الْوَحْدَانِيَّةُ
مَعْنَى الْوَحْدَانِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ ذَاتًا مُؤَلَّفًا مِنْ أَجْزَاءٍ، فَلا يُوجَدُ ذَاتٌ مِثْلُ ذَاتِهِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ صِفَةٌ كَصِفَتِهِ أَوْ فِعْلٌ كَفِعْلِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَحْدَانِيَّةَ الْعَدَدِ إِذِ الْوَاحِدُ فِي الْعَدَدِ لَهُ نِصْفٌ وَأَجْزَاءٌ أَيْضًا، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ لا شَبِيهَ لَهُ.
وَبُرْهَانُ وَحْدَانِيَّتِهِ هُوَ أَنَّهُ لا بُدَّ لِلصَّانِعِ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَيًّا قَادِرًا عَالِمًا مُرِيدًا مُخْتَارًا، فَإِذَا ثَبَتَ وَصْفُ الصَّانِعِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ قُلْنَا لَوْ كَانَ لِلْعَالَمِ صَانِعَانِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَيًّا قَادِرًا عَالِمًا مُرِيدًا مُخْتَارًا وَالْمُخْتَارَانِ يَجُوزُ اخْتِلافُهُمَا فِي الِاخْتِيَارِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مُجْبَرٍ عَلَى مُوَافَقَةِ الآخَرِ فِي اخْتِيَارِهِ، وَإِلَّا لَكَانَا مَجْبُورَيْنِ وَالْمَجْبُورُ لا يَكُونُ إِلَهًا، فَإِذَا صَحَّ هَذَا فَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا خِلافَ مُرَادِ الآخَرِ فِي شَىْءٍ كَأَنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا حَيَاةَ شَخْصٍ وَأَرَادَ الآخَرُ مَوْتَهُ لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَتِمَّ مُرَادُهُمَا أَوْ لا يَتِمَّ مُرَادُهُمَا أَوْ يَتِمَّ مُرَادُ أَحَدِهِمَا وَلا يَتِمَّ مُرَادُ الآخَرِ، وَمُحَالٌ تَمَامُ مُرَادَيْهِمَا لِتَضَادِّهِمَا أَيْ إِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا حَيَاةَ شَخْصٍ وَأَرَادَ الآخَرُ مَوْتَهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الشَّخْصُ حَيًّا وَمَيِّتًا فِي ءَانٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ مُرَادُهُمَا فَهُمَا عَاجِزَانِ وَالْعَاجِزُ لا يَكُونُ إِلَهًا، وَإِنْ تَمَّ مُرَادُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَتِمَّ مُرَادُ الآخَرِ فَإِنَّ الَّذِي لَمْ يَتِمَّ مُرَادُهُ عَاجِزٌ وَلا يَكُونُ الْعَاجِزُ إِلَهًا وَلا قَدِيْمًا، وَهَذِهِ الدِّلالَةُ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْمُوَحِّدِينَ تُسَمَّى بِدِلالَةِ التَّمَانُعِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [سُورَةَ الأَنْبِيَاء/22].