الأحد ديسمبر 22, 2024

باب ذكر قصة الإسراء

وبعدَ عامٍ معَ نِصفٍ أُسريا *** بهِ إلى السماءِ حتى حَظِيا

من مكةَ الغرَّاإلى القُدسِ على *** ظَهرِ البُراق  راكبًا ثمَّ علا

إلى السماءِ معهُ حبريلُ *** فاستفتحَ      البابَ لهُ يقولُ

مُجيبًا اذ قيلَ  لهُ مَنْ ذا معكْ *** محمدٌ معي فرحَّبَ الملكْ

ثمَّ تلاقى معَ الأنبياءِ *** وكلُّ واحدٍ لدى سماءِ

ثمَّ علا لمستوى قدْ سَمِعا *** صريفَ الأقلامِ  بما قد وقَعا

ثمَّ دنا حتى رأى الإلها *** بعينِهِ مخاطبًا       شِفاها

أوحى لهُ سبحانه ما أوحى *** فلا تَسَلْ عمَّا جرى تَصريحا

وفرضَ الصلاةَ خمسينَ على *** أمتهِ حتى       لخمسٍ نَزلا

والأجرُ خمسونَ  كما قدْ كانا *** وزادهُ مِنْ     فضلِهِ إحْسانا

اختلف في المعراج والإسراء هل كانا في ليلة أو ليلتين وأيهما كان قبل، وهل كان يقظة أم منامًا؟ بجسده أو بروحه مرة أو اكثر على أقاويل لا تكاد تحصى [1]، واختلف فيه متى كان فقيل: في ربيع الاول، وقيل: في الآخر، وقيل: في رجب، وقيل: في رمضان، وروى البيهقي [2] عن الزهري أنه كان قبل خروجه إلى المدينة بسنة، وكذا رواه ابن لهيعة فيكون في ربيع الأول، وروى الحاكم عن السُّدي أنه قبل الهجرة بستة عشر شهرًا فيكون في ذي القعدة، والذي جرى عليه الناظم أنه كان بعدما بلغ رسول الله إحدى وخمسين سنة ونصف سنة فأسري بجسده لا بروحه فقط على الأصح “إلى السماء حتى حظيا” بفتح الحاء المهملة والألف للإطلاق أي حظي عند ربه بالمنزلة الرفيعة.

واختلف في الموضع الذي أسري به منه فقيل: من شعب أبي طالب، وقيل: من بيت أم هانئ، وقيل: من الحجر بالمسجد الحرام “من مكة الغراء” أي المضيئة المشرق نورها إلى بيت المقدس راكبًا على البراق وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى بصره، فركبه حتى أتى بيت المقدس فربطه بالحلقة التي تربط بها الأنبياء، ثم دخل المسجد فصلى ركعتين ثم خرج وعلا إلى السماء ومعه جبريل فاستفتح له جبريل الباب فقال له خازن السماء: من ذا معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بُعث إليه [3] قال: نعم، فرحب بشدة الحاء المهملة “الملك” بفتح اللام أي خازن السماء لما فتح له فدخل.

وقول الناظم: “ثم تلاقى مع الأنبياء” بوصل الهمزة وتحريك اللام للوزن أي لقي ءادم وإدريس وهارون وموسى ويحيى وعيسى ويوسف وإبراهيم وكل منهم رحب به ودعا له، وقوله: “وكل واحد لدى سماء” أي وكل واحد منهم في سماء ما عدا عيسى ويحيى فقد كانا في السماء الثانية معًا.

ثم خرق الطباق السبع ومعه جبريل وعلا لمستوى أي مصعدٍ يصعد عليه وسمع فيه صريف الأقلام أي تصويتها حال الكتابة بما قد وقع أي بما كان وما يكون، {ثُمَّ دنا فتدلَّى} [4] حتى رأى الإله سبحانه بعين رأسه وقيل: بعين قلبه [5]، وقيل: رأى نورًا [6] قال بعض المحققين: والمختار أنه رءاه على أكمل ما يكون من الرؤية فرءاه حال كونه مخاطبًا له شفاهًا أي مشافهة من غير واسطة [7] فأوحى له سبحانه، فلا تسأل عما جرى بينهما من المخاطبة والمشاهدة تصريحًا بالكلام. وقوله: “فلا تسل” بفتح السين المهملة وحذف الهمزة للوزن.

و”فرض” الله من جملة ما أوحى إليه خمسين صلاة كل يوم وليلة عليه وعلى أمته، فلم يزل يرجع بإشارة موسى ويسأل ربه التخفيف ويخفف عنه حتى نزل بعد الخمسين إلى خمس صلوات وجعل أجر الخمس أجر الخمسين كما كان فلم ينقص منه، والصحيح [8] أن فرض الصلاة كان ليلة المعراج كما تقرر.

وقول الناظم: “وزاده من فضله إحسانًا” أي له ولأمته هذا تقرير كلام الناظم.

قال عياض [9]: وفي هذا أحاديث كثيرة منتشرة يزيد بعضها على بعض وأكملها حديث مسلم [10] عن أنس أن رسول الله قال: “أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل بإناء من خمر [11] وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال لي جبريل: اخترت الفطرة، ثم عرج بنا إلى السماء [فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بُعث إليه قال: قد بُعث إليه، ففتح لنا فإذا بآدم صلى الله عليه وسلم فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عُرج بنا إلى السماء] الثانية فاستفتح جبريل فقيل: من أنت، قال: جبريل، قيل: ومن معك، قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ [قال: قد بعث إليه]، ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا صلى الله عليهما فرحبا بي ودَعَوا لي بخير. ثم عُرج بنا إلى السماء الثالثة فذكر مثل الأول ففتح لنا فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم وإذا هو قد أعطي شطر الحسن فرحب بي ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فذكر مثله فإذا أنا بإدريس ودعا لي بخير قال تعالى: {ورفعناهُ مكانًا عليًّا} [سورة مريم]. ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فذكر مثله فإذا أنا بهارون فرحب بي ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فذكر مثله فإذا أنا بموسى فرحب بي ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فذكر مثله فإذا أنا بإبراهيم مسندًا ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعين ألف ملك لا يعودون إليه. ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى فإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال، قال فلما غشيها من أمر الله ما غَشِيَ تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها، فأوحى الله إليّ ما أوحى، ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك فإني بلوت بني إسرائيل وخبرتهم، قال: فرجعت إلى ربي فقلت: يا رب خفف عن أمتي فحط عني خمسًا، فرجعت إلى موسى فقلت: حط عني خمسًا قال: إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف قال: فلم أزل أرجع بين ربي تعالى وبين موسى حتى قال: يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة بكل صلاة عشر فتلك خمسون صلاة، ومن همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرًا، ومن همّ بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئًا فإن عملها كتبت له سيئة واحدة. قال: فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه. وفي حديث ابن شهاب [12]: أن كل نبي قال: “مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح إلا ءادم وإبراهيم قالا له الابن الصالح”. وفي حديث ابن عباس [13]: “ثم ظهرت بمستوى أسمع فيه صريف الأقلام”. وفي حديث مالك بن صعصعة [14]: “فلما جاوزت موسى بكى فنودي ما يبكيك؟ قال: رب هذا غلام بعثته بعدي يدخل من أمته الجنة أكثر مما يدخل من أمتي”. وفي حديث أبي هريرة [15]: “وقد رأيتني في جماعة من الانبياء فحانت الصلاة فاممتهم، قال قائل منهم: يا محمد هذا مالك خازن النار فسلّم عليه فالتفت فبدأني بالسلام”. وفي حديث أبي هريرة [16] أن الملائكة قالوا ببيت المقدس: “حيّاه الله من أخ وخليفة ونعم الأخ ونعم الخليفة” وأنهم لقوا أرواح الأنبياء فاثنوا على ربهم وذكر كلام كل واحد منهم وهم إبراهيم وموسى وعسى وداود وسليمان، وذكر كلام المصطفى فقال: وإن محمدًا أثنى على ربه فقال: كلكم أثنى على ربه وأنا أثني على ربي الحمد للخ الذي أرسلني رحمة للعالمين وكافة للناس بشيرًا ونذيرًا، وأنزل علي القرءان فيه تبيان كل شيء، وجعل أمتي خير أمة، وجعل أمتي أمة وسطًا هم الاولون وهم الآخرون، وشرح لي صدري ووضع عني وزري ورفع لي ذكري وجعلني فاتحًا وخاتمًا، فقال إبراهيم: بهذا فضلكم محمد.

وفي طريق الربيع [17] بن أنس أنه يخرج من أصل سدرة المنتهى أنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى، وهي شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين عامًا، وأن ورقة منها مظلة الخلق فقال تبارك وتعالى له: سل، فقال: إنك اتخذت إبراهيم خليلًا وأعطيته ملكًا عظيمًا وكلمت موسى تكليمًا، وأعطيت داود ملكًا عظيمًا وسخرت له الإنس والجن والشياطين والرياح وأعطيته ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، وعلمت عيسى التوراة والإنجيل وجعلته يبرئ الأكمه والأبرص وأعذته وأمه من الشيطان فلم يكن له عليهما سبيل، فقال له ربه قد اتخذتك خليلًا حبيبًا فهو مكتوب في التوراة محمد حبيب الرحمن وأرسلتك إلى الناس كافة وجعلت أمتك هم الأولون والآخرون وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي وجعلتك أول النبيين خلقًا وءاخرهم بعثًا [18]، وأعطيتك سبعًا من المثاني ولم أعطها نبيًا قبلك، وخواتيم سورة البقرة من كنز تحت عرشي لم أعطها نبيًا قبلك وجعلتك فاتحًا وخاتمًا. انتهى كلام القاضي عياض.

وذكر ابن النقيب المفسر أن خواتيم سورة البقرة تلقاها ليلة الإسراء المصطفى بغير واسطة. وفي بعض طرقه أن البراق استصعب [19] عليه فقال جبريل: أبمحمد تفعل هذا فما ركبك أحدٌ أكرم على الله منه فارفضّ “عليه” عرقًا.

فصدَّق الصدّيقُ ذو الوفاءِ *** وكذَّبَ الكفَّارُ بالإسراءِ

وسألوهُ عنْ صفاتِ القُدسِ *** رفعَهُ إليهِ     روحُ القُدْسِ

جبريلُ حتى حقَّقَ الأوصافا *** لهُ فما طاقوا لهُ خِلافا

لكنَّهُم قدْ كذبوا وجحَدوا *** فأهلكوا وفي العذابِ خُلّدوا

لما أصبح المصطفى غدا على قريش فانتهى إلى نفر منهم في الحطيم منهم المطعم بن عدي والوليد بن المغيرة فقال: “صليت الليلة في هذا المسجد وصليت به الغداة وأتيت فيما بين ذلك بيت المقدس ثم عُرج بي” وذكر القصة، فأعظموا ذلك وقالوا: هذا والله الأمر المبين إن العير لتُطرد شهرًا من مكة إلى الشام مدبرة وشهرًا مقبلة فيذهب ذلك محمد في ليلة واحدة ويرجع إلى مكة، فارتد كثير ممن كان أسلم وقال المطعم: كل أمرك قبل اليوم كان أممًا غير قولك اليوم أنا أشهد أنك كاذب، وكان للمطعم حوض على زمزم فهدمه وأقسم باللات والعزى لا يسقي منه قطرة أبدًا، وذهب الناس إلى أبي بكر فقالوا: هل لك في صاحبك يزعم أنه جاء في هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ثم رجع إلى مكة فقال: إنكم تكذبون عليه قالوا: ها ه ذاك بالمسجد يحدث به الناس، قال: والله إن كان قال لقد صدقكم فما يعجبكم فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة فأصدقه وأنا أشهد أنه صادق، فلذلك سمي الصديق وهو “ذو الوفاء” بما يقول ويفعل. وسألوه عن صفات بيت المقدس فرفعه إليه روح القدس جبريل أو صوره له في جناحه حتى حقق لهم أوصافه فجعل يصفه بابًا بابًا ويصف موضعًا موضعًا وأبو بكر يقول صدقتَ صدقتَ، فما قدروا على معارضته ولا أطاقوا له خلافًا لكنهم كذبوه عنادًا وجحدوا ما وضح لهم فأهلكوا في الدنيا “وفي العذاب” الأليم في الآخرة “خُلدوا”، وقول الناظم “طاقوا” بحذف الهمزة للضرورة.

وفي حديث أم هانئ [20] أنهم قالوا له: ما ءاية ذلك فإنا لم نسمع بمثل هذا قط، قال: “ءايته أني مررت بعير بني فلان بوادي كذا فأنفرهم حس الدابة فندّ لهم بعير فدللتهم عليه وأنا متوجه إلى القدس، ثم أقبلتُ حتى إذا مررت بعير بني فلان فوجدت القوم نيامًا ولهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه بشيء فكشفته وشربت ما فيه ثم غطيت عليه كما كان، وءاية ذلك أن عيرهم الآن تصوب من البيضاء ثنية التنعيم يقدمها جملٌ أورق عليه غرارتان إحداهما سوداء” فابتدر القوم الثنية فلم يلقهم أول من الجمل كما وصف لهم وسألوهم عن الإناء فأخبروهم أنهم وضعوه مملوءًا ماءً ثم غطوه وانتبهوا فوجدوه مغطى لا ماء فيه. وفي بعض الطرق [21] أنه عيّن لقدوم العير يوم الأربعاء فلما كان ذلك اليوم لم يقدموا حتى كادت الشمس أن تغرب فدعا الله فحبسها حتى قدموا كما وصف قال ولم تحبس الشمس إلا له ذلك اليوم وليوشع، قال بعضهم وفي حديث رد الشمس لعلي [22] كلام طويل محصله أنها حبست للنبي مرتين ولموسى وليوشع وداود ولسليمان ولعلي عليهم السلام وعليه الرضوان.

واعلم أنه اختُلف في المعراج كما مر فقيل: إنه قبل الإسراء، وقيل: ليلته، وقيل: كان من مكة، وقيل: تعدد. وروى ابن سعد أن المصطفى كان يسأل ربه أن يريه الجنة والنار فلما كانت ليلة السبت لسبع عشرة خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرًا وهو نائم في بيته ظهرًا أتاه جبريل وميكائيل فقالا: انطلق إلى ما سألت الله فانطلقا به إلى ما بين المقام وزمزم فأتي بالمعراج فإذا هو أحسن شيء منظرًا، وفي بعض الطرق أنه الذي يمد الميت بصره إليه، فعُرج به إلى السموات سماء سماء وقال: إنه لم يسمع في السابعة إلا صريف الأقلام وإنه فرضت عليه الخمس ونزل جبريل فصلى به الصلاة في مواقيتها ركعتين ركعتين.

وقال ابن كثير: لما فرغ من أمر بيت المقدس نصب له المعراج ولم يكن صعوده على البراق كما توهمه بعضهم. وقال ابن العربي: إن ذلك كله كان مرتين مرة في المنام توطئة وأخرى في اليقظة، وفي ذلك كله كلام منتشر وخلاف طويل يخرجنا ذكره عن المقصود.

[1] الصواب والصحيح كما دل عليه حديث مسلم أن الإسراء والمعراج كان في ليلة واحدة بروحه وجسده صلى الله عليه وسلم يقظة، ولم يقل أحد أنه وصل إلى بيت المقدس ثم نام، ثم لو قيل في قوله: {ولقد رءاهُ} يحتمل أن يكون رؤية منامية فالجواب: هذا تأويل ولا يسوغ تأويل النص أي إخراجه عن ظاهره لغير دليل عقلي قاطع أو سمعي ثابت كما قاله الرازي في المحصول، وليس هنا دليل على ذلك الدليل القويم [ص/186].

[2] دلائل النبوة [2/354].

[3] معنى: “وقد بُعث إليه” هل طلب للعروج، وإلا فالملائكة تعلم أنه بُعث بمعنى نزل عليه الوحي.

[4] المقصود بهذه الآية جبريل عليه السلام حيث رءاه الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة وله ستمائة جناح كما رءاه مرة أخرى عند سدرة المنتهى، وقد اقترب جبريل عليه السلام من النبي صلى الله عليه وسلم فتدلى إليه فكان ما بينهما من المسافة بمقدار ذراعين بل أقرب، وليس الأمر كما يفتري بعض الناس أن الله تعالى دنا بذاته من محمد فكان بين محمد وبين الله كما بين الحاجب والحاجب أو قدر ذراعين لأن إثبات مسافة لله تعالى إثبات للمكان وهو من صفات الخلق، تعالى الله عن ذلك.

[5] الصحيح والصواب والحق الذي ذهب إليه الجمهور أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى ربه بفؤاده أي جعل الله له قوة الرؤية بالفؤاد فرأى الله الذي لا يشبه شيئًا بفؤاده فقد روى ابن خزيمة عن ابن عباس أنه قال: “رأى محمد ربه بفؤاده مرتين”، وروى ابن مردويه عن ابن عباس أنه قال: “لم يره رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينه إنما رءاه بقلبه” قال الحافظ ابن حجر: وعلى هذا فيمكن الجمع بين إثبات ابن عباس ونفي عائشة بأن يحمل نفيها على رؤية البصر وإثباته على رؤية القلب. وما جاء في مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: “نور أنى أراه” فمعناه منع عينيّ نورٌ مخلوق فلم أر الله بعيني رأسي إنما رأيته بفؤادي.

[6] لا يجوز أن يُتوهم من قوله صلى الله عليه وسلم: “نور” أن الله نور أي ضوء فإن النور والظلمة مخلوقان قال الله تعالى في سورة الأنعام: {وجعلَ الظُّلُماتِ والنور} أي خلقهما، فلا يُتوهم أنه تعالى جسم نوراني ينبث منه أشعة نورانية كالشمس. الدليل القويم [ص/191].

[7] ليلة المعراج سمع الرسول كلام الله الذي ليس حرفًا ولا صوتًا ولا لغة، فالله تعالى أزال الحجاب عن سمع محمد فسمع كلام الله الذي هو صفة ذاته ليس ككلام العالمين.

[8] انظر شرح مسلم [2/210]، تفسير القرطبي [10/208].

[9] الشفا بتعريف حقوق المصطفى [1/177].

[10] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان: باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات.

[11] هذا من خمر الجنة وليس كخمر الدنيا الذي هو نجس لأن النجس لا يكون معروض الملائكة.

[12] المصدر السابق [1/181].

[13] المصدر السابق [1/181].

[14] المصدر السابق [1/181].

[15] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب ذكر المسيح ابن مريم والمسيح الدجال.

[16] أخرجه البزار في مسنده، انظر كشف الأستار [1/38]، والبيهقي في دلائل النبوة [2/397]، وابن جرير في تفسيره [مجلد9/ص6]، والهيثمي في مجمع الزوائد [1/67].

[17] الشفا بتعريف حقوق المصطفى [1/183]، وذكر الذهبي في الميزان [3/320] أن هذا الحديث فيه ألفاظ منكرة جدًا.

[18] سيأتي الكلام على هذا الموضوع تفصيلًا إن شاء الله تعالى.

[19] هذا من الدلال، وليس امتناعًا.

[20] ذكره ابن إسحاق في سيرته، انظر سيرة ابن هشام [1/402]، والمعجم الكبير للطبراني [24/432]، ومجمع الزوائد للهيثمي [1/75-76]. وقال: “رواه الطبراني في الكبير وفي عبد الأعلى بن أبي مساور متروك كذاب”.

[21] دلائل النبوة للبيهقي [2/404].

[22] الحديث صححه من يعتمد عليه قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري [6/221-222] ما نصه: “وروى الطحاوي والطبراني في الكبير [24/147-152] والحاكم والبيهقي في الدلائل عن أسماء بنت عميس أنه صلى الله عليه وسلم دعا لما نام على ركبة علي ففاتته صلاة العصر، فردت الشمس حتى صلى علي ثم غربت، وهذا أبلغ في المعجزة، وقد أخطأ ابن الجوزي بإيراده في الموضوعات، وكذا ابن تيمية في كتاب الرد على الروافض في زعم وضعه، والله أعلم” ا.هـ.

وأما احتجاج ابن الجوزي بوضعه [الموضوعات 1/355-357] بأنه قد اضطرب الرواة فيه، وفي حديث أسماء بنت عميس فضل بن مرزوق ضعيف، وله طريق ثان فيه عبد الرحمن بن شريك قال أبو حاتم: واهي الحديث، وفيه أبو العباس ابن عقدة رافضي رمي بالكذب، وفي حديث أبي هريرة كذلك داود بن فراهيج ضعيف. فالجواب ما ذكره الحافظ السيوطي في النكت البديعات [ص/294] ونصه: “قلت: فضيل ثقة صدوق احتج به مسلم والأربعة [تهذيب التهذيب 8/298 و299 و300] وابن شريك وثقه غير أبي حاتم، وروى عنه البخاري في الأدب [ص/269]، وابن عقدة من كبار الحفاظ وثقه الناس، وما ضعفه إلا عصري متعصب، والحديث صرح جماعة بتصحيحه منهم القاضي عياض [الشفا 1/549]” ا.هـ.

وقد نص الحافظ ابن الصلاح ومن بعده من الحفاظ على تساهل ابن الجوزي في كتاب الموضوعات بحيث خرج عن موضوعه لمطلق الضعف، حتى إنه أدرج فيه كثيرًا من الأحاديث الصحيحة الثابتة ورمز لوضعها.