ويُجزَمُ الفعلُ بِلَمْ في النفي *** واللامِ في الأمرِ ولا في النهيِ
ومِنْ حروفِ الجزمِ أيضًا لمَّا *** ومَنْ يَزِدْ فيهِ يَقُبْ ألمَّا
تقولُ لمْ تسمعْ كلامَ من عَذَلْ *** ولا تُخاصِمْ مَنْ إذا قالَ فَعَلْ
وخالدٌ لمَّا يَرِدْ معْ مَنْ وَرَدْ *** ومَنْ يَوَدّ فلْيُواصِلْ مَنْ يَوَدْ
أي يُجزم الفعل المضارع بهذه الأحرف الأربعة: فأما: لم ولما، فهما لنفي المضارع وقلب معناه ماضيًا، نحو: لم تسمع، وخالد لما يرد، ومنه قوله تعالى: {لمْ يلِدْ ولمْ يُولَدْ* ولمْ يكُنْ لهُ كُفُوًّا أحد} [سورة الإخلاص/3-4]، وقوله تعالى: {ولمَّا يَعْلَمِ اللهُ الذينَ} [سورة ءال عمران/142]، وقوله تعالى: {بل لمَّا يذوقوا عذابِ} [سورة ص/8]، وقوله تعالى: {ولمَّا يَدخُلِ الإيمانُ في قُلوبِكُمْ} [سورة الحجرات/14]، والفرق بين لم ولما أن المنفي بلما يُتوقع ثبوته، فإذا قيل: هل ورد زيد؟ قيل: لما يرد، أي ما ورد بعد وأنا متوقع وروده، وقد تزاد عليها همزة الاستفهام كقولك: ألما يقم كما تزاد على لم نحو: {ألمْ نَشرَحْ لكَ صَدْرَكَ} [سورة الشرح/1]، وأما لام الأمر فنحو: ليقم زيد، و{ليُنفقْ ذو سعةٍ مِنْ سَعيِهِ} [سورة الطلاق/7]، “ومن يود فليواصل من يود” أي من يُحب فيود بفتح الياء فيهما، ومَنْ الأولى شرطية والثانية موصولة بمعنى الذي، وأما لا الناهية فنحو: لا تقم، لا تشرك بالله، “لا تخاصم من إذا قال فعل”، أي إذا قال في خصامه: لأفعلن بك كذا فعل ما قاله وهم أرباب الشوكة والولاية.
تنبيه: أصل لام الأمر أن تكون مكسورة ويجوز تسكينها مع الواو والفاء وثم في العطف في نحو قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ولْيُوفُوا نذورَهُم ولْيَطَّوَّفوا بالبيتِ العتيقِ} [سورة الحج/29]، وقوله تعالى: {فَلْيُنفِقْ مما ءاتاهُ اللهُ} [سورة الطلاق/7]، ومنه: “فليواصل من يود”.
وإنْ تلاها ألفٌ ولامُ *** فليسَ غيرُ الكَسْرِ والسلامُ
تقولُ لا تَنْتَهِرِ المِسْكينا *** ومِثلهُ لمْ يَكُنْ الّذينا
أي وإن تلا الأفعالَ المجزومة ألفٌ ولامٌ فليس لأواخرها إلا الكسر فرارًا من التقاء الساكنين، ومثّل للمجزوم بلا الناهية بقوله: “لا تنتهر المسكين” وللمجزوم بلم بقوله: “لم يكن الذينا” وقد ذكرنا في فعل الأمر أن هذه القاعدة مطردة، وقوله: “والسلام” كمل به القافية وهو مبتدأ محذوف الخبر والتقدير والسلام عليك.
وإنْ ترَ المُعتَلَّ فيها رِدْفًا *** أوْ ءاخِرِ الفعلِ فَسُمهُ الحَذفا
تقولُ لا تأسَ ولا تُؤْذِ ولا *** تقُلْ بلا عِلْمٍ ولا تَحْسُ الطلا
وأنتَ يا زيدُ فلا تَهْوَ المُنى *** ولا تَبِعْ إلا بنَقْدٍ في مِنَى
أي وإن تجد حرفًا من حروف العلة ردفًا للفعل المجزوم أو ءاخرًا له فاطلب له الحذف، والمراد بالردف ما كان قبل الآخر مأخوذ من ردف الراكب، وإنما قال “ردفًا” ليدل على الوسط دون الردف الذي يكون قبل الآخر، و”سمه” بضم السين من السموم وهو الطلب، فقوله: “لا تأس ولا تؤذ” “ولا تحس الطلا” بمهملتين مثال لما حرف العلة ءاخره. و”الطلا”: بكسر الطاء خمر مطبوخة، وحسوها: شربها جرعًا، و”لا تهو المنى”: ءاخر ألف، و”المنى”: بضم الميم الأمانيًّ الكاذبةُ واحدها مُنْيةٌ. وقوله: “ولا تقل” “ولا تبع” مثال لما قبل ءاخره حرف على أصلها لا تقول ولا تبيع، ومثلهما لا تخف أصله لا تخاف، وقد سبق نظير ذلك كله في فعل الأمر في: واسعَ، واغدُ، وارمِ وخَفِ العقاب، وأجدِ الجواب، لأن الأمر مقتضبٌ من المضارع.
والجزمُ في الخمسةِ مثلُ النصبِ *** فاقْنَعْ بإيجازي وقُلْ لي حَسْبي
أي الجزم في الخمسة الأمثلة السابقة في قوله: “وخمسة” فاللام للعهد الخارجي وهي: يفعلان وتفعلان ويفعلون وتفعلون وتفعلين، مثل النصب أي بحذف النون منها نحو قوله تعالى: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا} [سورة البقرة/24]، وقوله تعالى: {قُلْ لَّمْ تُؤمنوا} [سورة الحجرات/14]، {وإنْ يَتَفرَّقا} [سورة النساء/130]، وقوله تعالى: {فلمْ يُغْنِيا} [سورة التحريم/10]، {فإنْ لم يَستَجيبوا} [سورة القصص/50]، {ولا تخافي ولا تحزني} [سورة القصص/7]، وإيجاز الكلام تقليل لفظه مع تكثير معناه، و”حسبي” أي كافي.