الخميس نوفمبر 21, 2024

الْمُخَالَفَةُ لِلْحَوَادِثِ

يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْحَوَادِثِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ خَلْقِهِ فَلَيْسَ هُوَ بِجَوْهَرٍ يَشْغَلُ حَيِّزًا وَلا عَرَضٍ، وَالْجَوْهَرُ مَا لَهُ تَحَيُّزٌ وَقِيَامٌ بِذَاتِهِ كَالأَجْسَامِ، وَالْعَرَضُ مَا لا يَقُومُ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَقُومُ بِغَيْرِهِ كَالْحَرَكَةِ وَالسَّكُونِ وَالِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ وَالأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَالرَّوَائِحِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ فِي عِلْمِ الْكَلامِ: »أَنَّى يُشْبِهُ الْخَالِقُ مَخْلُوقَهُ« مَعْنَاهُ لا يَصِحُّ عَقْلًا وَلا نَقْلًا أَنْ يُشْبِهَ الْخَالِقُ مَخْلُوقَهُ، وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: »إِنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْنَا وَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْلَمَهُ أَنَّ رَبَّنَا لَيْسَ بِذِي صُورَةٍ وَلا هَيْئَةٍ فَإِنَّ الصُّورَةَ تَقْتَضِي الْكَيْفِيَّةَ وَهِيَ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ صِفَاتِهِ مَنْفِيَّةٌ« رَوَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.

وَقَدْ تُطْلَقُ الْكَيْفِيَّةُ بِمَعْنَى الْحَقِيقَةِ كَمَا فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ:

كَيْفِيَّةُ الْمَرْءِ لَيْسَ الْمَرْءُ يُدْرِكُهَا                          فَكَيْفَ كَيْفِيَّةُ الْجَبَّارِ فِي الْقِدَمِ

وَمُرَادُ هَذَا الْقَائِلِ الْحَقِيقَةُ. وَهَذَا الْبَيْتُ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمَا.

وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ: »وَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ بِمَعْنًى مِنْ مَعَانِي الْبَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ«. وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْقَرْنِ الثَّالِثِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي حَدِيثِ: »خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ« رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالْقَرْنُ الْمُرَادُ بِهِ مِائَةُ سَنَةٍ كَمَا قَالَ ذَلِكَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بنُ عَسَاكِرَ فِي كِتَابِهِ تَبْيِينُ كَذِبِ الْمُفْتَرِي الَّذِي أَلَّفَهُ فِي التَّنْوِيهِ بِأَبِي الْحَسَنِ الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.