السبت ديسمبر 21, 2024

هذا وفي الاسماءِ ما لا يَنصرفْ *** فَجَرُّهُ كَنَصبِهِ لا يختَلِفْ

وليسَ للتنوينِ فيهِ مَدْخَلُ *** لِشِبْهِهِ الفعلَ الذي يُسْتَثْقَلُ

 

أي أن الأصل في الأسماء أن تكون مصروفة وهو المشار إليه بقوله: “هذا” أي هذا المذكور من الإعراب حكم غالب الأسماء، ومنها ما لا ينصرف، ومعنى الصرف أن يدخله الجر والتنوين الدالان على خفة الاسم، وإنما مُنِعَ الاسم الصرف لشبهه بالفعل الثقيل فيعطى حكمَ الفعل فيجرُّ بالفتحة كما سبقت الإشارة إلى ذلك ويمنع من التنوين إذ الفعل كذلك لا يدخله الجر والتنوين، وفي نسخة: “الذي يُستقبل” أي الفعل المضارع، والأول أولى لأن على منع الصرف شَبَهُ الاسم للفعل مطلقًا.

 

مِثالهُ أفعَلُ في الصفاتِ *** كقولِهم أحمرُ في الشّياتِ

 

أي مثال ما لا ينصرف ما جاء على وزن أفعلَ من الصفات التي لا تقبل تاء التأنيث كأحمر وأبيض في الشيات أي الألوان، وكأفضل وأحسن تقول: مررت برجل أحمرَ وأحسنَ وأفضلَ من زيد، ومنه:{فَحَيُّوا بأحسَنَ منها} [سورة النساء/86] بخلاف ما يقبل تاء التأنيث كأرملٍ للفقير وأرملةٍ.

 

أو جاءَ في الوزنِ مِثالَ سَكْرَى *** أوْ وَزْنِ دُنيا أوْ مِثالَ ذِكرى

 

أي ومثله أيضًا ما جاء مماثلاً في وزنه سكرى أو دنيا أو ذكرى، ومراده ما فيه ألف التأنيث المقصورة سواء كان مفتوح الأول أو مضمومه أو مكسوره، فلا يدخله التنوين نحو: {وقُلوبُهُمْ شَتَّى} [سورة الحشر/14]، {فترى القومَ فيها صَرعى} [سورة الحاقة/7]، {وأمْرُهُمْ شُورى} [سورة الشورى/38]، {إنَّ في ذلكَ لَذِكرى} [سورة الزمر/21].

 

فائدة: قوله: “مثال سكرى” منصوب على الحال أي مماثلاً، وكذا قوله بعده: “أو وزن دنيا أو مثال ذكرى”، “أو وزن فعلان”، “أو وزن مثنى” فإنها أحوال معطوفات على مثال التقدير الأول.

 

أوْ وزنِ فعلانَ الذي مُؤنّثهْ  *** فعْلى كَسَكرانَ فخُذْ ما أنفُثُهْ

 

أي أو جاء في الوزن على وزن فعلان الذي مؤنثه فعلى كسكران وسكرى وغضبان وغضبى كقولك: مررت برجل سكران، بخلاف فعلان الذي مؤنثه فعلانة كندمان وندمانة من المنادمة لا من الندم، وشيطان وسرحان وسلطان فإنه منصرف، “وأنفثه”: بضم الفاء وكسرها ومعناه خذ ما ألفِظه من فمي.

 

أوْ وزنِ فعلاءَ وأفعلاءَ *** كمِثلِ حسناءَ وأنبياءَ

 

أي أو ما جاء في الوزن على وزن فعلاء كحسناء، أو أفعلاء كأنبياء، ومراده ما فيه ألف التأنيث الممدودة، ومنه: {لا تسألوا عنْ أشياءَ} [سورة المائدة/101] لأن أصله أفعلاء، بخلاف: {إنْ هيَ إلا أسماءٌ} [سورة النجم/23] لأن وزنه أفعالٌ.

 

أوْ وزنِ مثْنى وثُلاثَ في العددْ *** فأصْغِ أيا صاحِ إلى قولي السَّدَدْ

 

أي أو جاء في الوزن وزن مثنى وثلاث في العدد، وكذا رُباع وذلك خاص بالعدد كما ذكره الناظم، ومنه قوله تعالى: {أولِي أجْنحةٍ مثنى وثُلاثَ ورُباعَ} [سورة فاطر/1].

 

فائدة: الإصغاء إمالة الأذن لاستماع القول والسَّدَد بمهملات الصواب، وإضافة قول إليه من باب إضافة الموصوف إلى صفته وأصله القول السدد، وفي نسخة: “إذ ما رأى صرفهما قط أحد” وضمير التثنية لمثنى وثلاث.

 

وكلُّ جمْعٍ بعدَ ثانيهِ ألِفْ *** وهْوَ خُماسيٌّ فليسَ ينصرفْ

وهكذا إنْ زادَ في المِثالِ *** نحوُ دنانيرَ بلا إشكالِ

 

أي وكذا كل جمع على وزن مفاعل كمساجد ودراهم، أو مفاعيل كدنانير ومصابيح من كل جمع خماسي بعد ثانيه ألف نحو قوله تعالى: {لقدْ نَصَرَكُمُ اللهُ في مواطِنَ كثيرةٍ} [سورة التوبة/25]، وقوله تعالى: {يعملونَ لهُ ما يشاءُ من محاريبَ وتماثيلَ} [سورة سبإ/13] والمشدد بحرفين كدواب، وإذا دخلت هذا الجمع تاء التأنيث انصرف كملائكة [1].

 

فهذهِ الأوزانُ ليستْ تنصرفْ *** في مَوطنٍ يَعرفُ هذا المُعترِفْ

 

أي أن هذه الأوزان السابقة وهي ستة: أفعلُ في الصفات كأحمرُ في الشيات، وما فيه ألف التأنيث المقصورة كسكرى، أو الممدودة كحسناء، أو وزن فعلان كسكران، والعدد المعدول به كمثنى وثلاث، ومنتهى الجموع كمفاعل ومفاعيل لا تنصرف في موطن تعريف ولا تنكير، والموطن: المحل، ثم أشار إلى ما يمنع الصرف إذا عُرّف ويُصرف إذا نُكّر بقوله:

 

وكُلُّ ما تأنيثُهُ بلا ألِفْ *** فهْوَ إذا عُرّفَ غيرُ مُنصرِفْ

تقولُ هذا طلحةُ الجَوَادُ *** وهلْ أتَتْ زَينبُ أَمْ سُعادُ

وإنْ يَكُنْ مُخَفَّفًا كدَعْدِ *** فاصرِفْهُ إنْ شِئتَ كَصَرْفِ سَعْدِ

 

أي أن ما تأنيثه بغير ألف التأنيث السابقة مقصورة أو ممدودة إذا عُرّف بالعلمية امتنع من الصرف سواء كان مؤنثًا لفظًا أو معنًى كفاطمة وعائشة، ولفظًا فقط كطلحة وحمزة، أو معنى فقط كزينب وسعاد، فلا يدخله التنوين كما في المثال ولا الجرُّ كقولك: رضي الله عن فاطمة وعائشة، إلا إذا كان ثلاثيًا ساكنَ الوسط كدعد وهند فيجوز سرفُهُ لخفته كالمذكر ومنعُ الصرف أولى، ولهذا اتفق القراء عليه في قوله تعالى: {بِمِصْرَ بُيوتًا} [سورة يونس/87]، وقوله تعالى: {ادْخُلوا مِصرَ} [سورة يوسف/99]، فلو كان متحركًا كَسَقَرَ -اسم جهنم- أعاذنا الله منها امتنع صرفه، ومنه قوله تعالى: {ما سَلَكَكُم في سقر} [سورة المدثر/42] ولو نَكَّرتَ شيئًا من ذلك كقولك: مررت بفاطمةَ وفاطمةٍ أخرى، صرفته لبقائه على علة واحدة.

 

وأَجْرِ ما جاءَ بوزنِ الفعلِ *** مُجْراهُ في الحُكمِ بغيرِ فَصْلِ

فقولُهُمْ أحمدُ مثلُ أذهَبُ *** كقولِهمْ تغلبُ مثلُ تضربُ

 

أي وأجر ما جاء من الأعلام على وزن الفعل الخاص به مُجرى الفعل بغير فصل بالصاد المهملة أي بغير فرق فلا يدخله جر ولا تنوين، فأحمد وأسعد على وزن أذهب المضارع المبدوء بهمزة المتكلم، وتغلب بالمثناة فوقُ والمعجمة وهو اسم قبيلة كتضرب، وكذا يزيد ويشكر بالمثناة تحت، فتقول: مررت بأحمدَ وبتغلب، ومُجراه بضم الميم.

 

وإنْ عَدَلْتَ فاعِلاً إلى فُعَلْ *** لمْ يَنْصَرِفْ مُعَرَّفًا مثلُ زُحَلْ

 

أي وإن عدلت فاعلاً إلى وزن فُعَلُ بضم الفاء لم تصرفه أيضًا إذا اقترن به التعريف بالعلمية كعمر معدولاً عن عامر، وزحل لنجم في السماء السابعة [2] معدولاً به عن زاحل، من قولهم زحل عن مكانه بالزاي إذا بَعُدَ، وزحل: المكان أيضًا إذا كان وَعرًا كمُضَر بالضاد المعجمة اسم قبيلة من قولهم: مَضَرَ اللبنُ، ومَضِرَ ومَضُر إذا حَمَضَ كَكَرُمَ وفرِحَ ونصر فهو ماضرٌ، فإذا كان نكرة كَصُرَدٍ وجرذ انصرف.

 

والأعجميُّ مِثْلُ مِيكائِيلا *** كذاكَ في الحُكمِ وإسماعيلا

 

أي والاسم الأعجمي في الوضع كميكائيل وإسرافيل وإسماعيل وإبراهيم مثل ما جاء بوزن الفعل ومثل المعدول من فاعل إلى فُعَلَ في الحكم وهو منع الصرف إذا عُرف بالعلمية نحو: {وما أُنزِلَ إلى إبراهيمَ وإسماعيلَ وإسحاقَ ويعقوبَ} [سورة البقرة/136]، فلو كان نكرة كغير الأعلام من ألفاظهم انصرف.

 

تنبيه: أطلق الناظم منعَ الاسمِ الأعجمي الصرفَ وشرطه أن يكون رباعيًّا فأكثرَ أو متحركَ الوسط، فإن كان ثلاثيًا ساكن الوسط كنوحٍ ولوطٍ انصرف لخفته.

 

وهكذا الاسمانِ حينَ رُكّبا *** تركيبَ مَزْجٍ نحوُ مَعْدِيكَرِبا

 

أي وهكذا يمنع الصرفَ تركيبُ الاسمين تركيبًا مزجيًا إذا اقترن به التعريف، كمعديكرب وحضرموت فيعرب ءاخره إعراب ما لا ينصرف وتُسَكّن الياء من نحو: مَعْدِيكرب، ويفتح الصدر من نحو: حضرموت، وأما نحو: سيبويه فيبنى ءاخره على الكسر ويفتح صدره.

 

ومنهُ ما جاءَ على فَعْلانا *** على اختِلافِ فائِهِ أحيانا

تقولُ مَروانُ أتى كِرْمانا *** ورحمةُ الله على عُثمانا

 

أي ومما يمنع الصرفَ ما جاء على وزن فعلان إذا اقترن به التعريف سواء كان فاؤه مفتوحًا كمروان أو مكسورًا كعمران وكرمان لبلد بالعجم، أو مضمومًا كعثمان كما مثّل به.

 

فهذهِ إنْ عُرّفَتْ لمْ تَنْصَرِفْ *** وما أتى مُنكرًا منها صُرِفْ

 

أي فهذه المذكورة وهي ستة أيضًا ما اجتمع فيه مع العلمية التأنيث بلا ألف ووزن الفعل والعدل والعجمة والتركيب وزيادة الألف والنون لا تنصرف معرفة وتنصرف نكرة كما مثلنا به.

 

تنبيه: الحاصل أن الممنوع من الصرف ما فيه علتان من علل تسع أو علة واحدة تقوم مقام علتين، فالعلة التي تقوم مقام علتين ما فيه ألف التأنيث مقصورة كانت كسكرى، أو ممدودة كحسناء، والجمع الذي على وزن مفاعل كمساجد، أو مفاعيل كدنانير، فما فيه ألف التأنيث نوعان والجمع نوع ثالث، وكلها من القسم الأول الذي لا ينصرف معرَّفًا ومنكرًا، وبقي منه ثلاثة أنواع وزن أفعلَ في الصفات وعلته وزن الفعل مع الوصف، ووزن فعلان الذي مؤنثه فعلى وعلته زيادة الألف والنون مع الوصف، ووزن مثنى وثلاث وعلته العدل مع الوصف فصار مدار هذه الأنواع الثلاثة على الوصفية إذا قارنتها أخرى. وأما الثاني فمداره أيضًا على العلمية إذا قارنتها على أخرى كما ذكرناه فصار مدار منع الصرف في غير ألف التأنيث والجمع على علتين وهما الوصف يقارنه ثلاث علل من الست التي تقارن العلمية كما ذكرته فليحفظ ذلك فإن هذا الباب يعسر ضبطه على المبتدي وقد قرَّبتُهُ غايةَ الجُهدِ.

 

وإنْ عراها ألِفٌ ولامُ *** فما على صارِفِها مَلامُ

وهكذا تُصْرَفُ في الإضافهْ *** نحوُ سخا بأطيبِ الضّيافهْ

 

أي وإذا دخلت أل على جميع معلومات ما لا ينصرف وجب صرفها، وكذلك تصرف إذا أضيفت لما سبق أن الاسم إنما يمنع الصرفَ إذا أشبه الفعل، ومعلوم أن أل والإضافةَ من خواص الأسماء فإذا دخلت إحداهما على ما لا ينصرف زال عنه شبهُ الفعل، فمثال أل قوله تعالى: {وأنتُمْ عاكِفونَ في المساجِدِ} [سورة البقرة/187]، ومثال الإضافة سخا أي جاء بأطيب الضيافة، وقوله تعالى: {في أحسنِ تقويم} [سورة التين/4].

 

فائدة: سخا يسخو كدعا يدعو ويقال سَخيّ يسخى كرضي يرضى، وعراه يعروه أي عرض له، واعتراه اعترضه.

 

وليسَ مَصروفًا منَ البِقاعِ *** إلا نَواحٍ جِئنَ في السَّماعِ

نحوُ حُنَيْنٍ ومِنًى وبَدْرِ *** ودابِقٍ وواسِطٍ وحِجْرِ

 

أي سبق أن العلمية إذا اقترنت بالتأنيث مُنع الاسمُ بهما عن الصرف، فأسماء البلدان والبقاع ممنوعة الصرف لذلك كمكة ودمشق وعدن، ويجوز الوجهان في نحو: مصر لسكون ثانيه، ويصرف نحو: المدينة وصنعاء اليمن وعدن أَبْيَنَ لدخول أل والإضافة عليها، وما جاء حينئذ مصروفًا من غير اقتران أل ولا إضافةٍ كالمواضع التي ذكرها الناظم فتحفظ ولا يقاس عليها. فحنين اسم واد بين مكة والطائف وراء عرفات بينه وبين مكة سبعة عشر ميلاً، وهو مصروف كما نطق به القرءان في قوله: {ويومَ حُنَيْنٍ} [سورة التوبة/25]، ومنى: معروف وهو من مشاعر الحج من الحرم الشريف، وأجاز الأكثرون فيه الصرف وعدمه ومنهم من يمنع صرفه، وبدر: موضع الغزوة العظمى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ماء معروف وقرية عامرة بين مكة والمدينة على أربع مراحلَ من المدينة، وهو مصروف كما نطق به القرءان العظيم: {ولقدْ نَصَرَكُمُ اللهُ ببدرٍ} [سورة ءال عمران/123]، ولأنه أيضًا ثلاثي ساكن الوسط وغلب عليه التذكير، ومثله حِجر وهو اسم مواضع متعددة، وأشهرها حجرُ اليمامة اسم بلد على مرحلتين من الطائف إلى جهة اليمن وعلى أربع مراحل من مكة المشرفة وسميت اليمامة باسم جارية مشهورة زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام، وواسط مدينة مشهورة بناها الحجاج بن يوسف وسطًا بين البصرة وبغداد وهو مصروف، ودابق: بفتح الباء الموحدة وكسرها اسم بلد من أعمال حلب، وأصله اسم نهر وهو  مصروف ويجوز فيه وفي واسط منع الصرف.

 

وجائِزٌ في صَنعةِ الشعرِ الصَّلِفْ *** أنْ يَصْرِفَ الشاعرُ ما لا ينصرفْ

 

أي أن الشاعر يجوز له إذا اضطر أن يصرف ما لا ينصرف وشواهد ذلك كثيرة كقوله:

 

تَبصَّر خليلي هل ترى من ظَعائنٍ *** تَحَمَّلنَ بالعلياء من فوق جُرْثُمِ

 

فنون ظغائن وكسره وهو جمع خماسي بعد ثانيه ألف.

فائدة: أصل الصلف الميل عن الاعتدال مأخوذ من صليف العنق وهو جانبه فسمي المائل عن الاستقامة صلفًا، فسمى الناظم الشعر صلفًا لأن الوزن والقافية قد لا تتأتى إلا بصرف ما لا ينصرف الذي هو خروج عن القاعدة، ويجوز أن يُقرأ صنعة بنون بعد الصاد المفتوحة وعين مهملة، وبياء وغين معجمة.

 

تنبيه: يجوز صرف ما لا ينصرف في الاختيار لأجل التناسب كقراءة من قرأ: {سَلاسِلا وأغلالا} [سورة الإنسان/4]، و{قواريرا* قواريرا} [سورة الإنسان/15-16].

[1] تنبيه: الملائكة ليسوا ذكورًا ولا إناثًا، لكن هذا يقال له تأنيث اللفظ ليس تأنيثًا حقيقيًا، كقولك قالت الملائكةُ، وقالت: الصحابة، ونحو ذلك.

[2] الصواب أن زحل نجم في السماء الدنيا وليس كما زعم الفلكيون والمنجمون.