السبت ديسمبر 21, 2024

 

والحالُ والتمييزُ مَنصوبانِ *** على اختلافِ الوَضْعِ والمَباني

ثُمَّ كِلا النَّوعَينِ جاءَ فضلَهْ *** مُنَكَّرًا بعدَ تمامِ الجُملَهْ

 

أي يشترك الحال والتمييز في كونهما منصوبين نكرتين فضلتين أي يتم الكلام بدونهما كما يتم بدون المفعول به ودون المصدر، فالحال نحو: جاء زيد راكبًا في الجملة الفعلية، وهذا زيد راكبًا في الجملة الاسمية، وفي الدار عمرو جالسًا، وعندك زيد واقفًا في الجار والمجرور والظرف وهو معنى قوله: “على اختلاف الوضع والمباني” أي وضع الكلمات المفردة وتركيبها، و”جاء”: بألف واحد لأن كلا وكلتا يكون الخبر عنهما مفردًا لا مثنى كما في: {كِلتا الجَنَّتَينِ ءاتَتْ أُكُلَها} [سورة الكهف/33].

 

والتمييز كقولك: جاءني عشرون عبدًا، وهؤلاء عشرون عبدًا، ولو قلت: جاء زيد، وهذا زيد، وجاءني عشرون، وهؤلاء عشرون لكان كلامًا مفيدًا لكن جيء بالحال مبينة لهيئة الفاعل أي صفته، وبالتمييز مبينًا لذات الفاعل وهو العشرون أي جنسه [1].

 

لكنْ إذا نظرتَ في اسمِ الحالِ *** وَجَدْتَهُ اشتُقَّ منَ الأفعالِ

ثُمَّ ترى عندَ اعْتِبارِ مَنْ عَقَلْ *** جوابَ كيفَ في سؤالِ مَنْ سَألْ

مِثالُهُ جاءَ الأميرُ راكِبا *** وقامَ قُسٌّ في عُكاظَ خاطِبا

 

أي ويفترقان من حيث إن الحال لا يكون إلا وصفًا مشتقًا [2] من فعل غالبًا وإنه إذا اعتبر به جوابٌ لسؤال مقدّر بكيف لأن كيف يسأل بها عن الحال، ألا ترى أن راكبًا في: جاء زيد راكبًا، مشتق من الركوب وأنه جواب عن قول القائل: كيف جاء زيد، أي على أي حالة ماشيًا أم راكبًا أم غير ذلك فتقول: راكبًا بيانًا للحال المبهمة.

 

فائدة: قوله: “اشتق” هو بضم التاء ولعل مراده باشتقاقه من الأفعال الفعلُ المعنوي وهو المصدر لما سبق أنه الأصل الذي اشتق منه الفعل والوصف. و”قُس” بن ساعدة فصيح من فصحاء العرب مات قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكان مؤمنًا بظهوره، و”عكاظ” سوق كانت لهم مشهورة وهو غير مصروف.

 

ومِنْهُ مَنْ ذا بالفِناءِ قاعِدا *** وبِعتُهُ بدرهمٍ فصاعِدا

 

أشار في هذا البيت إلى مسئلتين: إحداهما أن عامل النصب في الحال قد يكون فعلاً ووصفًا مشتقًا، وقد يكون اسم إشارة لما فيه من معنى الفعل كقولك: هذا زيد مقبلاً، لأنه بمعنى أشير إلى زيد، و”من ذا بالفناء قاعدا”، فمن: مبتدأ، وذا: خبره، وقاعدًا: حال، وبالفناء: متعلق بقاعدًا.

 

تنبيه: ومما يعمل في الحال أيضًا الظرف والجار والمجرور لما فيهما من معنى الاستقرار كقولك: في الدار بشر مائسًا، وخلفك عمرو قاعدًا، وكذا: أين الأمير جالسًا، لأن أين ظرفُ مكان.

 

المسألة الثانية: أن عامل الحال قد يحذف وجوبًا إذا جاءت لبيان تدريج زيادة أو نقص كقوله: “بعته بدرهم فصاعدا” أي فَعَلا الدرهم صاعدًا، وأعطه درهمًا فسافِلا، أي فانحطَّ الدرهمُ سافلا.

 

تنبيه: ومما يحذف فيه عامل الحال وجوبًا إذا وقعت بدلاً [3] من لفظ الفعل في توبيخ كقولهم: أقائمًا وقد قعد الناس، وجوازًا إذا دل عليه دليل نحو قوله تعالى: {فإنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أو رُكْبانًا} [سورة البقرة/239] أي فصلُّوا.

[1] الحال جاء لبيان ما استُبهم من الهيئات، والتمييز جاء لبيان ما استُبهم من الذوات.

[2] الحال يكون مشتقًا، أما التمييز فيكون جامدًا.

[3] أي عوضًا.