الثلاثاء أبريل 15, 2025

باب استِحْبابِ تَعْجِيلِ الـمُسافِرِ الرُّجُوعَ إِلَى
أَهْلِه إِذَا قَضَى حاجَتَهُ

  • عن أبِي هُريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ، فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ وَجْهِهِ([1]) فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ»([2]). هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه أحمدُ والشَّيخان.

[1])) قال ابن الأثير في النّهاية (5/138): «النَّهْمةُ بلُوغُ الهِمّةِ في الشيءِ».

[2])) قالَ الحافظ العسقلانيّ في الفتح (3/623): «(السَّفرُ قِطْعَةٌ مِن العَذَابِ)، أي: جُزْءٌ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ بِالْعَذَابِ الْأَلَمُ النَّاشِئُ عَنِ الْمَشَقَّةِ لِمَا يَحْصُلُ فِي الرُّكُوبِ وَالـمَشْيِ مِنْ تَرْكِ الْمَأْلُوفِ (يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرابَهُ) على وَجهُ التَّشبِيهِ لاشتِمالِه عَلَى الـمَشَقَّ،ةِ وَقَد وَرَدَ التَّعْلِيلُ فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ الـمَقْبُرِيِّ وَلَفظُهُ: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ لِأَنَّ الرَّجُلَ يَشْتَغِلُ فِيهِ عَنْ صَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ» فَذَكَرَ الحَدِيثَ، وَالـمُرَادُ بِالـمَنعِ في الأَشيَاءِ الـمَذكُورةِ مَنعُ كَمَالِها لا أَصلِهَا وقد وَقَعَ عِندَ الطَّبَرانِيِّ بِلَفظ:ِ «لَا يَهْنَأُ أَحَدُكُمْ بِنَوْمِهِ وَلَا شرَابِهِ» وفي حَدِيث ابن عُمرَ عِندَ أَبِي عَدِيٍّ [مَرْفُوعًا]: «وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ إِلَّا سُرْعَةُ السَّيْرِ».

قولُه: «نَهْمَتَه» بِفَتْحِ النُّونِ وسكُونِ الهاءِ، أي: حَاجَتَه. (مِنْ وَجْهِهِ)، أي: مَقْصِدِهِ، وَبَيَانُه فِي حَدِيث أَبِي عَدِيٍّ بِلَفْظِ: «إِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ وَطَرَهُ مِنْ سَفَرِهِ»، وفي رِوَايَةِ رَوَّادِ بنِ الجَرَّاحِ: «فَإِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ حَاجَتِهِ».

قوله: «فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ»، فِي رِوايةِ عَتِيقٍ وَسَعِيدِ الـمَقْبُرِيِّ: «فَلْيُعَجِّلِ الرُّجُوعَ إِلَى أَهْلِهِ»، وَفِي رِوايةِ أبِي مُصْعَبٍ: «فَلْيُعَجِّلِ الكَرَّةَ إِلَى أَهْلِهِ»، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: «فَلْيُعَجِّلِ الرِّحْلَةَ إِلَى أَهْلِهِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِأَجْرِهِ». وفي الحَدِيثِ كَرَاهَةُ التَّغَرُّبِ عَنِ الأَهْلِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَاسْتِحْبَابُ الرُّجُوعِ ولا سِيَّما مَن يَخشَى عَلَيهِمُ الضَّيْعةَ بالغَيبةِ، وَلِمَا في الإِقامةِ فِي الأَهْلِ مِن الرَّاحَةِ الـمُعِينَةِ عَلَى صَلَاحِ الدِّينِ وَالدُّنيا، وَلِمَا فِي الإِقَامَةِ من تَحصِيل الجَماعات وَالقُوَّةِ على العِبَادةِ. قَالَ ابنُ بَطَّالٍ: وَلَا تَعَارُضَ بَينَ هذا الحدِيثِ وَحَديثِ ابنِ عُمرَ مرفوعًا: «سَافِرُوا تَصِحُّوا» فإنّه لا يَلزَمُ مِن الصِّحَّةِ بِالسَّفَرِ لِمَا فِيهِ مِن الرِّيَاضةِ أنْ لا يَكُونَ قِطْعَةً مِن العَذابِ لِمَا فِيه مِن الـمَشَقَّةِ فَصَارَ كَالدَّوَاءِ الـمَرِّ الـمُعْقِبِ لِلصِّحَّةِ وإنْ كانَ في تَنَاوُلِهِ الكَرَاهَةُ. قالَ ابنُ بَطّالٍ: قِيلَ: وليسَ كَونُ السّفَر قِطعةً مِن العَذابِ بمانعٍ أنْ يَكونَ فِيهِ مَنفعةٌ ومَصَحّةٌ لِكَثيرٍ مِن النّاسِ لأنّ الحرَكةَ والرِياضةَ مَنفَعةٌ ولا سِيّما لأَهلِ الدَّعةِ والرَّفاهِيةِ، كالدَّواءِ الـمُر المعْقِب للصِّحّةِ وإنْ كانَ في تَناوُلِه كَراهِيةٌ. لطِيفةٌ: سُئِلَ إمامُ الحرمَين حينَ جلَسَ مَوضِعَ أَبِيهِ: لِمَ كانَ السَّفَرُ قِطعةً مِن العّذابِ؟ فأجابَ علَى الفَورِ: لأنّ فِيهِ فِراقَ الأحبابِ».اهـ. كلام الحافِظ العسقلانيّ.

وقال الـمُناويّ في التَّيسِير (2/50): «حديثُ: «سافِرُوا تَصِحُّوا وَتَغْنَمُوا» قال البَيهقِيُّ: دَلَّ بهِ على ما فيِه سَببُ الغِنَى. ومّا عُزِيَ للشافعيّ [الطّوِيل]:

تَغَرّبْ عَنِ الأَوْطَانِ فِي طَلَبِ العُلَا
تَفَرُّجُ هَمٍّ وَاكْتِسَابُ مَعِيشَةٍ

 

وَسَافِرْ فَفِي الأَسْفارِ خَمْسُ فَوائِدِ
وَعِلْمٌ وَءَادَابٌ وَصُحْبةُ مَاجِدِ

 قول: «وَتَغْنَمُوا»، أي: يُوسَّعُ علَيكُم في رِزقِكُم بأَنْ يُبارَكَ لَكُم فيه».