باب ذكر مروره صلى الله عليه وسلم بأم معبد
بفتح الميم واسمها عاتكة بنت خالد الخزاعية ويعرف ذلك الموضع الآن بخيمة أم معبد.
مروا على خيمةِ أم معبد *** وهيَ على طريقهم بمرصدِ
وعندها شاةٌ أضرَّ الجَهْدُ *** بها وما بها قوًى تشتدُّ
فمسحَ النبيُّ منها الضرعا *** فحلبتْ ما قد كفاهم وُسعَا
وحلبتْ بعدُ إناءً ءاخرا *** تركَ ذاكَ عندها وسافرا
مروا على خيمة أم معبد وهي على طريقهم مختبئة بفناء خيمتها تسقي المارة من الماء واللبن، “بمرصد” بفتح الميم والمرصد الموضع الذي يرصد فيه أي يقعد فيه ليرصد من يمر عليه في الطريق، ونظر النبي “عندها شاة” قال: ما هذه؟ قالت: “شاة أضر الجهد بها وما فيها قوى” بضم القاف جمع قوة أي ليس بها قوة “تشتد” بها حتى تلحق الغنم ترعى معهم قال: “هل بها من لبن”، قالت: هي أجهد من ذلك “فمسح النبي منها” ظهرها والضرع وسمة ودعا “فحلبت ما قد كفاهم وسعًا” بضم الواو أي ما تحتمله طاقتهم من الري، وحلب النبي بعد ذلك إناء ءاخر ثانيًا “وترك ذاك” الإناء “عندها” مملوءًا وسافر بعد أن بايعها على الإسلام واستمرت تلك البركة فيها، ثم لما رحلوا جاء زوجها أكثم بن الجون يسوق غنمًا أعنزًا عجافًا فلما رأى اللبن عجب وقال: من أين ولا حلوب في البيت؟ قالت: مر بنا رجل مبارك من حاله كذا، قال: صفيه، قالت: رجل ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة ولم تُزر به صعلة، وسيمٌ قسيمٌ في عينيه دعجٌ وفي أشفاره وطفٌ وفي عنقه شطعٌ وفي صوته صحلٌ، وفي لحيته كثافة، أحور أكحل أقرن شديد سواد الشعر، إن صمت فعليه الوقار وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحسنه وأجمله من قريب، حلو النطق، فصلٌ لا هَزَرٌ ولا نزرٌ، كأن منطقه خرزات نظمن ينحدرن، ربعة لا بائنٌ من طول ولا تقتحمه عينٌ من قصر، غصنٌ بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظرًا، وأحسنهم قدًا، له رفقاء يحفون به إن قال أنصتوا لقوله وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابسٌ ولا مفتد، قال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره وقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت لذلك سبيلًا، وأصبح صوت بمكة عال يسمعون الصوت ولا يرون صاحبه يقول:
جزى الله ربُّ الناس خيرَ جزائه *** رفيقين حلا خيمتَي أم معبد
هما نزلاها بالهدى فاهتدت به *** فقد فاز من أمسى رفيق محمد
فما حملت من ناقة فوق رَحْلها *** أبرّ وأوفى ذمة من محمد
فيا لقصي ما زوى الله عنكم *** به من فعال لا تجارى وسؤدد
ليهن بني كعب مقام فتاتهم *** ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها *** فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاةٍ حائلٍ فتحلبت *** له بضريع ضرة الشاة مزبد
قالت أسماء: فلما سمعناه عرفنا حيث وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن وجهه إلى المدينة.