هذا البابُ مُنْعَقِدٌ لِلْعَوامِلِ الدّاخِلَة علَى الـمبتدأ والـخبَرِ (أيْ الأشْياء التي تَعْمَل في جُمْلَة لَوْلا دُخُولِ العامِل لَكانَت مبتَدَأً وَخَبَرا للـمبْتَدأ) فَتَغَيِّرُهُما وَتَنْسَخُ حُكْمُهُما السّابق (يَعْنِي هذا العامِل لـما يَدْخُل على الـمبتدأ والـخبَرِ يُغَيِّرُهُما، لا يَبْقَى لَهُما نَفْس الـحكُم. لا يَبْقَى الـمبْتَدَأُ مُبْتَدأً وَلا يَبْقَى الـخبَرُ خَبَرًا للـمبْتَدأ)، ولهذا تُسـمى بِالنَّواسِخ (نعم، لأنَّها تَنْسَخ الـحكْم السّابِق). (وهِيَ كانَ وأَخَواتُها) نـحو: كانَ زيدٌ قائِمًا، (وَإِنَّ وَأَخَواتًها) نـحو: إنَّ زَيدًا قائِمٌ (لَوْ لـم تَدْخُل “كانَ”، لَكانَتِ الـجمْلَة “زَيْدٌ قائِمٌ”، زَيْدٌ مُبْتَدأ وقائِمٌ خَبَر الـمبتَدَأ مَرفوع بالـمبْتَدأ. دَخَلَت “كانَ” فَصارَت الـجمْلَة كانَ زيدٌ قائِمًا، زَيْدٌ صارَ اسـم كانَ، وقائِمًا خَبَر كانَ مَنْصُوب، فَنُسِخَ حُكْمُ كُلٍّ مِنَ الـمبتدأ والـخبَر لِذلِكَ يُقالُ لَها النَّواسِخ. كَذلِكَ “إنَّ زَيْدًا قائِمٌ” زَيْدًا صارَ اسـم إِنَّ وقائِمٌ خَبَرَ إِنَّ)، (وَظَنَّ وَأخَواتُها) نـحو: ظَنَنْتُ زَيْدًا قائِمًا (ظَنَّ تَنْصِبُهُما مَعًا). (فأَمّا كانَ وأخواتُها فإنَّها تَرْفَعُ الاسـم) الذي كانَت مُبْتدأً ويُسـمى بعد دُخُولِها اسـمَها (كانَ زيدٌ قائِمًا، زَيْدٌ هُوَ اسـم كانَ مَرْفُوع وَعَلامَةُ رَفْعِهِ ضَمَّةٌ ظاهِرَةٌ في ءاخِرِهِ)، (وَتَنْصِبُ الـخبَر) وهو الذي كان خبرًا للـمبتدأ (يَصيرُ خَبَرَ كانَ مَنْصُوبًا)، ويُسـمى بَعدَ دُخُولِها خَبَرَها. (وهِيَ) أي كانَ وَأَخَواتُها (كانَ) نـحو ﴿وَكَانَ اللهُ غَفُورَاً رَحِيـما﴾ [سورة الفتح/14]، وإعرابُهُ كانَ فِعْلٌ ماضٍ (يَعنِي بِناؤُهُ بِناءُ الـماضِي وَإلا مِنْ حَيْثُ الـمعنَى إذا اُطْلِقَ في حَقِّ الله، لا يَدُلُّ على الزَّمَن، لَكِنْ يُقال لَفْظ ماضِي أي مَبْنِيٌّ بِناء الـماضِي) ناقِص يَرْفَعُ الاسـم (يَعنِي اسـم كانَ) وَيَنْصِبُ الـخبَرَ، ولَفْظُ الـجلالَةِ اسـمها مرفوعٌ بها وعلامَةُ رَفْعِهِ الضَّمَّةُ الظّاهِرَةُ، وَغَفُورًا خَبَرُها مَنْصُوبٌ بِها وَعَلامَةُ نَصْبِهِ الفَتْحَةُ الظّاهرة، ورَحيـما خَبَرٌ بَعدَ خَبَرٍ (أَي خَبَرٌ ثانٍ) مَنْصُوبٌ بِالفتحةِ الظاهرة (لأنَّهُ خَبَرَ كانَ كَما أَنَّ الذي سَبَقَهُ خَبَر كانَ.” كان” هنا لَها خَبَرانِ)، وسـميَت هذه الأَفْعالُ ناقِصَةً لأَنَّها لا تَكْتَفِي بالـمرْفوعِ بلْ لا يَتِمُّ مَعناها إلّا بالـمنْصُوبِ (تَقُول “قامَ عَمْرو” والفِعْل قامَ يَتِمُّ الـمعنَى باسْتِعمالِ الـمرفوع مَعهُ الذي هُوَ عَمْرو، ولَكِن إن قلت “كانَ زَيْد” لا يَتِمُّ مَعْناها إلا بالـمنْصُوب. لِذَلِكَ يُقالُ عَنْها أَفْعالٌ ناقِصَة لأنَّها لا تَكْتَفِي بالـمرفوع، بَلْ لا بُدَّ لَها مِنْ مَنْصُوبٍ لِيَتِمَّ الـمعْنَى). (وأَمْسى) نـحو: أَمْسَى زَيْدٌ غَنِيًّا، وإعْرابُهُ أَمْسَى فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٍ يَرْفَعُ الاسـم ويَنْصِبُ الـخبَر وَزَيْدٌ اسـمها مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظّاهِرة، وَغَنيًّا خَبَرُها مَنْصُوبٌ بِالفَتْحَةِ الظّاهِرة. (وَأَصْبحَ) نـحو: أصْبَحَ البردُ شَدِيدًا، وإعرابُهُ أصبحَ فعلٌ ماضٍ ناقصٍ يَرفعُ الاسـم وينصِبُ الـخبَر، والبردُ اسـمها مرفوعٌ بالضمةِ الظاهرة، وشديدًا خبرُها منصُوبٌ بالفتحةِ الظاهرة. (وأَضْحَى) نـحو: أضْحى الفَقِيهٌ وَرِعًا، وإعْرابُهُ أَضْحَى فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٍ يَرْفَعُ الاسـم وينصبُ الـخبرَ، والفَقِيهُ اسـمها مرفُوعٌ بالضَّمةِ الظاهرةِ، وَوَرِعًا خَبرُها منْصوبٌ بالفَتحةِ الظاهرة. (وَظَلَّ) نـحو: ظَلَّ زَيْدٌ صائِمًا، وإعرابُهُ ظَلَّ فعلٌ ماضٍ ناقصٍ يَرْفَعُ الاسـم وينْصِبُ الـخبُر، وَزَيْدٌ اسـمها مَرْفوعٌ بِالضَّمةِ الظاهِرَةِ، وَصائِمًا خَبَرُها مَنصوبٌ بالفتحةِ الظاهرة. (وباتَ) نـحو: باتَ زَيْدٌ ساهِرًا، وإعرابُهُ باتَ فِعلٌ ماضٍ ناقصٍ يَرْفَعُ الاسـم وينصِبُ الـخبر، وَزَيْدٌ اسـمها مرفوعٌ بالضمةِ الظاهرةِ، وساهِرًا خبرُها منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرة. (وصارَ) نـحو: صارَ السِّعرُ رَخِيصًا، وإعرابُهُ صارَ فِعْلٌ ماضٍ ناقِص يرفعُ الاسـم وينصبُ الـخبرُ، السِّعرُ اسـمها مرفوعٌ بالضمةِ الظاهرة، ورَخيصًا خَبرُها مَنصوبٌ بالفتحةِ الظاهرة. (وليسَ) نـحو: لَيسَ زيدٌ قائِمًا وإعرابُهُ: ليسَ فعلٌ ماضٍ ناقِص يرفعُ الاسـم وينصبُ الـخبر، وزَيدٌ اسـمها مَرفوعٌ بالضمةِ الظّاهرة، وقائمًا خبرُها مَنصوبٌ بالفَتحةِ الظاهرة. (وما زالَ) نـحو: ما زالَ زَيدٌ عالـماً، وإعرابُهُ: ما نَافِيَة، وزالَ فعلٌ ماضٍ ناقِص يرفعُ الاسـم وينصِبُ الـخبر، وَزيْدٌ اسـمها مَرفوعٌ بالضَّمةِ الظاهرة، وَعالـماً خَبرُها مَنصوبٌ بالفتحةِ الظاهرة. (وَما انْفَكَّ) نـحو: ما انفكَّ عَمرٌو جالِسًا. (وما فتِئَ) نـحو: ما فتِئَ بَكْرٌ مُحْسِنًا، (وما بَرِحَ) نـحو: ما بَرِحَ محمَّدٌ كريـما، وإعرابُ الـجميعِ مثلُ إعرابِ ما زالَ زَيدٌ عالـما. (وَما دام) نـحو: لا أَصْحَبُكَ ما دامَ زيدٌ مُتَرَدِّدًا إِلَيْكَ، وَإعْرابُ ما دامَ: ما مَصْدَرِيَّة وظَرْفِيَّة (هنا ما ليسَت للنَّفِي. يَعنِي لا أَصْحَبُكَ مُدَّةَ دَوامِ زَيْدًا صاحِبَكَ ما هُنا تُعطِ مَعنَى الظَّرف أو الـمصْدَر)، وَدامَ فِعْلٌ ماضٍ ناقِص يرفعُ الاسـم وينصِبُ الـخبر، وَزيدٌ اسـمها مَرفوعٌ بالضمةِ الظاهرةِ، ومترددًا خبرُها منصوبٌ بالفَتحةِ الظاهرة، وإلَيكَ جارٌّ ومـجرورٌّ مُتَعَلِّقٌ بـمُتَرَدِّدًا؛ وسـميَت “ما” هذه ظَرفية لِنِيابَتِها عَنِ الظَّرْف (لأنَّ مَعناها مُدَّةَ وَهذا ظَرْف زَمان)، وَمصْدرية لأنَّها تَسْبُكُ ما بَعْدَها بِمَصْدَرٍ إذِ التقديرُ مُدَّةَ دَوامِ زَيْدٍ مُتَرَدِّدًا إليكَ. (وما تَصَرَّفَ مِنْها) (مِثْل كانَ يَكونُ كَنْ تَكونونَ يَكونونَ، كُلُّها مِثْلُ كانَ وَمِنْها ما لا يَتَصَرَّف مِثْل ليسَ. لا تَقولُ ليسَ يَلِيسُ لِسْ) يَعني أَنَّ ما تَصَرَّفّ مِنْ هذه الأَفْعالِ يَعْمَلُ عَمَلَ ماضِيها مِنْ كَوْنِهِ يرفعُ الاسـم وينصِبُ الـخبَرَ، (نـحو: كانَ ويَكونُ وكُنْ) فالأولُ ماضٍ والثاني مضارع والثالِث أمْر، وَكُلُّها تَرْفَعُ الاسـم وتَنْصِبُ الـخبر، (وَأَصْبَحَ وَيُصْبِحُ وأصْبِحْ) مِثْلُ الأَوَّلِ ماضٍ ومُضارِعٌ وأَمْرٌ، (تَقُولُ) في عَمَلِ الـماضي: (كانَ زيْدٌ قائِمًا) وتَقَدَّمَ إْعْرابُهُ، وَتَقُولُ في عَمَلِ الـمضارِع: يَكونُ زَيْدٌ قائِمًا، وإعرابُهُ: يَكونُ فعلٌ مضارعٌ ناقِص مِنْ مُتَصَرِّفاتِ كانَ النّاقِصَة يرفعُ الاسـم وينصِبُ الـخبر، وزَيدٌ اسـمها مَرْفوعٌ بالضّمةِ الظاهرة، وَقائِمًا خَبَرُها منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرة؛ وتَقول في عملِ الأمر: كُنْ قائِمًا (أي كُنْ أنتَ قائِمًا، تَقْدِير أنتَ الاسـم هُوَ أَنتَ)، وإِعرابُهُ: كُنْ فِعْلُ أمر ناقِص مِنْ مُتصرفاتِ كانَ النّاقِصة يَرفعُ الاسـم وينصِبُ الـخبر، واسـمها ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ وُجُوبًا تَقْدِيرُهُ أَنْتَ، وَقائِمًا خَبَرُها منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، وَقِسِ الباقِي مما يَتَصَرَّف (يَعنِي الباقِي هَكذا، ما يَزالُ، ما يَنْفَكُّ، ما يَبْرَحُ. ما يَتَصَرَّف يُقاسُ عَلَيْه)، (وَليْسَ عَمرٌو شاخِصًا) وإعرابُهُ: لَيْسَ فعلٌ ماضٍ ناقِص يَرْفَعُ الاسـم وينصِبُ الـخبر، عَمرٌو اسـمها مَرفوعٌ بالضمةِ الظاهرة، شاخِصًا خبرُها منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرة؛ ولَيسَ لا تُسْتَعْمَل إلَّا بِصِيغةِ الـماضي لَيْسَ لها مُضارِع (لا يُقال يَليسُ) وَلا أَمْر ولا مَصْدر (وَلا لِسْ ولا لِياسَة)، وَلِهذا ذَهبَ بَعضُهُم إلى أنَّها حَرْفُ نَفْي وليست فِعْلًا (لَكِنْ هذا القَوْل ضَعِيف)، لَكنْ مَذْهَبُ الـجمْهُورِ أنها فعلٌ ماضٍ لأنها تَقْبَلُ تاءَ التَّأْنيثِ السّاكِنَة نـحو: ليسَت هِندٌ جالِسَة (كَما قُلْنا قَبول تاء التأنيث الساكِنَة مِنْ عَلاماتِ الفِعل وهنا قَبِلَتها)، وَقَوْلُهُ (وما أَشْبَهَ ذلك) يعني أَنَّ ما كان مُشْبِهًا لهذه الأَمثلة فهو مِثْلُها في العمَلِ والإْعرابِ فَقِسْهُ علَيْهِ ولا حاجَة إلى الإطالَةِ بِكَثْرَةِ الأَمْثِلَة (كُلُّها نَفْس الشىء. الأَوَّل الذي كانَ مبتدأً صارَ اسـم الفِعْلِ الناقِص والـخبَر صارَ خَبَر الفِعْلِ الناقِص).
(وَأَمّا إِنَّ وأخواتِـها (إِنَّ هِيَ أُمُّ الباب وكانَ هِيَ أُمُّ الباب) فإنَّها تَنْصِبُ الاسـم) وهو الذي كانَ مبتدأً (عَمَلُها على عَكْسِ كانَ وَأخَواتها. كانَ تَرفَعُ الاسـم وَتنْصِبُ الـخبَر وإنَّ تَنصِبُ الاسـم وَتَرْفَعُ الـخبَر) (وَتَرْفَعُ الـخبَر) الذي كان مَرفوعًا بِالـمبتدأ، (وَهِي: إنَّ وأنَّ ولكنَّ وكأنَّ ولَيْت ولَعَلَّ، تَقول: إِنَّ زَيدًا قائِمٌ) وإعرابُهُ: إنَّ حرفُ تَوكيدٍ ونَصْبٍ (إِنَّ تُفيدُ تَأْكِيدِ الأمْر. لـماذا لا نَكْتَفِي بِقَولِ: زَيْدٌ قائِمٌ؟ لـماذا نَقُول إنَّ زَيْدًا قائِمٌ؟؟ لأنَّنا نُريدُ التَّوْكِيد، نُريدُ تَأْكِيد قِيام زَيْد. وَإن تَنْصِبُ الاسـم لِذلِكَ قُلنا حَرْفُ تَوْكيدٍ وَنَصْب) تنصِبُ الاسـم وترفعُ الـخبر، وزَيْدًا اسـمها منصوبٌ بِالفَتحةِ الظاهرةِ، وقائِمٌ خَبرُها مَرفوعٌ بالضَّمةِ الظاهرةِ، وتَقولُ في عَمَلِ أَنَّ الـمفتوحة: بَلَغَنِي أَنَّ زَيْدًا مُنْطَلِقٌ، وإعرابُهُ: بَلَغَ فِعْلٌ ماضٍ، والنونُ للوِقايَةِ، والياءُ مفعولٌ بِهِ مبْنيٌّ على السكونِ في محلِّ نَصب (لأنَّ فِعْل البُلوغ وَقَعَ عَلَيَّ. ما الذي بَلَغَ؟ ليسَ أَنا. الذي بَلَغَنِي قِيامُ زَيْد إنَّما هُوَ عَلَيَّ، فالياء التي تَدُلّ علَيَّ في مَحَلّ نَصْب مَفعُول بِهِ)، وأَنَّ حَرفُ تَوكيدٍ ونصبٍ (مِثْلُ إنَّ) تنصِبُ الاسـم وترفعُ الـخبر، وزيدًا اسـمها منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرة، ومُنْطَلِقٌ خبرُها مَرفوعٌ بالضَّمةِ الظاهرة، وأَنَّ وَما دَخَلَت عليهِ في تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ (يَعنِي تُعطِي مَعنَى مَصْدَر. مثلا: بلغي أن زيدا قائم. فالذي بلغي هو قيام زيد. فأن والفعل يعطي معنى المصدر الذي هو القيام) فاعِلُ بَلَغَ والتَّقدير: بَلَغني انْطِلاقُ زَيْدٍ. وتَقولُ في عَمَلِ لَكِنَّ: قامَ القَوْمُ لَكِنَّ عَمْرًا جالِسٌ، وإعرابُهُ: قامَ القَوْمُ فعلٌ وفاعِل، ولَكِنَّ حَرْفُ اسْتِدْراك (يَعْنِي لَولاها لَكانَ ما بَعْدَها داخِلًا فيـما قَبْلَها. إذا قلْتَ قامَ القَوْمُ لَكِنَّ عَمْرًا جالِسٌ. لَوْلا قَوْلُكَ لَكِنَّ عَمْرًا جالِسٌ، وَعَمرو مِنَ القَوْم، لَكانَ قامَ القَوْمُ شامِلًا لِعَمرو أَيْضًا، لَكِنْ الذي مَنَعَ شُمولَ القِيامِ لِعَمرو أَيْضًا، هُو اسْتِدْراكُكَ بِلَكِنَّ. هذا مَعنَى اسْتِدْراك) وَنَصْبَ تَنْصِبُ الاسـم وترفعُ الـخبرَ، وعَمْرًا اسـمها منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرة، وجالسًا خبرُها مرفوعٌ بالضمةِ الظاهرة، وتقولُ في عملِ كأَنَّ: كأنَّ زيدًا أسَدٌ، وإعرابُهُ: كأنَّ حرفُ تَشْبِيهٍ ونَصبٍ تنصبُ الاسـم وترفعُ الـخبر، وزيَدًا اسـمها منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرة، وأَسدٌ خبرُها مرفوعٌ بالضمةِ الظّاهرة، )و( تقولُ في عملِ ليتَ: (ليتَ عَمْراً شاخِصٌ ( (ليْتَ للتَّمَنِّي لـما يُسْتَبْعَدُ حُصُولُهُ أَوْ ما لا يَحْصُلُ)، وإعرابُهُ: ليْتَ حرفُ تمنٍ ونَصبٍ يَنصِبُ الاسـم ويرفعُ الـخبرَ، وعَمرًا اسـمها منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرة، وشاخِصٌ خبرُها مرفوعٌ بالضمةِ الظاهرة، وتقولُ في عَمْلِ لعلَّ): لعلَّ الـحبِيبَ قادِمٌ) وإعْرابُهُ: لعلَّ حرفُ تَرَجٍ (التَّرَجِّي لـما يُتَوَقَّعُ حُصُولُهُ) وَنَصْبِ تنصبُ الاسـم وترفعُ الـخبر، والـحبيبَ اسـمها مَنصوبٌ بِالفتَحةِ الظاهرة، وقادِمٌ خبرُها مرفوعٌ بالضمةِ الظاهِرة. (معنَى إنَّ وأنَّ للتَّوكيدِ) أي توكيدِ النِّسبة (لـما تَقُولُ إنَّ زَيْدًا قائِمٌ، نَسَبْةَ إلى زَيْدٍ شَيئا وهُوَ القِيام. إنَّ تُؤَكِّدُ هذه النِّسْبَة)، أعْني قِيامَ زَيدٍ مثلًا في قولِك: إن زيْدًا قائمٌ، فيرتفعُ الكذبُ واحتمالُ الـمـجاز (كَأَنَّكَ تَقُول: أُؤَكِّدُ لَكَ أَنَّ زَيْدًا قائِمٌ أنا لا أَكْذِبُ وَهُوَ قائِمٌ نَفْسُهُ لا أُرِيدُ الـمـجاز. كُلّ هذا تعْطِيهِ إنَّ)، (ولَكنَّ للاستِدراك) وهو تَعْقِيبُ الكلامِ (أَي أَنْ تَأْتِيَ بَعْدَ الكَلام) بِرَفْعِ ما يُتَوَهَّمُ ثُبُوتُهُ أَوْ نَفْيُهُ (أيْ بِنَفْيِ وإزالَةُ ما يُتَوَهَّمُ ثُبوتُهُ لَوْلاها. إذا قُلْتَ قامَ القَوْمُ وَسَكَتت وَعمرو مِنَ القَوْم، يُتَوَهَّمُ أَنَّ عَمْرًا قامَ أَيْضًا، إلا إذا قُلْتَ لَكِنَّ عَمْرًا جالِسٌ فَتَكُونَ رَفَعْتَ ونَفَيْتَ ما يُتَوَهَّمُ ثُبُوتُهُ لَوْلا لَكِنَّ. وَإذا قُلْتَ ما قامَ القَوْمُ لَكِنَّ عَمرًا ذَهَبَ، لَوْلا لَكِنَّ وَما بَعْدَها لَتُوُهِّمَ أَنَّ عَمرًا أَيْضًا ما قامَ، لَتُوُهِّمَ نَفْيُ قِيامِ عَمرو كَقِيامِ البَقِيَّة، لَكِن رَفَعْتَ هذا التَّوَهُّم بِلَكِنَّ فَأَثْبَتتَ قِيامَهُ بِلَكِنَّ هذا مَعنى للاسْتِدْراك)، (وَكَأَنَّ لِلْتَّشْبِيهِ) وَهُوَ مُشاركَةُ أَمْرٍ لأَمرٍ في معنى بَيْنَهُما (هذا معنى التشْبيه، أن يشتَرِك الاثْنان في صِفَة. عِنْدَما تَقُول كَأنَّ زَيْدًا أَسَدٌ، مَعْناهُ كِلاهُما يشْتَرِكانِ في القُوَّة)، (وليتَ للتَّمني) وهو طَلبُ ما لا طمعَ فيهِ أو ما فيهِ عُسُر، (وَلَعَلَّ للتَّرجي والتَّوقُّع) فالترَّجي طلبُ الأمرِ الـمحبوبِ نـحو: لعلَّ الـحبيبَ قادمٌ، والتوقعُ الإشفاق أي الـخوفُ من الـمكْرُوهِ نـحو: لَعلَّ زيدًا هالكٌ. (وَيَكونُ التَّرَجِّي فيـما لا يُسْتَبْعَدُ حُصُولُهُ بِعَكس لَيْتَ) (وأمّا ظَنَنْتُ وأخَواتُها فإِنَّها تَنْصِبُ الـمبتدأَ والـخبرَ عَلى أَنَّهُما مَفْعُولانِ لَها (كانَ تَنْصِبُ الـخبَر وَتَرْفَعُ الاسـم إنَّ بِالعَكْس تَنْصِبُ الاسـم وَتَرْفَعُ الـخبَر. ظَنَّ تَنْصِبُ الاثْنَين، تَقولُ الأوَّل مَفْعول بِهِ لِظَنَّ وللثانِي مفعُولٌ بِهِ ثانٍ فَيَصِيرَانِ مَفعُولَيْنِ لِظَنَّ، وكذا مَعَ أَخَواتِها. مثلًا ظَننتُ زَيْدًا قائِمًا، لَوْلا دُخُول ظَننتُ لَكانَ الكلامُ زَيْدٌ قائِمٌ، زَيْدٌ مبتَدأ مَرفوع بالابْتِداء وَعلامَةُ رَفْعِهِ ضَمَّةٌ ظاهِرَةٌ في ءاخِرِهِ وقائِمٌ خَبَرٌ مَرفوع بالـمُبْتدأ وَعلامَةُ رَفْعِهِ ضَمَّةٌ ظاهِرَةٌ في ءاخِرِهِ. دَخَلَت ظَننتُ فقُلْتَ ظَننتُ زَيْدًا قائِمًا. ظَننتُ فِعْلٌ ماضٍ مَبنِيٌ على فَتْحٍ مُقَدَّرٍ مَنَعَ مِنْ ظُهُورِهِ كَراهَةُ تَوالِي أرْبَعِ مُتَحَرِّكات فيـما هُوَ كالكَلـمةِ الواحِدَة، والتاء ضَمير رَفْع مُتَّصِل مَبْنِي على الضَّمّ في مَحَلِّ رَفْع فاعِل، الظَّنّ وَقَعَ على مَنْ؟ على زَيْدًا. فَزَيْدًا مَفعُول بِهِ منصُوبٌ وَعَلامَةُ نَصْبِهِ فَتْحَةٌ ظاهِرَةٌ في ءاخِرِهِ وقائِم مفعُولٌ بِهِ ثانٍ لأنَّ الظَّنَّ وَقَعَ على القِيام أَيْضًا مَفعُول بِهِ ثانٍ مَنْصُوبٌ وَعَلامَةُ نَصْبِهِ فَتْحَةٌ ظاهِرَةٌ في ءاخِرِهِ فَيَصِير الـمبتدأ مفعولًا أوَّل والـخبر مفعولًا ثانٍ) وهِي: ظَنَنْتُ( نـحو: ظَنَنْتُ زَيدًا قائمًا، وإعرابُهُ ظننتُ فعلٌ وفاعِل، وزيدًا مفعولٌ أولٌ مَنصوبٌ بالفتحةِ الظاهرة، وقائِمًا: مفعولٌ ثانٍ مَنصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، (وَحَسِبْتُ وَخِلْتُ وَزَعَمْتُ وَرَأَيْتُ وَعَلـمتُ وَوَجَدْتُ واتَّخَذْتُ وَجَعَلْتُ وسـمعتُ (سـمعْتُ زَيْدًا يَقُولُ كَذا وكَذا. كان قَبْلَ ذلِك “زَيْدٌ يَقُولُ كذا وكَذا” زَيْدٌ مبتَدأ وَجُمْلَة يَقُولُ خَبَر. لـما قُلْتَ سـمعْتُ زَيْدًا يَقُولُ كَذا وكَذا سـمعْتُ فِعْلٌ وَفاعِل وَزَيْدًا مَفعولٌ بِهِ ويَقُول الذي كانَ خَبَر ماذا صارَت الآن؟ جُمْلَة يَقُولُ صارَت مفعولا ثانِيا والـجمْلَة في مَحلّ نَصْب). تَقول: ظَنَنْتُ زَيْدًا منْطَلِقًا ( وإعْرابُهُ كما تَقدَّم، )وَخِلْتُ الهِلالَ لائِحًا وَمَا أَشْبَهَ ذلِك( يعني أَنَّ ما أَشبهَ الـمثالينِ مِنْ بَقِيَّةِ الأَمْثِلَةِ يُقاسُ على هذينِ الـمثالينِ نـحو: زَعَمْتُ بَكرًا صَديقًا، وحَسِبْتُ الـحبِيبَ قادِمًا، ورأَيتُ الصِّدْقَ مُنْجِيًا، وَعلـمتُ الـجودَ مَحْبُوبًا، وَوَجَدْتُ العِلـم نافِعًا، واتخذتُ بَكرًا صَديقًا، وجعلتُ الطينَ إبْريقًا، وإِعرابُهُ كما تَقدم؛ ومثال سـمع: (قَوْل الصّحابِيّ) سـمعْتُ النبيَّ صلى اللهُ عليهِ وسلـم يقُول، فَسـمعْتُ فعلٌ وفاعِلٌ، والنبيَّ مفعولٌ أَوَّل، وَيَقُولُ فِعْلٌ مُضارِعٌ وَفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتَتِر فِيهِ جَوازًا، والـجمْلةُ (أي جُمْلَة يَقُولُ) في محلِّ نَصْبِ مَفعول ثانٍ؛ والراجِحُ أنَّ سـمعَ في نـحوِ هذا الـمثال تَتَعَدَّى لـمفْعُولٍ واحِدٍ والـجملةُ التي بَعْدَها حال. (بالأَوّل عَدَّ سـمعَ مِنْ أَخَوات ظَنَّ تأْخُذُ مَفْعُولَيْن، لَكِنْ الرّاجِح أَنَّ الأمْرَ ليسَ هكذا إنَّما فِي مِثْلِ قَوْلِكَ سـمعْتُ زَيْدًا يَقُولُ كذا وكذا، سـمعْـتُ فِعْلٌ وَفاعِل زَيْدًا مَفْعولٌ بِهِ وَيَقُولُ حال تَقْدِير سـمعْتُ زَيْدًا قائِلًا يعنِي في حالِ قَوْلِهِ كذا وكذا. حالٌ مِنْ زَيْد). واللهُ سبحانَهُ أَعْلـم.