ونادِ مَنْ تدعو بِيَا أوْ بأيا [1] *** أوْ همزةٍ أوْ أيْ وإنْ شِئتَ هَيا
أي أن النداء يصلح بكل واحد من هذه الحروف الخمسة، ويا هي أمّ الباب ولهذا ينادى بها القريب والبعيد، والهمزة كأَزَيدُ للقريب، وأي للمتوسط، وأيا وهيا للبعيد، والهاء في هيا مبدلة من الهمزة في أيا.
وانْصِبْ ونَوّنْ إذْ تُنادي النَّكِرهْ *** كقولِهِمْ يا نَهِمًا دَعِ الشَّرَهْ
أي وإذا ناديت نكرة غير مقصودة فانصبه ونوّنه كما مثّل به، وكقول الأعمى: يا رجلاً خذ بيدي.
فائدة: النَّهمُ والشرهُ متقاربا المعنى يقال: نَهِمَ كفرِحَ نهمًا ونهمةً محركتين إذا أفرطت شهوته، وشره يشره شرهًا إذا اشتد حرصه في الطلب.
وإنْ يكُنْ معرفةً مَشتَهِرَهْ *** فلا تُنَوّنْهُ وضُمَّ ءاخرَهُ
تقولُ يا سعدُ أيا [2] سعيدُ *** ومِثلهُ يا أيُّها العميدُ
أي وإن يكن المنادى معرفة فلا تنوّنه بل ضم ءاخره، ومراده المفرد من المعارف دون المضاف لأنه سيأتي، والمفرد ثلاثة أنواع: معرَّفة قبل النداء كزيد وعمرو وسعد وسعيد وهو مراده بالمشتهرة، ومعرّفة بأل كالرجل، ومعرّفة حدث لها التعريف بالنداء وهي النكرة المقصودة التي احترز عنها في تمثيله بـ”يا نَهِمًا دعِ الشره” فتقول: يا سعد، أيا سعيد، ويا أيها العميد، وأيا رجل.
تنبيه: أشار بقوله: “يا أيها العميد” إلى أن ما فيه أل لا ينادى إلا إذا توصل إليه بأي فزد عليه ها التي للتنبيه عوضًا عما فات أي من الإضافة فيقال: يا أيها الرجل، ولا يجوز: يا الرجل إلا في قولك: يا ألله بقطع الهمزة ووصلها، والمنادى في الحقيقة أيٌّ وضمتها ضمة بناء وما فيه أل صفة لها وضمته ضمةُ إعراب لا بناء.
تنبيه ءاخر: ما ذكره الناظم من بناء المنادى المعرفة على الضم هو في غير المثنى والمجموع فإن كان مثنى أو جمع مذكر سالمًا بني على ما يُرفع به كيا زيدان ويا زيدون.
وتَنْصِبُ المُضافَ في النداءِ *** كقولِهم يا صاحِبَ الرّداءِ
أي وإذا كان المنادى مضافًا فهو منصوب كما مثّل به ونحو: يا عبدَ الله، يا رسول الله، يا أهل الكتاب.
تنبيه: ومثل المضاف الاسمُ المطول كقولك: يا طالعًا جبلاً، ويا حسنًا وجهُهُ، ويا لطيفًا بالعباد لأنه شِبْهُ المضافِ.
وجائِزٌ عندَ ذوي الأفهامِ *** قولُكَ يا غُلامُ يا غُلامي
وجوّزوا فتحةَ هذي الياءِ *** والوقفَ بعدَ فتحِها بالهاءِ
والوقفُ بالهاءِ على غُلامِيَهْ *** كالوقفِ بالهاءِ على سُلطانيهْ
وقالَ قومٌ فيهِ يا غُلاما *** كما تَلَوا يا حسْرَتا على ما
أي وإذا نودي الاسم المضاف إلى ياء النفس جاز فيه أربعة أوجه أحدُها وهو أفصحها: حذف الياء مع بقاء الكسرة نحو: يا غلام بكسر الميم، وثانيها وثالثها: إثبات الياء ساكنة كيا غلامي بسكون الياء وفتحها كيا غلامي، فإذا وقفت قلت على الوجه الثالث: يا غلاميه بزيادة هاء السكت حفظًا لفتحة الياء لأنك لو وقفت بسكون الياء لم يحصل الفرق بينه وبين الوجه الثاني وهذا معنى قوله: “والوقف” بالرفع على الابتداء و”بالهاء” خبره أي وإذا فتحت الياء فالوقف بالهاء لا يسكون الياء وتسمى هذه الهاء هاء السكت وإلى ذلك أشار بقوله: “كالوقف بالهاء على سلطانيه” لأن هاء السكت يحسن وصلها في الوقف بياء النفس المفتوحة مطلقًا منادًى كان أو غيره نحو: {ما أغنى عنّي مالِيَهْ* هلكَ عنّي سُلطانيَهْ} [سورة الحاقة/28-29]، ورابعها: إبدال الألف من ياء النفس نحو: يا غلاما، كما ورد في التلاوة: {يا حسرتا} و: {يا أسفا} أصله يا حسرتي ويا أسفي أي احضُري هذا أوانُكِ.
تنبيه: إذا نودي الأب والأم مضافين إلى ياء النفس جاز فيهما الأوجه الأربعة، ويجوز فيهما أيضًا وجهان ءاخران وهما تعويض تاء التأنيث عن ياء النفس مفتوحة ومكسورة كيا أبتِ ويا أُمّتِ وقرئ بهما في {يا أبتِ} [سورة يوسف/4].
تنبيه: أطلق الناظم جواز هذه الأوجه الأربعة في المنادى المضاف إلى ياء النفس وهو مقيد بأن لا يكون مقصورًا كالفتى والعصا، ولا منقوصًا كرامٍ وقاضٍ فلا يجوز فيهما إلا إثبات الياء مفتوحة كيا فتايَ بفتح الياء مخففة، و:يا راميَّ بفتحها مشددة مدغمة في ياء المنقوص، وكذا إذا كان المضاف إلى ياء النفس مضافًا إليه كيا غلامَ ابني، ويا ابنَ أخي، فإنه لا يجوز فيه إلا إثبات الياء مفتوحة أو ساكنة دون سائر الأوجه إلا في يا ابن أم ويا ابن عم، فإنهما لما كثر استعمالهما جاز فيهما حذفُ الياء مع كسر الميم وفتحها وقرئ بهما أيضًا في {ابنَ أُمَّ} [سورة الأعراف/150]، وما ذكره الناظم في شرحه من أنه يجوز فيهما الأربعة الأوجه خلافُ المشهور.
وحَذفُ يا يجوزُ في النداءِ *** كقولِهِمْ رَبّ اسْتَجِبْ دُعائي
وإنْ تَقُلْ يا هذهِ أوْ ياذا *** فحذفُ يا مُمْتَنِعٌ يا هذا
أي أنه يجوز حذف حرف النداء مفردًا كان المنادى أو مضافًا نحو {يوسُفُ أعْرِضْ عنْ هذا} [سورة يوسف/29] و: {قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السمواتِ والأرضِ}[سورة الزمر/46]، إلا إذا كان المنادى اسمَ إشارة كهذا وهذه وهؤلاء، فلا يجوز عند البصريين كما ذكره الناظم، وأجازه الكوفيون وابن مالك وأتباعه.
تنبيه: ومفهوم اقتصار الناظم على اسم الإشارة أن حذف حرف النداء يجوز مع النكرة المقصودة وهو مذهب الكوفيين ومنعه البصريون أيضًا فلا يقال في يا رجلُ: رجلُ ادْخُلْ.
[1] وفي نسخة: “وناد من تدعو بياءٍ أو أيا”.
[2] في نسخة: “ويا”.