الأحد ديسمبر 22, 2024

باب ذكر خصائصه

وهي كثيرة وفيها مؤلفات غزيرة شهيرة وذكرها جائز بمندوب بل قيل يجب، ثم هي أربعة أضرب: الأول: الواجبات لزيادة ثوابها على مثلها نفلًا بسبعين درجة وإليها أشار الناظم بقوله:

خُصَّ النبيُّ بوجوبِ عِدَّهْ *** الوِتْرِ والسّواكِ والأُضحيهْ

كذا الضُّحى لوْ صحَّ والمُصابرهْ *** على العدوّ وكذا المُشاورهْ

والشافعي عَنِ الوجوبِ صَرَفَهْ *** حَكاهُ عنهُ البيهقيْ في المعرفهْ

خُصَّ النبي بوجوب عدة أمور فهي فرض عليه وفي حق أمته نفل وحكمته زيادة الزلفى والدرجات، الأول: الوتر، الثاني: السواك لكل صلاة، الثالث: الأضحية، الرابع: الضحى لو صح ما جزموا به من وجوبها عليه لكنه لم يصح، قال البلقيني: لم يثبت أن الضحى واجبة عليه كما جزموا به، الخامس: المصابرة على قتال العدو وإن كثروا وزادوا على الضعف، السادس: وجوب المشاورة للعقلاء عن المعظم لآية {وشاوِرهُمْ في الأمرِ} [سورة ءال عمران/159] لكن الشافعي صرفه أي صرف الأمر بالمشاورة للندب فقال: هو كقولك البكر تستأمر، حكاه عنه البيهقي في كتاب المعرفة، وهل في الحرب ومكائد العدو فقط أو في أمر الدنيا أو في أمر الدين وجوه حكاها الماوردي.

كذا التَّهَجُّدُ ولَكِنْ خُفّفا *** نَسْخًا وقيلَ الوِترُ ذا وَضُعّفا

السابع: التهجد وهو صلاة الليل فُرض عليه وعلى أمته حولًا كاملًا، لكن خفف ذلك عنه وعن أمته ونسخ وجوبه بما في ءاخر المزمل، وقيل: إن الوتر هو التهجد وضعف هذا القول، والأصح أنه غيره وأن الوتر واجب عليه ولم ينسخ.

كذا قضاءُ دَيْنِ مَنْ ماتَ ولمْ *** يَترُكْ وفاءً قيلَ بلْ هذا كَرَمْ

الثامن: قضاء دين من مات وعليه دين ولم يخلف وفاء أي إن زاد ما عده على مصالح الأحياء، وقيل: بل إنما كان الذي يقضيه كرمًا منه لا وجوبًا عليه، وعلى الأول الأصح فلا يجب على الإمام بعده قضاؤه من المصالح.

ومن الواجبات عليه أيضًا أن يمون عيال من مات معسرًا ويؤدي الجنايات عمن لزمته وهو معسر، وكذلك الكفارات وغير ذلك.

كذاكَ تَخْيِيرُ النساءِ اللاتي *** معْهُ فأمَّا في المُحَرَّماتِ

التاسع: تخيير نسائه أي زوجاته اللاتي كن معه في عصمته بين مفارقته والمُقام معه، ولا يشترط الجواب فورًا، وفي جوازه قبل مشاورتها وجهان، ثم من اختارت المقام معه فله طلاقها، ومن اختارت فراقه ولم تتراجع لزمه طلاقها.

ومن الواجبات عليه أيضًا راتبة الصبح لخبر في المستدرك وغيره [1]، وتغيير المنكر مطلقًا وإن ظن أن فاعله فعله عنادًا خلافًا للغزالي، قيل: وغسل الجمعة لخبر فيه لكنه واهٍ، وأربع عند الزوال، والوضوء لكل صلاة ثم نسخ بالوضوء كلما أحدث فلا يكلم أحدًا ولا يرد سلامه حتى يتوضأ ثم نسخ، ووجوب الوفاء بوعده كضمان غيره بخلاف سائر الأمة ذكره ابن الجوزي وغيره، والصبر على ما يكره، وصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، والرفق، وترك الغلظة، وإبلاغ كل ما أنزل إليه [2]، وخطاب الناس بما يعقلون، والدعاء لمن أدى صدقة ماله ذكره ابن رزين وغيره. وقوله “قومًا” إلى ءاخره يأتي شرحه مع ما بعده.

فما أبيحَ لِسواهُ حُرِّما *** عليهِ فهْوَ مَدُّ عَيْنَيْهِ لِما

قد مُتِّعَ الناسُ بهِ منْ زهرةِ *** دُنياهُمُ كذاكَ مِنْ خائنةِ

الأعيُنِ اعدُدْهُ وَنَزْعُهُ لِما *** لَبِسَ منْ لأْمةِ حربٍ حُرِما

حتى يُلاقيَ العِدا فيَنْزِعا *** صدقةً فامنَعْ ولوْ تَطَوُّعا

الضرب الثاني: المحرمات أي مما أبيح فعله لغيره وحرم عليه هو خاصة وهي أمور الأول: مد عينيه إلى ما متع الناس به من زهرة الحياة الدنيا، الثاني: خائنة الأعين بأن يومئ إلى مباح من ضرب أو قتل على خلاف ما يظهره، وقيل له خائنةٌ لأنه يشبه الخيانة من حيث إنه يخفى، ومثله في ذلك الأنبياء، قال ابن القاص: ومثل ذلك أن يخدع في الحرب وخالف الجمهور، الثالث: نزعه لما لبسه من لأمته أي درعه وسلاحه عند دعاء الحاجة لذلك حتى يلاقي العدو فيقاتل أو يحكم الله بينه وبين عدوه، وكذلك جميع الأنبياء، قال أبو سعيد وابن سراقة: وكان لا يرجع إذا خرج إلى الحرب ولا ينهزم إذا لقي العدو وإن كثر، الرابع: الصدقة فيحرم عليه قبولها ولو تطوعًا. وقول الناظم: “حرما” بضم الحاء وشد الراء المكسورة، وقوله: “متع” بضم الميم وكسر التاء المشددة، و”زهرة” بفتح الزاي، وقوله: “اعدده” حشو كمل به الوزن، وقوله: “لما لبس” أي لبسه من لأمة بهمزة ساكنة بعد اللام وتخفف، وقوله: “حرم” بضم الحاء وكسر الراء، والعِدا بكسر العين، وقوله: “صدقة فامنع” في نسخة: “لصدقة امنع” وهو مفعول مقدم تقديره امنع حِل أكله الصدقة.

والشَّعْرَ والخطَّ وقيلَ يمنعُ *** ثُؤْمٌ ونحوُهُ وأكلٌ يَقَعُ

معَ اتّكاءٍ والنكاحَ للأَمهْ *** معَ الكتابيَّةِ غيرِ المُسلمهْ

كذاكَ إمْساكُ التي قدْ كَرِهَتْ *** نِكاحهُ والخُلْفُ في هذا ثَبَتْ

الخامس: الشعر أي إنشاؤه قال الماوردي: وكذا راويته والقراءة في الكتاب.

السادس: الخط أي نقله قال البغوي في التهذيب: قيل: كان يحسن الخط ولا يكتب ويحسن الشعر ولا يقوله، والأصح أنه كان لا يحسنهما لكن كان يميز بين رديء الشعر وجيده انتهى.

السابع: أكل ما له ريح كريهٌ كثوم وبصل فإنه قيل إنه يمتنع عليه أكله.

الثامن: الاتكاء عند الأكل فإنه قيل بحرمته عليه أيضًا لكن الأصح في الروضة كراهتهما، وروى البيهقي وغيره [3]: أنه لما خيَّره الله فاختار أن يكون نبيًّا عبدًا لم يأكل بعد ذلك متكئًا حتى لقي ربه.

وقول الناظم: “يمنع” مبني للمفعول، والثؤم بضم المثلثة.

التاسع: نكاح الأمة المسلمة لأنه إنما أجيز لأمّته بشروط منها خوف العنت وهو معصوم منه.

العاشر: نكاح الكتابية ولو حرة لإخباره بأن زوجاته في الدنيا زوجاته في الجنة والجنة حرام على الكفار. وقول الناظم: “والنكاح” بالنصب عطف على الخط والشعر والصدقة أي وامنعه النكاح، وقوله: “غير المسلمة” حشو كمل به الوزن.

الحادي عشر: إمساك المرأة التي كرهت نكاحه، وقد تزوج ابنة الضحاك فلما هوى إليها ليقبلها قالت: أعوذ بالله منك، قال: “قد استعذت بعظيم الحقي بأهلك” [4]، وقول الناظم: “والخلف في هذا ثبت” أي أن هذا ليس بمقطوع به بل تحرم عليه مؤبدًا في أحد الوجهين.

وقدْ أباحَ ربُّهُ الوِصالا *** لهُ وفي ساعةٍ القِتالا

بمكةٍ كذا بلا إحرامِ *** دخولُها وليسَ بالمَنامِ

مُضطجِعًا نقضُ وضوئهِ حَصَلْ *** كذا اصطفاهُ الله مالَهُ أحَلْ

منْ قَبْلِ قِسمةٍ كذاكَ يَقضي *** لنفسهِ وَوُلْدِهْ فيَمْضي

الضرب الثالث: المباحات له دون غيره وهي أمور: الأول: الوصال فإنه نهى عنه، فقيل له: إنك تواصل فقال: “إني لست كأحدكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني” [5]، ويباح له أيضًا القبلة في الصوم.

الثاني: القتال بمكة ساعة من نهار لقوله في الصحيح [6]: “أحلت لي ساعة من نهار وإنها لم تحل لأحد من بعدي” وله حمل السلاح فيها والقتل بها والقتل بعد الأمان.

الثالث: دخول مكة بغير إحرام لخبر مسلم [7]: “أنه دخل مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام”، فيباح له استمرار الطيب في الإحرام فيما ذكره المالكية.

الرابع: أن وضوءه لا ينتقض بالنوم مضطجعًا لأنه تنام عينه ولا ينام قلبه.

الخامس: اصطفاء أي اختيار ما أحله الله له من الغنيمة من جارية وغيرها قبل القسمة وكذا من الفئ، ذكره ابن كج في التجريد، وكان له الأنفال يفعل فيها ما يشاء.

السادس: أنه يقضي لنفسه ويحكم لنفسه ولولده فيمضي حكمه بذلك، وقول الناظم: “ووُلده” بضم فسكون على وزان ما مر، وقوله: “فيمضي” بفتح الياء.

كذا الشهادةُ كذاكَ يَقبلُ *** مَنْ شَهِدوا لهُ كذاكَ يَفصِلُ

في حُكمِهِ بعِلمِهِ للعِصمةِ *** واخْتَلفوا في غيرهِ للرِّيبةِ

السابع: أن له أن يشهد لنفسه وولده وأن يقبل شهادة من شهد له.

الثامن: جواز الشهادة له بما ادعاه كما في قصة خزيمة ذكره في روضة الحكام.

التاسع: أن له أن يقضي ويحكم بعلمه ولنفسه ولولده ولغيره ولو في الحدود مطلقًا بغير شرط لعصمته، وأما غيره ففيه خلاف فمنعه بعضهم للريبة أي التهمة والشك، والمجوز له شروط. وقول الناظم: “يفصل” بفتح أوله وكسر ثالثه.

تنبيه: له أيضًا قبول الهدية مطلقًا بخلاف غيره من الحكام. وله إقطاع الاراضي قبل فتحها لأن الله ملكه الأرض، وأفتى حجة الإسلام بكفر من عارض أولاد تميم الداري فيما أقطعهم، وقال: كان يقطع أرض الجنة فالدنيا أولى.

كذا لهُ أن يحميَ المَواتا *** لنفسهِ ويأخذَ الأقْواتا

وغيرَها منَ الطعامِ مهْما *** إحْتاجَ والبَذلَ فأوجبْ حتما

مِنْ مالكٍ وإن يكنْ مُحتاجا *** لكنَّهُ لفِعْلِ هذا ما جا

العاشر: أن له أن يحمي الموات لنفسه ولا يحمي غيره من الأئمة لنفسه بل للمصالح العامة، ولا ينتقض ما حماه، ومن أخذ شيئًا مما حماه ضمن قيمته في الأصح بخلاف ما حماه غيره من الأئمة.

الحادي عشر: أن له أن يأخذ الأقوات وغيرها من نحو طعام وشراب متى احتاج لذلك، قال ابن رزين: واللباس كالآلات.

وقول الناظم: “والبذل” بالنصب أي ويجب على المالك البذل لما احتاج إليه وإن كان مالكه محتاجًا بل وإن هلك، ويفدي بمهجته مهجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن ما جاء عنه أي النبي أنه فعل هذا المباح ولا معظم المباحات بل كان يؤثر على نفسه.

والخُلْفُ في النَّقْضِ بِلَمْسِ المرأةِ *** والمُكثِ في المسجدِ معْ جنابةِ

الثاني عشر: أنه لا ينتقض طهره بلمس المرأة بل يصلي بذلك الطهر في أحد وجهين، قال الجلال السيوطي في الخصائص [8]: إنه الأصح، وليس الأمر كما قال.

الثالث عشر: أنه يحل له المكث في المسجد جنبًا كما في التلخيص لخبر فيه [9]، لكن فيه أن عليًّا مثله ولم يقولوا به، قيل: وخص أيضًا بحل استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة، حكاه القشيري في شرح العمدة.

وجائِزٌ نكاحُهُ لتِسْعةِ *** وفوقَها وعقدُهُ بالهِبةِ

فإنْ فلا بالعَقدِ حَتم مَهرِهِ *** ولا الدُّخولُ بخلافِ غيرهِ

الرابع عشر: أنه يباح له نكاح تسع من النسوة وما فوق التسع بغير حصر، قال الجلال في الخصائص: وكذا الأنبياء [10].

الخامس عشر: أنه ينعقد نكاحه بلفظ الهبة وبلا مهر ابتداء وانتهاء وبصداق مجهول ذكره في البحر، فإن عقد بلفظ الهبة لم يجب عليه بالعقد ولا بالدخول مهر بخلاف غيره فإنه إذا عقد بلا مهر ثم وطئ لزمه مهر المثل، وقول الناظم: “فإن فلا بالعقد حتم مهره” أي لا يحتم عليه مهر بعقد النكاح.

كذا بلا وليّ او شهودٍ او *** في حالِ إحرامٍ بِخُلفٍ قد حَكَوْا

ومَنْ يَرُمْ نِكاحها لَزِمها *** إجابةٌ وحَرُمَتْ خِطبتُها

ومَنْ لها زوجٌ فحقًّا وجَبا *** طلاقُها كما جرى لِزَينبا

السادس عشر: أنه ينعقد نكاحه بلا ولي أو بلا شهود أو بلاهما جميعًا.

السابع عشر: أنه ينعقد [نكاحه] في حال الإحرام على خلاف فيه قد حكاه الشافعية والأصح عندهم الانعقاد.

الثامن عشر: أن من يروم أي يرغب في نكاحها وهي خلية يلزمها إجابته على الصحيح وتُجبر، ويحرم على غيره خطبتها بمجرد الرغبة وظهور الميل.

التاسع عشر: أن من يرغب في نكاحها ولها زوج وجب عليه طلاقها لينكحها كما جرى في زينب بنت جحش [11]، قال الغزالي في الخلاصة: “وله نكاحها من غير انقضاء عدة” وفيه نظر، وله الخطبة أيضًا على خطبة غيره، ويباح له النظر إلى الأجنبية والخلوة بها وإردافها، وله تزويج من شاء لمن شاء بلا إذن من المرأة ولا وليها، وله تزويجها لنفسه، وتولي الطرفين بغير إذنها ولا إذن وليها، وله إجبار الصغيرة من غير بناته، وزوّج ابنة حمزة مع وجود عمها العباس فقدم على الأقرب، وقال لأم سلمة [12]: “مري ابنك أن يزوجك” فزوجها له وهو يومئذ صغير لم يبلغ، وزوّجه الله زينب بغير عقد وكان كفؤًا لكل أحد، وإذا تزوج بولي فاسق أو أعمى أو أخرس جاز له، ذكره أبو سعد، وله جمع امرأة وأختها وعمتها وخالتها في أحد وجهين، وبين امرأة وابنتها في وجه حكاه الرافعي.

وفي وُجوبِ قَسْمِهِ بينَ الإما *** وبينَ زوجاتٍ لهُ خُلْفٌ نما

الضرب الرابع: ما اختص به من الواجبات عليه وهي أمور: الأول: قسمه بين إمائه وزوجاته على خُلف أي خلاف فيه، وقول الناظم: “قسمه” بفتح القاف مصدر بمعنى القسمة، والإماء بكسر الهمزة، وخلفٌ بضم الخاء، ونما أي ظهر وانتشر.

تنبيه: قال ابن العربي في تحفة الأحوذي: خُصَّ النبي بأشياء منها أنه أعطي ساعة لا حق فيها لأزواجه حتى يدخل عليهن فيفعل بهن ما يريد ولو لغير صاحبة النوبة، ولا يجب عليه نفقتهن كالمهر، ولا ينحصر طلاقه في الثلاث في وجه، والحاصل أن النكاح في حقه كالتسري في حقنا.

زوجاتُهُ كُلٌّ مُحرماتُ *** هُنَّ لذي الإيمانِ أمهاتُ

نِكاحُهُنَّ مَعْ عُقوقهنَّهْ *** معَ الوجوبِ لاحترامِهِنَّهْ

الثاني: تحريم زوجاه التي توفي عنهن على غيره أبدًا، وفيمن فارقها في حياته أوجهٌ أصحها تحريمها، وفي الخصائص للجلال: يحرم نكاح أمة وطِئها، وصرح عياض [13] بحرمة رؤية أشخاص أزواجه في الأزُر وكشف وجوههن وأكفهن لشهادة أو غيرها وسؤالهن مشافهة وصلاتهن على ظهور البيوت. انتهى.

الثالث: أن زوجاته هن أمهات المؤمنين فيحرم عليهم عقوقهن ويجب عليهم احترامهن، وقول الناظم: [“نكاحهن”] أي يحرم نكاحهن مع تحريم عقوقهن ومع وجوب احترامهن، والهاء في عقوقهن واحترامهن للسكت.

لا نَظَرٌ وخَلوةٌ بهنّهْ *** ولا بِتَحريمِ بناتِهِنَّهْ

محل كونهن أمهات المؤمنين في الاحترام والإعظام لا في نظر الرجل إليهن ولا في الخلوة بهن فإن ذلك حرام، ولا في تحريم بناتهن فإنه لا يحرم على أحد من المسلمين نكاح بناتهن، والهاء في المصراعين للسكت.

مَنْ دَخَلَتْ عليهِ أوْ قدْ فُورِقَتْ *** أو ماتَ عنها أو تكونُ سَبَقَتْ

أي وسواء في تحريم أمهات المؤمنين من دخل بها وفارقها في حياته أو مات عنها، أو تكون سبقت بأن ماتت وهي في عصمته كخديجة فإنهن كلهن أمهات المؤمنين.

وهُنَّ أفضلُ نِساءِ الأمَّةِ *** ضُعِّفْنَ في الأجْرِ وفي العُقوبةِ

وهن أي أمهات المؤمنين أفضل نساء هذه الأمة، وهن ضعفن في الأجر والعقوبة أي يضاعف ثوابهن في الأجر ويضاعف عقابهن في الوزر، {يا نِساءَ النَّبيِّ مَنْ يأتِ مِنكُنَّ بفاحِشَةٍ مُبّيِّنَةٍ يُضاعَفْ لها العذابُ ضِعفَينِ} [سورة الأحزاب/30].

أفضلُهُنَّ مُطلقًا خديجةُ *** وبعدها عائشةُ الصِّدِّيقةُ

اختلف في أي نسائه أفضل، والصحيح أن أفضلهن مطلقًا خديجة وبعدها في الفضل عائشة الصديقة أي بنت الصديق، لما رواه أحمد والنسائي وغيرهما [14] عن ابن عباس مرفوعًا: “أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وءاسية”، قال الحافظ ابن حجر في الفتح [15]: هذا نص صحيح صريح في تفضيل خديجة على عائشة لا يحتمل التأويل، قال السبكي [16]: ونساؤه بعد خديجة وعائشة متساويات في الفضل.

وأنَّهُ خاتَمُ الأنبياءِ *** خيرُ الخلائقِ بلا مِراءِ

الرابع مما اختص به أنه خاتم الأنبياء فلا نبي بعده أبدًا، وعيسى إنما ينزل بشرعه، وكما أنه خاتم الأنبياء فهو بالحقيقة أول الأنبياء فقد عدوا مما خص به أنه أول النبيين خلقًا [17] وأن نبوته قد تقدمت الكل فكان نبيًا وءادم منجدل في طينته [18]، كما أنه أول من أخذ الميثاق عليه وأول من  قال بلى يوم ألست بربكم.

الخامس: أنه خير الخلائق أجمعين بلا مِراء أي بلا شك، فهو أفضل الأنبياء والرسل والملائكة عليهم الصلاة والسلام حتى أمين الوحي صلى الله عليه وسلم خلافًا للزمخشري، كيف وجميع المخلوقات خلقت لأجله وكتب اسمه الشريف على العرش [19] وكل سماء والجنان وما فيها وسائر ما في الملكوت، وأخذ الميثاق على النبيين ءادم فمن دونه أن يؤمنوا به وينصروه ويعظموه [20].

أمَّتُهُ في الناسِ أفضلُ الأمَمْ *** مَعصومةٌ منَ الضلالِ بِعِصَمْ

السادس: أن أمته خير الأمم وأنها معصومة من الاجتماع على الضلال [21]، وقول الناظم: “بعصم” بكسر العين وفتح الصاد المهملتين جمع عصمةٍ من عصمه الله أي حفظها ووقاها من الضلال بفضله. قال بعضهم: ومن خواص نبينا أن الله لم يُرِهِ في أمته شيئًا يسوؤه حتى قبضه بخلاف سائر الأنبياء.

تتمة: من خواص أمته أيضًا أن اشتق لهم اسمان من أسمائه تعالى المسلمون والمؤمنون وسمي دينهم الإسلام، ولم يوصف بهذا الوصف إلا الأنبياء دون أممهم، ورفع عنهم الأصر الذي كان على الأمم قبلهم، وأبيح لهم الكنز إذا أدوا زكاته، ولم يجعل عليهم في الدين من حرج، وأبيح لهم أكل الإبل والنعام والإوز والبط وجميع السمك والشحوم والدم غير المسفوح ككبد وطحال، ورفع عنهم المؤاخذة بالخطإ والنسيان وما استكرهوا عليه وحديث النفس، ووضع عنهم قتل النفس في التوبة، وفقء العين من النظر إلى ما لا يحل، وقرض موضع النجاسة، وربع المال في الزكاة، وتحرير الأولاد بالتحصن، والرهبانية والسياحة وغير ذلك.

أصحابُهُ خيرُ القرونِ في الملا *** كِتابُهُ المحفوظُ أنْ يُبَدَّلا

السابع: أن أصحابه خير القرون في الملإ وهم أشراف الناس، قالوا: ومن خصائصه أنهم أفضل العالمين إلا النبيين والمرسلين، ولهذا قال: “أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم” [22].

الثامن: أن كتابه الذي هو القرءان محفوظ من التبديل والتحريف على ممر الدهور، ومشتمل على ما اشتملت عليه جميع الكتب وزيادة، وجامع لكل شيء ومستغن عن غيره وميسر للحفظ، وهو حجة إما لك أو عليك، وقراءته بكل حرف عشر حسنات، وقال الزركشي: وهذا كله من خصوصياته، قال في التحرير: وفضل القرءان على سائر الكتب المنزلة بثلاثين خصلة لم تكن في غيره، وفي شعب الإيمان للحليمي: “من عظيم قدر القرءان أنه خص أنه دعوة وحجة، فهو دعوة بمعانيه حجة بألفاظه وكفى بالحجة شرفًا أن لا تنفصل الدعوة عنها وكفى بالدعوة شرفًا أن تكون حجتها معها”.

شِرْعَتُهُ قدْ أبّدَتْ ونَسَخَتْ *** كُلَّ الشرائعِ التي قبلُ خَلَتْ

التاسع: أن شرعته بكسر الشين أي شريعته قد أبّدت بالموحدة أي مؤبدة على الابد لا تنسخها ملة، وقد نسخت كل الشرائع التي قبل بضم اللام أي قبله خلت أي مضت وذهبت، ولو أدركه الأنبياء لوجب عليهم اتباعه.

والأرضُ مَسجدٌ لهُ طهورُ *** والرُّعبُ شهرًا نَصرُهُ يَسيرُ

العاشر: أن الأرض كلها جعلت له مسجدًا وجعل له ترابها طهورًا وهو التيمم، ففي الخبر [23]: “جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا” فحيث ما أدرك رجل من أمته الصلاة تطهر وسجد أي صلى، ولم تكن الأمم تصلي إلا في البيع والكنائس.

ومما خص به أيضًا الوضوء على أحد القولين [24] فلم يكن إلا للأنبياء دون أممهم، وعبارة ابن سراقة في الأعداد: خص بكمال الوضوء، التيمم، ومسح الخف، وجعل الماء مزيلًا للنجاسة، وأن كثير الماء لا يؤثر فيه الخبث، والاستنجاء بالجامد ذكره كله أبو سعد النيسابوري في شرف المصطفى وابن سراقة في الأعداد.

[وقالوا: ومن خصائصه أن مسجده أفضل المساجد، وبلده أفضل البلاد، وأن الصلوات الخمس لم تجمع لأحد قبله، وأنهن كفارات لما بينهن، والأذان، والإقامة، وافتتاح الصلاة بالتكبير والتأمين وبالركوع كما ذكره].

الحادي عشر: أنه نصر الرعب مسيرة شهر أمامه وشهر خلفه.

ومن خصائصه أيضًا أنه أوتي جوامع الكلم، ومفاتيح خزائن الأرض على فرس أبلق عليه قطيفة من سندس، وكلم بجميع أصناف الوحي ذكره ابن عبد السلام، قال في الإحياء: ومن خواصه أنه جمع له بين النبوة والسلطان وأوتي علم كل شيء إلا الخمس.

سيّدُ أولادِ أبينا ءادما *** قد حلَّلَ الله لهُ الغَنائِما

 

الثاني عشر: أنه سيد ولد أبينا ءادم لخبر [25]: “أنا سيد ولد ءادم ولا فخر” أي لا أقول فخرًا وادعاءً للعظم بل تحدثًا بالنعمة، وخبر [26]: “ءادم فمن دونه تحت لوائي” وهو صريح في تفضيله على ءادم.

الثالث عشر: أن الغنائم قد أحلها الله له ولأمته ولم تحل لأحد قبلهم بل كانوا يجمعونها فتأتي نارٌ من السماء فتحرقها.

أُرْسِلَ للناسِ جميعًا أُعْطِيا *** مقامهُ المحمودَ حتى رضيَا

الرابع عشر: أن رسالته عامة للأحمر والأسود قال السبكي: فأرسل لجميع الخلق كافة من لدن ءادم إلى يوم القيامة، والأنبياء نوابه بعثوا بشرائع له مغياث، وأرسل إلى الجن إجماعًا معلومًا من الدين ضرورة، وإلى الملائكة في أحد القولين ورجحه السبكي، زاد البارزي وإلى الحيوان والجماد بعد جعله مدركًا، وفائدة الإرسال له تشريفه بدخوله تحت دعوته.

الخامس عشر: أنه أعطي المقام المحمود أي أعطاه الله المقام الذي يحمد فيه الأولون والآخرون بقبول شفاعته في فصل القضاء، وقول الناظم: “مقامه” بالنصب.

تنبيه: قال بعض من جمع الخصائص خص بالمقام المحمود، بأن بيده لواء الحمد وءادم فمن دونه تحت لوائه، وأنه إمام النبيين يومئذ وقائدهم وخطيبهم، وأول من يؤذن له في السجود، وأول من يرفع رأسه، وأول من ينظر إلى الله تعالى. وفي تفسير ابن أبي حاتم [27] عن سعيد بن أبي هلال أنه بلغه أن المقام المحمود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة يكون بين الجبار وبين جبريل فيغبطه بمقامه ذلك أهل الجمع.

وخُصَّ بالشفاعةِ العُظْمى التي *** يُحْجِمُ عَنها كُلُّ مَنْ لها أُتي

السادس عشر: أنه خص بالشفاعة العظمى في فصل القضاء وهي التي يحجم بضم الياء أي يُعرض عنها كل من أوتي لها أي دعي إليها فإنهم يأتون ءادم ثم نوحًا ثم الخليل ثم موسى ثم عيسى فكل يقول: لست لها نفسي نفسي حتى يأتوا إليه فيقول [28]: “أنا لها أنا لها”.

وخصّ أيضًا بالشفاعة في إدخال قوم الجنة بغير حساب، وبالشفاعة فيمن استحق النار أن لا يدخلها، وبالشفاعة في رفع درجات ناس في الجنة، كما جوّز النووي اختصاص هذه والتي قبلها به، ووردت فيه أخبار [29]، وصرح به عياض وابن دحية، وبالشفاعة في إخراج عموم أمته من النار حتى لا يبقى منهم أحد ذكره السبكي، وبالشفاعة لجماعة من صلحاء المؤمنين ليتجاوز عنهم في تقصيرهم في الطاعات ذكره القزويني في العروة الوثقى، وبالشفاعة في الموقف تخفيفًا عمن يحاسب، وبالشفاعة في أهل بيته أن لا يدخل النار أحد.

أوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عنهُ الأرضُ *** ولا ينامُ قلبُهُ بلْ غَمْضُ

السابع عشر: أنه أول من تنشق عنه الأرض، وأول من يفيق من الصعقة كما جاء في أخبار [30]، وخص أيضًا بأنه يحشر في سبعين ألف ملك، وعلى البراق ويؤذن باسمه في الموقف، ويُكسى أعظم الحلل، ويقوم تحت عرش الرحمن.

الثامن عشر: أنه لا ينام قلبه بل عينيه، وقول الناظم: “بل غمض” أي بل نومه غمض عينيه، وأما قلبه فيقظان أبدًا.

أوَّلُ مَنْ يقومُ للشفاعةِ *** أوَّلُ مِنْ يَقرعُ بابَ الجَنَّةِ

التاسع عشر: أنه أول شافع [وأول مشفع]، وأول من يقرع باب الجنة أي من يطرق بابها وينقره، وأول من يفتح له، وأول من يدخلها، قال الجلال في الخصائص [31]: وبعده ابنته.

أكثرُ الأنبياءِ حقًّا تَبَعا *** يَرى وراءهُ كَقُدَّامٍ مَعا

العشرون: أنه أكثر الناس أتباعًا، وفي حديث الإسراء: “أضحى النبي وما معه إلا الواحد والاثنان”، وفيه: “فإذا بسواد قد سد الأفق فقيل هذه أمتك”. وفي الحديث الصحيح [32]: “لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة”. وقول الناظم: “أكثر الأنبياء” وصل همز القطع بالنقل، وقوله: “تبعًا” بالتحريك.

الحادي والعشرون: أنه كان يُبصر من وراء ظهره كما يبصر من أمامه، زاد ابن رزين: “وعن يمينه وعن شماله”، ويرى في الليل وفي الظلمة كما يرى بالنهار وفي الضوء، وقول الناظم: “كقدام” بالتنوين ويجوز الفتح بلا تنوين.

تتمة: عدّوا من خصائصه أنه عُرض عليه أمته بأسرهم حتى رءاهم، وعُرض عليه ما هو كائن في أمته حتى تقوم بالساعة، قال الأسفراييني: وعُرض عليه الخلق كلهم ءادم فمن بعده، كما علم أسماء كل شيء.

ءاتاهُ ربُّهُ جوامِعَ الكَلِمْ *** قَرينُهُ أسْلَمَ فهوَ قدْ سَلِمْ

الثاني والعشرون: أن الله أعطاه جوامع الكلم يعني القرءان، وكان يتكلم بجوامع الكلم، أي كلامه كثير المعاني قليل الألفاظ، وهو في غاية الفصاحة.

الثالث والعشرون: أن قرينه أي صاحبه من الجن أسلم، فهو قد سلم منه، ففي خبر مسلم [33]: “ما منكم من أحد إلا وقد وُكلَ به قرينه من الجن” قالوا: وإياك، قال: “وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير”.

صُفُوفُهُ والأمَّةِ المُباركهْ *** كَصَفّ عندَ ربها الملائكهْ

الرابع والعشرون: أن صفوفه وصفوف أمته المباركة كصفوف الملائكة، أي يصطفون في الصلاة كما تصف الملائكة عند ربها، أي عند عرشه، وقول الناظم: “الأمة” بالجر عطف على الضمير المجرور وهو قليل، والأكثر لا يعطف عندهم إلا بإعادة الجار وفصل بالظرف مع ما أضيف إليه بين المضاف والمضاف إليه.

قال جمع: ومن خصائصه أيضًا قوله: “اللهم ربنا لك الحمد” في الصلاة، وتحريم الكلام فيها، واستقبال الكعبة، وتحية الإسلام وهي تحية الملائكة وأهل الجنة، وجعل يوم الجمعة عيدًا له ولأمته، وصلاة الجمعة، وساعة الإجابة، وعيد الأضحى، ذكره النيسابوري وغيره، وصلاة الجماعة، وصلاة الليل، وصلاة العيدين، والكسوفين، والاستسقاء، والوتر، ذكره ابن سراقة.

ولا يَحِلُّ الرَّفْعُ فوقَ صوتِهِ *** ولا يُنادى باسمِهِ بلْ نَعْتِهِ

الخامس والعشرون: أنه لا يحل لأحد أن يرفع صوته فوق صوته لقوله تعالى: {لا ترفعوا أصواتكم فوقَ صوتِ النبيِّ ولا تَجهَروا لهُ بالقولِ} [سورة الحجرات/2]، فيحرم نداؤه من وراء الحجرات والصياح به من بعيد، وأن يقول له راعنا.

السادس والعشرون: أنه لا ينادى أي لا يحل لأحد أن يناديه باسمه بأن يقول يا محمد، بل يناديه بنعته فيقول يا رسول الله، يا نبي الله، وكره الشافعي رحمه الله أن تقول في حقه الرسول بل رسول الله، لأنه ليس فيه من التعظيم ما في الإضافة.

خُوطِبَ في الصلاةِ بالسَّلامِ *** عليكَ دونَ سائِرِ الأنامِ

السابع والعشرون: أنه خوطب في الصلاة بقولنا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ولا يجوز خطاب غيره من سائر الناس فيها بل تبطل به الصلاة، وقول الناظم: “بالسلام” أصله بضم الميم على الحكاية فانكسر للوزن.

تنبيه: ذكر الجلال السيوطي من خصائصه أنه ليس في القرءان ولا غيره صلاة من الله على غيره فهي خصيصة اختصه الله بها دون سائر الأنبياء، وأن الصلاة لم تقصر بعذر السفر والمطر والمرض إلا له [34]، وأن صلاة الخوف لم تشرع لأحد من الأمم قبله، وأن صوم رمضان لم يشرع إلا له [35]، ذكره القونوي.

ومَنْ دعاهُ في الصلاةِ وَجَبَتْ *** إجابةٌ لهُ وفرضُهُ ثَبَتْ

الثامن والعشرون: أن من كان في صلاة ودعاه النبي وجب عليه إجابته لآية: {اسْتَجيبوا للهِ وللرسولِ إذا دعاكُمْ} [سورة الأنفال/24] ولا تبطل بذلك صلاته وإن كانت فرضًا، وهو مراد الناظم بقوله: “وفرضه ثبت”، ومثله في ذلك كما قال الجلال السيوطي [36] وغيره جميع الأنبياء، ومن تكلم وهو يخطب بطلت جمعته وكان يجب الاستماع والإنصات لقراءته إذا قرأ في جهريته وعند نزول الوحي.

وبَولُهُ ودمُهُ إذ أُتِيَا *** تَبَرُّكًا مِنْ شاربٍ ما نُهِيا

التاسع والعشرون: أن من شرب بوله أو دمه للتبرك لا يُنهى عنه لأن فضلاته طاهرة عند جمع جمّ من الشافعية، وقد أقرَّ [37] ابن الزبير على شرب دمه [38]، وأقر على شرب بوله. وقول الناظم: “ودمه إذ” بسكون الذال أي حين، وقوله: “أُتيا” بضم الهمزة وكسر الفوقية أي حين شرب أو حين فعل ذلك، وقوله: “تبركا” مفعول له أي كان يشرب لأجل التبرك والشفا به، وقوله: “من شارب ما نهيا” مبني للمفعول أي ما نهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرب بوله ودمه بل أقرهم عليه.

يَقبلُ ما يُهدى لهُ فَحِلُّ *** دونَ الوُلاةِ فهْوَ لا يَحِلُّ

الثلاثون: أنه يحل له قبول الهدية من العمال وغيره، بخلاف غيره من الولاة فإنه لا يحل لهم قبول هدية عمالهم، فإنها في حقهم رشوة محرمة، وقول الناظم: “فحل” بكسر الحاء أي فهو حلال له.

فاتَتْهُ رَكعتانِ بعدَ الظهرِ *** صلاهُما ودامَ بعدَ العَصْرِ

وما لنا دَوامُ ذا بلْ يَمتنِعْ *** وما سوى سَبَبِهِ فَمُنقطِعْ

ونسَبٌ يومَ القيامةِ ومَنْ *** رَءاهُ نومًا فهْوَ قدْ رءاهُ لنْ

يكونَ للشيطانِ مِنْ تَمَثُّلِ *** بصورةِ النبيّ أو تخَيُّلِ

الحادي والثلاثون: أن له قضاء الراتبة بعد صلاة العصر بخلاف غيره، فقد فاتته الركعتان سنة الظهر البعدية فقضاهما بعد العصر وداوم على صلاتهما بعده ما تركهما حتى لقي الله كما في البخاري [39] عن عائشة رضي الله عنها، وأما نحن فليس لنا المداومة على الصلاة بعد العصر بل يمتنع لنا فعلها، كذلك لأجل الاقتداء به لأن ذلك من خصائصه.

الثاني والثلاثون: أن كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببه ونسبه كذا جاء في عدة أخبار [40] ومعناه أن أمته ينسبون إليه، وأمم سائر الأنبياء لا ينسبون إليهم، وقيل: ينتفع يومئذ بالنسبة إليه ولا ينتفع بسائر الأنساب، ويكنى [به] ءادم في الجنة به تكريمًا له فيقال له أبو محمد.

الثالث والثلاثون: أن من رءاه في النوم فقد رءاه حقًّا فإن الشيطان لا يتمثل بصورة النبي صلى الله عليه وسلم ولا يتخيل به كما ورد في الصحيح من عدة طرق [41].

وكَذِبٌ عليهِ ليسَ ككذِبْ *** على سواهُ فهْوَ أكبرُ الكذبْ

الرابع والثلاثون: أن الكذب عليه ليس كالكذب على غيره، فإن الكذب عليه أكبر الكذب أي أفحشه وأعظمه جُرمًا، وقد تواتر [42] خبر [43]: “من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار” فهو من أعظم الكبائر، بل قال الجويني ردة، ومن كذب عليه لم تقبل روايته أبدًا وإن تاب، فيما ذكره جمع من أهل الأثر.

خاتمة: يكفر من استهان به أو زنا بحضرته أو تمنى موته وكذا الأنبياء، ذكره المحاملي في الأوسط ويترتب عليه تحريم إرثهم لئلا يتمناه وراثه فيكفر، ومن سب قُتل [44] وكذا الأنبياء، والسب بالتعريض حقه كالتصريح، ولم تزن امرأة نبي قط، ومن قذف أزواجه فلا توبة له [45]. وفيه وفي المقنع لابن قدامة [46]: من قذف أمة قُتل ولو مسلمًا، وأولاد بناته ينسبون إليه وأولاد بنات بناته، وفي شرح التلخيص للشيخ أبي علي: لا يتزوج على بناته، ومن صاهره من الجانبين لم يدخل النار، ولا يجتهد في محرابه مطلقًا، ويجل منصبه عن الدعاء له بالرحمة كما ذكره جمع، ويحرم النقش على خاتمه، ولا يقول في الغضب والرضا إلا حقًّا، ورؤياه وحي وكذا الأنبياء، ولا يجوز على الأنبياء جنون، وله تخصيص من شاء بما شاء كجعله شهادة خزيمة باثنتين، وترخيصه في إرضاع سالم وهو كبير، وفي النياحة لخولة بنت حكيم، وفي تعجيل صدقة عامين للعباس، وترك الإحداد لأسماء بنت عميس، والجمع بين اسمه وكنيته للولد الذي يولد لعلي، وفي المكث بالمسجد جنبًا لعلي، وفتح بابٍ من داره للمسجد له، وفي لبس الحرير للزبير وابن عوف، ولبس خاتم الذهب للبراء، وفي إعادة امرأة أبي ركانة إليه بعد أن طلقها ثلاثًا بغير محلل، وأسلم رجل على أن لا يصلي إلا صلاتين فقبل منه ذلك، وضرب لعثمان بسهم يوم بدر ولم يضرب لمن غاب غيره، وكان يواخي بين صحبه ويثبت بينهم التوارث وليس لغيره، وكان أنس يصوم من طلوع الشمس لا الفجر فلعلها خصوصية، وأصام أطفال أهل بيته وهم رُضَّعًا، وغير ذلك.

[1] الخصائص الكبرى [2/397]، المستدرك [1/300].

[2] يشترك الرسول والنبي في الوحي، فكلٌّ قد أوحى الله إليه بشرع يعمل به لتبليغه للناس، غير أن الرسول يوحى إليه بنسخ بعض شرع من قبله أي بنسخ بعض الأحكام التي كانت في زمن الرسول الذي قبله، أو بشرع جديد أي بأحكام لم تُنزل على من قبله من الأنبياء، أما النبي غير الرسول فإنه يوحى إليه ليبلغ شرع الرسول الذي قبله. وقد خفي هذا على كثير من الناس فغلطوا في هذا التعريف وادعوا أن النبي أوحي إليه بشرع ولن يؤمر بتبليغه، وهذا الكلام لا يليق بمقام النبوة، فإن كل أنبياء الله مأمورون بالتبليغ، وكلهم أدّوا ما أمروا به.

قال المفسر ناصر الدين البيضاوي في تفسيره ما نصه: “الرسول من بعثه الله بشريعة مجددة يدعو الناس إليها، والنبي يعمه ومن بعثه لتقرير شرع سابق كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسى عليهم السلام” اهـ.

وقال العلامة كمال الدين البياضي الحنفي في إشارات المرام ما نصه: “فالنبي إنسان بعثه الله لتبليغ ما أوحي إليه، وكذا الرسول، فهو المراد هنا، ولذا اقتصر على الأنبياء” اهـ، وقال في موضع ءاخر من كتابه المذكور: “الثالثة: أن الرسول من جاء بشرع مبتدإ، والنبي من لم يأت به وإن أمر بالإبلاغ كما في شرح التأويلات الماتريدية”، إلى أن قال: “واختاره المحققون وصرّح به البيضاوي في سورة الحج” اهـ.

[3] أخرجه البيهقي في سننه [7/49]، وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد [9/19]: “رواه أبو يعلى وإسناده حسن”.

[4] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الطلاق باب من طلق، وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق؟.

[5] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الصوم: باب الوصال. ومسلم في صحيحه: كتاب الصيام: باب النهي عن الوصل في الصوم.

[6] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب العلم: باب كتابة العلم.

[7] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الحج: باب جواز دخول مكة بغير إحرام.

[8] الخصائص الكبرى [2/423].

[9] التلخيص الحبير [3/136].

[10] الخصائص الكبرى [2/426].

[11] نقل الزرقاني في شرح المواهب اللدنية: “قال السبكي: هو منكر من القول ولم يكن صلى الله عليه وسلم تعجبه امرأة أحد من الناس، وقصة زينب إنما جعلها الله كما في سورة الأحزاب قطعًا لقول الناس: إن زيدًا ابن محمد وإبطالا للتبني. قال: وبالجملة فهذا الموضوع من منكرات كلامهم في الخصائص، وقد بالغوا في هذا الباب في المواضع واقتحموا فيها عظائم، لقد كانوا في غنية عنها” اهـ.

[12] أخرجه البيهقي في سننه [7/131].

[13] نقله السيوطي في الخصائص الكبرى [2/438].

[14] أخرجه النسائي في السنن الكبرى: كتاب المناقب: باب مناقب مريم بنت عمران، وأحمد في مسنده [1/322]، والحاكم في المستدرك [2/594].

[15] فتح الباري [7/135].

[16] فتح الباري [7/139].

[17] لم يثبت في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أول خلق الله، فإن قيل: أليس قال الرسول: “كنتُ أول النبيين في الخلق وءاخرهم في البعث”، وقال أيضًا: “كنت نبيًّا وءادم بين الماء والطين”، و: “كنت نبيًّا ولا ماء ولا طين”.

فالجواب: أن الحديث الأول ضعيف كما نقل ذلك العلماء، وفيه بقية بن الوليد وهو مدلّس، وسعيد بن بشير وهو ضعيف، ثم لو صح لم يكن فيه أنه أول خلق الله وإنما فيه أنه أول الأنبياء، ومعلوم أن البشر أولهم ءادم الذي هو ءاخر الخلق باعتبار أجناس المخلوقات.

وأما الثاني والثالث فلا أصل لهما، ولا حاجة لتأويل قوله تعالى: {وجَعَلنا مِنَ الماءِ كُلَّ شيءٍ حيٍّ} [سورة الأنبياء/30] والحديث الصحيح لخبر واهٍ أو موضوع لا أصل له، كما فعل ذلك بعض المتصوفة حيث أوّل الآية بحديث جابر السابق الذكر وقال: إن للآية معنى مجازيًا.

أما حديث ميسرة الفجر أنه قال: يا رسول الله متى كنت نبيًا، قال: “كنت نبيًّا وءادم بين الروح والجسد”، فهو حديث صحيح رواه أحمد في مسنده، وقال الحافظ الهيثمي بعد عزوه لأحمد وللطبراني أيضًا: “ورجاله رجال الصحيح”. وأما معناه فلا يدلّ على أوليته صلى الله عليه وسلم بالنسبة لجميع الخلق، وإنما يدل على أن الرسول كان مشهورًا بوصف الرسالة بين الملائكة في الوقت الذي لم يتمّ تكونُ جسد ءادم بدخول الروح فيه.

[18] أخرجه أحمد في مسنده [4/127-128]، والحاكم في المستدرك [2/600]، والبيهقي في الدلائل [1/80-83] عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إني عند الله في أمّ الكتاب لخاتم النبيين، وإن ءادم لمنجدل في طينته…”. قال البيهقي [1/81]: “قوله صلى الله عليه وسلم: “إني عبد الله وخاتم النبيين وإن ءادم لمنجدل في طينته”، يريد به أنه كان في قضاء الله وتقديره قبل أن يكون أبو البشر وأول الأنبياء صلوات الله عليهم” اهـ.

[19] انظر المستدرك للحاكم [2/615]، شفاء السقام للسبكي [ص/163].

[20] قال الله تعالى: {وإذْ أخذَ اللهُ ميثاقَ النَّبيينَ لَما ءاتَيْتُكُم من كتابٍ وحكمةٍ ثُمَّ جاءَكُم رسولٌ مُصَدِّقٌ لِما معكُم لَتُؤمِنُنَّ بهِ ولَتَنْصُرُنَّهُ} [سورة ءال عمران/81].

[21] انظر الفقيه والمتفقه [1/160]، وقال الصحابي أبو مسعود الباري: “عليكم بالجماعة فإن الله لا يجمع أمة محمد على ضلالة” صحح إسناده الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير [3/141].

[22] رواه عبد بن حميد في مسنده، والدارقطني في غرائب مالك، والقضاعي في مسند الشهاب وغيرهم، وقد أورده الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير [4/190] وتكلم على إسناده.

[23] أخرجه البخاري في صحيحه: أول كتاب التيمم.

[24] ليس الوضوء من خصائص هذه الأمة فقد روى البخاري في صحيحه: [كتاب البيوع: باب شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه] أن زوجة إبراهيم توضأت لما دخلت أرض الجبار الذي كان يفعل الفاحشة بالنساء.

[25] أخرجه الترمذي في سننه: كتاب تفسير القرءان: باب ومن سورة بني إسرائيل.

[26] انظر المصدر السابق.

[27] نقله الحافظ ابن حجر في فتح الباري [11/428]، وقال الحافظ [8/400]: “رجاله ثقات لكنه مرسل” اهـ. والله سبحانه وتعالى منزه عن الجهة والحلول في مكان بإجماع أهل الحق.

[28] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب التوحيد: باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم.

[29] انظر فتح الباري [11/428].

[30] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب أحاديث الأنبياء: باب قول الله تعالى: {وواعَدَنا موسى ثلاثينَ ليلةً وأتْمَمْناها بعشرٍ} [سورة الأعراف/142].

[31] الخصائص الكبرى [2/389].

[32] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الرقاق: باب الحشر.

[33] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب صفات المنافقين وأحكامهم: باب تحريش الشيطان.

[34] الخصائص الكبرى [2/449].

[35] الخصائص الكبرى [2/358].

[36] الخصائص الكبرى [2/443].

[37] يعني النبي صلى الله عليه وسلم.

[38] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير [24/189]، قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد: “رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أحمد بن حنبل وحكيمة وكلاهما ثقة” اهـ.

[39] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب مواقيت الصلاة: باب ما يُصلى بعد العصر من الفوائت ونحوها.

[40] المستدرك للحاكم [3/142].

[41] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب التعبير: باب من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام.

[42] ذكر تواتره النووي وغيره، انظر تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي للسيوطي [ص/352].

[43] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب العلم: باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم.

[44] اعلم أن سبّ النبي صلى الله عليه وسلم وانتقاصه كفر، ويكون صاحبه كافرًا خارجًا من دين الإسلام بالإجماع، ويقتل بعد استتابته أي الطلب منه الرجوع عن ذلك والدخول في دين الإسلام بالشهادتين إن لم يتب، فإن تاب ودخل في الإسلام فلا يقتل عند بعض العلماء ويقتل عند ءاخرين. قال ابن عابدين في الدرر المختار [3/290] ما نصه: “والكافر بسبّ نبي من الأنبياء فإنه يقتل حدًّا ولا تقبل توبته مطلقًا، ولو سبّ الله تعالى قبلت لأنه حق الله تعالى، والأول حق عبد لا يزول بالتوبة، ومَن شك في عذابه وكفره كفر” اهـ.

[45] المراد بعدم قبول توبته عدم إعفائه من القتل، وليس المراد أنه لا يصح دخوله في الإسلام بل إن أقلع عن الكفر وتشهد صح دخوله في الإسلام بالإجماع.

[46] المقنع [ص/300].