الخميس نوفمبر 21, 2024

باب ذكر شيء من معجزاته

جمع معجزة وهي أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي، وهو صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء معجزات فقد قيل: إنها تبلغ ألفًا، وقيل: ثلاثة ءالاف سوى القرءان فإن فيه ستين ألف معجزة تقريبًا، قال الحليمي: وفيها مع كثرتها معنى ءاخر وهو أنه ليس في شيء من معجزات غيره ما ينحو نحو اختراق الأجسام وإنما ذلك من معجزات نبينا خاصة، وقد جمع له كل ما أوتيه الأنبياء من معجزات وخصائص وفضائل ولم يجمع ذلك لغيره بل اختص كل بنوع.

أعْظمُها مُعجزةُ القرءانِ *** تَبْقى على تعاقُبِ الأزمانِ

كذا انْشِقاقُ البدرِ حينَ انفَرقا *** بِفرقتينِ رأيَ عينٍ حُقِّقا

ذكر الناظم للمصطفى معجزات الأولى: وهي أعظم معجزاته: القرءان الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فإنها تبقى على تعاقب السنين فهو معجزة باقية إلى يوم القيامة ومعجزات سائر الأنبياء انقرضت لوقتها.

الثانية: انشقاق القمر ليلة البدر حتى افترق فرقتين كما قال تعالى: {اقتربَتِ السَّاعةُ وانْشَقَّ القمرُ} [سورة القمر/1] وهذا كما أنه من معجزاته فهو من خصائصه أيضًا. وقوله: “رأي عين” أي وكان انشقاقه رأي العين المحقق حققه الجمع الغفير والعدد الكثير شاهدوه منشقًا فلقتين.

وقد زَوَى لهُ الإلهُ حقَّا *** الأرضَ مغربًا لها وشرقَا

وقالَ ما زواهُ لي سَيَبْلُغُ *** إليهِ مُلكُ أمَّتي فبَلَغوا

الثالثة: أن الله زوى أي جمع له الأرض كلها وضم بعضها لبعض حتى رءاها وشاهد مغاربها ومشارقها وقال: “إن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها” [1] وخص المغرب والمشرق إشارة إلى أن ملك أمته شملهما بخلاف الجهة الجنوبية والشمالية لم يبلغ ملك الأمة الإسلامية منهما مبلغه من المغرب والمشرق.

وحنَّ جِذْعُ النَّخلِ لمَّا فارقهْ *** لمنبرٍ إليهِ حتى اعْتَنَقَهْ

ونبَعَ الماءُ فجاشَ كثْره *** مِنْ بين إصبعيْهِ غيرَ مرَّهْ

وسبَّحَ الحصى بكفِّهِ بحقْ *** كذا الطعامُ عندهُ بهِ نطقْ

وشجرٌ وحجرٌ قدْ سلَّما *** عليهِ نُطْقًا والذّراع كلَّما

وقد شكى لهُ البعيرُ إذْ جُهِدْ *** وبالنُّبُوَّةِ لهُ الذئبُ شَهِدْ

الرابعة: حنين الجذع إليه لما فارقه إلى المنبر فصار يخطب على المنبر بعدما كان يخطب إليه ولم يسكن حتى أتى إليه فضمه واعتنقه لما في البخاري [2]: “كان في مسجد النبي جذع في قبلته يقوم إليه فلما وضع المنبر سمعنا للجذع مثل أصوات العشائر” أي النوق الحوامل، وفي رواية: “فنزل عليه فاحتضنه وسارّه بشيء”، وفي رواية الترمذي [3]: “فالتزمه وسكن”.

الخامسة: نبع الماء من بين أصابعه ففي البخاري [4]: “وضع النبي يده في ركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا”، وقول الناظم: “فجاش” أي ارتفع وفار كثيرًا من بين أصابعه، ووقع ذلك غير مرة ففي قصة الحديبية أيضًا مثل ما مر، قال ابن عبد السلام: وهذه كالتي قبلها لم يثبت لواحد من الأنبياء مثلهما فهما من خصائصه.

السادسة: تسبيح الحصى بكفه رواه ابن عساكر [5] من حديث أبي داود وغيره.

السابعة: تسبيح الطعام حين وضع عنده أي بين يديه فنطق كما في البخاري عن ابن مسعود [6].

الثامنة: تسليم الحجر والشجر عليه بالنطق، ففي دلائل النبوة لأبي نعيم [7] عن علي: “كان يمضي إلى الشعاب وبطون الأودية فلم يمر بشجر ولا حجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله”.

التاسعة: تكليم الذراع له ففي البخاري [8] لما أهدت زينب بنت الحارث له شاة مسمومة بخيبر فأكل ناسٌ من أصحابه منها منهم بشرٌ فتناول النبي صلى الله عليه وسلم الكتف فقال: “إنه يخبرني أنه مسموم” [9] فلم يقم بشر من مكانه حتى تغير لونه فمات.

العاشرة: أن البعير شكا إليه الجهد أي المشقة، فقول الناظم: “إذ جهد” بضم الجيم مبني للمفعول، والجهد المشقة، ففي سنن أبي داود وغيرها [10] عن ابن جعفر أنه أردفه النبي خلفه فدخل حائطًا لرجل من الأنصار فوجد بعيرًا فلما رءاه حنَّ واغرورقت عيناه فمسح عليه فسكت، فنادى صاحبه أنه شكى إلي أنك تجيعه وتدئبه.

الحادية عشرة: شهادة الذئب له بالنبوة وروى الطبراني وأبو نعيم [11]: “بينما راعٍ يرعى إذ انتهز الذئب شاة فتبعه الراعي فحال بينه وبينها فقال له: ألا تتقي الله تحول بيني وبين رزق ساقه الله إلي، قال الراعي: العجب من ذئب مقع على ذنبه يكلمني، فقال الذئب: أعجب من هذا رسول الله بين الحرتين يدعو الناس إلى أنباء ما قد سبق”.

تنبيه: عدَّ الجلال السيوطي وغيره من معجزاته إحياء الموتى وكلامهم [12] وكلام الصبيان في المراضع وشهادتهم له بالنبوة وغير ذلك.

وجاءَ مرَّةً قضاءَ الحاجةِ *** فلمْ يَجِدْ سترًا سِوى أشاءَةِ

ومِثلها لكنْ هُما بَعُدتا *** أمَرَ كلًا منهُما فأتَتا

تَخُدُّ الأرضَ ذي وذي حتى قضى *** حاجتهُ أمرَ كلًا فمضى

الثانية عشر: أنه جاء إلى قضاء الحاجة ولم يجد شيئًا يستتر به سوى أشاءة بفتح الهمزة وشين معجمة والمد نخلة صغيرة، وقول الناظم: “ومثلها” بالجر أي وأشاءة أخرى مثلها ولكن هما أي الأشاءتان بعدتا أي بعدت كل منهما عن الأخرى ثم أمر كلًا من الأشاءتين فأتتا إليه تخد أي تشق الأرض، والخدة حديدة يشق بها الأرض [فسترتا النبي] حتى قضى حاجته أمر كلا منهما بالمضي إلى مكانها فمضى، رواه الإمام أحمد والطبراني والبيهقي [13] من عدة طرق.

وأُزلِفتْ إليهِ سِتُّ بُدْنِ *** للنَّحرِ كلٌّ سابِقٌ للطَّعنِ

الثالثة عشر: أنه أزلفت إليه أي قربت منه ست بدن جمع بدنة وهي البعير للنحر كل واحدة منه تسبق للطعن أي للذبح، روى أبو داود والنسائي [14]: “قُرِّب لرسول الله بدناتٌ خمسٌ أو ستٌّ أو سبعٌ لينحرها يوم عيد فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ”.

وندَرَتْ عينُ قَتادةَ فرَدْ *** تلكَ فكانتْ مِنْ صحيحةٍ أحَد

الرابعة عشر: أن عين قتادة بن النعمان الأنصاري ندرت بفتح النون أي سقطت يوم أُحد فردها، فكانت المردودة أحدّ من العين الصحيحة أي أشد حدّة وأقوى نظرًا من السالمة رواه الحاكم وغيره من عدة طرق [15]، وقال السهيلي: كانت لا ترمد إذا رمدت الأخرى.

وبرأت عينُ عليّ إذْ تَفَلْ *** فيها لِوَقتِهِ وما عادَ حَصَلْ

الخامسة عشر: أن عين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه برئت من الرمد حين تفل أي بصق فيها لوقته وما عاد الرمد بعد ذلك أبدًا، ففي الصحيح [16] أن عليًّا كان يوم خيبر أرمد فقال المصطفى: “لأعطين الراية غدًا رجلًا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه” فدعا عليًّا وكان أرمد فتفل في عينيه، الحديث.

وابْنُ عَتِيْكٍ رِجْلُهُ أُصيبَتْ *** فهْيَ بِمَسْحِهِ سريعًا بَرِئَتْ

السادسة عشر: أن عبد الله بن عتيك الأنصاري أصيبت رجله حين نزل من درج إلى رافع بن أبي الحقيق لما قتله فمسحها بيديه الشريفة فبرئت كما في البخاري عنه [17]، وقول الناظم: “فهي بمسحه” جار ومجرور أي يمسح يده عليها.

وقالَ أقْتُلُ أُبَيَّ بْنَ خَلَفْ *** خَدَشَهُ خَدْشًا يسيرًا فانْحَتَفْ

السابعة عشر: أن أبيّ بن خلف كان يلقى المصطفى فيقول: إن عندي قعودًا أعلفه كل يوم أقتلك عليه فيقول: “بل أنا أقتلك إن شاء الله” فطعنه يوم أحد في عنقه فخدشه غير كثير فقال: قتلني محمد قالوا له: ليس بك بأس، قال إنه قال: “أنا قاتلك” فلو بصق علي لقتلني فمات بسروٍ [18]، وقول الناظم: “فانحتف” انفعل من حتفه الله إذا أماته.

كذاكُمُ أمَيَّةُ بنُ خَلَفِ *** قُتِلَ كافرًا ببدرٍ فَوُفِي

وعدَّ في بدرٍ لهُم مَصارِعا *** كلٌّ بما سمَّى لهُ قدْ صُرِعا

الثامنة عشر: أنه أخبر أمية بن خلف أنه يقتله فقتل كافرًا يوم بدر كما في البخاري [19] عن ابن مسعود عن سعد بن معاذ، وقول الناظم: “فوفي” بضم الواو حشو كمَّل به الوزن.

التاسعة عشر: أنه عدَّ لأصحابه في بدر مصارع الكفار فقال: هذا مصرع فلان غدًا ويضع يده على الأرض وهذا وهذا فكان كما وعد وما تجاوز أحد منهم عن موضع يده كما في خبر أبي داود [20]، وقول الناظم: “وعدّ” بفتح العين وشد الدال، وقوله: “كل بما سمى” بفتح السين وشد الميم أي في الموضع الذي سمى النبي أنه يصرع فيه، وقوله: “صُرِعا” مبني للمفعول.

وقالَ عَنْ قومٍ سَيَرْكَبونا *** ثبَجَ هذا البحرِ أي يَغْزونا

ومنهُم أمُّ حَرَامٍ رَكِبَتْ *** البحرَ ثمَّ في رجوعهِمْ قَضَتْ

العشرون: أنه قال أي أخبر عن طوائف من أمته أنهم سيركبون ثبج أي وسط البحر أي يغزون في البحر كالملوك على الأسرة ومنهم أم حرام الغميصاء أو الرميصاء بنت ملحان أخت أم سليم أم أنس فكان كما أخبر، فإنها خرجت مع زوجها عبادة بن الصامت أول ما ركب المسلمون البحر فلما قفلوا من غزوهم نزلوا إلى الشام فقدم إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت ودفنت بجزيرة قبرس وكان أمير الجيش معاوية، رواه البخاري وغيره [21]. وقوله: “ثبج” بمثلثة وموحدة وجيم مفتوحات أي وسط البحر ومعظمه، وقوله: “يغزونا” بفتح أوله، وألف يركبون ويغزون للإطلاق، وقوله: “ومنهم” بضم الميم، وأم حرام بفتح المهملة، وقضت ماتت.

وقالَ في الحسنِ سِبْطِ نَسَبِهْ *** يومًا لعلَّ الله أن يُصلِحَ بهْ

ما كانَ بينَ فِئَتينِ وهُما *** عظيمتانِ الكُلُّ ممَّنْ أسْلما

فكانَ ذا وقالَ في عُثمانا *** يُصيبهُ بلوًى فحقًّا كانا

الحادية والعشرون: أنه قال في الحسن بن علي سبطه: “إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يُصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين” فكان كما قال فإنه لما توفي أبوه بايعه أربعون ألفًا على الموت فنزل عن الخلافة لمعاوية لا من قلة ولا من ذلة بل حقنًا لدم المسلمين كما رواه البخاري وغيره [22].

الثاني والعشرون: أنه أخبر في شأن عثمان رضي الله عنه أنه ستصيبه بلوى شديدة يريد قتله، ففي البخاري [23] من حديث أبي موسى فجاء عثمان فاستأذن له أبو موسى فقال: “ائذن له وبشره بالجنة مع بلوى تصيبه” فكان كما قال.

ومَقتلُ الأسودِ في صَنْعا اليمنْ *** ذكرَهُ ليلةَ قَتْلِهِ ومَنْ

قَتَلهُ كذاكَ كِسرى أخْبَرا *** بِقَتلِهِ فكانَ ذا بلا مِرَا

الثالثة والعشرون: أنه أخبر بمقتل الأسود العنسي واسمه غهله في صنعاء اليمن ذكر ذلك في الليلة التي قتل فيها في المدينة فجاء الخبر بما أخبر به كما ذكره ابن إسحاق وغيره، وقصة كيفية قتله مشهورة، وقول الناظم: “في صنعا” بالقصر للوزن إذ أصله المد.

الرابعة والعشرون: أنه أخبر بقتل كسرى كذلك في ليلة مقتله فجاء الخبر كما ذكر واسمه ابرويز بن هرمز، وفي الصحيح [24] أنه لما جاءه كتاب المصطفى مزقه، وسيَّر لعامله باليمن أن يرسل للمصطفى من يحضره له فأرسل إليه فأخبره أن الله قتل كسرى تلك الليلة فجاء الخبر بأن ولده قتله فيها بعينها.

وقالَ إخبارًا عنِ الشَّيماءِ *** قد رُفِعَتْ في بغلةٍ شهباءِ

خِمارُها أسودُ حتى أُخِذَتْ *** عَهدَ أبي بكرٍ كما قد وُصِفَتْ

الخامسة والعشرون: أنه أخبر عن الشيماء بفتح الشين المعجمة بنت الحارث السعدية أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أنها قد رفعت بضم الراء وكسر الفاء له في خمار أسود على بغلة شهباء أي غلب بياضها سوادها، فكان كذلك، فإنها أخذت في عهد الصديق كما وصف. روى أبو نعيم [25] عن خُريم [بن أوس] أنه قال: قدمت على النبي منصرفه من تبوك [فأسلمتُ] فسمعته يقول: “هذه الحيرة [البيضاء قد] رفعت لي وهذه الشيماء [بنت نفيلة] الأزدية على بغلة شهباء مُعتجرة بخمار أسود”، فقلت: [يا رسول الله] إن دخلنا الحيرة فوجدناها كما تصف فهي لي فقال: “هي لك” فلما دخلناها كانت أول من تلقانا.

وقول الناظم: “إخبارًا” بكسر الهمزة، وقوله: “خمارها” مبتدأ، وقوله: “عهد” منصوب بحذف حرف الجر أي في عهده.

وقدْ دعا لولدِ الخطّابِ *** بعِزَّةِ الدّينِ بهِ أو بأبي

جَهْلٍ أصابتْ عُمَرًا فأسلَما *** عزَّ بهِ مَنْ كانَ أضحى مُسْلِما

السادسة والعشرون: أنه دعا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه بأن الله تعالى يعزّ به الإسلام أو بأبي جهل بن هشام فأصابت دعوته عمر فأصبح مسلمًا فعزّ بإسلامه كل من كان أضحى مسلمًا، ففي الترمذي [26] خبر: “اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر”، وصرف الناظم عمر للوزن.

ولعليٍّ بِذهابِ الحَرّ *** والبَرْدِ لمْ يكنْ بذينِ يَدْري

السابعة والعشرون: أنه دعا لعلي كرم الله وجهه بذهاب الحر والبرد عنه فما كان علي يجد حرًّا ولا بردًا فكان يلبس في الحر الشديد القباء المحشو الثخين وفي البرد الشديد ثوبين خفيفين، رواه البيهقي [27].

ولابنِ عباسٍ بفقهِ الدين معْ *** عِلْمٍ بتأويلٍ فَبَحْرًا اتَّسَعْ

الثامنة والعشرون: أنه دعا لابن عباس بفقه الدين وعلم التأويل فقال كما في الصحيح وغيره [28]: “اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل” فصار بحرًا زخارًا واسعًا في العلم، فصار يسمى البحر والحبر وترجمان القرءان.

وثابتٍ بعيشِهِ سعيدًا *** حياتَهُ وموتِهِ شهيدا

فكانَ ذا أنسٍ بكثرةِ *** المالِ والوُلْدِ وطُولِ المُدَّةِ

في عمْرهِ فعاشَ نحوَ المائة *** وكان يُؤتي نخلُهُ في السنةِ

حِمْلَيْنِ والوُلْدُ لِصُلْبٍ مائةُ *** مِنْ بعدِ عشرينَ ذُكورًا أُثبتوا

التاسعة والعشرون: أنه دعا لثابت بن قيس بن شماس بأنه يعيش سعيدًا ويقتل شهيدًا هكذا رواه ابن عبد البر [29] فكان كذلك عاش سعيدًا وقتل يوم اليمامة شهيدًا، وقول الناظم: “وثابت” بالجر أي دعا لثابت، وقوله: “حياته” أي في حياته، وقوله: “وموته” بالجر عطف على عيشه، ولو قال وقتله كان أحسن.

الثلاثون: أنه دعا لأنس بن مالك خادمه بكثرة المال والوُلد بضم الواو وسكون اللام لغة في الولد بفتحتين وبطول المدة في عمره فقال: “اللهم أكثر ماله وولده وبارك فيه” [30] فعاش نحو مائة سنة إلا سنة، وكان له نخل يحمل في كل سنة حملين كما رواه أبو العالية [31]، وكان ولده لصلبه مائة وعشرين ولدًا ذكورًا، وقول الناظم: “في عمره” بسكون الميم تخفيفًا، وقوله: “يؤتي” بضم التحتية وكسر الفوقية بعد الواو، وقوله: “نخله” فاعل يؤتي، قوله: “وحملين” أي حملتين، وقوله: “أثبتوا” بضم الهمزة وكسر الموحدة حشو كمل به الوزن.

وقالَ فيمَنِ ادَّعى الإسلاما *** وقدْ غزا معْهُ العِدا وحاما

معَ شدَّةِ القِتالِ للكفَّار *** معْهُ بأنهُ مِنَ اهلِ النارِ

فصَدَّقَ الله مقالَ السَّيّدِ *** بِنَحرهِ لِنَفسهِ عَمْدَ اليَدِ

الحادية والثلاثون: أنه قال في رجل ادعى الإسلام وغزا معه وأكثر قتال الكفار مع المسلمين: “إنه من أهل النار” فصدق الله مقالته فإنه أصابته جراحة فقتل نفسه بيده عمدًا كما في الصحيحين [32] وقاتل نفسه في النار. وقول الناظم: “معه” بسكون العين، والعدا بكسر العين الكفار، وقوله: “وحاما” أي احتفل وانتصر له، وقوله: “عمد اليد” بنصب عمد أي قتل نفسه بيده عمدًا.

وكانَ مِنْ عتَيْبةَ بن ابي لَهَبْ *** أذًى لهُ دعا عليهِ فوجَبْ

فسَلَّطَ الله عليهِ كَلبا *** قَتَلهُ الأسدُ قتْلًا صَعْبا

الثانية والثلاثون: كان بينه وبين عتيبة مصغرًا ابن أبي لهب أذى وذلك أنه بصق عليه فدعا عليه فوجب ما دعا به عليه، وذلك أنه سأل الله أن يسلط عليه كلبًا من كلابه فقتله الأسد قتلًا صعبًا بالزرقاء من أرض اليمامة كما روى قصته أبو نعيم وغيره [33].

وقدْ شكى لهُ قُحُوطَ المَطرِ *** شاكٍ أتاهُ وهْوَ فوقَ المِنبرِ

فرفعَ اليدينِ لله وما *** قزعةٌ ولا سحابٌ في السَّما

فَطَلعتْ سحابةٌ وانتشرتْ *** فأُمْطِروا جُمُعَةً تَوَاترتْ

حتى شُكِي لهُ انقطاعُ السُّبُلِ *** فأقْلَعَتْ لمَّا دعا الله العَلي

الثالثة والثلاثون: أنه لما شكى إليه شاك قحوط المطر أي حبسه وانقطاعه وهو فوق المنبر في خطبة الجمعة، فرفع يديه إلى الله ودعا وما في السماء قزعة بفتح الزاي أي قطعة من الغيم ولا سحاب، فطلعت سحابة من ورائه مثل الترس حتى توسطت السماء فاتسعت وانتشرت فأمطروا جمعة من الجمعة إلى الجمعة، وتواترت بفتح المثناتين والراء يعني الأمطار حتى شكى الناس إليه انقطاع السبل فدعا الله وقال: “اللهم حوالينا ولا علينا” فأقلعت أي كفت وانقطعت، رواه الشيخان وغيرهما [34]، وقول الناظم: “قحوط” مفعول مقدم، وقوله: “شكي” بالبناء لمفعول، وقوله: “انقطاع” برفعه نائب الفاعل، والسبل بضم الموحدة جمع سبيل.

وأطْعَمَ الألفَ زمانَ الخَنْدَقِ *** مِن دونِ صاعٍ وبُهَيمةٍ بَقي

بعدَ انْصِرافهم عَنِ الطعام *** أكثرُ مِمَّا كان مِنْ طعامِ

كذاكَ قدْ أطعمهم مِن تمرٍ *** أتتْ بهِ جاريةٌ في صُغرِ

الرابعة والثلاثون: أنه أطعم الألف الذين كانوا معه في غزوة الخندق من صاع شعير أو دون صاع، وبُهيمة بضم الموحدة تصغير بهمة وهي ولد الضأن، فأكلوا وشربوا وانصرفوا وبقي بعد انصرافهم عن الطعام أكثر مما كان من الطعام كما في الصحيحين عن جابر [35]. وقول الناظم: “وبقي” بسكون الباء وأصلها الفتح.

الخامسة والثلاثون: أنه أطعم أهل الخندق أيضًا من تمر يسير جدًا أتت به إليه جارية وهي بنت بشير بن سعد أخت النعمان بن بشير كما رواه عنه أبو نعيم [36]، وقال إنهم شبعوا منه جميعًا وكانوا ثلاثة ءالاف، وقول الناظم: “في صغر” أي الجارية صغيرة السن وهو إما حشو أو بيَّن به أن التمر غاية في القلة بحيث تقلّه بنت صغيرة جدًا.

وأمرَ الفاروقَ أن يُزوّدا *** مئينَ أربعًا أتَوْا فَزوّدا

والتمرُ كانَ كالفصيلِ الرَّابضِ *** كأنهُ ما مَسَّهُ مِنْ قابِضِ

السادسة والثلاثون: أنه أمر عمر الفاروق رضي الله عنه أن يزود أربعمائة راكب أتوا إليه من تمر كان عنده فزودهم منه والتمر كان مقداره كالفصيل الرابض أي الجالس، أي أن الجراب الذي فيه التمر بمقدار الفصيل إذا جلس فزودهم جميعهم وكأنه ما مسه قابض أي ما قبض أحد منه قبضة بيد، كما رواه أحمد وغيره [37] عن دكين بن سعيد الخثعمي وقال فيه: “كأنه لم يقبض منه تمرة واحدة”.

كذاكَ أقراصُ شَعيرٍ جُعِلَتْ *** مِنْ تحتِ إبطِ أنَسٍ فأكَلَتْ

جماعةٌ منها ثمانونَ وهمْ *** قدْ شَبِعوا وهْوَ كما أُتيَ لَهُمْ

وأطعمَ الجيشَ فكُلٌّ شَبِعا *** مِنْ مِزْوَدٍ وما بقي فيه دعا

لِصاحبِ المِزْوَدِ فيهِ فأُكِلْ *** منهُ حياتَهُ إلى حينَ قُتِلْ

عُثمانُ ضاعَ وَرَوَوا أنْ حِمْلا *** خمسينَ وِسْقًا منهُ لله علا

السابعة والثلاثون: أنه أطعم جماعة من أقراص شعير قليلة بحيث جعلها أنس تحت إبطه لقلتها فأكل منها ثمانون رجلًا وشبعوا كلهم وهو كما أتى لهم كأنه لم يمسسه أحد كما جاء في الصحيحين عن أنس [38]، وقول الناظم: “أكلت” بفتح الهمزة مبني للفاعل، وجماعة فاعل أكلت.

الثامنة والثلاثون: أنه أطعم الجيش حتى وصلوا إلى حد الشبع من مزود وهو وعاء التمر ورد ما بقي فيه لصاحبه أبي هريرة ودعا له بالبركة فأكل منه حياته أي حياة النبي وأبي بكر وعمر وعثمان إلى حين قتل عثمان فضاع المزود لما نهب بيت أبي هريرة.

التاسعة والثلاثون: روى أهل السير من طريق ابن سيرين عن أبي هريرة أنه يعني أبا هريرة حمل من ذلك المزود خمسين وسقًا في سبيل الله عز وجل، أخرج البيهقي عنه [39] قال: “أصبت بثلاث مصائب في الإسلام: موت النبي، وقتل عثمان، والمزود”، وقيل: وما المزود فذكر نحو ما تقدم، وقول الناظم: “المِزود” بكسر الميم، وقوله: “بقِي”: بكسر القاف وسكون الياء للضرورة، وألف حملا للإطلاق.

وفي بِنائِهِ بزَينبَ اطْعَما *** خَلقًا كثيرًا منْ طعامٍ قُدِّما

أهدَتْ لهُ أمُّ سليمٍ رُفِعا *** مِنْ بينهمْ وهْوَ كما قد وُضِعا

الأربعون: أنه حين بنائه بزينب بنت جحش أطعم خلقًا كثيرًا من طعام قدم إليه في قصعة أهدتها إليه أم سليم سهلة بنت ملحان أم أنس، ثم رفع الطعام من بينهم وقد شبعوا وهو كما وضع أو أكثر كما رواه أبو نعيم عن أنس [40]، والألف في قول الناظم: “وقدما” للإطلاق.

والجيشُ في يومِ حُنينٍ إذ رموا *** منهُ بقبضةٍ تُرابًا هُزمُوا

وأنْزلَ الله بهِ كِتابا *** وامتلأتْ أعيُنُهُم تُرابا

الحادية والأربعون: أنه في يوم غزوة حنين رمى الكفار بقبضة من تراب وقال: “شاهت الوجوه” فامتلأت أعينهم كلهم ترابًا وهزموا عن ءاخرهم، وأنزل الله تعالى في ذلك كتابًا أي قرءانًا فقال: {وما رميتَ إذْ رميتَ ولكنَّ اللهَ رمى} [سورة الأنفال/17] كما رواه مسلم وغيره [41]، وقول الناظم: “والجيش” مبتدأ، وقوله: “ترابا” نصب على التمييز أو على حذف حرف الجر أي بقبضة من تراب.

كذا الترابُ في رءوسِ القومِ قدْ *** وضَعَهُ ولمْ يرهْ منهُم أحدْ

وكمْ لهُ مِنْ معجزاتٍ بيّنهْ *** تضيقُ عنها الكُتُبُ المُدَوَّنهْ

الثانية والأربعون: أنه لما اجتمعت صناديد قريش في دار الندوة وأجمعوا على قتله وجاءوا إلى بابه ينتظرون خروجه فيضربونه بالسيوف ضربة رجل واحد، خرج عليهم ووضع التراب على رأس كل واحد منهم ولم يره أحد كما مر.

وكم له من معجزات بينة ظاهرة كظهور الشمس في رابعة النهار، ووقع الاقتصار على هذا المقدار لما أنه تضيق عنها الكتب المدونة أي المجموعة.

[1] أخرجه أحمد في مسنده [4/123 و5/478].

[2] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب المناقب: باب علامات النبوة في الإسلام.

[3] أخرجه الترمذي في سننه: كتاب المناقب: باب في ءايات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وما قد خصَّه الله عز وجل به.

[4] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب المناقب: باب علامات النبوة في الإسلام.

[5] رواه الطبراني في الأوسط، والبزار في مسنده [انظر كشف الأستار للهيثمي 3/135].

[6] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب المناقب: باب علامات النبوة في الإسلام.

[7] دلائل النبوة [ص/389]، ورواه الحاكم في المستدرك [2/620] وصححه.

[8] أخرج القصة البخاري في صحيحه من غير تسمية المرأة: كتاب الجزية والموادعة: باب إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم.

[9] أخرجه البيهقي في دلائل النبوة [4/360-361].

[10] أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الجهاد: باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم والبيهقي في سننه [8/13].

[11] دلائل النبوة [ص/373].

[12] الخصائص الكبرى [2/110].

[13] أخرجه ابن ماجه في سننه: كتاب الطهارة وسننها: باب الارتياد للغائط والبول، وأحمد في مسنده [4/172-173].

[14] أخرجه أبو داود في سننه: كتاب المناسك: باب في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ، والنسائي في السنن الكبرى مختصرًا بلفظ “أعظم الأيام عند الله يوم النحر ويوم القر” [2/444].

[15] المستدرك للحاكم [3/295]، دلائل النبوة للبيهقي [3/251].

[16] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب فضائل الصحابة: باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسن رضي الله عنه، ومسلم في صحيحه: كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

[17] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب المغازي: باب قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق.

[18] طبقات ابن سعد [2/35]، تاريخ الطبري [2/67].

[19] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب المناقب: باب علامات النبوة في الإسلام.

[20] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الجهاد والسير: باب غزوة بدر، وأبو داود في سننه: كتاب الجهاد: باب في الأسير ينال منه ويضرب ويقرر.

[21] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الجهاد والسير: باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء.

[22] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الصلح: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما: “ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين”،  وأحمد في مسنده [5/44]، والطبراني في المعجم الكبير [3/33].

[23] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب فضائل الصحابة: باب مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي رضي الله عنه.

[24] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب العلم: باب ما يُذكر في المناولة.

[25] دلائل النبوة لأبي نعيم [ص/540]، المعجم الكبير للطبراني [4/213]، دلائل النبوة للبيهقي [5/268]، قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد [6/223]: “فيه جماعة لم أعرفهم”.

[26] أخرجه الترمذي في سننه: كتاب المناقب: باب في مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

[27] دلائل النبوة [4/213].

[28] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الوضوء: باب وضع الماء عند الخلاء بلفظ: “اللهم فقهه في الدين”، ومسلم في صحيحه بلفظ: “اللهم فقهه” كما قال الحافظ في الفتح: كتاب فضائل الصحابة: باب فضائل عبد الله بن عباس رضي الله عنه، وأخرج المتن الذي ذكره الشارح أحمد في مسنده [1/266]، والطبراني في المعجم الكبير [10/263].

[29] الاستيعاب [1/193].

[30] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الدعوات: باب قول الله تبارك وتعالى: {وَصَلِّ عليهم} ومن خص أخاه بالدعاء دون نفسه، ومسلم في صحيحه: كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل أنس بن مالك رضي الله عنه.

[31] أخرجه الترمذي في سننه: كتاب المناقب: باب مناقب لأنس بن مالك رضي الله عنه.

[32] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب المغازي: باب غزوة خيبر، ومسلم في صحيحه: كتاب الإيمان: باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه.

[33] دلائل النبوة لأبي نعيم [ص/455-456].

[34] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الجمعة: باب الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة، ومسلم في صحيحه: كتاب صلاة الاستسقاء: باب الدعاء في الاستسقاء، والنسائي في سننه: كتاب الاستسقاء: باب مسألة الإمام رفع المطر إذا خاف ضرره، وابن ماجه في سننه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها: باب ما جاء في الدعاء في الاستسقاء.

[35] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب المغازي: باب غزوة الخندق وهي الأحزاب، ومسلم في صحيحه: كتاب الأشربة: باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك ويتحققه تحققًا تامًا واستحباب الاجتماع على الطعام.

[36] دلائل النبوة لأبي نعيم [ص/499].

[37] أخرجه أحمد في مسنده [4/174].

[38] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب المناقب: باب علامات النبوة في الإسلام، ومسلم في صحيحه: كتاب الأشربة: باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك ويتحققه تحققًا تامًا واستحباب الاجتماع على الطعام.

[39] أخرجه البيهقي في دلائل النبوة [6/110].

[40] دلائل النبوة لأبي نعيم [ص/558].

[41] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الجهاد والسير: باب في غزوة حنين، وأحمد في مسنده [5/286].