الْقُدْرَةُ
يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى الْقُدْرَةُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ وَالْمُرَادُ بِالشَّىْءِ هُنَا الْجَائِزُ الْعَقْلِيُّ فَخَرَجَ بِذَلِكَ الْمُسْتَحِيلُ الْعَقْلِيُّ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلْوُجُودِ فَلَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِتَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ: »إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَادِرٌ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا، إِذْ لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لَكَانَ عَاجِزًا«، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَيْرُ لازِمٍ لِأَنَّ اتِّخَاذَ الْوَلَدِ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ وَالْمُحَالُ الْعَقْلِيُّ لا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقُدْرَةِ، وَعَدَمُ تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ بِالشَّىْءِ تَارَةً يَكُونُ لِقُصُورِهَا عَنْهُ وَذَلِكَ فِي الْمَخْلُوقِ، وَتَارَةً يَكُونُ لِعَدَمِ قَبُولِ ذَلِكَ الشَّىْءِ الدُّخُولَ فِي الْوُجُودِ أَيْ حُدُوثَ الْوُجُودِ لِكَوْنِهِ مُسْتَحِيلًا عَقْلِيًّا وَتَارَةً يَكُونُ لِعَدَمِ قَبُولِ ذَلِكَ الشَّىْءِ الْعَدَمَ لِكَوْنِهِ وَاجِبًا عَقْلِيًّا. أَمَّا الْمُسْتَحِيلُ الْعَقْلِيُّ فَعَدَمُ قَبُولِهِ الدُّخُولَ فِي الْوُجُودِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا الْوَاجِبُ الْعَقْلِيُّ فَلا يَقْبَلُ حُدُوثَ الْوُجُودِ لِأَنَّ وُجُودَهُ أَزَلِيٌّ، فَرْقٌ بَيْنَ الْوُجُودِ وَبَيْنَ الدُّخُولِ فِي الْوُجُودِ، فَالْوُجُودُ يَشْمَلُ الْوُجُودَ الأَزَلِيَّ وَالْوُجُودَ الْحَادِثَ. وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُسَمَّى وُجُودًا. أَمَّا الدُّخُولُ فِي الْوُجُودِ فَهُوَ الْوُجُودُ الْحَادِثُ. فَالْوَاجِبُ الْعَقْلِيُّ اللَّهُ وَصِفَاتُهُ، فَاللَّهُ وَاجِبٌ عَقْلِيٌّ وُجُودُهُ أَزَلِيٌّ وَصِفَاتُهُ أَزَلِيَّةٌ وَلا يُقَالُ لِلَّهِ وَلا لِصِفَاتِهِ دَاخِلٌ فِي الْوُجُودِ لِأَنَّ وُجُودَهُمَا أَزَلِيٌّ، فَقَوْلُنَا إِنَّ الْوَاجِبَ الْعَقْلِيَّ لا يَقْبَلُ الدُّخُولَ فِي الْوُجُودِ صَحِيحٌ لَكِنْ يَقْصُرُ عَنْهُ أَفْهَامُ الْمُبْتَدِئِينَ فِي الْعَقِيدَةِ، أَمَّا عِنْدَ مَنْ مَارَسَ فَهِيَ وَاضِحَةُ الْمُرَادِ.
وَالْعَجْزُ هُوَ الأَوَّلُ الْمَنْفِيُّ عَنْ قُدْرَتِهِ تَعَالَى لا الثَّانِي، فَلا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ وَلا عَاجِزٌ، قَالَ بَعْضُهُمْ: كَمَا لا يُقَالُ عَنِ الْحَجَرِ عَالِمٌ وَلا جَاهِلٌ.
وَكَذَلِكَ يُجَابُ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُلْحِدِينَ: »هَلِ اللَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُ« وَهَذَا فِيهِ تَجْوِيزُ الْمُحَالِ الْعَقْلِيِّ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَزَلِيٌّ وَلَوْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ لَكَانَ أَزَلِيًّا، وَالأَزَلِيُّ لا يُخْلَقُ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فَكَيْفَ يُخْلَقُ الْمَوْجُودُ.