باب في فضل الصبر
قال الله تعالى: إنـما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر” رواه البخاري[1]. والصبر هو حبس النفس وقهرها على مكروه تتحمله أو لذيذ تفارقه وهو أنواع: صبر على أداء ما فرض الله وصبر على اجتناب ما حرم الله وصبر على البلاء. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من يرد الله به خيرا يصب منه” رواه البخاري[2]. أي من أراد الله به خيرا كثيرا حالا ومآلا يبتليه إما في بدنه أو ماله أو محبوبه، ويحميه من المصائب في الدين، لأن المصيبة في الدين توجب لصاحبها الهلاك في الآخرة، وتكون بإضاعة فرض من فرائض الله أو ارتكاب معصية من المعاصي، وأشدها الكفر بأنواعه الثلاثة، القولي كمسبة الله أو أحد أنبيائه أو دينه أو أحد ملائكته كملك الموت، أو الاعتراض عليه سبحانه، والفعلي كرمي المصحف في القاذورة، والاعتقادي كاعتقاد أن الله ضوء أو روح أو جسم أو له مكان أو جهة. والتوبة من الردة بالاقلاع عنها فورا والنطق بالشهادتين. وأما المصائب في الدنيا ففيها فوائد للمؤمنين فإن صادفت ذنوبا للعبد المؤمن فصبر أفادته التكفير والتخفيف من سيئاته وإن لم تصادف ذنبا بأن كان من الصالحين أفادته رفع درجات. واللائق بالمسلم أن يعقد قلبه على طاعة الله في السراء والضراء، فالعبد كله ملك لله هو خلقه من نطفة ثم طوره إلى أن جعله إنسانا يعقل ويتكلم ويمشي ويرى ويسمع ويتحرك وأنه راجع إلى ربه، فإن الله تعالى قهر العباد بالموت، فمهما بلغ العبد من التجبر والعتو والكبر والفخر واستعلى على الناس ومهما طغى وبغى فإن مرجعه إلى الله لا يخرج من قبضة الله، يميته حيث شاء وكيف شاء وعلى أي حال شاء، فمن علم هذا حق العلم كان مسلما لله تسليما كاملا. وليفكر المؤمن فيما جرى لأنبياء الله عليهم السلام الذين أرسلهم الله بالإسلام وفضلهم على سائر المخلوقات، وليفكر فيما جرى للصحابة وأهل البيت وسائر الصالحين، من المصائب والبلايا. فعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال: “الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة“. رواه الترمذي[3] وقال: هذا حديث حسن صحيح.
[1] صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب: الاستعفاف عن المسألة.
[2] صحيح البخاري، كتاب المرضى. باب: ما جاء في كفارة المرضى.
[3] سنن الترمذي،كتاب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الصبر على البلاء