الإثنين أبريل 14, 2025

باب الصِّيامِ

  • عن عبدِ الله بنِ عُمرَ عن أُختِه حَفصةَ رضي الله عنهم عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا صِيامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيامَ مِنَ اللَّيلِ»([1]). هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه النَّسائيّ.
  • عن عبدِ اللهِ بنِ أَبِي بَكرٍ عن سالِم عن أَبِيه عن حَفْصةَ عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيامَ([2]) قَبْلَ الفَجْرِ فَلا صِيامَ لَهُ». أخرجَه النَّسائيّ.

ورَواه مالِكٌ عن الزُّهرِيّ عن حَفْصةَ بِغَيرِ واسِطةٍ، واتَّفَق الجمِيعُ علَى وَقفِه، ومِن ثَمَّ قال البخارِيُّ فيما حكاهُ عنه الترمذِيُّ: إنّ حدِيثَ الزُّهرِيّ في هذا مُضْطَرِبٌ. وقد جَرى جماعةٌ منَ الأئِمّةِ على ظاهِر الإسنادِ فصَحَّحُوه، وهو الّذي يَترجَّح فإنّ عِلَّتَه ليسَتْ قادِحةً.

  • عن حَفْصة رضي الله عنها زَوجِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ([3]) قَبْلَ الفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ». قال الحاكم: هذا حدِيثٌ صحِيحٌ.
  • عن أُسامةَ بنِ زَيدٍ رضي الله عنهُما قال: كانَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْرُدُ الأيامَ يَصُومُ حتَّى لا يَكادُ يُفطِرُ ويُفطِرُ حتَّى لا يَكادُ يَصومُ إلَّا يَومَينِ إنْ دَخَلا في صَيامِه وإلَّا صامَهُما، يومَ الاثنَينِ ويومَ الخَمِيس، وكانَ لا يَصُومُ مِن شَهرٍ مِن الشُّهورِ ما يَصُومُ مِن شَعبانَ، فقلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إنّكَ تَصُومُ حتَّى لا تَكادُ تُفطِرُ وتُفطِرُ حتَّى لا تكادُ تَصومُ إلَّا يَومَينِ إنْ دَخَلا في صَيامِك وإلَّا صُمْتَهُما، قال: «وأَيُّ يَوْمَيْن؟»، قلتُ: يَومُ الاثنَينِ ويومُ الخَمِيس، قال: «ذَانِكَ يَوْمانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ([4])، فأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ»، قلتُ: ورأَيتُكَ تَصُومُ مِن شَعبانَ ما لا تَصُومُه في شَهرٍ مِن الشُّهورِ، قال: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ فِيهِ([5]) بَينَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالَمينَ([6])، وَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه النَّسائيّ.
  • عن أنس بنِ مالكٍ الكَعبِيّ رضي الله عنه قال: أغارَتْ خَيلُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم على إبِلِ جارٍ لنا فذهبَتْ بها، فذهبتُ إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فوافقْتُه وهو يَأكُل فقال: «هَلُمَّ([7]) فَكُلْ»، فقلت: إنّي صائمٌ، فقال: «هَلُمَّ أُحَدِّثْكَ، إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَضَعَ عَنِ الـمُسافِرِ الصِّيامَ أَوِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلاةِ([8]) وَعَنِ الحُبْلَى وَالـمُرْضِعِ([9])»، وكان يقولُ([10]): يا لَهْفَ نَفْسِي([11]) أنْ لا أكونَ أَكلتُ مِن طَعامِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه أحمد، ورواه أبو نُعيم في «مَعرفةِ الصّحابةِ».
  • عن أبي هُريرة رضي الله تعالَى عنهُ قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كانَ النَّصْفُ مِن شَعْبانَ فَلا تَصُومُوا»([12]) هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه ابنُ ماجهْ.
  • عن أبِي هُريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كانَ النّصْفُ مِن شَعْبَانَ فَأَمْسِكُوا عَنِ الصَّوْمِ([13])». قال الترمذِيُّ: هذا حدِيثٌ صَحِيحٌ. وقال أبو داودَ: قال أحمدُ: هذَا حَدِيثٌ مُنكَرٌ. والجَمعُ بَينَ كَلامِهم أن يُحمَل الـمُنكَر على الفَرْد المطلَقِ فإنّ ذلكَ يَقَعُ كَثَيرًا في كَلامِهِم ولا يَقتَضِي ذلكَ ضَعْفًا، قالَ: وأمّا مَن حَسّنَه فبِالنّظَرِ إلى حَالِ العَلاءِ عن العَلاءِ بنِ عبدِ الرّحمـٰـن فإنّه صَدُوقٌ، لكنَّهُ ليسَ في دَرجَةِ الـمُتْقِن وأمَّا مَن صَحّحَه غَيرُ الترمذي فجَرَى على طَريقَةِ مَنْ لا يُفرِّقُ بَينَ الصّحِيح والحسَنِ. والله أعلم.

وأمّا التّرمذيُّ فإنَّما صحّحَه لِمَا اعتقَد مِن تَأويلِه فإنّه قال: «معنى هَذا الحَديثِ أنْ يَكونَ الرّجُلُ مُفطِرًا فإذَا جَاءَ نِصفُ شَعبَانَ قَامَ لأَجْلِ رمضَانَ وهو كالحَديث الآخَر: «لا تَقَدَّمُوا رَمضَانَ بصِيَامٍ»» انتهَى. والـمَشهُور في هذا الحدِيث الثّاني التّقيِيدُ بيَوم أو يَومَين، فلا يَصلُح شَاهِدًا لطَرِيق العَلاء لأنَّ الغَرابَة في حَدِيثِه إنّما جَاءَت مِن جِهَةِ التّقيِيد بنِصْف الشّهْر، وقَد أغْرَبَ ابنُ حزْم فخَصَّ النّهيَ بصَوم اليَوم السّادِس عَشَر فجَرى على ظَاهِر الرّوايةِ التي وقَعَت لهُ وهيَ مِن طَريق عبد الرّزاق عن ابنِ عُيَينةَ عن العلاء بلفظ: «إِذَا كانَ النّصْفُ مِن شَعْبانَ فأَفْطِرُوا» وكأنّه لَم تقَع لهُ الرّوايةُ الأُخرَى الّتي تَقتَضِي استِمرَارَ هَذا الحكم إلى أنْ يَدخُلَ رَمضَان.

  • عن سَعيدِ بنِ خالِدٍ عن أبِي عُبَيدٍ قال: شَهِدتُ العِيدَ معَ عُثمانَ وعَلِيّ([14]) فكانا يُصَلِّيان تَيْنِكَ الرَّكعتَينِ ثُمّ يَنصَرِفانِ فيَخطُبانِ النّاسَ، فسَمِعتُهُما يَقُولانِ: «إنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن صَوم هذَينِ اليَومَينِ يَومِ الفِطرِ ويومِ الأَضْحَى». هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه أحمدُ.
  • عنِ ابنِ عُمرَ رضي الله عنهُما قال: ذُكِرَ عِندَ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَومُ عاشُوراءَ فقال: «كَانَ يَصُومُهُ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُم أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ، ومَنْ كَرِهَهُ فَلْيَدَعْهُ([15])». هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه مُسلِمٌ والنَّسائيّ.
  • عن هِشامِ بنِ عُروةَ عن أَبِيه عن عائِشةَ رضي الله عنها قالت: «كَانَ عاشُوراءُ يَومًا تَصُومُه قُريشٌ في الجاهلِيّةِ، وكانَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُه، فلَمّا قَدِمَ الـمَدِينةَ صامَه وأمَرَ بِصَومِه حتّى فُرِضَ رَمضانُ فكانَ رَمضانُ هوَ الفَرِيضةَ، فمَن شاءَ صَامَه ومَن شاءَ لَم يَصُمْهُ». هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه الأئمّة.
  • عن أبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه قال: كانت اليَهودُ تُعَظِّمُ يومَ عاشُوراءَ ويَتّخِذُونَه عِيدًا، فقالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «فَصُومُوهُ أَنْتُم». هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه البُخاريّ ثُمّ قال: وقَد ثَبتَ أنّ اليَهودَ كانوا يَصُومُونَه، فإمّا أنْ يُحمَل قَولُه كانوا يَتّخِذُونه عِيدًا على أنّهم كانوا يَعتَبِرُونَ صِيامَه عِيدًا، كما ورَد إطلاقُ العِيدِ على رَمضانَ في قَولِه: «شَهْرَاْ عِيدٍ لا يَنْقُصَانِ»، وإمّا أنْ يُحمَلَ علَى مَعناهُ اللُّغَوِيّ فلا يُنافِي الصّيامَ فيه.
  • وأمّا الحدِيثُ الـمُصَرِّحُ بصِيامِهم فيه فأَخبَرني به الشيخُ أبو إسحاقَ التّنُوخِيُّ بإسنادِه إلى ابنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهُما قال: قَدِمَ النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المدِينةَ فوجَدَ اليَهُودَ يَصُومُونَ يَومَ عَاشُوراءَ فسأَلَهُم فقالُوا: هذا اليَومُ الّذي أَظهَرَ اللهُ فيهِ مُوسَى علَى فِرعَونَ، فقالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُم، فَصُومُوهُ أَنْتُم». هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه أحمدُ.
  • عن أبِي غَطَفانَ بنِ طَرِيفٍ قالَ: سَمِعتُ ابنَ عبّاسٍ رضي الله عنهُما يَقولُ: كان رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَصُومُ عاشُوراءَ فقِيلَ لهُ: يا رَسولَ اللهِ هذَا يومٌ تُعَظِّمُه اليَهودُ فقالَ: «لَئنْ عِشْتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ»، فماتَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَبلَ ذلِكَ. هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه مُسلِم.
  • عن النُّعمانِ بنِ سعِيدٍ قال: قال رَجلٌ لِعَلِيّ بنِ أبِي طالبٍ رضي الله عنه: أَخبِرنِي بِشَهرٍ أَصُومُه بعدَ شَهرِ رَمضانَ، قال: لقَدْ سَأَلتَ عن شَيءٍ ما أَحسَبُ أنّ أحَدًا سأَلَ عنهُ بعدَ رَجُلٍ سألَ عنه النّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: «عَلَيْكَ بِشَهْرِ اللهِ الـمُحَرَّمِ([16]) فَإِنَّ فِيهِ يَوْمًا تَابَ اللهُ فِيهِ عَلَى قَوْمٍ وَيُتَابُ فِيهِ عَلَى ءاخَرِينَ([17])». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه الترمذِيُّ، وإنّما حُسِّنَ لِشَواهدِه، وإلّا فعَبدُ الرَّحمـٰـنِ بنُ إسحاقَ ضعِيفٌ باتِّفاقِهم.
  • عن جابِرِ بنِ سَمُرةَ رضي الله عنه قال: كانَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَأمُرُنا بصِيامِ عاشُوراءَ ويَحُثُّنا علَيهِ ويتَعاهَدُنا عِندَه([18])، فلَمّا فُرِضَ رَمضانُ لَم يَأمُرْنا بِه ولَم يَحُثَّنا علَيه ولَم يَتَعاهَدْنا عِندَه»، زاد الحسَنُ بنُ موسَى([19]) في رِوايتِه: «ونَحنُ نَفعَلُه». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه أحمد.
  • عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال قِيلَ: يا رسولَ اللهِ، أيُّ الصَّومِ أفضَلُ؟ قال: «صَوْمُ شَعْبَانَ تَعْظِيمًا لِرَمَضَانَ»([20])، قِيلَ: فأَيُّ الصّدَقةِ أفضلُ([21])؟ قال: «صَدَقَةٌ في رَمَضانَ». هذا حدِيثٌ غرِيبٌ أخرجَه الترمذِيُّ.

ويُعارِضُ حدِيثُ عاشُوراءَ عن أبي هُريرةَ([22]) في الظّاهِر ما تقدَّمَ مِن حدِيثٍ أنَسٍ في شَعبانَ وأنّ صِيامَه أفضَلُ الصِّيامِ بَعدَ رَمضانَ، ويُجابُ عنه بوَجهَين: أحَدُهما: أنّ حدِيثَ أبي هُريرةَ صَحيحٌ وحدِيثَ أنَسٍ ضَعِيفٌ فلا مُعارَضة، والثّانِي: علَى تَقديرِ الصِّحّةِ فأفضَلِيّةُ الـمُحَرَّم على إطلاقها وأفضَلِيّةُ شَعبانَ مُقَيَّدةٌ بقَصْدِ تَعظِيمِ رَمضانَ كما ورَدَ في تَفسِير الخبَرِ حيثُ قال فيهِ: «تَعْظِيمًا لِرَمَضَانَ»، وكأنّ الـمُرادَ بالتّعظيمِ المذكُورِ أنْ يُدْمِنَ على الصّيامِ فيَصُومَ رَمضانَ وهو نَشِيطٌ وليسَ المرادُ الاحتِياطَ لِرَمضانَ لِثُبوتِ النَّهِي عن تَقَدُّمِه بصِيامٍ.

  • عن جابِر بنِ عبدِ اللهِ رضي الله عنهُ عن عُمرَ بنِ الخَطّابِ رضي الله عنهُ قال: هَشِشْتُ([23]) فقَبَّلْتُ وأنا صائِمٌ، فجِئتُ إلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقُلتُ: لقَد صَنَعتُ اليَومَ أَمْرًا عَظِيمًا، قالَ: «وَمَا هُوَ؟»، قلتُ: قَبَّلْتُ([24]) وأنا صائِمٌ، قال: «أَرأَيْتَ لَو تَمَضْمَضْتَ مِنَ الـمَاءِ؟»([25])، قلتُ: إذًا لا يَضُرُّ؟ قالَ: «فَفيمَ»([26]). هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه أبو داودَ([27]).
  • عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما أنّ امرَأةً أتَتِ النّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسولَ الله، إِنّ أُمِّي ماتَتْ وعلَيها صَومُ شَهرٍ أفأَصُومُ عنها؟ قال: «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ تَقْضِينَهِ؟»([28])، فقالت: نَعَم، قال: «فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُ». هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه مُسلِم.
  • عن عبدِ الرَّحمـٰـنِ بنِ زَيدِ بنِ أَسْلَمَ عن أَبِيهِ عنِ ابنِ عُمرَ رضي الله عنهُما قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ يَوْمَ عَرَفَةَ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ سَنَةً وَمَا تَأَخَّرَ سَنَةً». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه الترمذِيُّ رِجالُه مُوثَّقون إلّا عبدَ الرَّحمـٰن فكان مِن عُلَماء أهلِ الـمَدِينةِ لكنّه ضَعِيفٌ في الحَدِيث.

وقَد وجَدْتُ للحَدِيثِ عن ابنِ عُمرَ أَصْلًا أخرجَه الطّبَرانيُّ بإسنادٍ جيّدٍ مِن رِوايةِ سَعيدِ بنِ جُبَيرٍ عن ابنِ عُمرَ بلَفظِ: «صَوْمُ يَومِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ»، وهي مُتابَعةٌ ناقِصةٌ ولِهذَا حَسَّنْتُه، وأَصلُ الحديثِ في مُسلِم.

  • عن مَسرُوقٍ أنّه دخَل علَى عائشةَ رضي الله عنه فقال: اسْقُونِي، فقالتْ: يا غُلامُ اسْقِهِ عَسَلًا، ثُمّ قالت: أمّا أنتَ يا مَسروقُ بِصائمٍ؟ قال: لا قالت: أليسَ اليومُ يومَ عرَفَةَ؟ قال: إِنّي أَخشَى أنْ يَكونَ يومَ الأضحَى، قالت: ليسَ كذلكَ، إنّما الأَضحَى يومَ يُضَحِّي الإمامُ، وعرَفةُ يومَ يُعَرِّفُ الإمامُ، أمّا سَمِعتَ أنّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يعْدِلُه بصِيامِ أَلْفِ يومٍ؟!
  • ورَوَى الفَاكِهيُّ في كتابِ مَكَّةَ مِن طَريق عبدِ الرّحمـٰـن بنِ يَزِيد بنِ جابرٍ عن أبيه عن عَطاء قال: «صِيامُ يَومِ عرَفةَ بأَلْفِ يَومٍ» وإسنَادُه قَويّ، ومِثلُه لا يُقالُ بالرّأي، فإنْ كانَ عَطاءٌ تَلَقّاهُ عن عائِشةَ فهي مُتابَعةٌ جَيِّدةٌ، ويُجمَعُ بينَه وبينَ الخبَر الـمَشهُورِ بأنّه قَصَدَ بالأَلْفِ الـمُبالَغةَ، والأصلُ سَبعُمائةٍ وشَيءٌ فجَبَرَ الكَسْرَ تَجوُّزًا.
  • عن جابرِ بنِ عبدِ الله رضي الله عنهُما قال: قالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَسِتّةً مِن شَوَّالٍ فَكَأَنَّما صامَ السَّنَةَ كُلَّهَا([29])». أخرجَه أحمدُ، وقَد أخرَج الترمذِيُّ بهذا الإسنادِ حدِيثًا غيرَ هذا وحَسَّنَه.
  • عن أبِي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَن صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ يَومِ الفِطْرِ مُتَتابِعةً فَكَأَنَّمَا صامَ السَّنَةَ كُلَّها». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه الطّبَرانيّ.

[1])) أي: لِمَن لَم يُوقِع النِّيّةَ لصَومِ الفَرضِ ليلًا.

[2])) أي: لَم يَنْوِه مِن اللَّيل.

[3])) قال السُّيوطيّ في حاشيته على النَّسائيّ (4/196): «(مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيامَ): قال الشيخُ ولِيُّ الدِّين: بضَمّ الياءِ وسكُونِ الجِيم وكَسرِ الـمِيم، أي: يَعزِم علَيه ويُجمِع رأيَه علَى ذلكَ. وقال الخطَّابِي: الإجماعُ إِحكامُ النِّيّةِ والعَزِيمةُ، أَجَعتُ الرَّأيَ وأزْمَعْتُه وعزَمتُ علَيه بِمعنًى».

[4])) قال شيخنا رحمه الله: «هذا العَرْضُ هذا الرَّفعُ هو التَّفصِيليُّ وهو رَفعُ الأعمالِ كلَّ اثنَين وخَمِيس، ويكون الرَّفعُ إلى دِيوانٍ خاصٍّ في السّماءِ مِن قِبَلِ الملائكةِ الكِرامِ حيثُ تُثبَتُ الأعمالُ هنالِكَ»، ونقلَ نَحوَه الملّا عليّ القاري في «المرقاة» عن بعضِ الفقهاءِ.

[5])) الرِّوايةُ هنا بِلَفظِ: «فِيهِ»، وفِي غَيرِها: «عَنْهُ».

[6])) معناه: تُرفَعُ إلى محلِّ كرامتِه، أي: المكانِ الّذي شرَّفَه الله عَزَّ وجَلَّ وهو السّماءُ، أمّا الله عزَّ وجلَّ فموجودٌ أزلًا وأبدًا بلا كيفٍ ولا مَكانٍ ولا جهةٍ ولا يَتشرَّف بأَحَدٍ مِن خَلقِه.

[7])) أي: أقبِلْ.

[8])) قال الشِّهاب الرَّمليّ في شرح أبي داود (10/487): «وضَع الصَّومَ عن الـمُسافِر سفَرًا تُقصَرُ فيه الصّلاةُ فأباحَ له الفِطرَ فِيه معَ القَضاءِ بَعد انقِضاءِ شَهرِ رَمضانَ، وشَطرُ الصّلاةِ مِعناهُ النّصفُ مِن الصّلاةِ، يَعنِي: مِن الصّلاةِ الرُّباعِيّة».

[9])) قال الطِّيبيّ في شرح المشكاة (5/1599): «الـمُرضِعُ والحُبلَى لَم يضَع عنهُما شَطرَ الصّلاةِ، كأنّه قيل: وضَعَ عن الـمُسافِر شَطرَ الصّلاةِ ووضَعَ الصَّومَ عن الـمُسافِر والـمُرضِع والحُبلَى».

[10])) أي: أنَسٌ رضي الله عنه.

[11])) قال الزِّبِيديّ في تاج العرُوس (24/381): «يا لَهْفَةُ: كلمةٌ يُتحَسّرُ بِها على فائِتٍ».

[12])) قال الشِّهاب الرَّمليُّ في شرح أبي داود (10/305): «أخَذ به جَماعةٌ مِن العُلَماءِ مِنهُم الشافعيُّ وأصحابُه ونَهَوا عن ابتِداءِ التطَوُّعِ بالصِّيامِ بَعد نِصفِ شَعبانَ لِمَن ليسَ له عادةٌ، ووافَقُهم بعضُ الـمُتأخِّرينَ مِن الحَنابِلةِ – وهذا في غَيرِ يَومِ الشَّكِّ – فإنْ وَصَلَه (أي: النَّصفَ) بِما قَبلَه جازَ، وقَطَع الـمُتولِّي بأنّه يَجُوز ولا يُكرَه، وأجاب الـمُتولّشي عن الحدِيث بجَوابَين: أحدُهما: أنّه ضعَيفٌ، والثّاني: أنّه مَحمولٌ على مَن يُخافُ علَيه الضَّعفُ بِصَومِه فيَعجِزُ عن صِيامِ رَمضانَ فيدَعُه لِيتقَوَّى بِه. وكانّه أشارَ إلى تَضعيفِه وليسَ كذلِكَ، فقد رواهُ أصحابُ السُّنَن مِنهُم الترمذِيُّ وصَحَّحه ولَم يُضعِّفهُ أبو داودَ، ورواهُ أحمدُ والنَّسائيُّ وابنُ حِبّانَ في «صَحِيحِه» والحاكِمُ، وقال الطحاويُّ: هو مَنسُوخٌ». مختصَرًا.

[13])) والنَّهيُ الوارِدُ ليسَ عن صِيامِ يَومِ النِّصفِ مِن شَعبانَ إنّما عن صِيام ما بَعدَه على التَّفصِيل الّذي سَبَق، أمّا يومُ النّصفِ مِن شَعبانَ فيُسَنُّ صِيامهُ لِحَديث: «(إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا ليْلَهَا وَصُومُوا نَهارَهَا». قال شيخُنا رحمه الله: «هذا حديثٌ قرِيبٌ مِن الحسَن يجوزُ العمَل به».

[14])) أي: كُلّ في وَقتِ إمامتِه النّاسَ.

[15])) وفي روايةٍ عِندُ مُسلِم: «وَمَن أَحَبَّ أَ،ْ يَتْرُكَهُ فَلْيَتْركْهُ» وكانَ عَبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضيَ اللهُ عَنهُ لا يَصُومُه إلَا أَنْ يُوافِقَ صِيامَه، هذا لَفظُ «صحِيحِ مُسلِم».

قال ابن الأثير في النّهاية (3/240): «عاشُوراءُ هو اليومُ العاشِرُ مِن الـمُحرَّم، وهو اسمٌ إسلامِيٌّ، وليسَ في كلامِهم فاعُولاءُ بالـمَدّ غيرُه، وقد أُلحِقَ بِه تاسُوعاءُ وهو تاسِعُ الـمُحرَّم».

[16])) أي: بصَومِه نَفلًا، وتفسِّرُه روايةُ: «إنْ كُنْتَ صَائِمًا شَهْرًا بَعْدَ رَمَضَان فَصُمِ الْمُحَرَّمَ، فَإِنَّهُ شَهْرُ اللهِ» أخرجه أحمدُ والترمذِيُّ وأبو يَعلَى.

[17])) قال المناويّ في التيسير (1/373): «(فِيهِ يَوْمٌ تَابَ اللهُ فِيهِ عَلَى قَوْمٍ وَيُتَوبُ فِيهِ عَلَى ءاخَرِينَ) وهو يَومُ عاشُوراء فإنّه يَومٌ تابَ اللهُ فِيه علَى ءادمَ وعلَى قَومِ يونُسَ ويَتُوبُ فِيه علَى قومٍ غَيرِهم».

[18])) قال الملّا عليّ في المرقاة (4/1427): «(وَيَتعاهَدُنا)، أي: يَحفَظُنا ويُراعِي حالَنا ويَتفحَّصُ عن صَومِنا أو يَتَخَوَّلُنا بالـمَوعِظة». ويتخوَّلُنا بمعنَى يَتعهَّدُنا.

[19])) هو: الحافظُ القاضي الفقيهُ أبو عليّ الحسَنُ بنُ موسَى الأشيَبُ البغداديُّ أحدُ صِغارِ التّابعِين.

[20])) قال السُّيوطيّ في قُوت الـمُغتَذِي (1/251): «قال العِراقيّ: هذا تخلِيطٌ مِن بَعضِ الرُّواة يُعارضُه حدِيثُ مُسلِمٍ عن أبِي هُريرةَ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الـمُحَرَّمُ»».

[21])) أي: أعظَمُ أجرًا، والمقابَلةُ تكُون نافِلةً بنافِلةٍ وواجِبةً بِواجِبةٍ.

[22])) يَعنِي: حدِيثَ مُسلِمٍ عن أبِي هُريرة مرفُوعًا: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الـمُحَرَّمُ».

[23])) قال ابنُ الجَوزِيّ في غَرِيب الحَدِيث (2/497): «قال عُمَر: (هَشِشْتُ فَقَبَّلْتُ) الهَشاشُ الإِقبالُ علَى الشيءِ بِنَشاطٍ». قال ابن الأثير في النّهاية (5/264): «يُقال: هَشَّ لهذَا الأَمرِ يَهَشُّ هَشاشةً إِذَا فَرِحَ بِه واستَبْشَر وارتاحَ له وخَفَّ، ومِنهُ حدِيثُ عُمرَ: «(هَشِشْتُ يَومًا فقَبَّلْتُ وَأَنا صائِمٌ)»».

[24])) أي: حَلِيلتَه.

[25])) أي: مِن غير أن يَدخُلَ شيءٌ إلى جَوفِكَ.

[26])) قال الشِّهاب الرَّمليّ في شرح أبي داود (10/526): «(فَفِيمَ)، أي: فَفِيمَ تَسأَلُ؟! قالَ الـمُزَنِيُّ: فبَيَّن له r بذلكَ أنّه لا شيءَ علَيه في التَّقبِيل كما لا شيءَ علَيه في الـمَضْمَضةِ».

[27])) ولفظ أبي داودَ: «فَمَهْ»، ولفظُ عبدِ ابنِ حُمَيدٍ: «فَفِيمَ».

[28])) قال ابنُ بطّالٍ في شرح البُخاريّ: «إنّما سَألها r: هل كُنتِ تَفعَلِين ذلك تَطَوُّعًا، لأنّه لا يَجِبُ علَيها أنْ تَقضِيَ دَينَ أُمِّها إذَا لَم يَكُن لها (أي: للميِّتةِ) تَرِكَةٌ».

وقال أبو العبّاس القُرطبيّ في الـمُفهِم (3/4439: «ففي هذا ما يَدُلُّ على أنّه مِن بابِ التطَوُّعات وإيصالِ الخَيرِ والبِرِّ للأَمواتِ. أَلَا تَرَى أنّه قَد شَبَّه فِعلَ الحَجِّ بالدَّينِ، وبالإجماعِ لو ماتَ مَيِّتٌ وعلَيه دَينٌ لَم يَجِبْ علَى وَلِيّه قَضاؤُه مِن مالِه، فإنْ تَطَوَّعَ بذلكَ تَأدَّى الدَّينُ عنه».

[29])) قال النوويّ في شرح مُسلِم (8/56): «قال العُلَماء: وإنَّما كان ذلكَ كصِيامِ الدَّهرِ لأنّ الحسَنةَ بعَشرِ أمثالِها، فرَمضانُ بعشَرةِ أشهُرٍ والسّتّةُ بِشَهرَينِ».