ومنهُ أيضًا نِعْمَ زيدٌ رجُلا *** وبِئْسَ عبدُ الدارِ منهُ بَدَلا
وحبَّذا أرضُ البقيعِ أرْضا *** وصالحٌ أطْهَرُ [1] منكَ عِرْضا
وقدْ قَرِرْتَ بالإيابِ عَيْنا *** وطِبْتَ نفسًا إذ قضيتَ الدَّيْنا
أي ومن التمييز ما يكون بعد أفعال المدح والذم وبعد أفْعَلِ التفضيل ومنه ما يسمى الفاعل المحوَّل.
أما أفعال المدح والذم فهي: نعم وحبذا وبئس، وهي أفعال ماضية إلا أنها جامدة لا تنصرف إلى مضارع وأمر ومصدر، فإذا جاء بعدها المعرف بأل أو الإضافة إلى ما فيه أل ارتفع كنعم الرجل زيد، فالرجل: فاعل، وزيد المخصوص بالمدح مبتدأ مؤخر خبره الجملة قبله، ومثله: نِعمَ عُقبى الدار الجنةُ، وقد يُضمر فاعلها وجوبًا إذا فسره اسم منصوب على التمييز كقولك: “نعم زيد رجلا” فلما حذف الفاعل الذي هو الرجل وصار مبهمًا فسرته بقولك رجلاً، والتفسير هو التمييز، ومثله: “بئس عبد الدار منه بدلا”، وأما “حبذا أرض البقيع أرضا” فحبذا: فعل وفاعل، و”أرض البقيع” المخصوص بالمدح، و”أرضًا”: تمييز كنعم الرجل زيد رجلا، إلا أن مذهب سيبويه أنه لا يجمع في نعم وبئس بين الفاعل والتمييز، وقس على ذلك ما أدى معناهما نحو: {كَبُرَتْ كَلِمةً} [سورة الكهف/5] و{حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا} [سورة الفرقان/76] و{فَسَاءَ قَرينًا} [سورة النساء/38] أي كبرت الكلمة قولهم اتخذ الله ولدًا كلمةً، وحسنت المستقر الغرفةُ مستقرًّا، وساء القرينُ الشيطانُ قرينًا.
وأما الواقع بعد أفْعل التفضيل فنحو: {أناْ أكثرُ مِنكَ مالاً وأعزُّ نَفَرًا} [سورة الكهف/34]، وصالح أطهر منك عرضًا وأحسن خُلقًا.
وأما الفاعل المحول فنحو: قَرَّ زيد عينًا، وطاب نفسًا، أصله قرت عين زيد، وطابت نفسه فحول إلى التمييز لأنك لو قلت طاب زيد احتمل أن يطيب رائحة أو معيشة أو غيرهما فلما فسرت المبهم بقولك: نفسًا نصبته على التمييز.
فائدة: “أرض البقيع” مقبرة أهل المدينة الشريفة، والعِرض بكسر العين النفس، “وقررت” بكسر الراء ومضارعُه يَقَرُّ بفتح القاف واشتقاقه إما من القرار أي الاطمئنان أو من القُر بضم القاف وهو البرد، والإياب العود من السفر.
[1] في نسخة: “أطيب”.