وإنْ وَجَدْتَ همزةً أو تاءَ *** أوْ نونَ جمعٍ مُخْبِرٍ أو ياءَ
قدْ أُلْحِقَتْ أولَ كُلّ فعلِ *** فإنهُ المضارعُ المُسْتَعلي
وليسَ في الأفعالِ فعلٌ يُعرَبُ *** سِواهُ والتّمثالُ فيهِ يَضْرِبُ
أي والقسم الثالث من أقسام الفعل الذي هو المضارع هو كل فعل زيدَ في أوله على حروف ماضيه أحدُ الحروف الأربعة المذكورة، وهي الهمزة التي للمتكلم الواحد، كقولك: أنا أذهب وأنطلق، والنون التي للجمع المخبِر أي المتكلم، وهي نحو: ندخل ونضرب ونستخرج، والتاء المثناة من فوقُ وهي للمخاطب مطلقًا أي مفردًا أو مثنى أو جمعًا مذكرًا أو مؤنثًا، نحو: أنت تذهب، وأنت تذهبين، وأنتما تذهبان، وأنتم تذهبون، وأنتن تذهبن، وللغائبة أيضًا أو الغائبتين نحو: هي تذهب، والهندان تذهبان. وأما الياء المثناة من تحتُ فتكون للغائب المذكر مفردًا أو مثنى أو جمعًا نحو: هو يذهب، وهما يذهبان، وهم يذهبون، وللغائبات أيضًا نحو: هنَّ يذهبن وأشار بقوله:
وليسَ في الأفعالِ فعلٌ يُعرَبُ *** سِواهُ والتِّمثالُ فيهِ يضربُ
لأنه يدخله الرفع والنصب والجزم، فهو مرفوع ما لم يدخل عليه ناصب فينصبه أو جازم فيجزمه كما سيأتي إن شاء الله في باب نواصب الفعل وباب الجزم. “والتمثال فيه” أي والمثال في المضارع، “يضرب” بفتح الياء ويصح أن يقرأ بالتاء للمخاطب وبالنون للجمع، وتمثال الشئ صورته كقوله: فاحذ على تمثالي.
تنبيه: أشار بقوله: “المستعلي” إلى أن المضارع لما أشبه الاسم بمشاركته له في الإعراب سما على الماضي والأمر وارتفعت درجته بذلك، لأن المضارعة المشابهة مأخوذة من اقتسام الرضيعين الضَّرعين فكأن المضارع أخو الاسم لكونه معربًا مثلَهُ وسيأتي أنه يبنى إذا اتصلت به نون الإناث نحو: النوق يسرحن، ولم يسرحن.
والأحرفُ الأربعةُ المُتابَعَهْ *** مُسَمَّياتٌ أحرفَ المُضارعهْ
وَسِمطُها الحاوي لها نَأيْتُ *** فاسْمَعْ وَعِ القولَ كما وَعَيْتُ
أي وهذه الأربعة المذكورة تسمى أحرف المضارعة ويجمعها قولك: نأيتُ، فإنه نون وهمزة وياء وتاء.
فائدة: أصل السمط الخيطُ الذي تُنظم فيه الخرزات، فشبَّه الناظم اجتماع الحروف المتفرقة في كلمة واحدة باجتماع الخرزات المنتظمة في خيط واحد. “وع القول” أي احفظه حفظًا كحفظي، فالكاف: نعت مصدر محذوف وما: مصدرية.
تنبيه: يؤخذ من قول الناظم أولاً: “قد ألحقت أول كل فعل” أنها لا تسمى أحرف المضارعة إذا كانت من أصل الفعل، كالهمزة من أكرم والنون من نصر والتاء من توضأ والياء من يئس، فإنها أفعال ماضية لأن الحروف المذكورة في أولها من أصل الفعل لا ملحقة بالفعل.
وضمُّها مِنْ أصلها الرُّباعي *** مثلُ يُجيبُ مِنْ أجابَ الداعي
وما سواهُ فهْيَ تُفتَتَحْ *** ولا تُبَلْ أخفَّ وزْنًا أمْ رجَحْ
مِثالهُ يذهبُ زيدٌ ويَجي *** ويَستَجيشُ تارةً ويلتَجِي
أي وضم حروف المضارعة الأربعة السابقة ثابت من أصل الفعل الرباعي أي من الفعل المضارع إذا كان أصله وهو ماضيه رباعيًّا، كدحرج، وأكرم، وأجاب، فتقول: أنا أكرمك، ونحن نكرمك، وأنتَ تكرمه، وهو يكرمك، بضم أولها. وكذا في: “أنا أجيب” من الفعل الذي ماضيه أجاب وما أشبه ذلك، وبفتح ما سوى الرباعي سواء خفَّ وزنًا أم رجح أي قلَّت حروفه كالثلاثي أم كثرت كالخماسي والسداسي فتقول في المضارع من ذهب زيد وجاء وانطلق والتجأ واستخرج واستجاش: أنا أذهب ونحن نذهب وأنتَ تذهب وهو يذهب بفتح أولها وكذا في البواقي وما أشبهها.
فائدة: قوله: “وضمها” مبتدأ محذوف الخبر أي ثابت، ويجوز أن يكون فعل أمر والضمير فيه عائد للحروف وفي أصلها للأفعال، وقوله: “من أجاب” أي فعل ماضيه أجاب كما سبق في مِن سعى ومِن غدا، ويجوز رفع “وزنًا” فاعلاً لـ”خف”، ونصبه تمييزًا، وفاعل خف عائد إلى ما الموصولة في قوله: “وما سواه” أي وما سوى الرباعي فمفتوح فلا تبل أخفّ ما سواه وزنًا أم رجحَ، ومعنى “استجاش” بالجيم أي اجتمع في نفسه ومنه سمي الجيش، وأصل “لا تبل” لا تبالي فهو معتل الآخر بالياء فحُذف ءاخره للجزم بلا الناهية فصار لا تبال بلام في ءاخره مكسورة، ثم لما كانت هذه الكلمة يكثر استعمالها عُوملت بعد حذف الياء معاملة الصحيح فسُكّنت لامها أيضًا ثم حُذفت الألف التي قبلها لالتقاء الساكنين، أحدهما حرفُ علة كما في: لا تخفَ، وإنما فعلوا ذلك طلبًا للتخفيف كما قالوا في لم يكن: لم يك.
تنبيه: لعل الناظم إنما ذكر أقسام الاسم وأقسام الفعل دون أقسام الحرف مع أنه ينقسم أيضًا إلى حروف مهملة أي غير عاملة كهل وبل وقد، وحروف عاملة كحروف الجر وكأنَّ وليت ولعل، وكحروف الجزم نحو: لمْ ولمّا ولا، وحروف النصب نحو: أن ولن وكي، ونحو ذلك على ما سيذكره الناظم في أبوابه لأن الاسم والفعل يدلان على معانيهما في أنفسهما فهما مستقلان، والحرف لا يدل إلا على معنًى في غيره فهو تابع فأخَّره إلى متبوعه في الأبواب الآتية والله أعلم.