الخميس نوفمبر 21, 2024

الْمَلِكُ: أي أنَّ اللهَ موصوفٌ بِتَمامِ الْمُلكِ، ومُلكه أزليٌ أبديٌ، وأما الْمُلكُ الذي يعطيهِ للعبدِ في الدنيا فهوَ حادثٌ يزولُ  ﭧﭐﭨﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ([1]). وقالَ اللهُ تعالى: ﭐﱡﭐﱵ ﱶﱷ([2])، وقالَ تعالى: ﭐﱡﭐﲧ ﲨ ﲩ ﲪﲫ ﲬ ﲭ ﲮ  ﲯ ﲰ ﲱ ﲲﲳ([3]).

قالَ النسفيُّ: “ ﭧﭐﭨﱡﭐ ([4]) قُرِأَ: ﴿مَلِكِ﴾ وهوَ الاختيارُ عندَ البعضِ لاستغنائِهِ عنِ الإضافَةِ ولقولـِه: ﱡﭐ ﳆ ﳇ ﳈ ([5])، ولأَنَّ كلَّ ملِكٍ مالكٌ، وليس كلُّ مَالِكٍ مَلِكًا، ولأن أمرَ الملكِ ينفذُ على المالكِ دونَ عكسِه. وقيلَ: المالكُ أكثرُ ثوابًا لأنَّهُ أكثرُ حروفًا. وقرأ أبو حنيفةَ والحسنُ رضيَ اللـهُ عنهما: ﴿مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ أيْ يومِ الجزاءِ، ويُقالُ كما تدينُ تُدانُ أي كما تَفعلُ تُجازَى([6])“اهـ. فاللهُ يُعطي الملكَ لمن يشاءُ وينزِعُ الملكُ ممن يشاء قال تعالى حكايةً عن يوسفَ عليه الصلاةُ والسلامُ: ﱡﭐﲮ  ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶﲷ ﲸ  ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﳀ ﳁ  ﳂ ﳃ ﳄﳅ([7]) وقالَ تعالى: ﭐﱡﭐﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ  ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ  ﲇ ﲈﲉ ﲊ ﲋﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑﲒ([8]). اللهمّ: أي يا اللهُ، “مالكَ الملكِ” أي مُلكِ العبادِ وهو زائلٌ مخلوقٌ، واللهُ مالكُ الأملاكِ، وإذا أُطلق الملكُ على العبادِ فهو مخلوقٌ، وأما مُلكُ اللهِ فهو أزليٌّ أبديٌّ، مالكُ أملاكِ العبادِ هو الله، فنحن وما نملِك مِلكٌ للهِ تعالى، مُلكُ فرعونَ وهامانَ وقارونَ حادثٌ مخلوقٌ زائلٌ زالَ بمشيئةِ اللهِ تعالى، أما ملكُ اللهِ فلا يزولُ ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ  ([9]) أي إلا ملكَه كما قالَ البخاريُّ ([10]) ، فاللهُ تعالى أعطى سليمانَ ملكًا عظيمًا فشَكَرَ اللهَ فكان عبدًا شكورًا، وَأعطى فرعونَ مُلكًا فكفرَ باللهِ وجَحدَ نعمةَ اللهِ تعالى وادَّعى الألوهيةَ والعياذُ باللهِ تعالى.

      فاللهُ تعالى الملِكُ أيِ الذي لا يزولُ مُلكُه سبحانَه، كم مِنْ مَلِكٍ مَلَّكَهُ اللهُ في الدنيا الشىءَ العظيمَ مِنْ هذهِ الأرضِ، سواءٌ كانَ عبدًا صالحًا أو نبيًّا مرسلًا، أو كافرًا فاسدًا، ومُلْكُ هؤلاءِ زائلٌ، ومُلكُ اللهِ لا يزولُ، فَمِنَ الذين ملَّكهمُ اللهُ تعالى في الدنيا مشارقَ الأرضِ ومغاربَها فأحسَنَ ودعا إلى ربِه بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ سيدُنا ذو القرنينِ  ([11]) فَقَدْ عاشَ ذو القرنينِ مئاتِ السنينِ حتى توفاهُ اللهُ تعالى وقد تزوَّدَ لآخرتِه بزادِ التقوى والعملِ الصالحِ.

وقد قيلَ: (الطويل)

وَالصَّعْبُ ذُو الْقَرْنَيْنِ أَمْسَى مُلْكُهُ

¯¯

أَلْفَيْنِ عَامًا ثُمَّ صَارَ رَمِيمًا

مَوْعِظَةٌ: روى ابنُ أبي الدنيا وغيرُه فقالَ: احتضَرَ بعضُ الملوكِ فجعلَ يقولُ: “يا مَنْ لا يزولُ مُلكُه ارحمْ مَنْ قد زالَ مُلْكُهُ” ([12]).

فَائِدَةٌ: عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ  قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ إِذَا سَلَّمَ فِي الْوِتْرِ قَالَ: ((سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوس)) ([13]).



 سورة طه / 114. ([1])

سورة الناس / 2. ([2])

 سورة المؤمنون / 116. ([3])

 سورة الفاتحة / 4.([4])

سورة غافر / 16. ([5])

 تفسير النسفي ج 1 ص 29.([6])

 سورة يوسف/ 101.([7])

 سورة آل عمران / 26. ([8])

 سورة القصص / 88.([9])

صحيح البخاري كتاب التفسير باب تفسير سورة القصص. ([10])

([11]) اسمه الصعب بن الحارث وهو أشهر التبابعة الذين هم ملوك اليمن وذكره أحد أحفاده في شعر قديم منه:

قد كان ذو القرنين جدى مسلما … ملكا علا فى الأرض غير مبعد

بلغ المشارق والمغارب يبتغى … أسباب ملك من كريم سيد       (انظر تاريخ دمشق لابن عساكر ج 19 ص 233)

 كتاب المحتضرين لابن أبي الدنيا باب ما قالت الأمراء والملوك عند نزول الموت بها ص 100. ([12])

 مسند أحمد ج 4 ص 410. ([13]