باب ذكر خلُقه في اللباس ﷺ
أي ما يلبس.
يلبسُ ما مِنَ الثيابِ وجدا *** منَ الإزارِ والقميصِ والرِّدا
وبُردةٍ وشُملةٍ وحِبرهْ *** وجُبَّةٍ أو فقُباءٍ حَضَرَهْ
لبسَ أيضًا حُلَّةً حمراء *** فزادَها بحُسنهِ بهاء
ورُبَّما ارتدى الكِساءَ وحْدهْ *** ليسَ عليهِ غيرهُ لمْ يعدُهْ
وربَّما كانَ الإزارُ وحدهُ *** ليسَ عليهِ غيرهُ يَعقدُهُ
وربما كانَ عليهِ مِرْطُ *** مُرَحَّلٌ يَقْنعُ لا يَشْتَطُّ
وربما صلَّى بثوبٍ واحدِ *** مُلتحِفًا بهِ بغيرِ زائدِ
كان يلبس من الثياب ما وجده من إزارٍ وقميص ورداء وبردة وشملة وحبرة بكسر ففتح ثوب أخضر مخطط من برود اليمن، وجبةٍ من صوف وقباء بالمد عربي من قبوت الشيء ضممته. وقول الناظم: “حضره” [أي يلبس حضره] من ذلك كما كان يأكل ما حضر. ولبس أيضًا حلة حمراء وهي ثوبان من جنس واحد فلما لبس الحلة الحمراء زادها بحسنه بهاء إلى بهائها، وقوله: “وربما ارتدى الكساء” أي بالكساء فحذف حرف الجر نحو: تمرون الديار أي بالديار، وحده ليس عليه شيء غيره، ولم يعدُهُ بسكون العين أي لم يجاوز الكساء إلى غيره، وربما كان يلبس الإزار وحده ليس عليه غيره، وقوله: “بعقدة” الباء حرف جر وعقدة بضم العين مجرور أي يربطه بعقدة يعقد بها، وربما كان عليه مِرط بكسر الميم كساء من صوف أو خز مرحل بحاء مهملة مفتوحة مشددة أي نقش فيه تصاوير [1]، وفي أبي داود [2]: “خرج علينا رسول الله وعليه مرط مرحل من شعر أسود”، وكان يتقنع بذلك ولا يشتط أي لا يفرط بل يراعي الوسط المعتدل في خشونة الثياب ولينها ويستعمل ما حضر من غير تكلف، وربما صلى بثوب واحد أي فيه ملتحفًا به أي مشتملًا به بغير زائد عليه، وفي البخاري [3] عن الزهري: المتلحف المتوشح، وهو المخالف بين طرفيه على عاتقه.
لا يُسبلُ القميصَ والإزارا *** بل فوقَ كعبَيْهِ هُما اقْتِصارا
بل ربما كانا لنصفِ السَّاقِ *** تواضُعًا لربِّهِ الخَلاقِ
كان لا يُسبل القميص ولا الإزار أي لا يرسلهما إلى الأرض إذا مشى لأن ذلك فعل المتكبرين بل يجعل الإزار والقميص فوق كعبيه، وقوله: “هما اقتصارا” أي مقتصرًا على ذلك لا يزيد عليه، وفي خبر [4]: “ما جاوز الكعبين ففي النار” [5] بل ربما كان إزاره وقميصه لنصف الساق، يفعل ذلك [تواضعًا] لربه الخلاق سبحانه.
يلبسُ ثوبهُ منَ الميامينِ *** ونزْعُهُ بالعكسِ للتَّيامُنِ
كان إذا لبس ثوبه لبسه من ميامنه كما في الترمذي عن أبي هريرة [6]، وإذا نزعه نزعه بالعكس أي ينزعه من مياسره، وإنما كان يفعل ذلك رعاية للتيامن فإنه كان يحب التيامن في شأنه كله أي مما هو من قبيل التكريم والتياسر في ضد ذلك، وفي خبر أبي الشيخ وغيره [7]: “كان إذا لبس بدأ بالأيمن وإذا نزع بدأ بالأيسر”.
كانتْ لهُ مِلحفَةٌ مَصبوغةُ *** بزعفرانٍ أو بوَرْسٍ يُنبَتُ
كانت له ملحفةٌ بكسر الميم مصبوغة بزعفران أو بورس، وقوله: “ينبت” بالبناء للمفعول أي هو نبت يزرع باليمن، وفي أبي داود [8]: “كانت له ملحفة مصبوغة بزعفران أو ورس يشتمل بها”.
يقولُ عندَ اللبسِ باللسانِ *** الحمدُ للهِ الذي كَساني
ما يستُرُ العورةَ مِنْ لباسِ *** معَ التَّجمُّلِ بهِ في النَّاسِ
كان إذا لبس ثوبًا جديدًا يقول عند لبسه بلسانه: “الحمد لله الذي كساني ما يستر عورتي” من اللباس مع التجمل به في الناس، وفي خبر الترمذي [9]: “من لبس ثوبًا جديدًا فقال: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي ثم عمد إلى الثوب الذي أخلق فتصدق به كان في كنف الله وفي حفظ الله وفي ستر الله حيًّا وميتًا”.
ويصعدُ المنبرَ إذْ يشاءُ *** برأسِهِ عِصابةٌ دَسْماءُ
كان يصعد المنبر إذ يشاء أيَّ وقت شاء على أي حال تيسَّرَ فربما صعدهُ وبرأسه أي عليه عصابة دسماء أي لونها لون الدسم يعني سوداء [10] وهذا مروي في البخاري وغيره [11]، والمنبر بكسر الميم.
ونعلُهُ الكريمةُ المَصونهْ *** طُوبى لمنْ مَسَّ بها جَبينهْ
لها قِبالانِ بسَيْرٍ وَهُما *** سِبْتِيَّتانِ سَبَتوا شعرهُما
وطولُها شبرٌ وإصبعانِ *** وعرضُها مِمَّا يلي الكعبانِ
سبعُ أصابعَ وبطنُ القدَمِ *** خمسٌ وفوقَ ذا فَسِتٌّ فاعلمِ
ورأسُها مُحدَّدٌ وعرضُ ما *** بينَ القِبالَينِ اصبعانِ اضْبِطْهُما
وهذهِ تِمثالُ تلكَ النعلِ *** ودورها أكْرِمْ بها مِنْ نعلِ
وأما صفة نعله الكريمة المصونة عن الأدناس فهي التي تُسمى التاسومة طوبى لمن مس بها جبينه، وكان لنعله قبالان كما في البخاري وغيره [12] وهما تثنية قِبال بقاف مكسورة وهو الزمام الذي بين الأصبع الوسطى والتي تليها، والباء في قول الناظم: “بسيرٍ” بمعنى من أي القبال من سير وهما أي النعلان سبتيتان مخصوفتان أي سبتوا [13] شعرهما وقيل كانت صفراء، والسبتية بالكسر جلود البقر المدبوغة سميت به لأن شعرها سبت أي حلق وأزيل أو لأنها أسبتت بالدباغ أي لانت، وكان طولها شبرًا وإصبعين وعرضها من جهة الكعبين سبع أصابع مستوية وبطن القدم منهما خمس أصابع وفوق بطن القدم ست أصابع فاعلم هذه الحدود، ورأسها أي رأس النعل محدودٌ، قال السهيلي: جاء في صفة نعله أنها كانت معقبة مخصرة محترمة هو كالتحديد في مقدمها وكان [عرض ما] بين القبالين إصبعين ملتصقين، وقوله “اضبطهما” حشو كمل به الوزن وكذا قوله قبله: “فاعلم”، وهذه الصفة التي ذكرها الناظم هي صفة تمثال لتلك النعل الشريفة وتحديد دورها فأكرم بها من نعل مباركة شريفة.
[1] ليس صور حيوان بل صور الرحال رحل الإبل وهو ما يوضع عليه ليركب.
[2] أخرجه أبو داود في سننه: كتاب اللباس: باب في لبس الصوف والشعر.
[3] صحيح البخاري: كتاب الصلاة: باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفًا به.
[4] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب اللباس: باب ما أسفل من الكعبين فهو في النار، وأبو داود في سننه: كتاب اللباس: باب في قدر موضع الإزار، والنسائي في سننه: كتاب الزينة: باب ما تحت الكعبين من الإزار.
[5] هذا إذا كان على وجه التكبر.
[6] أخرجه الترمذي في سننه: كتاب اللباس: باب ما جاء في القميص.
[7] أخلاق النبي [ص/220].
[8] أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الأدب: باب كم مرة يسلم الرجل في الاستئذان.
[9] أخرجه الترمذي في سننه: كتاب الدعوات [ح/3560].
[10] دسماء من أثر الزيت ليس السواد الحقيقي من الزيت الذي على رأسه تصير دسماء.
[11] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب مناقب الأنصار: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: “اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم”.
[12] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب اللباس: باب قِبلان في نعل، ومن رأى قِبالًا واحدًا واسعًا.
[13] أي أزالوا شعرهما.