وكُلُّ فعلٍ مُتَعَدّ يَنْصِبُ *** مفعولَهُ مثلُ سقى ويشرَبُ
لكنَّ فعلَ الشكّ واليقينِ *** ينصِبُ مَفعولَيْنِ في التَّلقينِ
تقولُ قدْ خِلْتُ الهلالَ لائِحا *** وقدْ وَجَدْتُ المُستشارَ ناصِحا
وما أظُنُّ عامِرًا رفيقا *** ولا أرى لي خالدًا صديقا
وهكذا تصنعُ في عَلمْتُ *** وفي حَسِبتُ ثُمَّ في زَعَمتُ
أي أن الفعل ضربان لازم ومتعد، فاللازم ما لا يتجاوز بنفسه إلى مفعوله كقام زيد، وخرج عمرو، والمتعدي بخلافه فيرفع فاعله وينصب مفعوله كما سبق أن الفاعل مرفوع وأن النصب للمفعول حكم واجب فأعاده هنا توطئة، وعلامة الفاعل أن تجعل محله تاء المتكلم كأشبعت الضيف، وعلامة المفعول أن تجعل محله ياء المتكلم كأشبعني الرغيف.
ثم المتعدي قد يتعدى إلى مفعول واحد كشرب زيد لبنًا، وإلى اثنين كسقى زيد عمرًا لبنًا وإلى ذلك أشار بقوله: “سقى ويشرب” لكن يجوز حذف المفعول الواحد كشرب زيد، والاقتصار على أحد المفعولين كسقى زيد عمرًا، إلا في باب ظن وأخواتها وهي أفعال الشك واليقين، فإنه لا يجوز حذف المفعولين معًا ولا الاقتصار على أحدهما، وقد ذكر الناظم منها سبعة، ثلاثة للظن وهي ظن وخال وحسب، وثلاثة لليقين وهي علم ووجد ورأى، وواحدًا يحتملهما وهو زعم، وأمثلتها ظاهرة من النظم، ولا يجوز أن تقول خلت الهلال فقط ولا خلت فقط وكذا غيرها.
تنبيه: لعله مثّل بالماضي منها كخلت ووجدت، وبالمضارع كأظن وأرى ليشير إلى أن كل ما يتصرّف من هذه الأفعال من مضارع أو فعل أمر أو اسم فاعل أو نحوه حكمه حكم الماضي كأظن وتظن وأنا ظان زيدًا عالمًا.
تنبيه ءاخر: إنما امتنع حذف مفعولي ظن وأخواتها والاقتصار على أحدهما لأنها إنما تدخل على المبتدأ والخبر فتنصبهما معًا كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فكما لا يجوز الاقتصار على المبتدأ دون خبره ولا عكسُه فكذا لا يحذف أحدهما هنا لأنهما يقصد بهما ما يقصد بالمبتدأ والخبر من الإفادة، ولعل معنى قوله: “في التلقين” أي في إعلام غيرك بما في قلبك ولهذا تسمى أفعال القلوب لقيامها بها.
تنبيه ءاخر: قد علم أيضًا أن المبتدأ يجب أن يكون اسمًا وأن الخبر قد يكون اسمًا وقد يكون فعلاً وجارًا ومجرورًا فكذلك هنا يجب أن يكون المفعولُ الأول اسمًا لأن أصله مبتدأ وكل ما جاز أن يكون خبرًا للمبتدأ جاز أن يكون مفعولاً ثانيًا هنا كقولك: ظننت زيدًا قام، وفي الدار وعندك.
تنبيه ءاخر: قد سبق أن المفعول منصوب سواء تقدم عليه الفعل أم تأخر، وتختص هذه الأفعال بجواز رفع ما تقدم عليها على الابتداء كقولك: زيدٌ أظن قائمًا.