(اعْلَمْ أَنَّ السَّبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ النَّبِىِّ الْمُعْجِزَةُ وَهِىَ) الْعَلامَةُ الشَّاهِدَةُ الَّتِى تَشْهَدُ أَنَّ هَذَا الإِنْسَانَ الَّذِى يَقُولُ عَنْ نَفْسِهِ إِنَّهُ نَبِىُّ اللَّهِ أَنَّهُ نَبِىٌّ وَأَنَّهُ صَادِقٌ وَالْمُعْجِزَةُ (أَمْرٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ) أَىْ هِىَ أَمْرٌ مُخَالِفٌ وَمُنَاقِضٌ لِلْعَادَةِ (يَأْتِى عَلَى وَفْقِ دَعْوَى مَنِ ادَّعَوِا النُّبُوَّةَ) أَىْ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ الْخَارِقَ يُوَافِقُ دَعْوَى ذَلِكَ النَّبِىِّ فَمَا لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا لِلدَّعْوَى لا يُسَمَّى مُعْجِزَةً كَالَّذِى حَصَلَ لِمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ الَّذِى ادَّعَى النُّبُوَّةَ مِنْ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى وَجْهِ رَجُلٍ أَعْوَرَ فَعَمِيَتِ الْعَيْنُ الأُخْرَى فَإِنَّ هَذَا الَّذِى حَصَلَ مُنَاقِضٌ لِدَعْوَاهُ وَلَيْسَ مُوَافِقًا (سَالِمٌ مِنَ الْمُعَارَضَةِ بِالْمِثْلِ) أَىْ لا يَسْتَطِيعُ الْمُكَذِّبُونَ أَنْ يَفْعَلُوا مِثْلَهُ فَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ نَبِىٌّ وَقَارَنَ دَعْوَاهُ خَارِقٌ ثُمَّ ادَّعَى ءَاخَرُ أَنَّ الْمُدَّعِىَ لَيْسَ بِنَبِىِّ وَأَظْهَرَ خَارِقًا مِثْلَهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الأَوَّلَ لَيْسَ بِنَبِيٍّ (فَمَا كَانَ مِنَ الأُمُورِ عَجِيبًا وَلَمْ يَكُنْ خَارِقًا لِلْعَادَةِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزَةٍ وَكَذَلِكَ مَا كَانَ خَارِقًا لَكِنَّهُ لَمْ يَقْتَرِنْ بِدَعْوَى النُّبُوَّةِ كَالْخَوَارِقِ الَّتِى تَظْهَرُ عَلَى أَيْدِى الأَوْلِيَاءِ أَتْبَاعِ الأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُعْجِزَةٍ بَلْ يُسَمَّى كَرَامَةً) لِأَنَّ الْوَلِىَّ لا يَدَّعِى أَنَّهُ نَبِىٌّ وَإِلَّا لَمَا حَصَلَتْ لَهُ هَذِهِ الْخَوَارِقُ. وَالْوَلِىُّ هُوَ الَّذِى يَتَّبِعُ النَّبِىَّ بِصِدْقٍ اتِّبَاعًا تَامًّا يُؤَدِّى الْوَاجِبَاتِ وَيَجْتَنِبُ الْمُحَرَّمَاتِ وَيُكْثِرُ مِنَ النَّوَافِلِ (وَكَذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الْمُعْجِزَةِ مَا يُسْتَطَاعُ مُعَارَضَتُهُ بِالْمِثْلِ كَالسِّحْرِ فَإِنَّهُ يُعَارَضُ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ) أَمَّا الْمُعْجِزَةُ فَلا يَسْتَطِيعُ الْمُعَارِضُونَ أَنْ يَفْعَلُوا مِثْلَهَا أَمَّا غَيْرُ الْمُعَارِضِينَ مِنْ أَتْبَاعِ الأَنْبِيَاءِ كَالأَوْلِيَاءِ هَؤُلاءِ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُظْهِرُوا أَمْرًا يُشْبِهُ الْمُعْجِزَةَ لِأَنَّ هَؤُلاءِ لا يُعَارِضُونَ النَّبِىَّ بَلْ يُصَدِّقُونَهُ وَيَتَّبِعُونَهُ (وَالْمُعْجِزَةُ قِسْمَانِ قِسْمٌ يَقَعُ بَعْدَ اقْتِرَاحٍ مِنَ النَّاسِ عَلَى الَّذِى ادَّعَى النُّبُوَّةَ) أَىْ بَعْضُ الأَنْبِيَاءِ مُعْجِزَاتُهُمْ تَظْهَرُ عِنْدَمَا يَطْلُبُ مِنْهُمُ النَّاسُ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ (وَقِسْمٌ يَقَعُ مِنْ غَيْرِ اقْتِرَاحٍ) أَىْ بَعْضٌ مِنْ دُونِ اقْتِرَاحٍ يَظْهَرُ عَلَى أَيْدِيهِمْ مِنْ دُونِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُمْ أَحَدٌ (فَالأَوَّلُ نَحْوُ نَاقَةِ صَالِحٍ الَّتِى خَرَجَتْ مِنَ الصَّخْرَةِ) وَقَدْ جَاءَ فِى قِصَّةِ قَوْمِ صَالِحٍ أَنَّهُمْ طَلَبُوا مِنْ نَبِىِّ اللَّهِ صَالِحٍ أَنْ يُظْهِرَ لَهُمْ مُعْجِزَةً (اقْتَرَحَ قَوْمُهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا مَبْعُوثًا إِلَيْنَا لِنُؤْمِنَ بِكَ فَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ نَاقَةً وَفَصِيلَهَا فَأَخْرَجَ لَهُمْ نَاقَةً مَعَهَا فَصِيلُهَا أَىْ وَلَدُهَا فَانْدَهَشُوا فَآمَنُوا بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَاذِبًا فِى قَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ لَمْ يَأْتِ بِهَذَا الأَمْرِ الْعَجِيبِ الْخَارِقِ لِلْعَادَةِ الَّذِى لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنْ يُعَارِضَهُ بِمِثْلِ مَا أَتَى بِهِ فَثَبَتَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ وَلا يَسَعُهُمْ إِلَّا الإِذْعَانُ وَالتَّصْدِيقُ لِأَنَّ الْعَقْلَ يُوجِبُ تَصْدِيقَ مَنْ أَتَى بِمْثِلِ هَذَا الأَمْرِ الَّذِى لا يُسْتَطَاعُ مُعَارَضَتُهُ بِالْمِثْلِ مِنْ قِبَلِ الْمُعَارِضِينَ فَمَنْ لَمْ يُذْعِنْ وَعَانَدَ يُعَدُّ مُهْدِرًا لِقِيمَةِ الْبُرْهَانِ الْعَقْلِىِّ).