الثلاثاء أبريل 29, 2025

باب الهَدْيِ وَالأُضْحِيَّة

  • عن عائِشةَ رضي الله عنه قالتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَرْبَعٍ أَو خَمسٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَدَخَلَ عَلَيَّ وَهُوَ غَضْبَانُ، فَقُلْتُ: مَنْ أَغْضَبَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَشَعَرْتِ إِنِّي أَمَرْتُ النَّاسَ بِأَمْرٍ فَإِذَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ([1])، وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنَ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ([2]) حَتَّى أَحِلَّ كَمَا أَحِلُّوا». هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه أحمد.
  • عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: خرَجْنا نَصرُخُ بالحَجِّ([3]) معَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فلَمّا قَدِمْنا مَكّةَ أَمَرَنا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ نَجْعَلَها عُمْرةً وقال: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِن أَمْرِي ما اسْتَدْبَرْتث لَحَلَلْتُ([4])، وَلَكِنِّي سُقْتُ الهَدْيَ وَقَرَنْتُ الحَجَّ والعُمْرَةَ». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه أحمدُ.
  • عن البَراءِ بنِ عازبٍ رضي الله عنهُما قال: كنتُ مع عَلِيّ بنِ أبِي طالبٍ حِينَ أمَّرَه النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم علَى اليمَنِ فأَصَبْتُ معَه أَواقِيَ، فلَمّا قَدِمَ مَكّةَ قال علِيٌّ: دخَلتُ علَى فاطِمةَ فإِذَا هي قد َنَضَحَت البَيتَ بنَضُوحٍ([5])، فتَخَطَّيْتُ فقالتْ لِي: ما لَكَ؟ فقلتُ: إنِّي أَهْلَلْتُ إِهلالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قالَت: فإِنّ النَّبِيَّ أَمَرَ أصحابَه فأَحَلُّوا، قال: فأَتَيتُ النَّبِيَّ فقال: «بِمَا أَهْلَلْتَ؟» قُلتُ: بإهلالِ النَّبِيّ، قال: «فَإِنِّي سُقْتُ الهَدْيَ وَقَرَنْتُ»، وذَكَرَ باقِيَ الحدِيث؟ هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه النَّسائيُّ عن أحمدَ.
  • عن البَراءِ بنِ عازبٍ رضي الله عنهما أنّ النّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خطَب يومَ النَّحر([6]) فقال: «إِنَّ أَوَّلَ شَيءٍ نَفْعَلُ فِي يَوْمِنَا هَذَا نَبْدَأُ فَنُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ([7])»، فقام خالِي أبو بُردة بنُ نِيارٍ([8]) – وكان قد ذَبَحَ قبل الصّلاةِ – فقال: يا رسولَ اللهِ، عِندي جَذَعةٌ خَيرٌ مِن مُسِنّةٍ([9])، قال: «ضَحِّ بِهَا وَلَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ([10])». هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه أبو عَوانةَ واتّفَقَ الشيخانِ علَيه مِن طرُقٍ عن شُعبةَ.
  • عن عُقبةَ بنِ عامرٍ رضي الله عنه أنّ النّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَسَمَ ضَحايَا([11]) بَينَ أصحابِه فصارَ لِعُقبةَ بنِ عامِرٍ منها جَذَعةٌن فقال له النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ضَحِّ بِها». هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه أبو عَوانةَ، وأخرجَه مُسلِم عن الدارِميّ، واتّفَق الشَّيخانِ على إخراجِه مِن روايةِ هشام الدَسْتُوائِيّ.
  • عن زِيدِ بنِ خالدٍ الجُهَنِيّ رضي الله عنه قال: قَسَمَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَين أصحابِه غَنَمًا فأَعطانِي عَتُودًا([12]) جَذَعًا فقال: «ضَحِّ بِهِ»، فقلتُ: إنّهُ جَذَعٌ أفَأُضَحّي بِه؟ قال: «نَعَم ضَحِّ بِهِ»، فضَحَّيتُ به. هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه أحمد.
  • عن أمّ سَلَمة رضي الله عنه قالت: قالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَخَلَ العَشْرُ([13]) فأَرادَ أَحَدُكُم أَنْ يُضَحِّيَ فَلا يَأْخُذْ مِن شَعَرِه وَلا بَشرِهِ شَيْئًا([14])». هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه مُسلِم.

[1])) قال الـمَلّا عليّ القاري (5/1782): «(أَوَ ما شَعَرْتِ)، أي: أَوَ عَلِمتِ (أَنِّي أَمَرْتُ النّاسَ)، أي: بَعضَهم (بِأَمْرٍ) وهو فَسخُ الحَجّ (فَإِذَا هُم)، أي: بَعضُهم (يَتَرَدَّدُونَ)، أي: في طاعةِ الأَمرِ ومُسارَعتِه».

[2])) قال ابن الأثير في النهاية (4/10): «(لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنَ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ)، أي: لو عَنَّ لي هذا الرَّأيُ الّذي رأَيتُه ءاخِرًا وأَمَرتُكم به في أوّلِ أَمرِي لـمَا سُقْتُ الهَديَ معي وقلَّدتُه وأشعرْتُه، فإنّه إذَا فَعل ذلك لا يُحِلُّ حتَّى يَنْحَر ولا يَنْحَرُ إلّا يومَ النَّحرِ فلا يَصِحُّ له فَسْخُ الحجّ بُعمرةٍ، ومَن لَم يَكُن معَه هَدْيٌ فلا يَلْتَزِمُ هذا ويَجوزُ له فَسْخُ الحجّ، وإنّما أرادَ بهذا القَولِ تَطيِيبَ قلُوبِ أصحابِه لأنّه كانَ يَشُقّ علَيهم أنْ يُحِلُّوا وهو مُحِرمٌ فقال لهُم ذلك لِئَلّا يَجِدُوا في أنفُسِهم ولِيَعلَمُوا أنّ الأفضلَ لهُم قَبُولُ ما دَعاهُم إليه وأنّه لولا الهَديُ لفَعَلَه».

[3])) قال الـمُظهِريّ في المفاتيح (3/268): «(وَنَصْرُخُ بِالحَجِّ)، أي: نَرفَع أصواتَنا بالتَّلبِية».

[4])) سبق معناهُ.

[5])) قال ابن الأثير في النّهاية (5/70): «أيْ: طَيَّبَتهُ وهي فِي الحَجِّ». والنَّضُوح بفتحِ النُّونِ نَوعٌ مِن الطِّيبِ.

[6])) أي: يومَ الأضحَى.

[7])) أي: ليسَ مِن النُّسُك.

[8])) بكَسر النُّون بعدَها تحتانيّةٌ خَفِيفةٌ.

[9])) قال النوويّ في شرح مُسلِم (13/116): «قوله: (عِنْدِي جَذَعةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ): الـمُسنّةُ هي الثَّنِيّةُ وهي أكبَرُ مِن الجذعةِ بِسَنةٍ، فكانتْ هذه الجذَعةُ أجوَدَ لِطِيبِ لَحمِها وسِمَنها».

[10])) قال ابنُ الأثير في النهاية (1/266): «(وَلَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ)، أي: لَن تَكْفِي، يُقال: أجْزأَنِي الشّيءُ، أي: كَفاني»، وقال فيه أيضًا (1/270): «(لا تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ)، أي: لا تَقْضِي، يُقالُ جَزَى عَنِّي هذا الأمرُ، أي: قَضَى».

[11])) أي: ما يُجزِئُ في الأُضحيّةِ.

[12])) قال في لِسان العرب (3/280): «والعَتودُ مِن أولادِ الـمَعز ما رَعَى وقَوِيَ وأتَى عليه حَولٌ».

[13])) أي: الأوائِلُ مِن ذِي الحِجّة.

[14])) قال شيخنا رحمه الله: «مَن أراد التَّضحِيةَ فدَخَلَ عليه عَشرُ ذِي الحِجّة كُرِه أنْ يَحلِقَ شَعَرَه أو يَقلِمَ ظُفرَه حتَّى يُضحِّي. والحِكمة فيه أن يَبقَى كامِلُ الأجزاءِ لِتُعتَق مِن النّار، ولا يَترُكث الطِّيبَ ولُبسَ الـمَخِيطِ وغَيرَهما».