باب ذكر انشقاق القمر
وإذْ بغتْ منهُ قريشٌ أن يُري *** ءايًا أراهُمُ انشقاقَ القمرِ
فصارَ فرقتينِ فرقةٌ عَلَتْ *** وفرقةٌ للطودِ منهُ نزلتْ
وذاكَ مَرتينِ بالإجماع *** والنصّ والتواترِ السماعي [1]
زادَ الذينَ ءامنوا إيمانًا *** ولأبي جهل بهِ طُغيانا
وقالَ ذا سحرٌ فجاء السفْرُ *** كلٌّ بهِ مُصدقٌ مُقِرٌّ
ولما بغت أي طلبت قريش من النبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم ءايًا جمع ءاية أي علامة على صدقه في دعواه النبوة أراهم انشقاق القمر بمكة ليلة أربع عشرة، فصار فرقتين فرقة فوق جبل أبي قبيس وفرقة دونه، وهو مراد الناظم بقوله: “فرقة علت وفرقة للطود منه نزلت” والطود الجبل، ووقع انشقاقه مرتين كما رواه الترمذي وغيره [2]، وهذا أمر بالإجماع لا نزاع فيه لثبوته بنص القرءان والسنة وبلغ حد التواتر وحصل به العلم اليقيني السماعي أي بالسماع من الجم الغفير، ولا التفات لطعن الزنادقة فيه بأنه لو كان للزم مشاركة أهل الارض في إدراكه إذ لا يلزم ذلك إلا لو استوى أهل الأرض في مطلع واحد على أن زمنه لم يطل حتى تتوفر الدواعي إلى النظر إليه، فزاد انشقاق القمر الذين ءامنوا إيمانًا وحصل به لأبي جهل ومن معه طغيان وقالوا هذا سحر فابعثوا إلى الآفاق لتنظروا أرأوا ذلك أم لا؟ فأخبروا أنهم رأوه كذلك، وجاء السفر بسكون الفاء أي المسافرون من الآفاق كل منهم مصدق مقر بانشقاقه فقالوا رأيناه عيانًا.
تنبيه: ما جرى عليه الناظم هنا من انشقاق القمر مرتين وحكايته فيه الإجماع تعقبه فيه تلميذه الحافظ ابن حجر [3] بأنه لا يعرف من جزم من علماء الحديث بتعدد الانشقاق في زمنه عليه السلام ولم يتعرض لذلك أحد من شراح الصحيحين لكن خرجه مسلم [4] من حديث شعبة عن قتادة بلفظ: “فأراهم انشقاق القمر مرتين”، وهكذا أخرجه أحمد عن عبد الرزاق [5] وأكثر الروايات: “فرقتين أو فلقتين” بالراء أو اللام، وقد أوّلت رواية مرتين بأن المرات يراد بها الأفعال تارة والأعيان أخرى والأول أكثر، قال ومن الثاني انشق القمر مرتين وقد خفي على البعض فادعى أن انشقاقه وقع مرتين وذلك مما يعلم أهل الحديث والسير أنه غلط فإنه لم يقع إلا مرة واحدة. انتهى.
قال ابن كثير في رواية مرتين [6]: لعل قائلها أراد فرقتين.
قال الحافظ ابن حجر [7]: وعبارة الناظم تحتمل التأويل فإنه جمع بين مرتين وفرقتين ويمكن أن يتعلق قوله بالإجماع بأصل الانشقاق لا بالتعدد مع أن في نقل الإجماع في نفس الانشقاق [8] نظرًا.
[1] في فتح الباري [7/183] بحذف الياء.
[2] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب صفات المنافقين وأحكامهم: باب انشقاق القمر، والترمذي في سننه: كتاب تفسير القرءان: تفسير سورة القمر.
[3] فتح الباري [7/183].
[4] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب صفات المنافقين وأحكامهم: باب انشقاق القمر.
[5] أخرجه أحمد في مسنده [3/165].
[6] نقله الحافظ ابن حجر في فتح الباري [7/183].
[7] فتح الباري [7/183].
[8] ذكر بعض المؤرخين أنه يوجد في الصين بناء قديم مكتوب عليه بني هام انشقاق القمر. الوقت وقت قصير لذلك أكثر البلاد ما رأوا. قسم من البلاد رأوا النصف وقسم رأوا النصف الآخر أما من رأوا النصفين قليل نادر واحد فوق الجبل جبل أبي قبيس وواحد تحت، هذا الذي تحت أقوى في عدم إبصار الناس له.