الجمعة أبريل 25, 2025

باب الأَمرِ بِالـمَعْرُوفِ وَالنَّهِيْ عن الـمُنْكرِ

  • عن أبِي نَضْرةَ عن أبِي سَعِيدٍ الخُدريّ رضي الله عنه أنّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُم مَخافَةُ النَّاسِ أنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَهُ». هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه أحمد. وَأَخرَجَه الطَّيالِسيُّ عن أبِي نَضْرَةَ مِن طَريقٍ ءاخَرَ فيهِ يَزِيدُ بنُ هارونَ نَحوَه وزادَ: قال أبو سَعِيدٍ: «فما زالَ البَلاءُ بِنا حتَّى قَصَّرْنا»، هذا لَفظُ الطَّيالسِيّ، وفي رِوايةِ يَزِيدَ ابنِ هارُونَ: قال أبو سَعِيدٍ: فَحمَلَنِي ذلكَ علَى أنْ رَكِبتُ إلى مُعاوِيةَ فملَأْتُ أذُنَيهِ ثُـمّ رَجَعتُ.

قال شُعبةُ: وحدَّثَنِي بهذَا الحدِيثِ عن أبِي نَضْرةَ أربَعةٌ: قَتادةُ وأبو مَسْلَمةَ والجُرَيرِيُّ وءاخَرُ.

وأخبَرَنِي الشَّيخُ أبو إسحاقَ التَّنُوخيُّ بالإسنادِ إلى عَبدِ بنِ حُمَيدٍ قال: أخبرَنا النَّضْرُ بنُ شُمَيلٍ قال: أخبرَنا شُعبةُ عن أبي مسْلَمةَ عن أبي نَضْرةَ، فذكَرَ مِثلَ روايةِ يَزِيدَ بزِيادَتِه. هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه أحمد.

  • عن الـمُعَلَّى بنِ زِيادٍ قال دَخَلتُ على الحسَ، في مَنْزِلِه فقُلتُ: يا أبا سَعِيد كيفَ تَرَى في هذِه الآيةِ؟ قال: أيَّةُ ءايةٍ؟ قلتُ: {كَانُوا لَا يَتَناهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ} [سُورة المائدة: 79]، قال يا عبدَ اللهِ إنّ القَومَ عرَضُوا السَّيفَ فحالَ دُونَ القَولِ، قالَ: ثُمّ حَدَّثَ الحسَنُ بحدِيثَين عن رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أحَدُهما عن أبِي سَعيدٍ الخُدرِيّ قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُم رَهْبَةُ النَّاسِ إِذَا رَأَى أَمْرًا للهِ فِيهِ حَقٌّ أَنْ يَذْكُرَه تَعْظِيمًا للهِ فَإِنَّه لَا يُقَرِّبُ مِن أَجلٍ وَلَا يُبْعِدُ مِن رِزْقٍ».
  • عن العُرْسِ بنِ عَمِيرةَ عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ شَهِدَهَا فَأَنْكَرَها كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه أبو داودَ والطّبرانيُّ وابنُ مَردَوَيهِ. ورُوِي مَوقُوفًا علَى ابنِ مَسعُودٍ رضي الله عنه وإسنادُه صحيحٌ.
  • عن زُبَيدِ بنِ الحارِثِ قال: سَمِعتُ عبدَ اللهِ بنَ مَسمعُودٍ رضي الله عنه قال: «إِذَا عُمِلَتِ الخَطِيئةُ، فمَن غابَ عَنْها فرَضِيَها كانَ كمَنْ شَهِدَها([1])، ومَن شَهِدَا فكَرِهَها كانَ كمَنْ غابَ عَنها([2])». هذا إسنادٌ صحِيحٌ أخرجَه البَيهقيّ في «السُّنَن».
  • عَن عُمرَ بنِ عبدِ العَزِيزِ أنّه قالَ: «كانَ يُقَالُ: إنَّ اللهَ لا يُعَذِّبُ العامّةَ بِذَنْبِ الخاصّةِ، لكِنْ إذَا عُمِلَ الـمُنكَرُ جِهارًا ـ يَعنِي فلَم يُنكِرُوا – اسْتَحَقُّوا العُقُوبةَ كُلُّهُم»([3]). هكذَا أخرجَه مالكٌ وهو موقُوفٌ صحِيحٌ إنْ كان قائِلُه صَحابِيًّا، ومِثلُه لا يُقالُ بالرّأي، فيَكُونُ لهُ حُكمُ الـمَرفُوعِ.
  • عن أبِي مُصعَبٍ قال: أخبرَنا مالِكٌ عن إسماعِيلَ بنِ أبي حَلِيمٍ قال: سَمِعتُ عُمرَ بنَ عَبدِ العَزِيزِ رضي الله عنه يقولُ: كانَ يُقالُ: «إنَّ اللهَ لا يُعَذِّبُ العامّةَ بذَنْبِ الخاصّةِ، لكِنْ إذَا عُمِلَ الـمُنكَرُ جِهارًا – يَعنِي فلَمْ يُنكِرُوا – استَحَقُّوا العُقُوبةَ كُلُّهُم». هكذَا أخرجَه مالِكٌ وهو مَوقوفٌ صحِيحٌ.
  • عن جُندُبِ بنِ حُذَيفةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَنْبَغِي لِلمُؤْمِن أنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ»، قِيل: يا رَسولَ اللهِ وكَيفَ يُذِلُّ نَفْسَه؟ قال: «يتَعَرَّضُ من البَلَاءِ لِـمَا لا يُطِيقُ»([4]). هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه الترمذِيُّ وابنُ ماجه، وقالَ الترمذِيُّ: حسَنٌ غرِيبٌ.
  • عن حَمّادِ بنِ زَيدٍ – وفي روايةٍ عن الـمُعَلَّى بنِ زِيادٍ – قالَ: دخَلتُ على الحسَنِ في مَنزِله فقُلتُ: يا أبا سَعيدٍ كيفَ تَرَى في هذِه الآيةِ؟ قال: أَيّةُ ءايةٍ؟ قلتُ: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ} [سُورة المائدة: 79]، قالَ: يا عبدَ اللهِ، إنّ القَومَ عَرَضُوا السَّيفَ فحالَ دُونَ القَولِ، قالَ: ثُـمّ حَدَّثَ الحسَنُ بحَدِيثَين عن رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم أحَدُهما عن أبِي سَعِيدٍ الخُدريّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُم رَهْبَةُ النَّاسِ إِذَا رَأَى أَمْرًا للهِ فِيهِ حَقٌّ أَنْ يَذْكُرَه تَعظِيمًا للهِ، فَإِنَّهُ لا يُقَرِّبُ مِن أَجَلٍ وَلا يُبْعِدُ مِن رِزْقً»، والحدِيثُ الآخَرُ قال: قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ»، قالوا: يا رسولَ اللهِ وكيفَ يُذِلُّ نَفْسَه؟ قال: «يَتَعَرَّضُ مِن البَلَاءِ لِـمَا لا يُطِيقُ».

قلتُ: الحدِيثُ الأوّلُ رُواتُه مِن رجالِ مُسلِمٍ لكِنْ في سَماعِ الحسَن مِن أبِي سَعيدٍ نظَرٌ، وأمّا الحدِيثُ الثّانِي فأَرسَلَه الحسَنُ مِن هذا الوَجهِ، وقَد وقَع لنا مِن وَجهٍ ءاخَرَ عَنِ الحسَنِ عَن جُندُبٍ عن حُذَيفةَ مَرْفُوعًا، رَواهُ الطّبَرانيُّ في «الـمُعجَم الأوسَط».

  • عن ابنِ عُمرَ رضي الله عنهُما قال: سَمِعتُ الحَجّاجَ يَخطُبُ فذَكَرَ شَيئًا أنكرْتُه فأَرَدْتُ أنْ أرُدَّ عليه، فذَكَرتُ شيئًا قالَهُ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال: «لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِن أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ»، قُلتُ: يا رسولَ اللهِ وكَيفَ يُذِلُّ نَفْسَه؟ قال: «يَتَعَرَّضُ مِن البَلَاءِ لِـمَا لا يُطِيقُ». أخرجَه الطّبَرانيُّ في «الـمُعجَم الأوسَط».
  • عن نَهارٍ العَبْدِيّ قال: سَمِعتُ أبا سَعيدٍ الخُدريَّ رضي الله عنه يَقولُ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقولُ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى َيَسْأَلُ الْعَبْدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَكُونُ فِيمَا يَسْأَلُهُ: مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَ الْمُنْكَرَ أَنْ تُنْكِرَهُ؟ فَإِذَا لُقِّنَ حُجَّتَهُ قَالَ: يا رَبِّ وَثِقْتُ بِكَ وَفَزِعْتُ مِنَ النَّاسِ([5])». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه أحمدُ.

وظاهِرُ حَدِيثِ نَهارٍ هذا يُخالِفُ الحدِيثَ الّذي رواه أبو نَضْرةَ وغَيرُه([6]) مِـمّا تَقدَّم، ويمُكِنُ أنْ يُجمَع بينَهُما بحَمْل الأوّلِ على مَن لَيسَت لهُ مَعذِرةٌ بتَركِ إنكارِ المنكَرِ، وهذا علَى مَن لهُ مَعذِرةٌ، ويكونُ مُتعَلَّقُ الخَشيةِ مِن مَوضِعَينِ مُختِلفًا: أنْ يكُونَ في الأوّل بالتَّوَهُّم، وفي الثّاني بالتَّحَقُّق ونَحوِ ذلكَ.

  • عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهُما قالَ: قالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ([7]) فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ». أخرجَه الطّبَرانيُّ، ولهُ شَواهِدُ.
  • عن واثِلةَ بنِ الأَسْقَعِ([8]) رضي الله عنه قال: أَتَيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو بِمَسجِدِ الخَيْفِ([9]) فقالَ لِي أصحابُه: إلَيكَ يا واثِلةُ عن رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم، أيْ تَنَحَّ عن وَجْهِه، فقال صلى الله عليه وسلم: «دَعُوهُ فَإِنَّمَا جاءَ لِيَسْأَلَ»، فَدَنَوتُ مِنهُ فقُلتُ: يا رسولَ اللهِ أخبِرْنا بأَمرٍ نَأخُذْ بِه مِن بَعدِكَ، فقال: «لِتُفْتِكَ نَفْسُكَ وَإِنْ أَفْتاكَ الـمُفْتُونَ»([10])، قلتُ: وكَيفَ لِي بذلكَ؟ قال: «دَعْ ما يَرِيبُك إِلَى ما لا يَرِيبُكَ»([11])، قلتُ: وكيفَ لِي بعِلمِ ذلكَ؟ قال: «دَعْ ما يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ»، قلتُ: لِي بعِلم ذلكَ؟ قال: «تَضَعُ يَدَكَ علَى فُؤادِكَ فَإِنَّ القَلْبَ يَسْكُنُ إِلَى الحَلَالِ وَلَا يَسكُنُ إِلَى الحَرامِ»، قلتُ: فمَنِ الوَرعُ([12])؟ قال: «الَّذِي يَقِفُ عِندَ الشُّبْهَةِ، وَإِنَّ وَرَعَ الـمُسْلِمِ أَنْ يَتْرُكَ الصَّغِيرَ مَخافةَ أَنْ يَقَعَ فِي الكَبِيرِ»، قلتُ: فمَنِ الحَرِيصُ؟ قال: «الَّذِي يَطْلُبُ الـمَكْسَبةَ مِن غَيْرِ حِلِّها([13])»، قلتُ: فَمَنِ الـمُؤمِنُ([14])؟ قال: «مَن أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمائِهِم وَأَمْوَالِهِم([15])»، قلتُ: فمَنِ الـمُسلِمُ؟ قال: «مَن سَلِمَ النَّاسُ مِن يدِهِ وَلِسانِه»، قلتُ: فأَيُ الجِهادِ أفضَلُ؟ قال: «كَلِمَةُ حَقٍّ عِندَ إِمامٍ جائِرٍ»([16]). هذا حدِيثٌ حسَنٌ غرِيبٌ أخرجَه أبو يَعلَى.
  • عن عَطِيّةَ عن أبِي سَعيدٍ الخُدرِيّ رضي الله عنه قال: قال رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِن أَعْظَمِ الجِهادِ كَلِمةَ حَقٍّ عِندَ إِمامٍ جائِرٍ»([17]). هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه أبو داودَ وابنُ ماجَه والترمذِيُّ وقال: حدِيثٌ حسَنٌ غرِيبٌ.

[1])) أي: شَهِدَها ولَـم يُنكِرْها معَ القُدرةِ.

[2])) أي: في أنّه لَـم يأْثَم.

[3])) قال الملّا عليّ في المرقاة (8/3219): «(لَا يُعَذِّبُ العَامَّةَ)، أي: الأكثَرَ مِن النّاسِ (بِعَمَلِ الخَاصَّةِ)، أي: بعِصْيانِ الأقَلِّ مِنهُم (حَتَّى يَرَوْا)، أي: الاكثَرُون (الـمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِم)، أي: فيما بَينَهُم ظاهِرًا فاشِيًا (وَهُم قادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ فلَا يُنْكِرُوا، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ)، أي: ما ذُكِرَ مِن سُكوتِهم عن الـمُنكَرِ معَ قُدرةِ الأكثرِ [علَى الإنكارِ] (عَذَّبَ اللهُ العَامَّةَ َوالخَاصَّةَ) كما قالَ تَعالَى: {واتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]».

[4])) قال شيخنا رحمه الله: «هذا الحديثُ فِيهِ دلِيلٌ علَى أنّ الـمُخاطَرةَ بِالنَّفسِ الـمَحمُودةَ هي الّتِي يَحصُلُ مِن وَرائِها نَفعٌ. فمعنَى هذا الحديث: لا يَجُوز للمؤمِن أنْ يُذِلَّ نَفْسَه، كيف يُخاطِرُ بِنَفسِه مِن غَيرِ فائدةٍ؟ مثلًا: يُعرِّضُ نَفْسَه لِيُقتَل مِن غير فائدةٍ دينِيّة، مِن غير أنْ يَستفِيدَ مِن كلامِه شيئًا يُعرِّضُ نَفْسَه للقَتل، فهذا حرامٌ. أمّا إنْ كان إذَا تكلَّم بِحَقّ يَنفَع النّاسَ كلامُه هذا، ولو قِسمًا منهم، لو قسمًا مِن الّذِينَ يَتكلَّم عِندَهم، ويخاطِرُ بِنَفسِه لِقَول الحقّ ثُمّ يكُون انتَفَعَ بِكَلامِه هذا القِسمُ مِن النّاسِ ولو غَضِبَ عليه قِسمٌ فقَتَلُوه هذا له أجرٌ عظِيمٌ وهو عِندَ الله يكون شهَيدًا. مثلًا لو ذَهَب إلى رئيسٍ ظالِم فكَلَّمه بقَول الحقّ قال له: أنت لا يجوز لك أن تَظلِم النّاسَ أنْ تَفعَل كذا وكذا، حرامٌ، اللهُ تعالى حرَّمَ عليك هذا، هذا ظُلمٌ، إنْ كان هناك هو يَنتفِعُ ويَكُفُّ أذاه عن النّاس أو الموجُودُون حولَه يَعرِفُون تَنكشِفُ لهم حقائِقُ فيَنتفِعُون بهذه الحقائِق مِن حيث الدِّينُ ولو هو خاطَرَ بِنَفسِه فقُتِلَ له ثوابٌ. أمّا إن كان لا يَحصُل مِن كَلامِه هذا مَنفعةٌ ولا لأحَدٍ، لا لهذا الرئيسِ ولا لِمَن دُونَه مِن الشَّعب، لا يَحصُل فائدةٌ بكلامِه هذا، هنا إذَا خاطَر بنَفْسِه عَرَّضَ نَفْسَه للقَتل فقُتِلَ هذا هو أذَلَّ نَفْسَه، اللهُ تعالى لا يَقبَل منه هذا العمَلَ الذي عَمِلَه، لأنّه لَم يَكُن يَرجُو نَفعًا مِن كَلامه بحيث يَغلِبُ الضّرَرُ الّذي سيَحصُل لو تكَلَّم مِن القَتلِ وغَيرِه».

[5])) قال البنّا الساعاتِيّ في الفَـح الرَّبّانِي (19/174): «(وَثِقْتُ بِكَ)، أي: بِرَحمَتِك وعَفْوِك عَنِّي (وَفَرِقْتُ) بكَسرِ الرّاءِ، أي: خِفْتُ (مِنَ النّاسِ)، والظاهِرُ أنّه لَـم يُنكِر الـمُنكَر إلّا لِكَونِه خَشِيَ على نَفْسِه ضَررًا بَلِيغًا مِن النّاس وعلِمَ أنّ إنكارَه لا يُفِيدُ عِندَهم، ومِثلُ هذا يُعذَر».

[6])) وهو حدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيّ رضي الله عنه أنّ رَسولَ الله r قال: «لا يَمَنْعَنَّ أَحَدَكُم مَخافَةُ النَّاسِ أنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَهُ»، وقد تقدَّم قريبًا.

[7])) أي: ظالِمٍ.

[8])) أحَدُ مُجتَهِدِي الصّحابةِ رضي الله عنهم.

[9])) قال النوويّ في التهذيب (4/1549: «مَسجِدُ الخَيفِ مَسجِدُ عرَفةَ الّذي يُقالُ له: مَسجِدُ إبراهيمَ علَيه السّلامُ».

[10])) قال شيخنا رحمه الله: «(اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَإِنْ أَفْتاكَ الْمُفْتُونَ) هذا الحدِيثُ كانَ الخِطابُ فيهِ لِوابِصةَ بنِ مَعْبَدٍ وهو مِن مُجتَهِدِي الصّحابةِ، فَوابِصةُ ومَن كانَ مِثلَه مُجتَهِدًا فهو الّذي يأْخُذ بِما يَنْشَرِحُ بِه قَلبُه وليسَ أيُّ إنسانٍ وإلّا لَأَدَّى ذلكَ إلَى الفَوضَىن قالَ الأَفْوَهُ الأَوْدِيُّ [البَسِيط]:

لا يَصْلُحُ النّاسُ فَوْضَى لا سَراةَ لَهُمْ

 

وَلا سَراةَ إِذا جُهّالُهُمْ سادُوا

والسَّراةُ هُم الأَشرافُ أَهلُ الفَهمِ الّذِين يَصلُحونَ لِلقِيادةِ».

[11])) قال ابنُ الأثِير في النّهاية (2/286): «(دَعْ ما يَرِيْبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ) يُروَى بفَتح الياءِ وضَمِّها أي دَعْ ما تَشُكُ فيه إلى ما لا تَشُكُ فيه».

[12])) قال ابن الأثير في النّهاية (5/174): «الوَرَعُ في الأصلِ الكَفُ عن الـمَحارِم والتَّحَرُّج مِنه يقلا: وَرع الرَّجُل يَرِعُ بالكَسرِ فيهِما وَرَعًا ورِعَةً فهُو وَرعٌ وتَوَرَّعَ مِن كذا، ثُمّ استُعِيرَ للكَفّ عن الـمُباحِ والحَلالِ».

[13])) أي: مِن حَرامٍ.

[14])) هو سؤالٌ عن صِفةِ المؤمِن الكامِل.

[15])) قال الـمُظهِريّ في المفاتيح (1/131): «(وَالـمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمائِهم وَأَمْوَالِهِم) يُقال: أَمِنْتُ زَيدًا علَى هذا الأَمرِ وائْتَمَنْتُه أي: جعَلْتُه أَمِينًا، والأَمينُ حافِظُ الأَمانةِ أي تارِكُ الخِيانةِ، يَعني الـمُؤمِن الكامِل هو الّذي ظَهَرَتْ أَمانَتُه وعَدالَتُه وصِدْقُه بِحَيثُ لا يَخافُ مِنهُ النّاسُ بإِذهابِ مالِهم وقَتْلِهم ومَدِّ اليَدِ على نِسائِهم».

[16])) أي: هذا مِن أفضلِ أنواعِ الجِهادِ.

[17])) قال شيخنا رحمه الله: «المرادُ بهِ الكَلامُ بحَقٍّ أمامَ سُلطانٍ جائِرٍ أي ظالِمٍ إذَا كانَ يُرجَى مَصلَحةٌ دِينيّةٌ وإلّا فلَيستِ المخاطَرةُ شَرعيةً لقَولِه r: «لا يَنْبَغِي لِمُؤْمِنٍ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ»، قِيلَ: وكيفَ يُذِلُّ نَفْسَه يا رسولَ اللهِ؟ قال: «يَتَعَرَّضُ لِـمَا لا يُطِيقُ مِنَ البَلَاءِ» رواه الترمذِيُّ وابنُ حِبّان والبَيهقيُّ في كتاب «الأدَب» وغَيرُهم وهوَ صَحِيحٌ باتّفاقِ أهلِ الحدِيث».