هو التابعُ الرافعُ للاحْتِمالِ (يَعْنِي احْتِمال الـمـجاز) فإِذا قُلْتَ: جاءَ زَيْدٌ يحتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الكَلامُ على تَقْدِيرِ مُضافٍ والتَّقْدِيرُ: جاءَ كِتابُ زيدٍ أو رسولُهُ فإذا قُلتَ جاءَ زيدٌ نَفْسُهُ ارْتَفَعَ الاحْتِمال، وإذا قُلتَ: جاءَ القَوْمُ يَحتملُ أَن الذي جاءَ بعضُهُم (أَي احتِمال أَنَّ ليسَ الكُلّ جاء)، فإذا قلتَ: جاءَ القومُ كلُّهُم ارتفعَ الاحتمال. (التَّوْكِيدُ تابِعٌ لِلـمؤَكَّدِ في رَفْعِهِ) نـحو: جاءَ زَيدٌ نَفْسُهُ (زَيْدٌ مَرْفُوع فَنَفْسُ يَكونُ مَرفوعًا والهاء مُضاف إلَيْهِ)، فَزَيْدٌ فاعِلٌ وَنَفْسُهُ تَوْكِيدٌ لَهُ وَتَوْكِيدُ الـمرفوعِ مَرْفوع، (وَنَصْبِهِ) نـحو: رَأَيتُ زيدًا نفسَهُ فزيداً مفعول ٌونفسَهُ توكيدٌ له وتَوكيدُ الـمنصوبِ مَنصُوب، (وَخَفْضِهِ) نـحو: مَرَرْتُ بزيدٍ نفسِهِ، فزيدٍ مـجرورٌ بالباءِ ونفسِهِ تَوْكِيدٌ لَهُ وتَوكيدُ الـمـجرورِ مـجرور، (وَتَعْرِيفِهِ) كَما رَأَيْتَ في الأَمثلة (يَعنِي لـما يكونُ الـمؤَكَّد مَعْرِفَة، فَيَأْتِي التَّوْكِيدُ مَعْرِفَة)، ولـم يَقُلْ وَتَنْكِيرِهُ لأَنَّ أَلْفاظَ التَّوْكيدِ كُلَّها مَعَارِف فَلا تَتْبَعُ النَّكِرَة (لا يوجَد تَوْكِيد نَكرَة هذا مَذْهَبُ البِصْرِيين)، وأجازَ ذلكَ الكُوفِيُّونَ نـحو: صُمْتُ شَهرًا كُلَّهُ، فجعَلُوا كُلَّهُ تَوْكِيدَ الشّهرِ ولـم يُوجِبُوا مُطابَقَتَهُ في التَّنْكِير. (ويَكُونُ بِأَلفاظٍ مَعلومةٍ وهي النَّفْسُ) بمعنى الذات نـحو: جاءَ زَيدٌ نفسُهُ (والعينُ) بمعنى الذّات أيْضاً نـحو: جاءَ زَيدٌ عينُهُ (وكُلٌّ) نـحو: جاءَ القوْمُ كُلُّهُم، فَالقومُ فاعِلٌ، وَكُلٌّ تَوكيدٌ للقَومِ، والهاءُ مُضافٌ إليه، والـميـم علامةُ الـجمعِ، (وأَجْمَعُ)) أجْمَعُ بِمعنى الكُلّ) نـحو: جاءَ القومُ أَجمَعُ، فأجْمَعُ توكيدٌ للقومِ مرفوعٌ بالضمةِ الظاهرة، (وتَوابِعُ أَجمع وهي: أَكْتَعُ وَأَبْتَعُ وَأَبْصَعُ) (أحْيانًا لزيادة التأكيد يؤتى بِكلـمات بعدَ أجمع. يعني أوّلًا تَقُول أجْمَع ثُم تأْتي بِها) يؤتى بها في التوكيدِ تابعةً لأجمعَ نـحو: جاءَ القومُ أجمعونَ أكْتَعُونَ أَبْتَعُونَ أَبْصَعُونَ (إذا أردت أنْ تأتِيَ بِها كُلِّها)، وَإعرابُه: جاءَ فِعلٌ ماضٍ والقومُ فاعلٌ مرفوعٌ بالضمةِ، وأجمعونَ تأكيدٌ للقومِ مرفوعٌ بالواوِ لأنهُ جمعُ مذكرٍ سالـم، والنونُ عِوَضٌ عَنِ التنوينِ في الاسـم الـمفْرَد، وأَكتعونَ تأكيدٌ ثان، وأبتعون ثالث، وأبصعونَ رابع، وإعرابُها كإعرابِ ما قبلَها، وأُتِىَ بِها لزيادةِ التوكيدِ والـمبالغةِ فيه، وكُلَّها بمعنى أجمعونَ لأنَّ أكْتَعَ مَأْخُوذٌ مِن قولِهم: تَكَتَّعَ الـجلْدُ إذا اجْتَمَعَ، وَأَبْتَعَ مِنَ الْبَتْعِ وهو طُولُ العُنُقِ) لأَنَّ القَوم إذا اجْتَمَعُوا مَدُّوا رؤُوسَهُم لِيَرَوْا، فطالَت أعْناقَهُم) والقَومُ إِذا كانوا مـجتمعينَ طالَتْ أعْناقُهُم، فَجَعَلُوهُ كِنايَةٌ عَنِ الاجتِماعِ، وأَبْصَعَ مَأْخُوذٌ مِنَ البَصْعِ وهو العِرْقُ الـمـجتمِعُ فَيَكُونُ بمعنَى أَجْمَعَ؛ ولـما كانت هذه الألفاظُ الثلاثَةُ لا يُؤْتَى بها غالِباً إلّا بعدَ أَجمعَ سـميَت تَوابِع أَجْمَع: (تَقُولُ: قامَ زَيْدٌ نَفْسُهُ) فَزيدٌ فاعلٌ، ونفسُ توكيدٌ لَهُ، والهاءُ مضافٌ إلَيهِ، (وَرَأَيْتُ القومَ كلَّهُم) فالقَومُ مفعولٌ بِهِ لِرَأَيْتُ، وكُلَّ تأكيدٌ للقومِ، والهاءُ مضافٌ إليه، والـميـم علامةُ الـجمْع، (وَمَررتُ بالقَومِ أجْمعين) فالقَوْمِ مـجرورٌ بالباءِ، وأجمعينَ تأكيدٌ للقومِ مـجرورٌ بالباءِ لأنَّهُ جمعُ مذَكرٍ سالـم، والنُّونُ عِوَضٌ عنِ التنوينِ في الاسـم الـمفرد واللهُ سبحانه أعْلـم.