِّنَ يُغْفَرُ لَهُ مَدَّ صَوْتِهِ) الـمَدُّ القَدْرُ، يُرِيدُ بِه قَدرَ الذُّنوبِ، أي: يُغفَرُ له ذلك إلى مُنتهَى مَدِّ صَوتِه، وهو تَمثِيلٌ لِسَعةِ الـمَغفِرة».

وقال السُّيوطي في حاشيته على النَّسائي (2/13): «قال «أبو البَقاء: الجَيِّد عِندَ أهلِ اللُّغة مَدَى صَوتِه وهو ظرفُ مكانٍ، وأمّا «مَدَّ صَوتِه» فلَهُ وَجهٌ وهو يَحتمِل شيئَين: أحدُهما: أنْ يكُونَ تقدِيرُه مَسافةَ صَوتِه، والثّاني: أنْ يُكونَ المصدَرُ بمَعنَى المكانِ، أي: مُمتَدَّ صَوتِه، وفي المعنَى على هذا وجهانِ: أحدُهما: معناه: لو كانت ذُنوبُه تَملأُ هذا المكانَ لغُفِرَتْ له، وهو نَظِيرُ قولِه r إخبارًا عن اللهِ تعالى: «لَوْ جِئْتَنِي بِقُرابِ الأَرْضِ خَطايا»، أي: بمِلْئِها مِن الذُّنوب، والثّاني: يُغفَرُ له مِن الذُّنوبِ ما فعَلَه في زمانٍ مُقدَّرٍ بهذِه الـمَسافةِ».

وقال المناوي في التيسير (2/450): «(الـمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَّ صَوْتِهِ)، أي: غايةَ صَوتِه، أي: يُغفَرُ له مَغفِرةٌ طوِيلةٌ عرِيضةٌ على طريقِ المبالغةِ، أي: يَستَكمِلُ مغفِرةَ اللهِ إذَا استَوفَى وُسْعَه في رَفعِ الصَّوتِ (وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ)، أي: نامٍ (وَيابِسٍ)، أي: جَمادٍ».

[6])) قال شيخنا رحمه الله: «أي: يَرحَمُهُم اللهُ وتَدعُو لَهمُ الملائِكَةُ».

قال البَدر العَينيّ في العُمدة (5/256): «لفظُ الأوّلِ مِن الأمُورِ النِّسبِيّة، فإنّ الثّانِيَ أوّلُ بالنِّسبةِ إلى الثّالثِ، والثّالِثَ أوّلٌ بالنِّسبةِ إلى الرّابع، وهَلُمَّ جَرًّا، ولكِنّ الأوّلَ الـمُطلَقَ هو الّذِي لَم يَسبِقْه شيءٌ. ثُمّ الحِكمةُ في التّحرِيضِ والحَثِّ علَى الصَفِّ الأوّلِ الـمُطلَقِ علَى وجُوهٍ: المسارَعةُ إلى خَلاصِ الذِّمّةِ، والسَّبقُ لِدُخولِ الـمَسجِد، والقُربُ مِن الإمامِ، واستِماعُ قِراءتِه، والتعَلُّمُ مِنه، والفَتحُ علَيه (أي: التنبيهُ له) عِندَ الحاجةِ، واحتِياجُ الإمامِ إليه عِندَ الاستِخلافِ، والبُعدُ مِمّن يَخترِقُ الصُّفوفَ، وسَلامةُ الخاطِر مِن رُؤيةِ مَن يكُون بَين يدَيه، وخُلُوُّ موضعِ سجُودِه مِن أذيالِ المصَلِّينَ».

[7])) قال شيخنا رحمه الله: «(يُراعُون الشّمسَ والقمرَ والأظِلّةَ لذِكرِ اللهِ)، أي: لِلصَّلاةِ، حسّنهُ الحافظُ ابنُ حجَرٍ في الأماليّ، وفي روايةٍ أُخرى أخرجَها الحاكمُ في «الـمُستدرَك» (1/51) زيادةُ ذِكرِ: (النُّجومِ)، ولم يكُن في أيّامِ الصّحابةِ هذه الآلاتُ الموضوعةُ لمَعرِفة الوقتِ؛ بل كانوا يَعرِفونهُ بالمراقَبة العيانيَّة. وفي الحديث أنَّ القمرَ له دخَلٌ في أمرِ الوَقتِ فقَد صَحَّ الحديثُ أنَّ النّبيَّ r كان يُصلِّي العِشاءَ لسُقوطِ القمَرِ لثالثةٍ يعنِي اللَّيلةَ الثّالثةَ، رواه التِّرمذيّ في «سُنَنهِ». وفي اللَّيلة الثّالثة من الشَّهرِ يَغِيبُ القمَرُ بعد ساعةٍ وثُلثٍ تقريبًا فيكون دخَل العشاءُ،، وهذا التَّقديرُ ذكرهُ ابنُ العربيّ في شرح الترمذيّ، أي: بالنّسبة لأكثر البلاد وهو محمولٌ على الغالب من أحواله r وإلا فقد ثبت عنه أنّه صلَّى العشاء بعد منتصَف اللّيل وأنّه صلَّى بعد مُضيّ الثلث. وفرضٌ على الـمُكلَّفِ معرفةُ المواقيت الأصليَّة الَّتي علَّمها الرسول r الصَّحابةَ، ولا يجوز تركُ تعلُّمِها اعتمادًا على ما عمِله النّاس مِن تعيينِ مواقيتَ للمُدُن كالقاهرة ودمشقَ وحلبَ ونحوِ ذلك لأنَّ دُخول الأوقاتِ يختلفُ باختلاف البلدان. أمّا الذي يَعتمِدُ على التّوقيتِ لا يَعظُم أجرُه على غيره. كذلك الاهتمامُ بالجماعة فيه أجرٌ عظيم. أبو مُسلم الخولانيُّ رضي الله عنه كان نازِلًا بقَريةٍ اسمُها دارَيّا بينها وبين دمشقَ أربعةُ أميال، كان يَخرُج منها إلى صلاة الصّبح إلى مَسجِد بَني أميّة في دمشقَ مِن شدّة اهتمامه بالصّلاة والجماعة».

وقال المناويّ في التيسير (1/318): «(يُرَاعُونَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ وَالأَظِلَّةَ)، أي: يَترصَّدُون دُخولَ الأوقاتِ بِها (لِذِكْرِ اللهِ)، أي: لأَجلِ ذِكْرِه».