وعَكسُ إنَّ يا أُخَيَّ في العملْ *** كانَ وما انفكَّ الفتى ولمْ يزَلْ
وهكذا أصبحَ ثمَّ أمسى *** وباتَ ثمَّ ظلَّ ثم أضحى
وصارَ ثمَّ ليسَ ثمَّ ما برِحْ *** وما فَتِئَ فافْقَهْ بياني المُتّضِحْ
وأخُتُها ما دامَ فاحفظَنْها *** واحْذَرْ هُديتَ أنْ تزيغَ عنها
تقولُ قدْ كانَ الأميرُ راكبًا *** ولمْ يزَلْ أبو عليّ غائبا [1]
وأصبحَ البردُ شديدًا فاعْلَمِ *** وباتَ عمرٌو ساهرًا لمْ يَنمِ
أي أن هذه الأفعال المذكورة من نواسخ المبتدأ فتدخل على المبتدإ فترفعه تشبيهًا له بالفاعل وتنصب الخبر تشبيهًا له بالمفعول وذلك عكسُ عملِ إن وأخواتها وأمثلتها في النظم ظاهرة، ومعنى ما انفك وما زال وما برح وما فتئ ملازمة الاسم للخبر، فمعنى ما انفك وما زال وما برح زيد قائمًا، لازمَ زيدٌ القيام، وشرط هذه الأربعة أن يتقدمها نفيٌ أو شبهُهُ كما مثّل به، وما دام ملازِمةٌ لما المصدريةِ الظرفية كما نطق به الناظم، وما تَصَرَّفَ من هذه الأفعال من مضارع أو أمر أو غيرهما يعمل عمل الماضي كقولك: سيكون زيد فقيهًا، وكن فقيهًا، وكل ما جاز أن يكون خبرًا للمبتدأ جاز أن يكون خبرًا لهذه الأفعال كقولك: كان زيد يصلي، وعندنا، وفي الدار، وقوله: “فافقه” أي فافهم، ويجوز أن يقرأ قوله: “غائبا” بالمهملة والمثناة فوقُ وعكسِهِ.
ومَنْ يُرِدْ أنْ يجعلَ الأخبارا *** مُقَدَّماتٍ فلْيَقُلْ ما اخْتارا
مِثالُهُ قدْ كانَ سَمْحًا وائِلُ *** وواقفًا بالبابِ أضحى السائِلُ
أي ويجوز في هذا الباب أن يتقدم الخبر على الاسم فيكون متوسطًا بين العامل والاسم نحو: “قد كان سمحًا وائل” أي جوادًا، ووائل بالمثناة من تحت وهو أبو قبيلة، ويجوز أيضًا أن يتقدم على العامل نحو: واقفًا بالباب أضحى السائل، لأن الخبر هنا كالمفعول، وقد سبق جواز الأمرين فيه.
تنبيه: أما توسط الخبر فيجوز في جميعها، وأما تقديمه فيجوز أيضًا إلا في الأربعة الملازمة للنفي إن كان حرف النفي “ما” وكذا “ليس” على الصحيح فلا تقول قائمًا ما برح زيد، ولا قائمًا ما دام زيد، ولا قائمًا ليس زبد، فإن كان حرفُ النفي غير ما جاز تقديمُهُ نحو: قائمًا لم يزل زيد، ومقيمًا لا ينفك عمرٌو، وعاكفًا لم يبرح بكر.
وإنْ تقُلْ يا قومِ قدْ كانَ المطرْ *** فَلَسْتَ تحتاجُ لها إلى خَبَرْ
وهكذا يصنعُ كلُّ مَنْ نَفَثْ *** بها إذا جاءتْ ومعناها حَدَثْ
أي أن “كان” تستعمل ناقصة أي تفتقر إلى خبر كما سبق، وقد تستعمل تامة أي غيرَ محتاجة إلى خبر ويصيرُ الاسم فاعلاً لها كقولك: كان المطر أي وقع كقولك: قام زيد، وهكذا حيث كان معناها حدث أو وقع أو وُجِدَ، فهي تامة من باب الفعل والفاعل.
تنبيه: ولا يختص ذلك بكان بل سائرُ أخواتها كذلك نحو: {فسُبحانَ اللهِ حينَ تُمْسُونَ وحينَ تُصبِحون} [سورة الروم/17]، و: {ما دامتِ السمواتُ والأرضُ} [سورة هود/107]، إلا ثلاثةَ أفعالٍ وهي ليس وما زال وما فتئ، فلا تستعمل إلا ناقصة.
والباءُ تختصُّ بليسَ في الخبرْ *** كقولِهِم ليسَ الفتى بالمُحْتَقَرْ
أي وتختص ليس دون غيرها بجواز دخول الباء على خبرها كما مثّل به، ومنه: {أليسَ اللهُ بكافٍ عَبْدَهُ} [سورة الزمر/36].
تنبيه: إذا دخلت الباء على خبر ليس وعطفت عليه اسمًا كقولك: ليس زيد بقائم ولا قاعدًا، جاز نصبُ المعطوف باعتبار محلِ المعطوفِ عليه، وجرُّهُ باعتبار لفظه، ومن النصب قول الشاعر:
فلسنا بالجبالِ ولا الحديدا
[1] وفي نسخة: “عاتِبا”.