باب ذكر رُسله عليه الصلاة والسلام إلى الملوك
أوَّلُ مَنْ أرسلهُ النبيُّ *** لملكٍ عمرٌو هُوَ الضَّمْريُّ
إلى النجاشيّ فلمَّا قدِما *** نزلَ عن فراشِهِ فأسلما
وأركبَ المُهاجرينَ البحرا *** إليهِ في سفينَتينِ طُرَّا
زوَّجَهُ رَمْلةَ عمرٌو قَبلهْ *** لهُ ومهرها النجاشي بذلَهْ
أول من أرسل المصفطى لملك من الملوك عمرو بن أمية الضمري أرسله إلى النجاشي أصحمة ملك الحبشة فلما قدم عليه بالكتاب نزل عن فراشه أدبًا مع الكتاب فأسلم وحسن إسلامه، وأركب النجاشي المهاجرين البحر وساروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في سفينتين مع عمرو بن أمية طرًّا أي جميعًا، وزوّج النجاشي للنبي أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان وكانت هاجرت مع زوجها عبد الله بن جحش فمات هناك، وقيل: عمرو بن أمية عقد النكاح للنبي. وقول الناظم: “ومهرها” بفتح الميم مع سكون الهاء وفتح الراء مع الهاء أي دفع النجاشي المهر من عنده بدل النبي وهو أربعة ءالاف درهم.
ودِحيةٌ أرسَلهُ لقيصرا *** وهْوَ هِرقلٌ فعصى واستكبرا
وابن حُذافةٍ مضى لكِسرى *** فمزَّقَ الكتابَ بغيًا نُكْرا
وأرسل المصطفى دحية الكلبي لقيصر ملك الروم وهو هرقل في دمشق فخاف على ملكه فعصى واستكبر عن الإيمان لكنه أخذ بكتابه ووضعه في قصبة من ذهب تعظيمًا له فدعا به المصطفى بأن يثبت ملكه [1]، وأرسل ابن حذافة لكسرى واسمه أبزويز فقرأ الكتاب ثم مزقه نُكرًا بضم الكاف أي منكرًا فدعا “المصطفى” عليه بأن يمزق الله ملكه فمزقه.
وحاطبًا أرسل للمُقَوقِسِ *** فقالَ خيرًا ودنا لم يُؤيسِ
أهدى لهُ ماريةَ القُبطيَّهْ *** وأختها سيرينَ معْ هديَّهْ
مِنْ ذهبٍ وقدحٍ مِنْ عسلْ *** وطُرَفٍ مِنْ مصرَ مِن بَنْها العسَلْ
وأرسل المصطفى حاطبًا للمقوقس ملك الإسكندرية فقال المقوقس خيرًا أي قال: ننظر في أمر هذا الرجل فإنه لا يأمر برهوب منه ولا ينه عن مرغوب فيه، ودنا أي قرب إلى الإسلام ولم يؤمن، وأهدى إلى النبي هدية منها مارية القبطية وأختها سيرين مع هدية كثير منها ألف مثقال من ذهب وقدح من قوارير وطرف من عسل، وطرف بضم الطاء جمع طرفه ما يستطرف أي يستملح من مصر بنها العسل، فدعا المصطفى لعسل بنها بالبركة ووصلت الهدية إليه سنة سبع وقيل: ثمان، قال ابن الأثير: ولم يسلم المقوقس.
وأرسلَ ابن العاصِ حتى أدَّى *** كتابهُ إلى ابني الجُلُندى
فأسلما وصدَّقا وخلَّيا *** ما بينَ عمرٍو والزَّكاةَ هَدَيا
وأرسل عمر بن العاص إلى ملكي عُمان بضم العين ابني الجلندى بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال مقصورًا، فلما قرءا كتابه أسلما وصدقا الرسول فيما جاء به وخليا بين عمرو وبين الزكاة أي مكَّناه من قبضها من رعاياهم.
وأرسَلَ السَّليطَ لليمامةِ *** لهُوذةٍ ملكِ بني حنيفةِ
فأكرمَ الرسولَ إذْ أنزلهُ *** وقالَ ما أحسنَ ما يدعو لهُ
سألَ أنْ يجعلْ بعضَ الامرِ *** لهُ فلمْ يُعْطَ قضى في الكفرِ
وأرسل السليط بفتح المهملة إلى اليمامة لهوذة بضم فسكون وصرفه الناظم للضرورة ملك بني حنيفة بفتح الحاء المهملة وصرفه أيضًا للضرورة، فلما قرأ الكتاب أكرم الرسول وأنزله عنده وحياه وأجازه وقال: ما أحسن ما يدعو إليه وأجمله، وأرسل يسأل النبي أن يجعل له بعض الأمر فلم يُعط بالبناء للمفعول أي ما أجابه النبي إلى ذلك، وجاءه جبريل فأخبره أنه قضى أي مات على النصرانية.
كذا شُجاعُ الأسَديُّ يلقى *** الحارثَ الغسانَ مَلْكَ البلقا
رمى الكِتاب قال إني سائرُ *** إليهِ ردّهُ هِرقلُ قيصرُ
وقيلَ بلْ أرسلهُ لِجَبْلهْ *** فقاربَ الأمرَ ولكنْ شغلهْ
المُلكُ ثمّ في زمانِ عُمرا *** أسلمَ ثمّ ارتدَّ حتى كفرا
وكذا شجاع –بضم المعجمة- ابن وهب الأسدي أرسله يلقى بفتح أوله الحارث الغساني ملك البلقاء من عمل دمشق فأتاه بالكتاب وهو بغوطة دمشق فقرأ ثم رمى به وقال: من ينازع في ملكي إني سائر إليه ولو كان باليمن وعزم على ذلك فرده قيصر وهو هرقل، وقيل: إنما أرسل شجاعًا إلى جبلةَ بالتحريك الغساني ءاخر ملوك بني غسان فلما قدم عليه قارب الأمر لكن شغله الملك فلم يُسلم، ثم أسلم في زمن عمر على يديه ثم لطم عين رجل من مزينة فقضى عمر بالقصاص فأنف جبلة وقال: عيني وعينه سواء لا أقيم بهذه ولحق بعمورية ثم ارتد ومات بها كافرًا.
وابنَ أبي أميةَ المُهاجِرا *** أرسلهُ لحارثِ بنِ حِمْيَرا
عبْدُ كُلالِ أبُهُ فردّدا *** أنْظُرُ في أمري وبعدُ وفدا
على النبيّ مُسلمًا فاعتنقَهْ *** وفرشَ الرِدا له ووَمَّقهْ
قوله: “وابن” بالنصب ويجوز رفعه من باب اشتغال العامل عن المعمول أي أرسل المهاجر ابن أبي أمية إلى الحارث بن حمير بكسر الحاء، وقوله: “عبد كُلال” بضم الكاف، و”أبه” بضم الباء الموحدة أي هو أبو الحارث على حدّ: “بأبه اقتدى عدي في الكرم”، أي وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجر ابن أبي أمية المخزومي شقيق أم سلمة زوجته إلى الحارث بن عبد كُلال الحميري باليمن وأمره أن يقرأ عليه سورة “لم يكن” ففعل، فتردد وقال: أنظر في أمري، وبعد ذلك هداه الله فوفد على المصطفى مسلمًا فاعتنقه وفرش له الرّدا بالقصر للضرورة وومَّقه بشد الميم أي أحبه فقال فيه: “يقدم عليكم من هذا الفج رجل كريم الجدين مليح الخدين”، فكان هو [2].
وأرسلَ العَلا أي ابنَ الحضرمي *** لمُنذرٍ وهْوَ ابنُ ساوى الدَّارِمي
كانَ مع العَلا أبو هُريرةِ *** فانْقادَ منذرٌ بخيرِ ملّةِ
ووفدَ المنذرُ عامَ الفتحِ أوْ *** في عامِ تسعةٍ خِلافًا قد حكوا
وأرسل العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى بفتح المهملة والواو وقيل: بكسرها، الدارمي صاحب البحرين وكان مع العلاء أبو هريرة، فانقاد المنذر لملة الإسلام وهي خير ملة، ووفد عام الفتح [3] على المصطفى مع الجارود وقيل: إما قدم في سنة تسع قد حكوا هذا الخلاف ولم يرجحوا.
كذاكَ قدْ أرسلْ مُعاذًا وأبا *** موسى إلى مخالفٍ فاقتربا
وقالَ يسّرا ولا تُعَسّرا *** وبشرا طَوْعًا ولا تُنَفّرا
وكذا أرسل معاذ بن جبل الخزرجي وأبا موسى عبد الله بن قيس الأشعري إلى مخالف بفتح الميم وخاء معجمة جمع مخلاف وهو الكورة أو الإقليم. وقول الناظم: “فاقتربا” أي بعث كلًا منهما إلى مخلاف وتقاربا في المكانين وقال لهما: “يسرا ولا تعسرا وبشرا وكونا طوعًا” أي تطاوعا ولا تنفرا الخلق عن الإسلام، فانطلق كل منهما إلى عمله وقبلا وصيته.
كذا جريرٌ نحْوَ ذي الكلاعِ *** ونحوَ ذي عمرٍو ونِعمَ الداعي
دَعاهُما لمِلَّةِ الإسلامِ *** فأسلما لله باسْتِلامِ
وكذا أرسل جرير بن عبد الله البجلي نحو الكلاع بالتخفيف ونحو ذي عمرو يدعوهما إلى الإسلام ونِعمَ الداعي جرير بن عبد الله دعاهما لملة الإسلام فأسلما لله باستسلام أي بانقياد دون محاربة وتوفي المصطفى وجرير عندهم.
وعَمْرًا الضَّمْريْ إلى مُسَيلمهْ *** فلمْ يَؤبْ عنْ كِذْبِهِ ولزِمَهُ
أرسَلَ لهُ كتابهُ معْ سائبِ *** ثانيةً فلمْ يكُنْ بالتائبِ
وأرسل عمرو بن أمية الضمري إلى مسيلمة باليمامة فلم يؤب أي يرجع عن كذبه بل لزمه، ثم أرسل له كتابه مرة ثانية مع السائب بن العوام أخي الزبير فلم يكن مسيلمة بالتائب عن كذبه ولا رجع عنه.
وبعدهُ عيَّاشًا ايضًا أرسَلا *** إلى بني عبدِ كُلالٍ قَبِلا
كلُّهُمُ كِتابهُ وأسلموا *** نعيمٌ الحارثُ مسروحٌ همُ
وأرسل بعده أيضًا عياش –بشين معجمة- ابن أبي ربيعة المخزومي إلى بني عبد كُلال بضم الكاف وهم ثلاثة فأقبل حتى انتهى إلى سُتورٍ عظامٍ على أبواب دور ثلاثة فقال: أنا رسول رسول الله إليكم، فقبل كل واحد من الثلاثة كتابه وأسلموا وهم نعيم والحارث ومسروح بسين وحاء مهملتين.
وأرْسَلَ النَّبيُّ أيْضًا إذْ كتبْ *** لعدَّةٍ لمْ يُسْمَ مَنْ بها ذهبْ
لِفَرْوَةَ بنِ عمرٍو الجُذامي *** أفْلَحَ إذ أقرَّ بالإسلامِ
ولبني عمرٍو وهمْ مِن حِمْيَرِ *** كذاكَ مَعْدي كَرِبَ المُشْتَهِرِ
وأرسل المصطفى رسلًا أيضًا لأنه كتب إلى عدة من الملوك، والكتاب لا بدّ من رسول يذهب به لكن لم يسم من ذهب به، فكتب لفروة بن عمرو الجُذامي بضم الجيم وأفلح كلا الفلاح إذ أي حين أقر أي نطق بالشهادتين، وكتب لبني عمرو وهم من حمير ولمعدي كرب الصحابي الجليل المشهور.
ولأساقِفَ بِنجران كتبْ *** كذا لِمَنْ أسلَمَ منْ حدسٍ عربْ
وابنِ ضِمادٍ خالدِ الأزدي *** ولابنِ حزمٍ عمرٍو الرَّضِيّ
وليزيدَ بنِ الطُّفيلِ الحارثِ *** ولبني زيادٍ بنِ الحارثِ
ولأخي تميمٍ اوسٍ كتبا *** وهوَ لدى أولادهم ما ذهبا
وكذا كتب لأساقف نجران ولمن أسلم من حدس بفتح الحاء المهملة والدال وسكنت للون ثم سين مهملة وهم عرب، وكتب إلى ابن ضِماد بكسر الضاد المعجمة واسمه خالد الأزدي، وكتب إلى عمرو بن حزم بن زيد من بني مالك بني النجار الرضي أي المرضي استعمله المصطفى على نجران وهو ابن سبع عشرة سنة. وكتب لنعيم بن أوس “أخي تميم” الداري بأن له حبرى كفعلى قرية بين وادي القرى والشام، وهذا الاقتطاع عند أولاده قرنًا بعد قرن ما ذهب منهم إلى الآن، وكتب ليزيد بن الطفيل الحارثي أن له المضة كلها [لا يحاقه فيها أحد] ما أقام الصلاة وءاتى الزكاة وحارب المشركين، وكتب لبني زياد بن الحارث الحارثيين أن لهم جمعاء تأنيث الآجم موضع من محال المدينة وأذنبة وأنهم ءامنون ما أقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة وحاربوا المشركين. هذا ما ذكره الناظم وذكر غيره جماعة أخرى كتب لهم.
[1] هذا ليس له صحة.
[2] تعقب الحافظ ابن حجر في الإصابة [1/283] هذا بقوله: “والذي تظافرت به الروايات أنه أرسل بإسلامه وأقام باليمن” اهـ.
[3] قال ابن سيد الناس في عيون الأثر [2/334]: “وذكر ابن القانع أنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو الربيع بن سالم: ولا يصح ذلك” اهـ.