(الْوِقَايَةُ مِنَ النَّارِ)
(قَالَ اللَّهُ تَعَالَى) فِى سُورَةِ التَّحْرِيمِ (﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ وَجَاءَ فِى تَفْسِيرِ الآيَةِ) فِى مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِىٍّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلَهُمُ النَّارَ الَّتِى وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ بِتَعَلُّمِ الأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَتَعْلِيمِ أَهْلِيهِمْ ذَلِكَ أَىْ مَعْرِفَةِ مَا فَرَضَ اللَّهُ فِعْلَهُ أَوِ اجْتِنَابَهُ أَىِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ) وَنَصُّ كَلامِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلِّمُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمُ الْخَيْرَ اﻫ (وَذَلِكَ كَىْ لا يَقَعَ) مَنْ أَهْمَلَ التَّعَلُّمَ (فِى التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ وَالْكُفْرِ وَالضَّلالِ) فَيَخْلُدَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ إِنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَيَكُونُ وَقُودًا لَهَا أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْخَاتِمَةِ (ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَنْ يُشَبِّهُ اللَّهَ تَعَالَى بِشَىْءٍ مَا لَمْ تَصِحَّ عِبَادَتُهُ لِأَنَّهُ يَعْبُدُ شَيْئًا تَخَيَّلَهُ وَتَوَهَّمَهُ فِى مُخَيِلَتِهِ وَأَوْهَامِهِ) إِذْ كُلُّ مَا يَتَخَيَّلُهُ يَكُونُ مُشَابِهًا وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ لِمَا رَءَاهُ وَأَلِفَهُ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ فَيَحْكُمُ عَلَى مَا لَمْ يَرَهُ بِحُكْمِ مَا رَءَاهُ وَهَذَا هُوَ الْوَهْمُ الَّذِى لا يَصِحُّ بِنَاءُ الِاعْتِقَادِ عَلَيْهِ بَلِ الْعِبْرَةُ وَالِاعْتِبَارُ فِى ذَلِكَ بِالْعَقْلِ لا بالتَّخَيُّلِ وَالْوَهْمِ فَإِنَّ الْوَهْمَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ وَاتِّبَاعُ حُكْمِ الْعَقْلِ يَقُودُ إِلَى الصَّوَابِ أَلَا تَرَى أَنَّكَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَى الأُفُقِ عِنْدَ الْبَحْرِ مَثَلًا صَوَّرَ الْوَهْمُ لَكَ انْتِهَاءَ الْبَحْرِ عِنْدَ مَدَى نَظَرِكَ وَحَكَمَ عَقْلُكَ بِمَا عَرَفْتَ مِنْ أَدِلَّةٍ أَنَّهُ لا يَنْتَهِى عِنْدَ ذَلِكَ وَصَوَّرَ لَكَ الْوَهْمُ أَيْضًا أَنَّ السَّمَاءَ تُلاقِى الْمَاءَ عِنْدَ مَدَى الْبَصَرِ وَأَنَّ الشَّمْسَ تُبَاشِرُهُ إِذَا غَابَتْ وَإِذَا أَشْرَقَتْ وَحَكَمَ عَقْلُكَ بِالدَّلِيلِ أَنَّ الأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ فَالصَّوَابُ أَنْ تَتْبَعَ حُكْمَ الْعَقْلِ لا مَا يُصَوِّرُهُ الْوَهْمُ. وَالْعَقْلُ يَحْكُمُ بِأَنَّ الْخَالِقَ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ جِسْمًا لَهُ كَمِّيَّةٌ وَلا يُتَصَوَّرُ وَلا يُتَخَيَّلُ فَمَنِ اعْتَقَدَ خِلافَ ذَلِكَ فَقَدْ تَبِعَ الْوَهْمَ وَخَالَفَ حُكْمَ الْعَقْلِ فَلَمْ يَعْرِفْ رَبَّهُ فَهَلَكَ (قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِىُّ لا تَصِحُّ الْعِبَادَةُ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْمَعْبُودِ) اﻫ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفِ اللَّهَ كَيْفَ يَعْبُدُهُ وَيَقُومُ بِطَاعَتِهِ.