الجمعة نوفمبر 22, 2024

الْوَاْحِدُ: هوَ الواحدُ الذي لا ثانيَ لهُ في الأزليةِ والألوهيةِ قالَ تعالى: ﭐﱡﭐ   ([1]) وقالَ اللهُ تعالى: ﱡﭐ ﳋﳌ   ([2]).

وَحْدَانِيَّةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَوْحِيْدُهُ هُوَ الدِّينُ الَّذِي دَعَا إِلَيْهِ كُلُّ أَنْبِيَاءِ اللهِ تَعَالَى:

قديمًا كانَ البشرُ جميعُهم على دينِ الإسلامِ، في زمنِ نبيِّ اللهِ ءادمَ كانوا كلُّهم على الإسلامِ لم يكنْ بينهم كافرٌ وإنما حدثَ الشركُ والكفرُ باللهِ تعالى بعدَ النبيِّ إدريسَ عليهِ السلامُ، وحَفِظَ اللهُ تعالى أنبياءَه مِنَ الشركِ وحذَّرَ أممَهم مِنَ الشركِ. يقولُ اللهُ تعالى: ﴿ ([3]) يعني الرُّسُلَ الذينَ جَاءوا بَعْدَ إِدْريسَ ﴿  ﴾ أيْ لَئِنْ أَشْرَكَ واحِدٌ مِنْ أُمَّتِكَ ﴿ﲨ ﲩ أَيْ عَمَلُهُ ﴿ ﴾ يعني الذي أشركَ يكونُ مِنَ الخاسرينَ ([4]).اهـ فهذا التحذيرُ لأممِ الأنبياءِ وليسَ للأنبياءِ، فالأنبياءُ همْ صفوةُ الخلقِ، اللهُ تعالى فَضَّلَهُم على العالمينَ وَحَفِظَهُم مِنَ الكفرِ والكبائرِ وصغائرِ الخسةِ قبلَ النبوةِ وبعدَها.

       والمبدأُ أيِ الأساسُ الجامعُ لجميعِ أهلِ الإسلامِ مِنْ لَدُنْ ءادمَ إلى يومِ القيامةِ هوَ الإيمانُ باللهِ وحدَهُ أيْ أنْ لا يُشْرَكَ بهِ شىءٌ، ثُمَّ هؤلاءِ لا يصحُّ إيمانُهم إلا أَنْ يؤمنوا بنبيِّ عصرِهم، هذا المبدأُ جمعَ أهلَ الإسلامِ كلَّهم، هذا المعنى يشمَلُهم لأَنَّهم كلَّهم يعبدونَ اللهَ وحدَه قالَ تعالى:  ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ  ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ([5]) وقدْ وردَ أَنَّ النبيَّ قَالَ: ((خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أنا والنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلهَ إِلَّاالله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كلِّ شَىءٍ قَديرٌ))([6]) فكلُّ أنبياءِ اللهِ تعالى دَعَوْا إلى تَوحِيدِ اللهِ.

الوَحْدَانِيَّةُ مِنْ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى الثَابِتَةِ لَهُ شَرْعًا وَعَقْلًا:

ومعنى كونِ اللهِ تعالى واحدًا في ذاتِه أنَّ ذاتَه تعالى ليسَ مركَّبًا مِنْ أجزاء، ومعنى أَنَّه تعالى واحدٌ في الصفاتِ أَنَّه ليسَ لهُ تعالى قُدرَتَينِ وعِلمَينِ وإرادتَينِ بلْ لهُ تعالى قدرةٌ واحدةٌ وإرادةٌ واحدةٌ وعلمٌ واحدٌ وهذا يُقالُ في سائرِ الصفاتِ، ومعنى نفيِ التعددِ في الصفاتِ نفيُ أنْ يكونَ لأحدٍ صفةٌ تشبِهُ صفةً مِنْ صفاتِه تعالى، ومعنى أَنَّهُ تعالى واحدٌ في الأفعالِ أَنَّهُ ليسَ أحدٌ مِنَ المخلوقاتِ مشارِكًا للهِ في أفعالِهِ. وقدِ استنبطَ المتكلِّمونَ تفاصيلَ دليلِ التَمانُعِ، مِنْ قولِه تعالى: ﱡﭐ ([7]) أيْ لو كانَ لهمَا يعني السماواتِ والأرضَ، إلهٌ غيرُ اللهِ لَفَسَدتَا واختَلَّ نظامُ السماواتِ والأرضِ بما فيهما وَلَخَرِبَتَا وتَهَدَّمَتَا. قالَ البيضاويُّ: “وفي الآيةِ تنبيهٌ على شرفِ علمِ الكلامِ وأهلِهِ، وحثٌ على البحثِ والنظرِ فيهِ” ([8])اهـ. وقدْ أكَّدَ اللهُ تعالى الآيةَ السابقةَ بآيةٍ أخرى وهيَ قولُه جلَّ شأنُهُ حكايةً عَنْ مقالةِ يوسفَ عليهِ السلامُ لأصحابِ السجنِ: ﱡﭐ      ([9]) وهذهِ الأخيرةُ دليلٌ على شرفِ تعليمِ علمِ التوحيدِ وأَنَّ ذلكَ دأبُ الأنبياءِ عليهمُ السلامُ.

تَفَكَّرْ وَتَأَمَّلْ فِي إِثْبَاتِ أَنَّ اللهَ وَاْحِدٌ:

قالَ أبو العتاهيةِ([10]): (المتقارب)

فَيَـــا عَجَبًا كَيْفَ يُعْصَىَ الإِلَهُ  *** أَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الجَاحِدُ

وَفِـْـــي كُــــلِّ تَحْرِيْكَةٍ آيَةٌ  ***   وَفِي كُلِّ تَسْكِيْنَةٍ شَاهِدُ

وَفِـــي كُـلِّ شَىءٍ لَــهُ ءايَــةٌ    *** تَدُلُّ عَلَـى أَنَّهُ وَاحِدُ([11])

هلْ تفكرتَ عظمةَ اللهِ سبحانَه وتعالى؟ إذا سَكنَ الليلُ وعمَّ الظلامُ، وهدأتِ العيونُ وغارتِ النجومُ أذكرْ قولَ اللهِ تعالى:   ﭐﱡﭐ   ﱑﱒ  ([12])، وهلْ تأملتَ إذا بَزغَ الفجرُ وسطعَ الضياءُ كاشفًا عَتمَةَ الليلِ وأشرقتِ الشمسُ فَمَلَأَتِ الأفقَ ضياءً ونورًا، عندَها قفْ وتفكرْ في عظمةِ اللهِ الخالقِ العظيمِ وقدرتِه وعظيمِ فضلِه وكرمِه وكثرةِ نَعْمَائِهِ على الناسِ قالَ اللهُ تعالى: ﱡﭐ     ﱨﱩ ([13]) تفكَّرْ في هذا وقلْ سبحانَ اللهِ الواحدِ الأحدِ، سبحانَ اللهِ الخالقِ العظيمِ: أيِ اللهُ منزهٌ عنْ كلِّ نقصٍ وعيبٍ كالشبيهِ والمثيلِ والولدِ والحدِّ والمكانِ والصورةِ والشكلِ تعالى اللهُ عنْ ذلك كلِّه وتنزَّهَ، واللهُ أعظمُ مِنْ كلِّ عظيمٍ في القدرِ والجلالِ وهوَ الخالقُ وحدَه الموجِدُ للأشياءِ مِنَ العدمِ جلَّ جلالُه. وإذا مَا رأيتَ الجبالَ الشاهقةَ الشامخةَ الراسيةَ الثابتةَ تذكرْ عظمةَ اللهِ تعالى كيفَ نَصَبَها ورَفَعَها وأمسَكَهَا بقدرَتِه وجعلَ فيها الفوائدَ ومَكَّنَ الإنسانَ مِنَ الصعودِ والنزولِ عليها قالَ اللهُ تعالى:      ([14]). وإذا رأيتَ خليةَ النحلِ ودقةَ ونظامَ ما فيها مِنْ عجيبِ قدرةِ اللهِ تعالى تَعْجَبُ وتحتارُ في عظيمِ صنعِ اللهِ تعالى كيفَ أُلْهِمَتْ بناءَ خلِيَّتِها بطريقةٍ مذهلةٍ مِنَ الهندسةِ والنظافةِ والحفظِ للعسلِ وكلُّ ذلكَ مسخرٌ للبشرِ، وانظرْ في مجموعاتِ النملِ وأنواعِها وما خلقَ اللهُ فيها مِنَ الأعضاءِ الصغيرةِ ومِنْ حَمْلِ غذائِها وبناءِ بيوتاتِها وادِّخَارِ الحبوبِ فيها بطريقةٍ فيها العجبُ ثم انظرْ إلى السماءِ وهيَ مرفوعةٌ فوقَنا تحملُ ما فيها مِنْ مخلوقاتٍ مِنَ الملائكةِ الكرامِ سكانِ السماواتِ وغيرِهم، وتأمَّلِ النجومَ وزينَتَها وكثرَتَها وضَوْئَها ثُمَّ الشمسَ وحسنَها وجمالَها مَعَ شدةِ حرراتِها واذكُرْ عظيمَ نفعِها وفوائِدَها والكواكبَ وروعَتَها والبدرَ وإشراقَه واكتمالَه واضمحلالَه ومنازلَه وتحوُّلَه مِنْ مكانٍ لمكانٍ ومِنْ شكلٍ لآخرَ وارتباطَ الناسِ بهِ بالشهورِ والمواقيتِ وغيرِها والفضاءَ الفسيحَ الواسعَ برحابَتِه، سترى جمالًا وحسنًا مبهرًا مدهشًا يتوقفُ عندَه أولو الألبابِ والعقولِ النيِّرَةِ متفكرينَ متبصرينَ مستذكرينَ عظمةَ الخالقِ العظيمِ لَا إلَه إلَّا هَو خالقُ كلِّ شىءٍ، قالَ اللهُ تعالى:ﱡﭐ       ﱨﱩ ([15])، بلِ انظرْ إلى نفسكَ التي بينَ جَنبَيكَ وما جعلَ اللهُ فيها مِنَ العجبِ العُجابِ سُبحانَ مَنْ خَلقكَ، وعلى مَا شَاءَ جَعلَ شَكلكَ وهيئَتَكَ وأَسْمَعَكَ وَأَبْصَرَكَ وَأَضْحَكَكَ وَأَبْكَاكَ وَأَضْعَفَكَ وَقَوَّاكَ قَالَ اللهُ تعالى:ﱡﭐ     ([16]) .



([1]) سورة ص / 65.

([2]) سورة البقرة / 163.

([3]) سورة الزمر / 65.

 الجامع لأحكام القرآن ج 7 ص 12. ([4])

([5]) سورة الأنبياء / 25.

 سنن الترمذي ج 10 ص 36.([6])

 سورة الأنبياء / 22.([7])

 تفسير البيضاوي ج 1 ص 435.([8])

 سورة يوسف / 39.([9])

([10]) إسماعيل بن القاسم العيني العنزي من قبيلة عنزة بالولاء، الشهير ب أبي العتاهية: شاعر مكثر، كان ينظم المائة والمائة وخمسين بيتا في اليوم، حتى لم يكن للإحاطة بجميع شعره من سبيل. وهو يعدّ من طبقة بشار وأبي نواس كان يجيد القول في الزهد والمديح، ولد سنة 130هـ -وتوفي سنة 211هـ اهـ الأعلام ج 1 ص 321.

 شعب الإيمان للبيهقي ج 1 ص 131.([11])

 سورة القصص / 71.([12])

 سورة القصص / 72.([13])

 سورة فاطر / 27.([14])

 سورة الروم / 17-19.([15])

 سورة الانفطار / 6-8.([16]