وإنْ تُرِدْ معرفةَ التمييزِ *** لكَيْ تُعَدَّ مِنْ ذوي التمييزِ
فهْوَ الذي يُذكرُ بعدَ العددِ *** والوزنِ والكَيلِ ومذروعِ اليدِ
ومِنْ إذا فكَّرتَ فيهِ مُضمَرهْ *** مِنْ قبلِ أنْ تذْكُرَهُ وتُظْهِرَهْ
تقولُ عندي مَنَوانِ زُبْدًا *** وخمسةٌ وأربعونَ عبْدًا
وقدْ تَصَدَّقتُ بصاعٍ خلاّ *** وما لهُ غيرُ جَريبٍ نَخْلا
أي وإن أردت معرفة التمييز في صناعة أهل النحو لتعدّ من أهل التمييز بين الأشياء أو بينه وبين الحال، والمراد معرفة محله. وأما حده فسبق أنه فضلة منكر كالحال، فهو الذي يذكر أي غالبًا بعد الأقدار مبينًا لجنسها أيّ شئ هو ولهذا يصح أن تجره غالبًا مِنْ التي لبيان الجنس كقولك في الموزون: “عندي منوان زبدًا” أي من زُبد لأنك لو اقتصرت على قولك: عندي منوان لبقي الموزون مبهمًا مع أنه كلام مفيد، فلما قلت: زبدًا ميزت جنسه وزال الإبهام، وكذلك في المعدود: عندي: “خمسة وأربعون عبدًا” أي من العبيد، وفي المكيل: “تصدقت بصاع خلاً” أي من خل، وفي المذروع له جريب نخلاً أي من النخل.
فائدة: المَنوان تثنية منا السابق في قوله: “منا زيتٍ” والصاع: أربعة أمداد والمد: رطل وثلث بالبغدادي، والرطل: نصف المن وهو مائة وثلاثة وثلاثون درهمًا، والدرهم: قفلة، والجريب: بفتح الجيم مساحة عشر قصبات في عشر قصبات، والقصبة ستة أذرع. فالجريب إذًا ستون ذراعًا طولاً في ستين ذراعًا عرضًا ومبلغ مساحته ثلاثة ءالاف وستمائة ذراع.
تنبيه: قد سبق أن الإضافة تارة تكون بمعنى “مِنْ” وذكرنا أن ذلك في إضافة الشئ إلى جنسه كمنا زيت، وخاتم فضة، وثوب حرير، وحينئذ يجوز في التمييز الآتي بعد الأقدار ثلاثة أوجه: نصبه على التمييز بعد تنوين المضاف كالأمثلة المذكورة، وإضافته إلى جنسه كما سبق في الإضافة، وجره بمِنْ كما ذكرنا وهو تمييز في أحوالها كلها إلا أن المجرور بمن بعد الأقدار نادر.