السبت أبريل 26, 2025

باب في التَّحْذِيرِ مِن الحَسَدِ والحِقْدِ

  • عن محمّدِ بنِ إسحاقَ عن بَعضِ أَهلِ العِلمِ بالكِتابِ الأوَّل: أنّ ءادمَ علَيهِ السَّلامُ أمَرَ ولَدَه الأكبَرَ أنْ يُزَوِّجَ تَوْأَمتَه مِن أَخِيهِ هابِيلَ، وأمَرَ هابِيلَ أنْ يُزَوِّجَ تَوأَمَتَه مِن أَخِيهِ قابِيلَ، فسَلَّمَ هابِيلُ ورضيَ، وأبى الآخَرُ رَغْبةً بأُختِهِ عن أَخِيهِ ورَغْبةً عن أُختِ أخِيهِ، وقال: نَحنُ مِن أَولادِ الجنّةِ وهُما مِن أولادِ الأرضِ. قالَ ابنُ إسحاقَ: ويَقولُ بعضُ أهلِ العِلمِ كانتْ أُختُ الأكبَرِ احسنَ النّاسِ فأَرادَاها لِنَفْسِه وصَرَفَها عن أَخِيه، فقالَ لهُ ءادمُ: إنّها لا تَحِلُّ لكَ، فأبَى، فقالَ: قَرِّبْ قُرْبانًا ويُقَرِّبُ أخُوكَ قُرْبانًا فأَيُّكُما قُبِلَ قُرْبانُه فهو أحَقُّ بِها، وكانَ هابِيلُ علَى الماشِيةِ والآخَرُ علَى البَذْرِ فقَرَّبَ قَمْحًا وقَرَّبَ هابِيلُ رأْسًا مِن غَنَمِه، قالَ: وبَعضُهُم يَقولُ: قَرَّبْ بقَرةً، فنَزلَتْ نارُ مِن السَّماءِ فأكَلَتْ قُرْبانَ هابِيلَ وتَركَتْ قُرْبا،َ الآخَرِ، فذَكرَ بَقِيّةَ الخبَرِ في قِصّةِ قَتْلِه لأَخِيهِ.
  • عن السُّدِيّ عن أبِي مالِكٍ وعن أبِي صالِحٍ عن ابنِ عبّاسٍ وعن مُرّةَ عن ابنِ مسَعُودٍ وعن ناسٍ مِن أصحابِ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال: «كَانَ لا يُولَدُ لآدَمَ غُلامٌ إِلا وُلِدَتْ مَعَهُ جَارِيَةٌ([1])، وَكَانَ يُزَوِّجُ تَوْأمَةَ هذَا لآخَر وتَوْأَمةَ الآخَرِ لِهَذا، فوُلِدَ لَهُ غُلامٌ وتَوْأَمَتُه وَضِيئَةٌ([2]) فسَمّاهُ قَابِيلُ، ثُمّ وُلِدَ لهُ ءاخَرُ وتَوْأَمَتُه كانت دَمِيمةً([3]) فَسَمّاهُ هَابِيلَ، وَكَانَ قَابِيلُ صَاحِبَ زَرْعٍ وَكَانَ هَابِيلُ صَاحِبَ ضَرْعٍ([4])»، فَذَكَرَ القِصّةَ بِطُولِها([5]).
  • عن عبدِ اللهِ بنِ عُثمانَ قال: أَقبَلتُ معَ سَعِيدِ بنِ جُبَيرٍ فحَدَّثَنِي عنِ ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهُما قال: «كان ءادَمُ علَيه السّلامُ نُهِيَ أنْ يُزوّجَ ابنَتَه تَوْأَمَها وأُمِرَ أنْ يُزوِّجَ تَوْأَمةَ هذا لِولَدٍ ءاخَرَ وأنْ يُزوِّجَه تَوْأَمةَ الآخَرِ». فذَكَرَ الخبَرَ باختِصارٍ، وهذا أقوَى ما وقَفْتُ علَيه مِن أسانِيدِ هذه القِصّةِ، ورِجالُه رِجالُ الصّحِيح إلّا عبدَ اللهِ بنَ عُثُمانَ وهو ابنُ خُثَيمٍ، بمعجَمةٍ ثُمّ مُثَلثةٍ مُصَغَّرٌ، فإنّ مُسلِمًا أخرَجَ له في الـمُتابَعاتِ وعَلَّقَ له البُخاريُّ شيئًا ووثَّقه الجُمهورُ ولَيَّنَه بَعضُهم قَلِيلًا.

وفي هذِه الأخبار رَدٌّ لِـمّا ذكَرَه الثّعلَبيُّ مِن رِوايةِ مُعاوِيةَ بنِ عَمّارٍ قال: سأَلتُ جَعفرَ بنَ محمّدٍ: هَل كانَ ءادَمُ علَيه الصّلاةُ والسّلامُ يُزوِّجُ بَناتِه مِن بَنِيهِ؟ ثُمّ ذَكَرَ أنّ زوَجةَ قابِيلَ كانَتْ جِنِّيّة وأنّ زَوجةَ هابِيلَ كانتْ حُورِيّةً، وأنّ قابِيلَ عَتَبَ علَى أَبِيه بِسبَبَ ذلكَ، وهذا معَ إِعضالِه([6]) مُشكِلٌ؛ لأنّه لَو سُلِّمَ لِزَوجتَيْ قابِيلَ وهابِيلَ لَـم يُسلَّمْ فِي زَوجةِ شِيثٍ الّذِي يَنتَهِي نَسَبُ البشَرِ إليهِ مِن الإِنسِ، فلَ, كانتْ زَوجَتُه جِنِّيّةً لكان الإِنسُ مِن نَسلِ الجِنّ، وليسَ كذلكَ جَزمًا، ولَو كانتْ حُورِيّةً لكان ءادَمُ أحَقَّ بذلِكَ ولَـمَا احتاجَ أنْ تُخلَقَ حَوّاءُ مِن ضِلَعٍ مِن أَضلاعِه، فالرّاجِحُ ما تقدَّمَ، واللهُ أعلَمُ.

[1])) أي: بِنتٌ. قال شيُخنا رحمه الله: «الجاريةُ لغةً الفَتاةُ كما فسَّرها صاحبُ «لسانِ العرَب» و«القامُوس»، وإذَا أُرِيد البِنتُ الصّغِيرةُ يقولون أيضًا جارِيةٌ صغِيرةٌ أو جُوَيرِيةٌ».

[2])) أي: حسَنةٌ جمِيلةٌ.

[3])) أي: غيرَ جمِيلةٍ شَكلًا.

[4])) أي: ماشِيةٍ.

[5])) قال شيخنا رحمه الله: «والقِصّةُ الّتِي يَعْنِيها الحافظُ هي ما رَواها عن ابنِ إسحاقَ».

[6])) قال زكريّا الأنصاري في فتح الباقي (1/2069: «والـمُعضَل بفَتحِ الضّادِ مِن «أَعضَلَه فُلانٌ» أي: أَعْياهُ فهو مُعضَلٌ، أي: مُعْيًان فكأنّ الـمُحدِّثَ الّذي حَدَّث بِه أَعضَلَه وأَعْياهُ فَلَم يَنتَفِع بِه مَن يَروِيه عنهُ».