الواجبات القلبية
قال المؤلف رحمه الله: فصل.
الشرح أنه هذا فصل معقود لبيان الواجبات القلبية.
قال المؤلف رحمه الله: من الواجبات القلبية الإيمان بالله وبما جاء عن الله والإيمان برسول الله وبما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الشرح أن مما يجب على المكلفين من أعمال القلوب الإيمان بالله وهو أصل الواجبات أي الاعتقاد الجازم بوجوده تعالى على ما يليق به وهو إثبات وجوده بلا كيفية ولا كمية ولا مكان. ووجوب هذا لمن بلغته الدعوة مما اتفق عليه بلا خلاف، ويقرن بذلك الإيمان بما جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى من الإيمان به أنه رسول الله والإيمان بحقية ما جاء به عن الله تعالى.
قال المؤلف رحمه الله: والإخلاص وهو العمل بالطاعة لله وحده.
الشرح أن من أعمال القلوب الواجبة الإخلاص وهو إخلاص النية من أن يقصد بها عند العمل الصالح محمدة الناس والنظر إليه بعين الاحترام والتعظيم والإجلال قال تعالى ﴿فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا﴾ ففي الآية نهي عن الرياء لأنه الشرك الأصغر. وقد روى الحاكم في المستدرك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «اتقوا الرياء فإنه الشرك الأصغر» صححه الحاكم ووافقه الذهبي على تصحيحه.
قال المؤلف رحمه الله: والندم على المعاصي.
الشرح من الواجبات القلبية التوبة من المعاصي إن كانت كبيرة وإن كانت صغيرة وركنها الأكبر الندم، ويجب أن يكون الندم لأجل أنه عصى ربه فإنه لو كان ندمه لأجل الفضيحة بين الناس لم يكن ذلك توبة.
قال المؤلف رحمه الله: والتوكل على الله.
الشرح قال الله تعالى ﴿وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾ [سورة المجادلة/10] التوكل هو الاعتماد فيجب على العبد أن يكون اعتماده على الله لأنه خالق كل شىء من المنافع والمضار وسائر ما يدخل في الوجود، فلا ضار ولا نافع على الحقيقة إلا الله فإذا اعتقد العبد ذلك ووطن قلبه عليه كان اعتماده على الله في أمور الرزق والسلامة من المضار فجملة التوكل تفويض الأمر إلى الله تعالى والثقة به مع ما قدر للعبد من التسبب أي مباشرة الأسباب.
قال المؤلف رحمه الله: والمراقبة لله.
الشرح من واجبات القلب المراقبة لله. ومعنى المراقبة استدامة خوف الله تعالى بالقلب بتجنب ما حرمه وتجنب الغفلة عن أداء ما أوجبه ولذلك يجب على المكلف أول ما يدخل في التكليف أن ينوي ويعزم أن يأتي بكل ما فرض الله عليه من أداء الواجبات واجتناب المحرمات. قال الله تعالى ﴿فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين﴾ [سورة ءال عمران/ 175].
قال المؤلف رحمه الله: والرضا عن الله بمعنى التسليم له وترك الاعتراض.
الشرح يجب على المكلف أن يرضى عن الله أي أن لا يعترض على الله لا اعتقادا ولا لفظا لا باطنا ولا ظاهرا في قضائه وقدره فيرضى عن الله تبارك وتعالى في تقديره الخير والشر والحلو والمر والرضا والحزن والراحة والألم مع التمييز في المقدور والمقضي فإن المقدور والمقضي إما أن يكون مما يحبه الله وإما أن يكون مما يكرهه الله فالمقضي الذي هو محبوب لله على العبد أن يحبه والمقضي الذي هو مكروه لله تعالى كالمحرمات فعلى العبد أن يكرهه من غير أن يكره تقدير الله وقضاءه لذلك المقدور، فالمعاصي من جملة مقدورات الله تعالى ومقضياته فيجب على العبد كراهيتها من حيث إن الله تعالى يكرهها ونهى عباده عنها، فليس بين الإيمان بالقضاء والقدر وبين كراهية بعض المقدورات والمقضيات تناف لأن الذي يجب الرضا به هو القدر الذي هو تقدير الله الذي هو صفته والقضاء الذي هو صفته وأما الذي يجب كراهيته فما كان من المقدورات والمقضيات محرما بحكم الشرع.
قال المؤلف رحمه الله: وتعظيم شعائر الله.
الشرح يجب تعظيم شعائر الله فيحرم الإخلال بذلك والاستهانة بها. ومن شعائر الله المساجد، وتبخيرها من تعظيمها. قال أبو يعلى في مسنده حدثنا عبيد الله حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر كان يجمر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كل جمعة اهـ.
قال المؤلف رحمه الله: والشكر على نعم الله بمعنى عدم استعمالها في معصية.
الشرح الشكر قسمان شكر واجب وشكر مندوب، فالشكر الواجب هو ما على العبد من العمل الذي يدل على تعظيم المنعم الذي أنعم عليه وعلى غيره بترك العصيان لله تبارك وتعالى في ذلك هذا هو الشكر المفروض على العبد، فمن حفظ قلبه وجوارحه وما أنعم الله به عليه من استعمال شىء من ذلك في معصية الله فهو العبد الشاكر، ثم إذا تمكن في ذلك سمي عبدا شكورا، قال الله تعالى ﴿وقليل من عبادي الشكور﴾ [سورة سبأ/13] فالشكور أقل وجودا من الشاكر الذي هو دونه. والشكر المندوب هو الثناء على الله تعالى الدال على أنه هو المتفضل على العباد بالنعم التي أنعم بها عليهم مما لا يدخل تحت إحصائنا. ويطلق الشكر شرعا أيضا على القيام بالمكافأة لمن أسدى معروفا من العباد بعضهم لبعض.
قال المؤلف رحمه الله: والصبر على أداء ما أوجب الله والصبر عما حرم الله تعالى وعلى ما ابتلاك الله به.
الشرح الصبر هو حبس النفس وقهرها على مكروه تتحمله أو لذيذ تفارقه، فالصبر الواجب على المكلف هو الصبر على أداء ما أوجب الله من الطاعات والصبر عما حرم الله أي كف النفس عما حرم الله، والصبر على تحمل ما ابتلاه الله به بمعنى عدم الاعتراض على الله أو الدخول فيما حرمه بسبب المصيبة فإن كثيرا من الخلق يقعون في المعاصي بتركهم الصبر على المصائب وهم في ذلك على مراتب مختلفة فمنهم من يقع في الردة عند المصيبة، ومنهم من يقع فيما دون ذلك من المعاصي كمحاولة جلب المال بطريق محرم باكتساب المكاسب المحرمة ومحاولة الوصول إلى المال بالكذب ونحوه كما يحصل لكثير من الناس بسبب الفقر.
قال المؤلف رحمه الله: وبغض الشيطان.
الشرح يجب على المكلفين بغض الشيطان أي كراهيته لأن الله تعالى حذرنا في كتابه منه تحذيرا بالغا قال الله تعالى ﴿فاتخذوه عدوا﴾ [سورة فاطر/6] والشيطان هو الكافر من كفار الجن، ويطلق الشيطان ويراد به إبليس الذي هو جدهم الأعلى.
قال المؤلف رحمه الله: وبغض المعاصي.
الشرح يجب كراهية المعاصي من حيث إن الله تبارك وتعالى حرم على المكلفين اقترافها فيجب كراهية المعاصي وإنكارها بالقلب من نفسه أو من غيره.
قال المؤلف رحمه الله: ومحبة الله ومحبة كلامه ورسوله والصحابة والآل والصالحين.
الشرح يجب على المكلف محبة الله تعالى بتعظيمه على ما يليق به ومحبة كلامه بالإيمان به ومحبة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بتعظيمه كما يجب ومحبة سائر إخوانه الأنبياء كذلك، وكمال هذه المحبة يكون بالانقياد لشرع الله تعالى باتباع أوامره واجتناب نواهيه قال الله تعالى ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله﴾ [سورة ءال عمران/ 31].
وأما معنى محبة الصحابة فهو تعظيمهم لأنهم أنصار دين الله ولا سيما السابقون الأولون منهم من المهاجرين والأنصار. والمعنى أنه يجب محبتهم من حيث الإجمال وليس المعنى أنه يجب محبة كل فرد منهم. وأما الآل فإن أريد به مطلق أتباع النبي الأتقياء فتجب محبتهم لأنهم أحباب الله تبارك وتعالى لما لهم من القرب إليه بطاعته الكاملة وإن أريد به أزواجه وأقرباؤه المؤمنون فوجوب محبتهم لما خصوا به من الفضل قال الله تعالى ﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا﴾ [سورة الأحزاب/ 33] ويجب محبة عموم الصالحين من عباد الله.