باب ذكر أذى قريش لنبي الله صلى الله عليه وسلم وللمستضعفين الذين اتبعوه
وأوذيَ النبي ما لمْ يوذا *** مَنْ قبله من النبيينَ وذا
مما يضاعفُ له الأجورا *** ولو يشاءُ دُمِّروا تدميرا
لكنهمْ إذ أضمروا الضَّغائِنا *** ما مُكِّنوا فاستضعفوا مَنْ ءامنا
عمَّارًا الطيبَ أمَّه أبَهْ *** أمَّ بلالٍ وبلالا عذَّبهْ
أميةٌ ومنهم جاريةُ *** ومنهم زِنْبَرَةُ الروميةُ
كذاكَ أمُّ عَنْبَسٍ وابنتها *** وابنُ فُهيرةٍ فذي سبعتُها
ابتاعها الصديقُ ثمَّ أعتقْ *** جميعهم لله برَّ وصدق
لقد أوذي النبي من كفار قريش ما لم يؤذ به أحد من النبيين وذلك مما يضاعف الله به الأجور ويضاعف به العذاب على أهل الفجور، ولو يشاء الله دمروا بالبناء للمفعول تدميرًا أي أهلكوا هلاكًا فظيعًا، فقد بعث الله له ملَكَ الجبال فقال له: إن شئت أطبقتُ عليهم الأخشبين فقال: “بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم مَنْ يعبدهُ” [1] وقد كانوا يضمرون له الضغائن في قلوبهم لكنهم لم يُمكَّنوا من إيقاع ما أضمروه، فاستضعفوا مَنْ ءامن بالله وبرسوله. وقول الناظم “عمارًا” بنصبه بدل مما قبله أي وممن أوذي من المستضعفين عمار بن ياسر فعذبوه حتى تكسرت بعض أضلاعه وهو ثابت على دين الإسلام لا يتزلزل ومن ثم وصفه الناظم “بالطيب” بالتشديد، وعذبوا أمه سمية بنت حاطب وطعنها أبو جهل بحربة في قُبلها فماتت فكانت أول شهداء الإسلام، وعذبوا “أبهُ” بالقصر وأصله أباه وهو ياسر بن عامر الصابر، ومر عليهم رسول الله وهم يعذبون فقال: “صبرًا ءال ياسر موعدكم الجنة” [2]. وممن عذب في الله وابتاعهم أبو بكر الصديق ثم أعتقهم سبعة فالأول والثاني منهم أم بلال وابنها بلال بن رباح المؤذن عتيق الصديق واسم أمه حمامة، وهذان عذبهما أمية بن خلف وبالغ في تعذيبهما وبلال مع ذلك يقول أحد أحد، فقول الناظم “أم بلال وبلالا” بالنصب، والثالث منهم جارية أم عمرو من بني الموسل حي من بني عدي، والرابع منهم زنبرة بزاي ونون ساكنة فباء موحدة وراء مهملة الرومية كانت لبني عبد الدار فلما أسلمت عَميت فقال الكفار أعمتها اللات والعزى فرد الله عليها بصرها، الخامس أم عنبس بفتح فسكون بضبط الناظم فتاة لبني تميم بن مرة أسلمت فعذبت، السادس ابنتها، السابع عامر بن فهيرة عبد لطفيل، فهذه السبعة ابتاعها الصديق ثم أعتقهم جميعهم لله وقد بر وصدق في كونه فعل ذلك لله.
[1] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب بدء الخلق: باب إذا قال أحدكم ءامين والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومسلم في صحيحه: كتاب الجهاد والسير: باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين.
[2] أخرجه الحاكم في المستدرك [3/383].