والجرُّ في الاسمِ الصحيحِ المُنصرِفْ *** بأحرفٍ هُنَّ إذا ما قيلَ صِفْ
مِنْ وإلى وفي وحتى وعلى *** وعنْ ومُنذُ كمْ وحاشا وخلا
والباءُ والكافُ إذا ما زيدا *** واللامُ فاحْفَظْها تَكُنْ رشيدا
ورُبَّ أيضًا ثُمَّ مُذْ فيما حَضَرْ *** منَ الزمانِ دونَ ما مِنهُ غَبَرْ
تقولُ ما رأيتُهُ مذْ يومِنا *** ورُبَّ عبدٍ كَيّسٍ مَرَّ بِنا
قد سبق أن الجر يختص بالأسماء ولهذا قال الناظم: “والجر في الاسم” وقيده بالصحيح ليخرج المعتل وهو المنقوص والمقصور لما سبق أن الجر لا يظهر أثره فيهما، وبالمنصرف ليخرج ما لا ينصرف فإن جرّه يكون بالفتحة كما سيأتي في بابه، ثم الجر يكون إما بإضافة اسم إلى اسم كما سيأتي وإما بحروف تجر ما دخلت عليه وهي كما ذكره الناظم أربعة عشر حرفًا وما في قوله: “هنّ إذا ما” زائدة، وهن من وإلى كقولك: خرجت من الدار إلى المسجد، وفي: كاعتكفت في المسجد، وحتى نحو: {حتى مَطْلَعِ الفَجرِ} [سورة القدر/5]، وعلى نحو: ركبت على الفرس، وعن: كسألت عن العلم، ومنذ في حاضر الزمان نحو: ما رأيته منذ اليوم، أو منذ يومنا هذا، وهكذا ماضيه نحو: رأيته منذ يومين، وحاشا وخلا في الاستثناء نحو: جاء القوم حاشا زيد وخلا عمرو، وكذا عدا كما سيأتي في الاستثناء بشرط أن لا تتصل بها ما المصدرية والباء الزائدة كمررت بزيد، وتكون أيضًا للقسَم كما سيذكره الناظم فيما سيأتي قريبًا، والكاف الزائدة أيضًا نحو: زيد كالأسد، وإلى الباء والكاف يعود ضمير التثنية في قوله: “إذا ما زيدا”، وما: زائدة وكذا اللام الزائدة نحو: المال لعمرو، ورب كقولك: رب عبد كيّس مر بنا أي حاذق، ومذ: في الزمان الحاضر فقط نحو: “ما رأيته مذ يومنا” كما مثّل به الناظم ومثله: مذ اليوم دون ما غبر من الزمان، أي مضى وهو بغين معجمة وقد تكون بمعنى بقي ويجوز أن تقرأ بالمهملة، فإذا قلت: ما رأيته مذ يومان أو مذ يوم كذا رفعت ما بعده.
تنبيه: ما ذكره الناظم من أن منذُ يجر بها الزمان الحاضر والماضي، ومذ لا تجر إلا الحاضر منه دون الماضي هو مذهب سيبويه لكن الأرجحَ عند ابن مالك وأتباعه التسوية بينهما، وإذا جرّا الماضي فهما بمعنى مِنْ، أو الحاضر فهما بمعنى في، ويجوز أيضًا رفع الاسم بعدهما على أنه مبتدأ مؤخر وهما الخبر وبالعكس.
تنبيه ءاخر: تختص حتى والكاف وربّ ومذ ومنذ بجر الاسم الظاهر فلا تقول: حتَّاه وكَهُ ورُبَّهُ ومُنذهُ، وكذا واو القسم وتاؤه بخلاف الباء الموحدة واللام وغيرهما فيجوز بك ولك ومنك وإليك وعليك وفيك وعنك.
ورُبَّ تأتي أبدًا مُصَدَّرهْ *** ولا يليها الاسمُ إلا نَكِره
وتارةً تُضْمَرُ بعدَ الواوِ *** كقولهم وراكبٍ بَجَاوِي
أي وتختص ربَّ مع مشاركتها لسائر حروف الجر في الجر بأمور، منها أنها لا تقع إلى في صدر الكلام لأن أصل مجرورها مبتدأ ولهذا لا يتم الكلام حتى يخبر عنه كما سبق في: “رب عبد كيس مر بنا” بتقديمها بخلاف غيرها فإنك تقول مثلاً: خرجت من الدار إلى المسجد، فتقع من وإلى في أثناء الكلام، ومنها أنها لا تجر إلا النكرة كما سبق أن كل ما تدخل عليه رب فهو نكرة بخلاف غيرها فإنه يجر المعرفة والنكرة [1]، كخرجت من الدار إلى المسجد مثلاً، ومنها أنه يجوز أن يُجَرَّ بها محذوفةً مضمرةً بعد واو يدل عليها كقول الشاعر:
وليلٍ كموج البحر أرخى سدولَه *** عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي
أي ورب ليل، ومثله: “وراكب بجاوي” أي ورب راكب بَجاوي أي منسوب إلى بجا بفتح الباء الموحدة والجيم وهم قبيلة من العرب إبلُهُم مشهورة بالجُودة يسكنون برَّ سواكِن [2] فيجوز كون البجاوي مجرورًا نعتًا للراكب ومنصوبًا مفعولاً به فهو نعت للمركوب.
[1] رب لا تجر إلا النكرة، وغيرها يجر المعرفة والنكرة.
[2] سواكن: بلد مشهور على ساحل بحر القلزوم ترفأ إليه سفن الذين يقدمون من جدة، معجم البلدان [3/276].