الأحد ديسمبر 22, 2024

باب ذكر بعوثه وسراياه إلى الملوك والبلاد

البعوث جمع بعث وهو كما في المصباح [1] وغيره: الجيش تسمية بالمصدر، والسرايا جمع سرية وهي القطعة من الجيش يبلغ أقصاه أربعمائة سموا به لأنهم خلاصة العسكر، والسري الشريف.

عِدَّتُها مِنْ بَعْثٍ أو سَرِيَّهْ *** سِتونَ فالأولُ بعْثُ حمزهْ

لِنحوِ سيفِ البحرِ منْ ناحيةِ *** العِيصِ لمْ يَقْتَتِلوا في الجُملةِ

عدة بعوثه وسراياه ستون على ما ذكره السهيلي عن المسعودي، وقيل: سبع وأربعون، وقيل: ثمان وأربعون.

الأول: بعث حمزة بن عبد المطلب، فعقد له لواء أبيض وهو أول لواء عقده المصطفى فكان أول من غزا في سبيل الله وأول من عقد له راية في الإسلام، وذلك في رمضان على رأس سبعة أشهر من مهاجرته، وقيل: في جمادى الأولى في ثلاثين من المهاجرين يعترض عيرًا لقريش جاءت من الشام فيها أبو جهل في ثلاثمائة رجل، فبلغوا إلى نحو سيف البحر وهو بكسر السين ساحله من ناحية العيص بكسر العين وسكون التحتية وصاد مهملة موضع ببلاد سليم، فالتقوا واصطفوا للقتال وحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني وكان حليفًا للفريقين فانصرفوا ولم يقتتلوا بالجملة الكافية أصلًا، هذا معنى كلام الناظم، والإنصاف أن قوله “بالجملة” حشو كمل به الوزن.

فبعْثُهُ عُبيدةَ بنِ الحارثِ *** لِرَابِغٍ أو قبلَ ذا أو ثالثِ

بأنَّهُ شَيَّعَ كُلًا مِنهُما *** معًا لذا أشكَلَ ذا وأُبْهِما

وكانَ رمْيٌ بينهُمْ لمْ يَعْدُ *** أولُ منْ رمى بسهمٍ سعدُ

الثاني: بعثه عبيدة بفتح العين بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف لرابغ بكسر الباء وبغين معجمة موضع بين المدينة والجحفة وهو من منازل خزاعة، خرج إليها في شوال على رأس ثمانية أشهر من الهجرة في ستين أو ثمانين من المهاجرين فلقي بهما جمعًا عظيمًا من قريش عليهم عكرمة بن أبي جهل وأبو سفيان بن حرب فكان بينهم الرمي ولم يسلوا السيوف، أو كان بعث عبيدة قبل ذا أي قبل بعث حمزة وهو قول ابن اسحاق، وقول ثالث أنه شيع كلًا منهما معًا ولذا أشكل الأمر على الناس وأبهم والأصح الأول، وكان بين المسلمين والكفار رمي بالسهام لم يعد بسكون العين أي لم يجاوزا الرمي إلى سل السيوف ولم يصطفوا للقتال، إلا أن سعد بن أبي وقاص رمى يومئذ بسهم فكان أول من رمى بسهم في سبيل الله سعد، وفرَّ من المشركين إلى المسلمين المقداد بن عمرو وعتبة بن غزوان وكانا مسلمين لكنهما خرجا ليتوصلا بالكفار، وكان لواؤه أبيض حمله مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب.

فبعْثُهُ سعدًا إلى الخَرَّارِ *** للعيرِ فاتَتْ رَجعوا للدارِ

الثالث: بعثه سعد بن أبي وقاص إلى الخرار بفتح المعجمة وراءين مهملتين الأولى مشددة على وزن فعال ماء لبني زهير أو واد بالحجاز يصب على الجحفة، خرج في ذي القعدة على رأس تسعة أشهر من الهجرة، وعقد لواء أبيض حمله المقداد بن عمرو وخرج في عشرين من المهاجرين يعترضون العير بكسر العين الإبل تحمل ميرة قريش، فخرجوا على أقدامهم يكمنون بالنهار ويمشون بالليل فصبحوها صبح خامسة فوجدوا العير مرت بالأمس، فرجعوا للدار أي إلى الدار يعني المدينة.

بعْثُ ابنِ جحشٍ بعدهُ أوْ أوَّلُ *** لنَخْلةٍ فَغَنِموا وقَتَلوا

في سلخِ شهرِ رجبٍ إنسانَا *** وأنزلَ الله بهِ قُرءانا

أيْ يَسْألونَكَ أزالتْ كُرَبَا *** وبأمير المؤمنينَ لُقّبا

الرابع: بعث عبد الله بن جحش بن رئاب الأسدي في سرية بعد بعث سعد، وهو أول البعوث قولان والثاني هو قول أبي نعيم، لنخلة بفتح النون وسكون الخاء المعجمة على لفظ نخلة واحدة النخل موضع على ليلة من مكة وهي التي ينسب إليها بطن نخلة، ويقال: إنها بستان بني عامر، فمرت به عير لقريش تحمل تجارة ومعها جماعة منهم فحاربوهم وغنموا ما معهم وقتلوا عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله، وأسروا عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان واستاقوا العير وما عليها، وهي أول غنيمة في الإسلام وأول قتيل بأيدي المسلمين وأول أسرٍ فيه، وكان ذلك في سلخ رجب رأس سبعة عشر شهرًا وقالت قريش: سفك محمد الدم وأخذ المال في شهر حرام، وقالت اليهود: يقتل عمرو بن الحضرمي حضرت الحرب ويقتله واقد وقدت الحرب، وأنزل الله به أي في قرءانًا وهو: {يَسْئَلونَكَ عنِ الشَّهرِ الحرامِ} [سورة البقرة/217] الآية فأزالت الآية الكرب الحاصل للمسلمين بما قال الكفار فيهم، وفي هذه السرية لقب عبد الله بن جحش بأمير المؤمنين وقول الناظم: “كربا” بضم الكاف وفتح الراء جمع كربة.

فبعْثُهُ عُميرًا الخَطْميَّا *** لقتلِ عَصْما هجَتِ النَّبيَّا

الخامس: بعثه عمير بن عدي بن حرشة الخطمي بفتح الخاء المعجمة القارئ إمام بني خطمة، أرسله لقتل عصماء بفتح العين وسكون الصاد بنت مروان من بني أمية بن زيد، وكانت تعيب الإسلام وهجت المصطفى وحرضت عليه، فجهز إليها عميرًا في رمضان فدخل عليها بيتها في الليل وحولها ولدها نيام منهم من ترضعه، فجسها بيده وكان ضريرًا فنحى الصبي ووضع سيفه على صدرها حتى أنفذه من ظهرها ثم جاء فصلى الصبح مع المصطفى فأخبره فقال: “لا ينتطح فيها عنزان”، وهو مثلٌ لم يتمثل به أحد قبله.

فبعْثُ سالمٍ إلى أبي عَفَكْ *** وقتلهِ ءاذى النبيَّ وأفَكْ

السادس: بعث سالم بن عمير بن ثابت الأنصاري إلى أبي عفك بفتح العين المهملة والفاء وءاخره كاف، كان في بني عمرو بن عوف يهوديًّا بلغ عشرين ومائة سنة، وكان يؤذي النبي ويحرض عليه ويقول فيه الشعر، وأفك بفتح الهمزة والفاء أي كذب على المصطفى، فأقبل سالم إليه ليلًا فوضع السيف على كبده ثم أنفذه [من ظهره]، وكان ذلك في شوال على رأس عشرين شهرًا من الهجرة.

فبعثُهُ محمَّدَ بنَ مَسْلَمَهْ *** في رفقةٍ لِقَتلِ كعْبِ المَلأمهْ

جاءوا برأسِهِ فأقْدَمُوهُ *** قالَ لهم أفلَحَتِ الوجوهُ

السابع: بعث محمد بن مسلمة الأوسي في رفقة من الأوس منهم عباد بن بشر والحارث بن أس وأبو عبس بن جبر لقتل كعب بن الأشرف اليهودي، وكان شاعرًا يهجو المصطفى وأصحابه فقال: “اللهم اكفني ابن الأشرف”، وفي الصحيح [2] قال: “من لي بكعب بن الأشرف فإنه ءاذى الله ورسوله” فذهب إليه المذكورون فقتلوه وجاءوا إليه برأسه فرموا به بين يديه فحمد الله وقال لهم: “أفلحت الوجوه”، فقالوا: وجهك يا رسول الله، وكانت رجل الحارث قد أصابها سيف أحدهم فتفل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تؤذه.

وقول الناظم: “الملأمة” بفتح الميم والهمزة الثانية هو الذي يفعل ما يلام عليه وهو صفة لكعب كمل به الوزن، وقوله: “فأقدموه” أي أقدموا رأسه على المصطفى.

فبعثُهُ زيدًا إلى القَرَدةِ *** ماءٍ بنجدِ بقريبِ غمْرةِ

فحصَّلوا مائةَ ألفٍ مَغنما *** وأسروا فُراتَ ثمَّ أسلما

الثامن: بعثه زيد بن حارثة في مائة راكب إلى القردة بفتح القاف والراء على الأشهر وضبطه الدمياطي بفاء مفتوحة وراء ساكنة، والبكري بفتح القاف وسكون الراء ماءً من مياه نجد بقرب غمرة بفتح الغين المعجمة وسكون الميم موضع بين نجد وتهامة من طريق الكوفة، وكانت لهلال جمادى الآخرة على رأس ثمانية وعشرين شهرًا من هجرته، فخرج يعترض عيرًا لقريش فيها صفوان بن أمية وحويطب بن عبد العزى ومعهم مال كثير منه فضة نحو ثلاثين ألف درهم فحصلوها وأصابوا العير، وقيل: إنها كانت مائة ألف مغنمًا فخمَّسها فبلغ الخُمس عشرين ألف درهم وقسم الباقي بين أهل السرية، وأسروا فرات بضم الفاء العجلي دليل قريش فأتوا به إلى المصطفى فأمر بقتله فأسلم فتركه وحسن إسلامه.

فبعدهُ بعْثُ ابنِ عبدِ الأسَدِ *** لِقَطَنٍ لولَدَيْ خُوَيلدِ

طُليحةٍ معَ أخيهِ سَلمهْ *** قد جَمَعا حربَ نبيّ المَرحمهْ

فلَمْ يَصِلْ حتى تَفَرَّقَ الملا *** وغنِموا شاءً لهم وإبلا

التاسع: بعث أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي إلى قطن بفتح القاف والطاء المهملة جبل بناحية نجد في بلاد بني أسد على يمينك إذا فارقت الحجاز، وقال ابن اسحاق [3]: “ماءٌ من مياه بني أسد بنجد”، وعقد له لواء وخرج في مائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار لولدي خويلد هما طليحة مع أخيه سلمة من بني أسد، لأنه قد بلغه أنهما جمعا جمعًا إلى حرب المصطفى نبي المرحمة فلم يصل الجيش إليهم حتى تفرقوا في كل ناحية، وغنموا شاء جمع شاة لهم وإبلًا كثيرًا ولم يلقوا كيدًا وانحدر أبو سلمة بذلك إلى المدينة، وذكر ابن عبد البر [4] أن مسعود بن عروة قتل في هذه السرية.

يليهِ بعْثُ ابنِ أنيسِ العامِدِ *** لقتلِ سُفيانَ هُوَ ابنُ خالدِ

ابنِ نُبَيْحٍ كانَ صوْبَ عُرَنَهْ *** يجمعُ للنبي فلمَّا أمْكَنهْ

احتَزَّ رأسهُ فلمَّا أحضرهْ *** دعا لهُ وخصَّهُ بِمِخْصَرَهْ

العاشر: أي يلي هذا البعث البعث العاشر وهو بعث عبد الله بن أنيس الجهني الأنصاري، وقول الناظم: “العامد” أي الذي عمد بإذن المصطفى إلى قتل سفيان بن خالد بن نُبيح مصغرًا الهذلي اللحياني وكان صوب عرنة بضم العين المهملة وفتح الراء بعدها نون وهاء التأنيث وهو وادي عرفة، قال في المعجم: والفقهاء يقولونه بضم الراء وهو خطأ، وسببه أنه بلغه أنه جمع الجموع لحرب النبي، فذهب إليه لخمس خلون من المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرًا من الهجرة فوجده ببطن عرنة يمشي ومعه أصحابه فعرفه فقال له سفيان: ممن الرجل؟ قال له: من خزاعة سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك قال: أجل إني لأجمع له فمشى معه يحدثه وتفرق أصحابه، فلما هدأ الناس وناموا وأمكنه قتله قام عليه فاحتز رأسه ثم دخل غارًا في الجبل وضرب العنكبوت عليه فجاء الطلبة فلم يجدوا شيئًا فانصرفوا، فخرج يكمن النهار ويسير الليل حتى أتى المدينة، فلما أحضره بين يدي المصطفى دعا له وخصه بمخصرة بكسر الميم وسكون الخاء وصاد مهملة ما يختصره الإنسان بيده فيمسكه من نحو عصى أو عكاز دفع إليه عصُا وقال: “تخصر بهذه في الجنة” فكانت عنده، فلما احتضر أوصى بإدراجها في كفنه فجعلوها بين جلده وكفنه، وكانت غيبته ثماني عشرة ليلة.

فبعْثُهُ المُنذرَ والقُرَّا إلى *** بئرِ مَعونةٍ فطابوا نُزُلا

فاسْتَشهَدَ السبعونَ إلا كعبا *** هُوَ ابنُ زيدٍ كانَ رُتئًا صَعبا

ووجدَ النبيُّ حُزنًا حتى *** قَنَتَ شهرًا في الصلاةِ بَحْتا

يدعوا على القُتَّالِ حتى أنزلا *** {ليسَ لكَ} الآيةَ ربُّنا علا

الحادي عشر: بعثه المنذر بن عمرو الأنصاري الخزرجي وبعث القراء من الأنصار معه وكانوا سبعين لا أربعين على الأصح، إلى بئر معونة بالنون ماءٍ لبني عامر بن صعصعة، في صفر على رأس ستى وثلاثين شهرًا من هجرته، وسببه أن ملاعب الأسنة الكلابي قدم المدينة فعرض عليه المصطفى الإسلام فلم يُسلم ولم يبعد وقال: لو بعثت معي رجالًا إلى أهل نجد رجوت أن يجيبوا، قال: “أخشى عليهم” قال: أنا لهم جار، وكان شباب من الأنصار يسمون القراء يصلون بالليل ويقرءون بالنهار، فبعثهم وكانوا سبعين كما تقرر حتى نزلوا بئر معونة فطابوا فيها نزلًا بضم النون الزاي، وبعثوا حرام بن ملحان بكتاب المصطفى إلى عامر بن الطفيل فلم ينظر في كتابه وقتل الرجل ثم استصرخ عليهم بني عامر فأبوا أن يجيبوه وقالوا لن نحقر جوار ملاعب الأسنة، فاستصرخ عليهم قبائل من سليم عصية وذكوان وغيرهما فنفروا معه حتى أحاطوا بالقوم في رحالهم، فلما رأوهم أخذوا سيوفهم ثم قاتلوهم حتى استشهد السبعون إلا كعب بن زيد بن قيس الأنصاري فتركوه وبه رمق فعاش حتى قتل يوم الخندق، وذلك لأنه “كان رُتْئًا صعبا” بضم الراء وسكون المثناة فوق ثم همزة أي شديد القوة صعبًا، وقدم عمرة بن أمية على المصطفى فأخبره فوجد أي حزن عليهم حزنًا شديدًا حتى من شدة حزنه قنت شهرًا في الصلاة أي صلاة الصبح قيل وغيرها بحتًا بفتح الموحدة وسكون الحاء المهملة ثم مثناة أي خالصًا يدعو على القبائل الذين قتلوا القراء حتى أنزل الله عز وجل: {ليسَ لكَ مِنَ الأمرِ شيءٌ} [سورة ءال عمران/128].

وبعثُهُ إلى الرَّجيعِ مُرثدَا *** أو عاصِمَ بنَ ثابتٍ وأسنَدَا

هذا البُخاريُّ وفيهِ خانا *** بسبعةٍ منهُمْ بنو لِحيانا

وأسَروا زيدًا خُبَيبًا بِيعا *** وقتلوا ابنَ طارِقٍ صَريعا

ثم الذي ابتاعَ خُبيبًا قتلهْ *** كذا بزيدٍ مُشتريهِ فَعَلهْ

وقَصَدتْ هذيلُ رأسِ عاصِمِ *** حَمَتْهُ دَبْرٌ ثمَّ سَيْلُ عاصِمِ

الثاني عشر: بعثه في صفر على رأس ستة وثلاثين شهرًا إلى الرجيع بفتح الراء وكسر الجيم وبعين مهملة ماء لهذيل بين مكة وعسفان، وأمَّر عليهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي كذا في الطبقات لابن سعد [5]، لكن في غيرها [6] أنهم كانوا عشرة، وأن أميرهم عاصم بن ثابت الأوسي وهذا هو الذي أسنده البخاري في كتاب التوحيد وغيره [7]، وفي هذا البعث خان أي غدر بسبعة منهم على رواية البخاري [8] وعليه جرى الناظم، وقيل: ستة فقط وجزم به بعضهم، وذلك أنه خرج إليهم بنو لحيان قريب من مائة رام فأحاطوا بهم فقتلوا عاصمًا وستة معه وأسروا زيد بن الدثنة الخزرجي وخبيب بن عدي الأنصاري وبيعا بمكة بعد وقعة بدر، فابتاع خبيبًا عقبة بن الحارث فقتله بابنه وكان ممن قتل ببدر، وابتاع زيدًا صفوان بن أمية فقتله بأبيه، وقتلوا عبد الله بن طارق وتركوه صريعًا، وقصدت بنو هذيل أخذ رأس عاصم لكونه كان قتل يوم أحد أخوين من بني عبد الدار أمهما سلافة بنت سعد فنذرت إن أمكنها الله منه لتشربن في رأسه الخمر وجعلت لمن جاء به مائة ناقة، فتسارع بنو هذيل إلى أخذه ليبيعوه لسلافة فحمته دبر بفتح الدال وسكون الموحدة أي نحل أو زنابير أرسلها الله عز وجل عليه مثل الظلة، ثم جاءه سيل جار عاصم من أخذه وذلك أنهم قالوا: الدبر يذهب ليلًا فنأخذه فأرسل الله سيلًا فاحتمله فذهب به فلم يقفوا لجثته ولا لرأسه على خبر، وكان نذر أن لا يمس مشركًا فبرَّ الله قسمه فلم يروه أصلًا ولا عرفوا له محلًا.

فبعثُهُ محمدَ بنَ مَسْلمهْ *** للقُرَظا منهُم مَغْنمهْ

شاءٍ لهم ونعَمًا أصابوا *** بعضهم وبعضُهُم هُرَّابُ

لم يَعرِضوا للظَّعنِ أمْرٌ رامَهْ *** أميرُهُم وأسروا ثُمامهْ

الثالث عشر: بعثه محمد بن مسلمة بن خالد بن عدي الأوسي إلى القُرظا بضم القاف بعدها راء مفتوحة وظاء معجمة جمع قرظ قبيلة على سبع ليال من المدينة تزوج المصطفى منهم عمرة، فخرج إليهم لعشر خلون من المحرم على رأس تسعة وخمسين شهرًا من الهجرة في ثلاثين راكبًا، فأغار عليهم وقتل وأصاب منهم مغنمة أي غنيمة شاء جمع شاة لهم ونعمًا النّعم مائة وخمسون والغنم ثلاثة ءالاف، وأصابوا من القوم فقتلوا بعضهم وبعضهم هراب جمع هارب ولم يعرضوا بفتح المثناة التحتية وضاد معجمة مخففة للظعن بضم الظاء المعجمة وسكون العين سكنت تخفيفًا وهنّ النساء جمع ظعينة سُميت به لأنها تظعن مع زوجها حيث ظعن، وهو أمر رامه أي طلبه أميرهم محمد بن مسلمة، وأسروا ثمامة بمثلثة مضمومة بن أثال بضم الهمزة الحنفي وانحدر إلى المدينة وغاب سبع عشرة ليلة وقدم ءاخر المحرم.

فبعثُهُ عُكاشةَ بنَ مُحصنِ *** لغَمْرِ مرزوقٍ مُوَيْهٍ لبني

أُسْدٍ على يومَينِ أيْ مِنْ فَيْدِ *** فهربوا وما لَقوا مِنْ كَيْدِ

الرابع عشر: بعثة عكاشة –بضم العين وتخفيف الكاف وتشدد- ابن محصن الأسدي إلى غَمر بفتح المعجمة وسكون الميم بعدها راء مهملة مرزوق وهو مُوَيه تصغير ماء أي هو ماء لبني أسد، وهو على يومين من فيد بفتح الفاء وسكون التحتية ويقال: بالنون، وكان في ربيع الأول سنة ست من الهجرة وكان معه أربعون رجلًا فعلم به القوم فهربوا، ووجدوا رجلًا فأمَّنوه فدلهم على نَعمٍ لبني عم له فاستاقوها وهي مائتا بعير وما لقوا في سير لهم من كيد وهو المكر والخديعة، وصغر الناظم لفظ ما وزاد أي التفسيرية للوزن.

وبعثُهُ أيضًا إلى ذي القَصَّةِ *** محمدًا إلى بني ثعلبةِ

في عشرةٍ فأحْدقَ الاعرابُ *** بهمْ وكانوا مائةً أصابوا

كلُّهُم قتلًا سِوى ابن مَسْلمهْ *** جُرِحَ جُرحًا سالِمًا ما أسْلمهْ

الخامس عشر: بعثه إلى ذي القَصة بفتح القاف وشد الصاد المهملة موضع في طريق العراق من المدينة بينها وبين المدينة أربعة وعشرون ميلًا، سمي به لقصة في أرضه أي حصن، وقيل: هي على بريدٍ من المدينة إلى بني ثعلبة، في عشرة رجال وكان في ربيع الأول سنة ست فوردوا عليهم ليلًا فأحدق بهم الأعراب وكانوا مائة فتراموا ساعة ثم حملت الأعراب عليهم فقتلوهم إلا محمد بن مسلمة فإنه جرح جرحًا سالمًا ما أسلمه من جرح، ورجع إلى المدينة.

وقول الناظم: “فأصابوا” أي أصابوهم كلهم وهو بالرفع توكيد للضمير المرفوع، وقوله: “ما أسلمه” حشو كمل به الوزن.

فبعثُهُ لهم أبا عبيدهْ *** لم يجدِ القومَ وحادوا حَيْدهْ

لكنْ أصابوا رجُلًا فأسلما *** وغَنِموا شاءً لهم ونَعما

السادس عشر: بعثه لهم أي إلى ذي القصة لبني ثعلبة الذين قتلوا العشرة أبا عبيدة عامر بن الجراح في ربيع الآخر سنة ست، فخرج إليهم في أربعين رجلًا فهربوا فلم يجد منهم أحدًا، وحادوا عن مكانهم حيدةً أي تنحوا عنه وصعدوا في الجبال، لكن أصابوا منهم رجلًا فأسلم فتركوه، وغنموا شاءً بالمد ونَعمًا من نعمهم فخمَّسها رسول الله وقسم البقية عليهم.

فبَعْثُ زيدٍ لبني سليمٍ *** وهُمْ ببطنِ نخلِ بالجَمومِ

وقدْ أصابوا نَعَمًا وشاءَ *** وأسروا ما اللهُ مِنهم شاءَ

السابع عشر: بعثه في ربيع الأول سنة ست زيد بن حارثة لبني سليم ببطن نخل عن المدينة بأربعة برد، وهم بالجموم بفتح الجيم وضم الميم الأولى على بناء فعول بلد بأرض بني سليم عن يسار بطن نخل ويقال: الجموح بالحاء، فأصابوا امرأة مزنية تسمى حليمة فدلتهم عليهم فأصابوا نعمًا وشاء وأسروا من شاء الله منهم، وكان فيمن أسر زوج حليمة التي دلتهم فوهب المصطفى للمزنية نفسها وزوجها.

فبعثُهُ للعيصِ حتى أخذوا *** عيرَ قريشٍ كُلَّها ونفذوا

وفِضَّةً كثيرةً وأسرى *** مِمَّنْ معَ العيرِ أتَوا والصّهرا

صِهْرَ النبيّ زوجَ زينبَ اسْتجارْ *** بها أجارَتْ وهْوَ أهلٌ أنْ يُجارْ

الثامن عشر: بعثه إلى زيد بن حارثة أيضًا إلى العيص بكسر العين وصاد مهملة من ناحية ذي المروة على ساحل البحر بطريق قريش إلى الشام على أربعة أميال من المدينة، فخرج في جمادى الأولى سنة ست لما بلغه أن عير قريش قدمت من الشام، فبعثه في سبعين ومائة راكب لاعتراضها حتى وافوها، وكانت لصفوان بن أمية كلها فأخذوها وما فيها ونفذوا أي ذهبوا بها إلى المدينة وأخذوا فضة كثيرة وأسرى ممن كان معهم ومنهم صهر النبي أبو العاص بن الربيع زوج زينب وهو ابن أخت خديجة واسمه على الأصح لقيط، فاستجار بها أي بزوجته فأجارته وهو أهل أن يجار من الأسر، وردوا عليه جميع ماله المأخوذ.

فبعثُهُ رابعةً إلى الطَّرَفْ *** ماءٍ قريبٍ مِن مراضٍ فانصرفْ

إلى بني ثعلبةٍ أصابوا *** أنعامهُمْ وهربَ الأعرابُ

التاسع عشر: بعثه زيد بن حارثة مرة رابعة إلى الطرف بفتح الطاء والراء وهو ماء قريب من المراض دون النخيل على ستة وثلاثين ميلًا من المدينة في جمادى الأولى سنة ست، فانصرف إلى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلًا فأصابوا أنعامهم وشياههم وهرب الأعراب، وأصبح زيد بالنعم في المدينة وهي عشرون بعيرًا ولم يلق كيدًا، وغاب أربع ليالٍ.

فبعثُهُ خامسةً لحِسمَى *** إلى جُذام فأتاهُم هَجْما

صُبحًا على القوم أصابوا العارِضا *** وأبَهُ هُنَيدًا المُعارِضا

في قومَ لدِحيةَ الكَلْبيّ *** فقطعوا طريقهُ بالقِيّ

وكانَ زيدٌ معَهُ خمسمائهْ *** فأخذوا الأنعامَ والسَّبيَ فِئهْ

مائةً النساءَ والصبيانا *** فجاءَ زيدٌ مِن جُذام كانا

مَعْهُ كتابُ المصطفى إذا سَلّما *** لهُ وللقومِ فسالَ المَغنما

أموالُهُم مع حريمهم فردْ *** كلًا إليهِم وافيًا بِما عَهَدْ

العشرون: بعثه أيضًا مرة خامسة إلى حسمى بكسر الحاء المهملة وسكون السين المهملة والقصر على بناء فعل موضع من أرض جذام وراء وادي القرى، إلى قوم من جذام بضم الجيم قبيلة من اليمن في جمادى الأولى سنة ست، فخرج في خمسمائة رجل فأتاهم فهجم عليهم هجمًا على غفلة في وقت الصبح فقتل منهم العارض بعين مهملة وضاد معجمة، وأبه أي وأباه هنيدًا بضم الهاء مصغرًا وهو المعارض في قومه لدحية الكلبي، وذلك أن دحية أقبل من عند قيصر وقد أجازه وكساه فلقيه الهنيد وابنه في ناس من جذام بحسمى فقطعوا عليه الطريق بالقي بكسر القاف وشدة الياء وهي الأرض الخالية، وأخذوا متاعه فقدم على المصطفى فأخبره فبعث زيدًا أمير هذه السرية ومعه خمسمائة رجل فهجموا عليهم فقتلوا منهم الهنيد وابنه وأخذوا ألف بعير ومعه خمسة ءالاف شاة وأخذوا السبي وكان فيه مائة من النساء والصبيان، فجاء زيد بن رفاعة الجذامي في نفر من قومه إلى النبي وذلك بأنه كان معه كتاب المصطفى إليهم كتبه لهم ليالي قدم عليهم فأسلم واستعذر للقوم عما وقع منهم في حق دحية، فسأل المصطفى أن يرد عليهم المغنم وهو أموالهم مع حريمهم فقال: يا رسول الله لا ترحم علينا حلالًا ولا تحل لنا حرامًا فقال: “كيف أصنع بالقتلى”؟ قال أبو يزيد: أطلق لنا من كان حيًّا ومن قتل فهو تحت قدمي هاتين، فبعث معهم عليًّا إلى زيد يأمره برد أموالهم وحريمهم إليهم فرد الكل إليهم وافيًا بما عهد إليه المصطفى، ووقع هنا زيد بن رفاعة وعند ابن إسحاق [9] رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي وهو الصحيح. وقول الناظم: “وأبه” على لغة النقص كقوله:

بأبه اقتدى عدي في الكرم *** ومَنْ يشابهِ أبَهُ فما ظَلَمْ

فبعثُهُ أيضًا لهُ مُؤَمَّرَا *** سادسةً لوِجْهة وادي القِرى

بهِ أصيبَ المسلمونَ قَتْلا *** وارتُثَّ زيدٌ مِنْ خليطِ القتلى

الحادي والعشرون: بعثه لزيد أيضًا مؤمرًا له على سرية سادسة، وقوله: “لوجهة” بكسر الواو وتنوين ءاخره أي لجهة ثم فسرها بقوله “وادي القرى” من أعمال المدينة، في رجب سنة ست وأصيب المسلمون يومئذ قتلًا ذريعًا، وارتثَّ بضم المثناة الفوقية وشدة المثلثة مبني للمجهول أي حمل من المعركة قد أثخنته الجراح، والرث والرثيث الثوب الخلقُ [10] الذي فيه بقية، وقوله: “من خليط القتلى” جمع قتيل أي من وسط القتلى المختلطين، فآلى زيد به أي أقسم أن لا يمس رأسه غسل جنابة حتى يغزو بني فزارة فلما استبل من جراحته غزاهم وسيجيء.

بعثُ ابنِ عوفٍ بعدهُ لكلبِ *** بدومةِ الجُندلِ فازَ الكلبي

أميرهم أصبغُ بالإسلامِ *** ومعهُ ناسٌ مِنَ الأقوامِ

وأمرَ النبيُّ أنْ يُصاهِرا *** نكحَ ذاكَ ابنةَ ذا تماضِرا

الثاني والعشرون: بعث عبد الرحمن بن عوف الزهري أحد العشرة في سرية بعده أي بعد زيد لكلب أي إلى بني كلب وهم بدومة بضم الدال وفتحها لكن أنكر ابن دريد الفتح، الجندل من بلاد الشام بقرب تبوك في شعبان سنة ست، دعاه المصطفى فأقعده بين يديه وعممه بيده وأسدل عمامته بين كتفيه قدر شبر وكانت سوداء وقال: “اغز بسم الله وفي سبيل الله قاتل من كفر بالله لا تغدر ولا تقتل وليدًا” فذهب فدعاهم إلى الإسلام ثلاثة أيام فأسلم الكلبي أميرهم واسمه الأصبغ بن عمرو وكان نصرانيًا وأسلم معه ناس من قومه، ومن بقي على دينه بذل الجزية، وأمر النبي عبد الرحمن أن يصاهر الأصبغ إذا استجابوا له فنكح ذاك يعني عبد الرحمن ابنة ذا أبي الأصبغ واسمها تماضر بفتح المثناة فوق وتخفيف الميم وضاد معجمة مكسورة وقدم بها المدينة وهي أم أبي سلمة بنت عبد الرحمن التابعي الجليل.

فبعثُهُ لِفَدَكٍ عليًّا *** إلى بني سعدِ بنِ بكرٍ أحْيا

الليلَ سَيْرًا وكَمَنْ نهارا *** حتى أتاهم غَفْلةً أغارا

فهربوا إذْ جاءهُم بالظَّعنِ *** واستاقَ أنعامهم غيرَ وَني

الثالث والعشرون: بعثه علي بن أبي طالب إلى فدك بفتح الفاء والدال بينها وبين المدينة يومان وحصنها يقال له: الشموخ إلى بني سعد بن بكر في شعبان سنة ست لما بلغه أنهم جمعوا جمعًا يريدون إمداد يهود خيبر، فسار علي إليهم في مائة رجل يحيون الليل سيرًا ويكمنون نهارًا حتى انتهوا إلى ماء بين خيبر وفدك فوجدوا رجلًا فأمّنوه فدلهم عليه حتى أتاهم غفلة فأغاروا عليهم فهربوا بالظعن بضم الظاء النساء، واستاق أنعامهم وكانت خمسمائة بعير وألفي شاة فقدموا بها إلى المدينة ولم يلقوا كيدًا. وقول الناظم: “غير وني” بفتح الواو اسم فاعل من الونا وهو الضعف كمل به الوزن.

فبعْثُهُ زيدًا لأمّ قِرْفَةِ *** سابِعةً فقُتِلَتْ بِعَسْفَةِ

وصحَّ في مُسلمٍ الطّريقُ *** بأنَّما أميرَها الصِّدِّيقُ

الرابع والعشرون: بعثه زيدًا إلى أم قرفة بكسر القاف وسكون الراء واسمها فاطمة بنت ربيعة بناحية وادي القرى في رمضان سنة ست بسبب ما مر، وهذه غزوة سابعة لزيد فاجتاز قرفة فقُتلت بالبناء للمفعول بعسفة أي قتلها قيس بن المحسر وهي عجوز قتلًا عسفًا أي بعنف ربط برجلها حبلًا وربطها بين بعرين وزجرهما فذهبا فقطعاها وذلك لأنها سبت النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ سلمة بن الأكوع بنتها حارثة بنت مالك. وسميت أم قرفة لأنها كانت تُعلِّقُ في بيتها خمسين سيفًا لخمسين رجلًا كلها لها ذو محرم، وما ذكر من أن زيدًا هو أمير هذه السرية هو ما جاء في طريق لكن صح في صحيح مسلم [11] الطريق من رواية إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه بأن أميرها إنما هو الصديق.

فبعثُهُ لابنِ عَتيكٍ معَهُ *** قومٌ مِن الخزرجِ كيْ تَمْنَعَهُ

لِخيبرٍ لابنِ أبي الحُقَيْقِ *** لقتلِهِ أُعْينَ بالتوفيقِ

واختلفوا فقيلَ ذا في السادسهْ *** أو ثالثٍ أو رابعٍ أو خامسهْ

الخامس والعشرون: بعثه عبد الله بن عتيك وأرسل معه قومًا من الخزرج وكانوا أربعة: مسعد بن سنان، وعبد الله بن أنيس، وأبو قتادة، وخزاعي بن أسود كي تمنعه أي تمنع هذه الأربعة ابن عتيك من أن يصل إليه أحد، فساروا لخيبر لأجل قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحُقيق مصغرًا اليهودي وكان ممن حزب الأحزاب وءاذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجوا حتى أتوا خيبر ليلًا فجعلوا لا يمرون بباب إلا أغلقوه فلما انتهوا إلى منزله صعدوا إليه وقدموا ابن عتيك لأنه كان يتكلم باليهودية، فاستأذنوا فخرجت امرأته فقالت: من أنتم؟ قالوا: من العرب نلتمس الميرة، فلما دخلوا أغلقوا عليها وعليهم الباب فأرادت الصياح فأشاروا إليها بالسيف فسكتت، فابتدروه بالسيوف فقتلوه في فراشه وما دلهم عليه في سواد الليل إلا بياضه، وتحامل عليه ابن أنيس بسيفه في بطنه حتى أنفذه، وكان ابن عتيك ضعيف البصر فوقع من الدرجة فأصيبت رجله فحملوه وكمنوا به يومين وخرج في طلبهم ثلاثة ءالاف فلم يروهم فرجعوا، ثم قدموا على المصطفى فأخبروه فقال: “أفلحت الوجوه”.

واختلفوا في قتله فكل يدعيه فنظر المصطفى إلى أسيافهم فإذا أثر الطعام في ذباب سيف ابن أنيس فقال: “هذا قتله”. وفي البخاري [12] أن ابن عتيك قتله وأنه دخل إليه وحده وصحبه خارج الدار، واختُلف في أي وقت كانت هذه السرية فقيل: في السنة السادسة من الهجرة، وقيل: الثالثة، وقيل: الرابعة، وقيل: الخامسة، وقيل غير ذلك.

فبعدهُ بعثٌ ثلاثونَ رجلْ *** أميرُ ذاكَ ابنُ رواحةَ البطلْ

لخيبرٍ فقتلوا أُسَيْرا *** ابنَ رِزامٍ لا أصابَ خيرا

ومِخرشٌ مِن شَوْحَطٍ كانَ معهْ *** فشجَّ عبدَ الله لمَّا صَرَعهْ

فبصَقَ النبيُّ في شجَّتِهِ *** فلمْ تَكُنْ تُؤذيهِ حتى موتِهِ

السادس والعشرون: بعث بالتنوين وهم ثلاثون رجل بالوقف وأصله رجلًا لكنه سُكِّنَ للضرورة [13]، وكان أمير ذلك البعث عبد الله بن رواحة الأنصاري الرجل البطل أي الشجاع إلى أسير بن رزام اليهودي بخيبر في شوال سنة ست، وذلك أنه لما قتل ابن أبي الحقيق أمّرت اليهود عليها أُسيرًا فصار يحزب على المصطفى فساروا حتى قتلوا أسيرًا بضم الهمزة مصغرًا وهو ابن رزام بكسر الراء وتخفيف الزاي لا أصاب خيرًا، وذلك أنهم ساروا إليهم وأمَّنوه وأمَّنهم وقالوا: بعثنا النبي إليك ليستعملك على خيبر فطمع فخرج في ثلاثين يهوديًا حتى إذا كانوا بالطريق أهوى بيده إلى سيف عبد الله بن أنيس فقال: اغدر، فضربه بالسيف فسقط من بعيره وبيده مخرشٌ بكسرٍ فسكون عصًا معوجة الرأس من شوطح بفتح المعجمة شجر يتخذ منه القسي فشج رأس عبد الله لما صرعه، ثم مالت السرية على أصحابه فقتلوهم غير واحد، ثم قدموا على المصطفى فأراه عبد الله الضربة فبصق النبي في شجته فلم تكن تؤذيه حتى مات.

فبعثُهُ كُرْزَ بْنَ جابرٍ إلى *** العُرَنيينَ الذينَ مَثَّلا

بهم رسولُ الله في القتلِ كما *** قد فعلوا هُمْ في الرُّعاةِ مِثْلَ ما

وما رواهُ ابنُ جرير كَوْنا *** جريرٍ المرسلَ فاردُدْ وَهْنا

السابع والعشرون: بعثه كرزًا بضم الكاف ابن جابر الفهري إلى العرنيين بضم العين وفتح الراء سموا به لأن أكثرهم من عرينة بطن من بجيلة، وفي الصحيحين [14] أنهم كانوا ثمانية نفر وهم الذين مثَّل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في القتل كما مَثَّلوا هم أي فعل بهم مثل ما فعلوه في الرعاة بضم الراء جمع راع، فإنهم قتلوا رعاء لقاح النبي صلى الله عليه وسلم أو الصدقة ومثلوا بهم وذلك لأنهم قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم مضرورين فأنزلهم فلما أصبحوا قتلوا رعاء اللقاح وأخذوا عامدين إلى أرضهم فأحضروا إليه فقطع أيديهم وأرجلهم وسمَّل أعينهم وجعلوا يقولون: الماء فيقولون: “النار”. وأما ما رواه محمد بن جرير بن عبد الله فاردده وهنًا بسكون الهاء أي لضعفه جدًا لأن في روايته أن السرية كانت في سنة ست وإسلام جرير في العاشرة هذا ما وَجَّهوا به الرد، لكن صار بعضهم إلى الجمع بأن كرزًا كان أمير السرية وكان جابر إذ ذاك كافرًا وكانت الكفار تقاتل مع المصطفى حمية فحضر معهم.

فبعثُ عمرو بنِ أميةٍ إلى *** قَتلِ أبي سفيان فيما فَعلا

مِن كونِهِ جهَّزَ أعْرابيَّا *** بخنجرٍ ليَقتُلَ النَّبيَّا

فلمْ يطِقْ فأسلمَ الأعرابيْ *** فراحَ عمرٌو معهُ صحابي

جبَّارٌ أو سلمةُ بنُ أسْلما *** وقدَّرَ الله لهُ أنْ يَسْلما

فلم يُطيقا قتلهُ وقتلا *** عمرٌو ثلاثةً وأسْرى رجُلا

الثامن والعشرون: بعث عمرو بن أمية الضمري بفتح الضاد المعجمة إلى قتل أبي سفيان بن حرب أفضل قريش رأيًا في الجاهلية بسبب ما فعل من كونه جهز أعرابيًا بخنجر بكسر الخاء المعجمة ليقتل به النبي فلم يطق، وذلك أنه جاءه وهو بمسجد بني عبد الأشهل فذهب ليجني على المصطفى فجذبه أسيد بن حضير بداخلة إزاره فإذا بالخنجر سقط من يده فقال المصطفى: “اصدقني” قال: وأنا ءامن قال: “نعم” فأخبره فخلى سبيله فأسلم، فحينئذ أرسل المصطفى عمرًا وما راح وحده بل راح معه صحابي قيل: هو جبار بن صخر الأنصاري وقيل: سلمة بن أسلم الأنصاري وقال: “إن أصبتما منه غرة فاقتلاه” فدخلا مكة ومضى عمرو يطوف بالبيت فرءاه معاوية فعرفه فأخبر قريشًا فخافوه وطلبوه وكان فاتكًا في الجاهلية فقالوا: لم يأت بخير فحشدوا له فهرب ولم يجتمع بأبي سفيان، وقدّر الله له أن يَسلم بفتح أوله وثالثه، ولم يُطق الضمري ورفيقه قتله، وقتل عمرو في الطريق ثلاثة رجال لقي عبد الله بن مالك فقتله، وقتل ءاخر من بني الديل سمعه يقول:

ولستَ بمسلم ما دمت حيًّا *** ولستُ أدين دينَ المسلمينا

وأسر رجلًا فقدم به المدينة.

بعثُ أبانَ بنَ سعيدٍ نَجْدَا *** مِنْ بعدِ فتحِ خيبرٍ قدْ عُدَّا

التاسع والعشرون: بعث أبان بن سعيد بت العاص الأموي إلى نجد وذلك البعث وقع من بعد فتح خيبر، وقوله: “قد عُدَّا” بضم العين أي قد عد بعض أهل السير هذه السرية من جملة البعوث، ويحتمل أن المراد قد عد بعد فتح خيبر.

ثمَّ إلى تُربةٍ بَعثُ عُمَرْ *** نحوَ هَوَزانَ أتاهمُ الخبرْ

فهربوا لم يَلْقَ منهم أحدا *** وعادَ راجِعًا لنحوِ أحمدا

الثلاثون: بعثه عمر بن الخطاب في شعبان سنة سبع في ثلاثين رجلًا إلى تربة بضم المثناة وفتح الراء ثم باء موحدة بوزن فعلة موضع في بلاد بني عامر وقيل: واد بقرب مكة قريب من هوزان فأتاهم الخبر فهربوا وجاء عمر فلم يلق منهم أحدًا وعاد عمر راجعًا إلى النبي أحمد.

بعثُ أبي بكرٍ إلى كلابِ *** يعقبُهُ ومرَّ في كِتابي

بأنَّ بعثَهُ إلى فِزارةِ *** في مسلمٍ قد صحَّ معْ زيادةِ

الحادي والثلاثون: بعث أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى بني كلاب بكسر الكاف والتخفيف قبيلة بنجد، وكان بعثه في شعبان سنة سبع يعقب بعث عمر فقتل ناسًا من المشركين، وكان شعارهم أمت أمت. وقول الناظم: “ومر في كتابي” أي في هذه الأرجوزة المسماة بنظم الدرر السنية في سيرة خير البرية في البعث الرابع والعشرين أن بعث أبي بكر إلى بني فزارة في صحيح مسلم [15] قد صح مع زيادة في الحديث.

فبعثُهُ بشيرًا الأنصاريْ *** لِفَدَكٍ فساقَ في انحدارِ

شاءً لهُم ونَعَمًا فأدركوا *** أصحابهُ فقتلوا وسفكوا

وأخذوا أموالهُم وسَلِمَا *** مِنْ بعْدِ ما ارْتُثَّ بشيرٌ قدما

الثاني والثلاثون: بعث بشيرًا بفتح الموحدة الأنصاري البدري والد النعمان إلى فدك بالتحريك في شعبان سنة سبع إلى بني مرة ومعه ثلاثون رجلًا، فلقي رعاء الغنم فسأل عن الناس فقالوا في بواديهم فساق النعم والشياه وانحدر بها نحو المدينة فخرج الصريخ إلى أصحابها فأدركوا بشيرًا فتراموا بالنبل ففنى أصحاب بشير فقتلوهم وسفكوا دماءهم وساقوا أموالهم وسلم بشير من بعد ما ارتثَّ بضم التاء كما تقدم.

فبعثُهُ الليثيَّ غالبًا إلى *** مَيْفَعَةٍ مِنْ أرضِ نجدٍ قَتلا

قومًا وساقَ نَعمًا وشاءَ *** لهم ولمْ يسْتأسِرَنْ مَنْ جاءَ

قيلَ بها أسماةُ بنُ زيدِ *** قتلَ مَنْ نطقَ بالتوحيدِ

قال لهُ النبيُّ هلاَّ قلبَهْ *** شَققْتَ عنهُ هلْ تُحِسُّ كَذبهْ

وفي البخاريْ بعثُهُ أسامهْ *** للحُرَقاتِ ساقَ ذا تمامهْ

وسيَجيءُ ذِكرُ هذي الواقعهْ *** مِنْ بعدِ ذكري لبُعوثٍ عشرهْ

الثالث والثلاثون: بعثه غالب بن عبد الله الليثي إلى الميفعة بفتح أوله وفاء مفتوحة بعدها عين مهملة قرية أو موضع وراء بطن نخل من أرض نجد في رمضان سنة سبع، وكان في مائة وثلاثين رجلًا وهجموا عليهم فقتلوا قومًا وساق نعمًا وشاءً ولم يستأسرن بفتح الراء قبل نون التوكيد الخفيفة مَنْ جاء منهم، وقيل كان بهذه الغزوة أسامة بن زيد قتلَ فيها من أسلم وهو نهيك بن مرداس وكان نطق بكلمة التوحيد فقال: لا إله إلا الله فلما قدم قال له النبي: “أقتلتهُ بعد أن قالها”؟ قال: إنما قالها خوفًا من السيف قال: “هلاَّ شققت عن قلبه هل تحس كذبه” بكسر الذال أي هل تعلم أنه صادق أو كذاب قال أسامة: فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أسلم إلا يومئذ، وبوب في البخاري [16] على هذه السرية “باب بعث أسامة للحُرقات” [قال ابن الكلبي:] بضم المهملة وفتح الراء، ثم قال نسبة إلى الحرقة من جهينة واسمه جهيش بن عامر، وساق البخاري هذا الحديث بتمامه، وسيجيء ذكر هذه الواقعة بعد ذكر عشرة بعوث وهو البعث الرابع والأربعون، وقوله: “عشرة” بسكون الشين للوزن.

فبعثُهُ بَشيرًا الأنصاري *** ثانيةً ليمْنَ والجَبارِ

لِغَطَفانَ هربوا وقدْ هجمْ *** أرضهمُ فلم يجدْ إلا النَّعَمْ

فساقَها ورَجُلَينِ أُسِرا *** فأسلما وأرسلا إذ حَضَرا

الرابع والثلاثون: بعثه أيضًا بشيرًا الأنصاري إلى يمن بفتح المثناة التحتية موضع بقرب مكة، هو بضم أوله، وقيل: بزيادة همزة مفتوحة أوله والميم ساكنة في الكل للوزن ثم نون ءاخره أرض لغطفان أو لبني فزارة، والجبار بفتح الجيم وباء موحدة مخففة بعدها ألف وراء اسم موضع بقرب خيبر، أو ماء بقرب وادي القرى، أو أرض لفزارة وعذرة، أو بين فزارة وكلب، وكانت في شوال سنة سبع فلما قدم عليهم هربوا وهجم على أرضهم فلم يجد إلا النعم فساقها وأسر رجلين فأسلما حين أُحضرا إلى المصطفى.

يليهِ بعثُ ابنِ أبي العَوْجاءِ *** وهْوَ بُعَيْدَ عُمرةِ القضاءِ

إلى سُليمٍ جاءهُم عَيْنٌ لهم *** فجاءهُم وقدْ أعدّوا نَبْلَهُمْ

ثمَّ تراموا ساعةً فقُتِلا *** أصحابُهُ وهوَ قدْ تحامَلا

مِن بعدِ جُرحِهِ إلى أنْ قَدِما *** على النبيّ سالمًا مُسَلَّما

الخامس والثلاثون: بعث ابن أبي العوجاء بعد بعث بشير واسمه الأخرم بخاء معجمة وراء السلمي، والعوجاء بفتح العين المهملة وسكون الواو ثم جيم، وهذا البعث هو بُعيد بالتصغير أي بعد عمرة القضاء [بأيام قليلة، وعمرة القضاء] في ذي الحجة سنة سبع، وكان بعثه إلى بني سليم مصغرًا فخرج إليهم في خمسين رجلًا وتقدمه عين أي طليعة لهم فحذرهم، فجاءهم الأخرم ومن معه وقد أعدوا للحرب بنبلهم فدعاهم إلى الإسلام فقالوا: لا حاجة لنا فيما دعوتنا إليه، ثم تراموا بالنبل ساعة وأتت الأمداد من كل ناحية فقاتلهم الأخرم قتالًا شديدًا فقتل عامة أصحابه وأصيب هو جريحًا مع القتلى فتحامل أي تكلف المشي على مشقة من بعد جرحه إلى أن قدم على النبي سالمًا من القتل.

فبعثُ غالبٍ إلى الكَديدِ *** إلى بني المُلَوَّحِ الرُّقودِ

شنَّ عليهم غارةً فاسْتاقا *** نعمهُم وأدركوا اللحاقا

بهِ فجاء الله بالسيلِ فما *** قدَّرهمْ أن يَسْترِدوا النَعَما

السادس والثلاثون: بعث غالب بن عبد الله الليثي إلى الكديد بفتح الكاف ودالين أولاهما مكسورة وبينهما مثناة تحتية موضع بين مكة والمدينة، فيه عين جارية عليها نخل كثير بين قديد وعسفان، إلى بني الملوح بكسر الواو المشددة وهم من بني ليث، وكان معه بضعة عشر رجلًا فشن عليهم الغارة في وجه السحر فاستاق نعمهم وقتل منهم جماعة كثيرة، وخرج صريخ القوم فأدركوا غالبًا وأصحابه ولحقوا به بسرعة فجاء معهم ما لا قِبَلَ لهم به فقربوا منهم وما بقي بينهما إلا الوادي، فجاء الله بسيل عظيم فحال بينهما ولم يقدروا أن يستردوا نعمهم وهم ينظرون إليها عيانًا مع كثرتهم. وقول الناظم: “الرقود” أي في بيوتهم حشو كمل به الوزن.

فبعثُهُ ثالثةً إلى فدكْ *** أجْلَ مُصابٍ مَنْ بها قبلُ هلكْ

معَ بشيرٍ فأصابوا النّعما *** وقتلوا في الله قتلى لأُؤَما

السابع والثلاثون: بعثه غالب بن عبد الله مرة ثالثة إلى فدك في صفر سنة ثمان من أجل من أصيب بها من الصحابة وهلك بالقتل مع بشير الأنصاري في البعث المار، فخرج في مائتي رجل منهم أسامة بن زيد فأغاروا عليهم وقت الصبح فأصابوا منهم نعمًا وقتلوا منهم قتلًا ذريعًا في الله تعالى ولا يخافون لومة لائم.

بعثُ شجاعٍ بعدهُ إلى بني *** عامرِ بالسئ إلى هُوزانِ

يسيرُ ليلًا يكمنُ النهارا *** فسارَ حتى صَبَّحَ الديارا

أصابَ منهم نعَمًا وشاء *** وخمَّسوا وقسموا ما جاء

الثامن والثلاثون: بعث شجاع بن وهب الأسدي إلى بني عامر بالسيء بكسر السين المهملة وبالهمز اسم موضع على خمس ليال من المدينة في ربيع الأول سنة ثمان في أربعة وعشرين رجلًا إلى جمع من هوزان، فكان يسير ليلًا ويكمن نهارًا حتى صبَّحهم على غفلة فأصاب منهم نعمًا كثيرًا وشاء فقدموا بها المدينة فخمّسوها واقتسموا، فكانت سهامهم خمسة عشر بعيرًا وغابوا خمس عشرة ليلة.

فبعثُ كعبِ بنِ عُميرِ بنِ غِفارْ *** لذاتِ إطلاحٍ فحَلُّوا بالديارْ

فوجدوا الجمْعَ كثيرًا قاتلوا *** مِن أعظمِ القتالِ حتى قُتِلوا

إلا الأميرَ ابنَ عُميرٍ كَعبا *** نجا جَريحًا كانَ رَزْأً صَعبا

التاسع والثلاثون: بعث كعب بن عمير الغفاري إلى ذات إطلاح وهي وراء وادي القرى وقيل: هو أرض الشام في ربيع سنة ثمان في خمسة عشر رجلًا، فساروا حتى حلوا بها فوجدوا جمعًا كثيرًا فدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوا ورموهم بالنبل ثم قاتلوا قتالًا شديدًا حتى قُتلوا وما نجا منهم إلا أميرهم فإنه انفلت منهم وهو جريح، وكان رُزْأً صعبًا على المسلمين شق على المصطفى وهمَّ بالبعث إليهم فارتحلوا فتركهم.

فبعثُ عمرٍو وهُوَ ابنُ العاصي *** إلى قُضاعةٍ بمرمى قاصي

ذاتِ السُّلاسلِ وكانَ مَنْ معهْ *** عُدَّ ثلاثمائةٍ مُجتمعهْ

فبلغَ ابنَ العاصِ كَثْرُ الجمعِ *** أرسلَ يَستمدُّ قدْرَ الوُسعِ

أرسَلَ لهُ أبا عبيدةٍ وردْ *** في مائتينِ منهما شيخا الرَّشَدْ

العُمرانِ يلحقانِ عُمرا *** فلحِقوهُ ثمَّ ساروا طُرا

حتى لقوا جمْعًا مِنَ الكفارِ *** فهرب الكفارُ للأدبارِ

الأربعون: بعث عمرو بن العاص إلى قضاعة بذات السلاسل بضم السين الأولى وقيل: بفتحها وكسر الثانية ماء بأرض جذام على عشرة أيام من المدينة، وقيل: بها الماء اسمه سلسل فسميت به الغزوة ذات السلاسل، فخرج في جمادى الآخرة سنة ثمان في ثلاثمائة من وجوه المهاجرين والأنصار فسار الليل وكمن النهار حتى دنا منهم فبلغه كثرة الجمع فأرسل إلى المصطفى يستمده فأمده بأبي عبيدة بن الجراح في مائتين منهم الشيخان أبو بكر وعمر، فلحقوا بهم ثم ساروا جميعًا فلحقوا جمعًا كثيرًا من الكفار فحمل عليهم المسلمون فهربوا وتفرقوا.

فبعثُهُ أيضًا أبا عُبيدةِ *** في عِدَّةٍ وهمْ ثلثُمائةِ

وهْوَ الذي تعريفُهُ جيشُ الخَبَطْ *** يَلقَوْنَ عِيرًا لقريشٍ فَفَرَطْ

وكانَ زادُهُمْ جِرابُ تَمْرِ *** فأكلوا الخبَطَ بعدَ التَّمْرِ

وفيهِ ألقى البحرُ حوتًا مَيْتا *** يدعنَهُ العنبرَ حتى ثَبَتا

شهرًا عليهِ الجيشُ حتى سَمِنوا *** من أكلهِ وحمَلوا وادَّهنوا

وفيهِ قيسٌ ابنُ سعدٍ نحرا *** جَزائِرًا للجيشِ حتى ائْتمرا

عُمَرُ معْ أكيرهم فمنعا *** وجاء سعدٌ فاشتكى مَنْ منعا

الحادي والأربعون: بعثه أيضًا أبا عبيدة في رجب سنة ثمان في ثلاثمائة رجل من المهاجرين والأنصار ومنهم عمر إلى حي من جهينة مما يلي ساحل البحر على خمس ليال من المدينة، وهذا هو المعروف بجيش الخبط لأنهم أصابهم في الطريق جوعٌ شديد فأكلوا الخبط وذلك لأنه بعثهم يلقون عيرًا لقريش فسبقهم ولم يلقوا كيدًا، وكان زادهم جراب تمر ففرغ فأكلوا الخبط بعده، فألقى البحر لهم حوتًا عظيمًا ميتًا يسمى العنبر فأكلوا منه شهرًا حتى ثابت إليهم أبدانهم حتى سمنوا وادهنوا من ودكه.

ولما جاع الجيش في هذا البعث وكان فيهم قيس بن سعد بن عبادة فقال: من يشتري مني تمرًا بجزور يوفيني الجزور هنا وأوفيه التمر بالمدينة فجعل عمر يقول: واعجباه لغلام لا مال له يدين في مال غيره، فباعه رجل من جهينة خمس جزائر فنحر لهم ثلاثًا في ثلاثة أيام كل يوم واحدة، فلما كان في اليوم الرابع ائتمر عمر وأمير الجيش أبو عبيدة فمنعاه وقالا: عزمنا عليك أن لا تنحر، فلما قفلوا اشتكى سعد إلى أبيه ممن منعه فلامه ووفى للجهني حقه وحمله وكساه فبلغ النبي فعلُ قيس فقال: “إنه في قلبه جود”.

بعثُ أبي قتادةَ الأنصاري *** بعدُ إلى خُضرةَ للمغارِ

على مُحاربٍ بنجدٍ سارا *** ليلًا بهم وكَمَنَ النَّهارا

فقَتلوا مَنْ جاءَ واستاقوا النَّعمْ *** وأخرجَ الخُمسَ الأميرُ وقَسَمْ

الثاني والأربعون: بعث أبي قتادة بن ربعي الأنصاري إلى خضرة بضم الخاء وهي أرض محارب بنجد في شعبان سنة ثمان ومعه خمسة عشر رجلًا إلى غطفان، وأمره أن يشن عليهم الغارة فسار الليل وكمن النهار فهجم عليهم وقتل من أشرافهم من جاء إليهم واستاقوا النعم وكانت الإبل مائتي بعير والغنم ألفي شاة وسبوا سبيًا كبيرًا، وجمعوا الغنيمة فأخرج الأمير الخمس وقسم الباقي فأصاب كل واحد اثني عشر بعيرًا، وغابوا خمس عشرة ليلة.

فبعثُهُ أيضًا إلى بطنِ إضَمْ *** حينَ أرادَ غَزْوَ مكةٍ وهَمْ

وكانَ في البعثِ مُحَلِّمٌ قَتَلْ *** عامرَ أشجعَ وبئسَ ما فعلْ

حيَّاهُمُ تحيَّةَ الإسلامِ *** قتلهُ فباءَ بالآثامِ

ونزلت {ولا تقولوا} الآيا *** ثم لقوا النبيَّ عندَ السُّقيا

ولابن إسحاقَ بأنْ ذي القصهْ *** لابنِ أبي حَدْرَدِ وهْوَ عُروهْ

بعثهُ معْ رجلينِ نَحْوا *** رفاعةٍ جاءَ يريدُ غزوا

للمُسلمينَ معَ بطنٍ مِنْ جَشَمْ *** قتلهُ عروةُ واستاقَ النعمْ

الثالث والأربعون: بعثه أبا قتادة أيضًا في ثمانية رجالٍ في رمضان سنة ثمان إلى بطن إضم بكسر الهمزة وفتح الضاد المعجمة واد دون المدينة قاله الطوسي، وقال ابن الأعرابي: جبل لأشجع وجهينة، وقيل: وادٍ لهم، وقيل: بين ذي خشبٍ وذي مروة على ثلاثة برد من المدينة، وكان في البعث محلم بن جثامة الليثي فمر عامر بن الأضبط الأشجعي فسلم بتحية الإسلام فأمسك عنه القوم وحمل عليه محلم فقتله وسلبه متاعه وبعيره فلما لحقوا بالنبي نزل بهم: {ولا تقولوا لِمَنْ ألقى إليكُمُ السَّلامَ لستَ مُؤمِنًا} [سورة النساء/94] الآيات، فمضوا ولم يلقوا جمعًا فانصرفوا حتى انتهوا إلى ذي خشب، فبلغهم أن النبي توجه إلى مكة فلحقوه بالسقيا.

وهذه القصة وهي الغزوة نسبها ابن إسحاق [17] إلى ابن أبي حدرد وهو عروة الأسلمي فإنه نكح امرأة وجاء إلى النبي يستعينه على نكاحها فقال: “ما عندي ما أعينك به” فمكث أيامًا، وأقبل رجل من بني جشم يقال له رفاعة بن قيس في بطن عظيم من بني جشم حتى نزل بهم بالغابة يريد أن يجمع قيسًا على حرب المصطفى فدعاه المصطفى وأرسل معه رجلين فقال: “اخرجوا حتى تأتوا بخبر هذا الرجل” فخرجوا فكمن له عروة ليلًا حتى أمكن منه فنفحه بسهمٍ فوقع في فؤاده فلم يتكلم فاحتز رأسه وكبر في ناحية العسكر فهربوا، واستاق عروة وصاحباه النعم وهي ثلاثة عشر بعيرًا.

فبعثُهُ أسامةَ بنَ زيدِ *** للحُرقاتِ وهْوَ ذو ترديدِ

هل كانَ في السَّبْعِ كما قد مرَّا *** أو في الثَّمانِ وهْوَ أحْرى

وفيهِ قتلُهُ لمن قد ذكرا *** كلمةَ التوحيدِ حتى أنكرا

الرابع والأربعون: بعثه أسامة بن زيد إلى الحرقات وهو وقع فيه تردد هل كان في سنة سبع أو في سنة ثمان، والثاني أحرى أي أحق بالاعتماد، وفي هذا البعث قتل أسامة من نطق بكلمة الشهادة فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك كما مر.

فبعثُ خالدٍ لهَدمِ العُزَّى *** فحزَّها باثنين حَزًّا حزَّا

الخامس والأربعون: بعث خالد بن الوليد إلى هدم العزى أعظم أصنام قريش وبني كنانة وكانت بنخلة، فخرج لخمس بقين من رمضان سنة ثمان في ثلاثين فارسًا فهدمها ثم رجع إلى المصطفى فأخبره فقال: “هل رأيت شيئًا”؟ قال: لا، قال: “إنك لم تهدمها فارجع فاهدمها” فرجه وهو متغيظ فجرد سيفه فخرجت امرأة عريانة سوداء ناشزة الرأس فضربها خالد فحزها باثنتين أي قطعها قطعتين ورجع إلى المصطفى فأخبره فقال: “تلك العزى وقد أيست أن تعبد أبدًا”.

فبعثُ عمرو ثانيًا فهَدَما *** سُواعَ والسَّادِنُ أضحى مَسْلِما

السادس والأربعون: بعث عمرو بن العاص في رمضان سنة ثمان إلى سواع صنم لهذيل لهدمه فانتهى إليه وعنده السادن فقال: لا تقدر على هدمه، فقال: حتى الآن وأنت على الباطل، ثم كسره وهدم بيت خزانته فلم ير ما يضر، فقال للسادن: كيف رأيت، قال: أسلمت لله.

فبعثُ سعدٍ وهْوَ ابنُ زيدِ *** هدمَ منَاتَهُم على قديد

السابع والأربعون: بعث سعد بن زيد الأشهلي في رمضان سنة ثمان إلى مناة وكانت بالمشلل على قديد للأوس والخزرج وغسان، فخرج في عشرين فارسًا فوصلها وعندها السادن فخرجت امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس تولول وتضرب صدرها فقال السادن: مناة دونك بعض عصاتك، فقتلها سعد وكسر الصنم ثم رجع ولم يجد بأسًا.

فبعثُ خالدٍ إلى جُذيمةِ *** ثانيةً يدعو لخيرِ ملَّةِ

ليس مقاتِلًا وكانوا أسلموا *** قالوا صَبَأنا وهوَ لفظٌ منهم

أمرهُمْ خالدُ ان يُقَتّلا *** كلٌّ أسيرهُ فبعضٌ قتلا

وبعضُهم أمسكَ كابنِ عُمَرا *** وصحبِهِ لم يقتلوا من أُسِرا

قالَ النبي إذ أتاهُ الواردُ *** أبرأ ممَّا قد أتاهُ خالدُ

ودَى لهم قتلاهم النبيُّ *** ذهبْ بها إليهم عليُّ

الثامن والأربعون: بعثه خالد بن الوليد إلى بني جذيمة من كنانة بناحية يلملم بأسفل مكة سنة ثمان داعيًا إلى الإسلام وبم يبعثه مقاتلًا، فخرج في ثلاثمائة وخمسين فانتهى إليهم فقال: ما أنتم؟ قالوا: صبأنا وهو لفظ يفهم الإسلام عندهم، ثم صرحوا به فقالوا: مسلمون ءامنا بمحمد وصلينا وبنينا المساجد في ساحاتنا وأذّنا فيها، قال: فما بال السلاح عليكم؟ قالوا: بيننا وبين قوم من العرب عداوة فخفنا أن تكونوا هم، قال: ضعوا السلاح فوضعوه قال: استأسِروا فاستأروا فأمر بعضهم فكتف بعضًا وفرقهم في أصحابه، ثم نادى في السحر من كان معه أسير فليقتله فبعضهم قتل من بيده وبعضهم أمسك عن قتله كابن عمر رضي الله عنهما وأصحابه، ثم أتوا المصطفى فأخبروه فتبرأ مما فعله خالد ثم جهز لهم ديات من قُتل منهم مع علي رضي الله عنه.

فبعثُهُ طُفيلًا الدَّوسِيَّا *** لذي الكفينَ صَنَمًا فَهيَّا

نارًا لهُ ومُنْشِدًا في ذَلِكا *** يا ذا الكَفَينِ لستُ من عُبَّادِكا

ميلادُنا أقدَمُ مِنْ ميلادِكا *** إني حَشَوتُ النَّارَ في فُؤادِكا

التاسع والأربعون: بعثه الطفيل بن عمرو الدوسي في شوال سنة ثمان إلى هدم ذي الكفين صنم لعمرو بن حممة الدوسي، فخرج سريعًا فهيأ له نارًا فحرقه بها وجعل يرتجز ويقول: “يا ذا الكفين لست من عبادكا” إلخ ما في النظم ثم رجع فوافى المصطفى بالطائف في أربعمائة من قومه.

فبعثُ قيسٍ وهُوَ ابنُ سعدِ *** إلى صِداءَ أُمروا بالرَّدّ

لمَّا أتى أخو صداءَ التَزَما *** بقومِهِ أتى بجمعٍ أسْلما

الخمسون: بعثه قيس بن سعد بن عبادة إلى قبيلة صداء بالمد، فأتى واحد منهم إلى المصطفى والتزم بإسلام قومه أجمعين فأمر المصطفى برد البعث ثم وفّى بما التزم.

فبعثُهُ ضَحَّاكًا الكِلابي *** لِقومِهِ وهُمْ بنو كِلابِ

الحادي والخمسون: بعثه الضحاك بن سفيان الكلابي ومعه جيش إلى قومه بني كلاب في ربيع الأول سنة تسع فلقوهم بالسرح فدعوهم إلى الإسلام فأبوا فقاتلوهم فهزموهم.

فبعثُهُ عُيَيْنةَ الفِزاري *** إلى تميمٍ أجلَ أخذِ الثَّارِ

إذ مَنَعوا مُصَدّقَ الرَّسولِ *** مِنْ أخذِ ما أمرَ بالفُضولِ

يسيرُ ليلًا يَكمِنُ النَّهارا *** صبَّحَهُمْ فهربوا فِرارا

أسرَ منهم فوقَ خمسينَ قَدِمْ *** على النبي بهمُ كما عُلِمْ

فجاءَ عشرٌ للنبيّ منهُمُ *** من رؤساءِ قومِهِم فقدَّموا

عُطارِدًا خطبَ ثمَّ كلَّما *** ردَّ لهم أُسراهُمُ والمَغنما

ونزلت {إنَّ الذينَ} المُنزِلُ *** في الحجراتِ فيهمُ ليَعقلوا

الثاني والخمسون: بعثه عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم في محرم سنة تسع في خمسين فارسًا ليس فيهم مهاجري ولا أنصاري لأجل أخذ الثأر من بني تميم لكونهم امتنعوا من دفع الزكاة للمصدق وهو الساعي الذي بعثه المصطفى لأخذها، فكان يسير الليل ويكمن النهار فهجم عليهم فهربوا فأخذ منهم أحد عشر رجلًا وإحدى وعشرين امرأة وثلاثين صبيًّا فجلبهم إلى المصطفى فأمر المصطفى بحبسهم، فقدم عشرة من رؤسائهم وقدموا منهم عطارد بن حاجب فتكلم وخطب فأمر المصطفى ثابت بن قيس فأجابهم فرد عليهم المصطفى الأسرى والغنيمة ونزل فيهم قوله تعالى: {إنَّ الذينَ يُنادونَكَ مِن وراءِ الحُجُراتِ} [سورة الحجرات/4] الآية.

فبعثُ قُطبةَ هُوَ ابنُ عامرِ *** لِخَثْعَمٍ ببيشةٍ في صفرِ

سنةَ تِسعٍ أن يَشُنّوا الغارهْ *** ففعلوا وأوقَعوهُمْ غارهْ

فكثُرَ القتلى وساقوا النَّعما *** معَ نسائهم فكانَ مغنما

الثالث والخمسون: بعث قطبة بن عامر بن حديدة إلى خثعم بفتح الخاء المعجمة وسكون المثلثة وفتح العين المهملة، اسم جبل بناحية بيشة بكسر الموحدة التحتية وسكون المثناة التحتية وفتح الشين المعجمة وادٍ من أودية تهامة من أعمال مكة، وحذف الأحوص في شعره الهاء وأتى بها على التذكير، وكان في صفر سنة تسع في عشرين رجلًا وأمره المصطفى أن يشن الغارة عليهم، فخرجوا على عشرة أبعرة يعتقبونها فأخذوا رجلًا فسألوه فاستعجم وجعل يصيح بالحاضرة ويحذرهم فضربوا عنقه ثم أقاموا حتى نام الحاضر فأغاروا عليهم فاقتتلوا قتالًا شديدًا حتى كثُرَ الجرحى والقتلى في الفريقين، ثم ساق قطبة النّعم الشاء والنساء إلى المدينة فكانت مغنمًا وافرًا فخمَّس وقسم.

فابنُ مُجَزّرٍ والاسمُ عَلْقمهْ *** وابنُ حُذافةَ ببعثٍ يَمَّهَهْ

للجيشِ في جزيرةٍ في البحرِ *** فهربوا وفيهِ بدءُ أمْرِ

ابنِ حُذافةٍ لمنْ كانَ معهْ *** أن يقعوا في النارِ ثمَّ منعهْ

وقال كنتُ مازحًا فأخبرا *** بذلكَ النبي قالَ مُنكرا

لا تسمعوا ولا تطيعوهمُ في *** معصيةٍ بلْ ذاكَ في المعروفِ

الخامس والخمسون [18]: بعثه علقمة بن مجزز المدلجي في ثلاثمائة منهم عبد الله بن حذافة السهمي إلى ناس من الحبشة في جزيرة في البحر بناحية جدة قصدهم فخاض إليهم البحر فهربوا منه، فلما رجع تعجل بعض القوم إلى أهليهم فأذن لهم وأمَّر عليهم ابن حذافة وكانت فيه دعابة فنزلوا ببعض الطريق وأوقدوا نارًا يصطلون عليها فقال: عزمت عليكم أن تقعوا فيها فتحجزوا حتى ظن أنهم واقعون قال: اجلسوا إنما كنت مازحًا معكم، فلما قدموا أخبروا النبي بذلك فقال منكرًا عليهم إطاعتهم لأميرهم في الوثوب في النار: “من أمركم بمعصية فلا تطيعوه إنما الطاعة في المعروف”.

بعثُ عليٍ بعدهُ ليهدما *** الفَلْسَ بالفاءِ وكان صنما

لِطيءٍ فشنَّ غارةً على *** حُلَّةِ ءالِ حاتمٍ حتى ملا

أيديهُمْ سبيًا وشاءً ونعمْ *** وخرَّبَ الفلْسَ جميعًا وغنمْ

أدراعَهُ ثلاثةً ومِخذما *** معَ اليمانيْ ورَسُوبَ معنما

وقسم السَّبيَ وءالَ حاتمِ *** عزلهم لصاحبِ المراحِمِ

قامتْ له سَفانةٌ فاستأمَنَتْ *** محمدًا فحينَ مَنَّ أسلمتْ

سافرتِ الشامَ إلى عَدِيّ *** بشورها جاءَ إلى النبيّ

وذكرَ ابنُ سعدٍ ان المُرسلا *** في البعثِ خالدٌ كما قد نُقِلا

السادس والخمسون: بعثه علي بن أبي طالب رضي الله عنه في خمسين ومائة من الأنصار إلى الفلس بالفاء المفتوحة وسكون اللام وكان صنمًا لطي، فشن الغارة على حلة ءال حاتم مع الفجر فهدموا الفلس وحرقوه وملؤوا أيديهم من السبي والنعم والشاء ووجدوا في خزانة الفلس ثلاثة أدرع وثلاثة أسياف المخذم واليماني والرسوب كانوا يسمونها بذلك فصار ذلك كله مغنمًا، فلما نزلوا ركك عزل للمصطفى الخمس والمخذم والرسوب وقسم السبي على من كان معه، وأما ءال حاتم فلم يقسمهم بل عزلهم لصاحب المراحم وهو المصطفى فقدم بهم عليه فقامت له سفانة بفتح السين والفاء أخت عدي بن حاتم فاستأمنت أي طلبت أن يؤمّنها ففعل فحين منَّ عليها بالعتق أسلمت، وخرجت إلى الشام إلى أخيها عدي بن حاتم فأشارت عليه بالقدوم على المصطفى صلى الله عليه وسلم فقدم وأسلم بشورها أي بإشارتها.

وذكر الحافظ محمد بن سعد [19] في حديث هشام بن محمد أن المرسل في البعث المذكور إنما هو خالد بن الوليد كما نقله عنه قطب الحلبي في السيرة.

فبعثُهُ عكاشةَ بنَ مِحْصَنِ *** ثانيةً إلى الجِبابِ مَوْطِنِ

لِغطفانَ أوْ بَلِيْ وعَذْرَهْ *** أوْ بينَ كلبٍ وبني فزارهْ

السابع والخمسون: بعثه عكاشة بضم أوله ابن محصن بكسر أوله مرة ثانية في ربيع الآخر سنة تسع إلى الجِباب بكسر الجيم وقيل: بل بضمها ثم موحدتين تحتيتين بينهما ألف، ويقال: الجبابة بالهاء والجباب موطن أي أرض لغطفان، أو لبلي بفتح الموحدة وكسر اللم وعذرة بفتح فسكون أو هو مكان بين ديار كلب وبني فزارة خلاف.

فبعثُهُ إلى أُكَيْدِرْ دُومةِ *** ابنَ الوليد خالدًا في فشةِ

وقالَ يا خالدُ سوفَ تَجِدُهْ *** وَهْوَ يريدُ بَقَرًا يَصَّيَّدهْ

فأُرْسِلَتْ بَقَرُ وَحْشٍ حَكّتِ *** قرونَها حائِطَهْ في ليلةِ

نَشَّطَهُ ذاكَ يصيدُ البقرا *** شدَّتْ عليه خَيْلهُ فاسْتأسَرا

أجارهُ خالدُ ثمَّ صالحهْ *** على رقيقٍ ودُروعٍ صالِحَهْ

معَ رِماحٍ وجِمالٍ ورَحَلْ *** مَعْهُ إلى النبيّ بعدما فَصَلْ

 

الثامن والخمسون: بعثه أي المصطفى [خالد بن الوليد] إلى أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل بضم الدال رجل من كندة كان ملكًا عليها وكان نصرانيًا، ودومة على عشر مراحل من المدينة وعشر من الكوفة وثمان من دمشق واثني عشر من مصر، سميت بدومان بن إسماعيل كان نزلها، فبعث إليه خالد بن الوليد في رجب سنة تسع ومعه أربعمائة وعشرون فارسًا فقال له المصطفى: “يا خالد سوف تجده يريد يصيد بقر وحش” فأتاه خالد ليلًا وقرب من حصنه فأرسل الله بقر وحش حكت بقرونها حائط قصره في ليلة مقمرة فنشطه ذلك لأن يصيده، فخرج فشدت عليه خيل خالد فاستأسر خالد أكيدر وأجاره من القتل ثم صالحه على ثمانمائة رأس من الرقيق وأربعمائة درع صالحة للقتال بها وأربعمائة رمح وألفي بعير وفتح له الحصن وقبض ذلك منه، فعزل للمصطفى صفية ثم قسم الباقي، ورحل أكيدر معه إلى النبي فقدما بعدما انفصل أمر الصلح فصالحه المصطفى على الجزية وخلى سبيله وحقن دمه ودم أخيه وكتب لهم كتابًا بالأمان.

وقول الناظم: “يصيده” بفتح المثناة التحتية أوله وصاد وياء مشددتين أي يصيدها، وقوله: “فأرسلت” مبني للمفعول ونائب الفاعل بقر، وفصل بفتح الفاء والصاد.

فبعثُهُ أيضًا إلى عبدِ المَدانْ *** أو لبني الحارثِ نحوَ نَجْرانْ

أتاهم فأسلموا وأقبلوا *** معهُ إلى النبيّ حتى وصلوا

التاسع والخمسون: بعث خالد بن الوليد أيضًا في ربيع الأول سنة عشر إلى بني عبد المدان بفتح الميم والدال أو إلى بني الحارث بن كعب نحو نجران بفتح النون وسكون الجيم، مدينة بالحجاز من شق اليمن، سميت بنجران بن زيد بن يشجب بن يعرب أول من نزلها، قالوا: وهي من أطيب بلاد الحجاز، فأتاهم ودعاهم إلى الإسلام فأسلموا وأقبلوا معه إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى وصلوا إليه فأقاموا عنده مدة ثم رجعوا إلى بلادهم.

بعثُ عليّ بعدَهُ إلى اليمنْ *** وهيْ بلادٌ مَذْحِجٍ ففَرَّقَنْ

أصحابهُ جاءُوهُ بالنساءِ *** وَوُلْدِهِمْ ونَعَمٍ وشاءِ

ثمَّ دعاهُم لم يُجيبوا فقتلْ *** منهم رجالًا نحوَ عشرينَ رجُلْ

فانهزموا فكفَّ ثمَّ إذْ دعا *** ثانيةً أجابَ بعضٌ مُسرِعا

فأسلموا وجَمَعَ الغنائِما *** خُمَّسَها لله ثمَّ قسَما

الستون: بعثه علي بن أبي طالب إلى اليمن وكان ذلك بعد بعث خالد إلى بني عبد المدان في رمضان سنة عر وعقد له لواء وعممه بيده وقال له: “امض ولا تلتفت ولا تقاتلهم حتى يقاتلوك” فخرج في ثلاثمائة فارس وهي أول خيل دخلت تلك البلاد وهي بلاد مَذحج بفتح الميم وسكون الذال المهجمة وكسر الحاء المهملة ففرق أصحابه فيهم فغابوا ثم جاءوهم بنسائهم وأولادهم ونعمهم وشائهم، ثم لقي جمعهم فدعاهم إلى الإسلام فلم يجيبوا ورموه بالنبل فحمل عليهم فقتل منهم نحو عشرين رجلًا فانهزموا فكف عن طلبهم، ثم دعاهم إلى الإسلام مرة ثانية فأجاب بعض رؤسائهم مسرعًا فتبعوه فأسلموا، فجمع الغنائم وقسمها فأخرج خُمسها لله ولرسوله ثم قسم البقية على من معه، ثم قفل المصطفى بمكة [وقد] قدمها للحج.

وقول الناظم: “ففرقن” بتخفيف نون التوكيد، وولدهم بضم فسكون، ونعم ورجل بالوقف بلغة ربيعة.

بعثُ بني عبْسٍ وكانوا وفدوا *** لهُ إلى عيرِ قريشٍ فهُدُوا

ءاخرُ مَنْ بعثَهُ أسامه *** لأهلِ أُبْنى لمْ يَرِمْ مقامه

حتى قضى النبيُّ قبلَ سفرهْ *** ردّ أسامةُ بجمعٍ عسْكرِهْ

بَعَثَهُ الصديقُ حتى أرْهقا *** قاتِلَ زيدٍ وسبا وحرَّقا

الحادي والستون: بعث بني عبس بفتح فسكون وذكر ابن سعد [20] في الوفود أنهم كانوا وفدوا له فهداهم الله إلى الإسلام فبايعوه وهم تسعة أنفس فبعثهم إلى عير قريش الي تحمل ميرتهم. وقول الناظم: “فهدوا” بالبناء للمفعول أي فهداهم الله إلى الإسلام.

وقوله: “ءاخر” بالرفع مبتدأ أي ءاخر من بعثه المصطفى على سرية أسامة بن زيد بعثه لأهل أبنى بضم الهمزة وسكون الموحدة التحتية ونون وألف مقصورة موضع بناحية البلقاء من الشام في صفر سنة إحدى عشرة، فخرج إلى الجرف وعسكر به، فبدأ بالمصطفى وجعه وثقل فجعل يقول: “أنفذوا بعث أسامة” فلم يرم بفتح فكسر أي لم يبرح من مقامه بالجرف حتى قضى النبي نحبه، فلما بويع للصديق بعثه فسار إليهم فشن عليهم الغارة وقتل من أشرف له حتى أرهق دماءهم وقتل أسامة قاتل أبيه زيد وسبا من قدر عليه منهم وحرق، ثم رحل فقدم المدينة ولم يصب من المسلمين أحد. وقول الناظم: “زيد” بالجر بدل من الهاء.

واختلفوا في عَدّها فالاكثرُ *** عنْ قدرِ ما عددتُ منها قصَّروا

ولابن نَصْرٍ عالمٍ جليلِ *** بل فوقَ سبعينَ وفي الإكليل

أنَّ البُعُوثَ عدَّها فوقَ المائهْ *** ولمْ أجِدْ ذا لسِواهُ ابتَدأهْ

اختلف أهل السير في عدد البعوث والسرايا فالأكثر منهم عن قدر ما عُدَّ في النظم منها وهو أحد وستون قصروا بالتشديد أي لم يزيدوا عليها بل نقصوا، وقال محمد بن نصر: بل هي فوق السبعين. وفي كتاب الإكليل للحاكم أن عددها فوق مائة، وذكر الناظم أنه لم يجد هذا القول لغيره بل هو ابتدأه لكن تبعه عليه بعضهم.

[1] المصباح المنير [ص/21].

[2] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الجهاد والسير: باب الكذب في الحرب.

[3] السيرة النبوية لابن هشام [2/612].

[4] نقله عنه ابن هشام في سيرته [2/612].

[5] طبقات ابن سعد [2/42].

[6] أسنده البخاري في صحيحه عن أبي هريرة: كتاب التوحيد: باب ما يُذكر في الذات والنعوت وأسامي الله عز وجل.

[7] انظر المصدر السابق.

[8] صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة.

[9] انظر السيرة النبوية لابن هشام [4/615].

[10] الخَلَقُ كذا في المختار وفي المصباح وهو البالي.

[11] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الجهاد والسير: باب التنفيل وفداء المسلمين بالأسارى.

[12] صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق.

[13] أو على لغة ربيعة فإنهم يقفون على المنون المنصوب بتسكين ءاخره.

[14] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الجهاد والسير: باب إذا حرَّق المشرك المسلم هل يحرق؟، ومسلم في صحيحه: كتاب القسامة: باب حكم المحاربين والمرتدين.

[15] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الجهاد والسير: باب التنفيل وفداء المسلمين بالأسارى.

[16] صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة.

[17] انظر السيرة النبوية لابن هشام [4/626].

[18] الاضطراب في العد في الاصل.

[19] طبقات ابن سعد [2/124].

[20] طبقات ابن سعد [1/225].