الْقُدُّوْسُ:
هوَ المنزهُ عنِ الشريكِ والولدِ
وصفاتِ الخلقِ كالحاجةِ للمكانِ أو الزمانِ فهو خالقُهما وما سواهُما، وهو تباركَ
وتعالى المنزّهُ عن النقائصِ الطاهرُ مِنَ العيوبِ ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐﲤ ﲥﲱﱠ([1])،
وقد ورد أنَّ الملائكةَ يقولونَ في تَسبيحِهِم: سُبُّوحٌ قٌدُّوسٌ ربُّ
الملائكةِ والرُّوحِ([2]).
وعن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها أَنَّ رَسُولَ اللّهِ ﷺ
كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: ((سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ
الْمَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ))([3])،
ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ
ﱇ ﱈ ﱉﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗﱘ ﱙ ﱚ ﱛ
ﱜ ﱝ ﱞﱟﱠ([4]) فاللهُ تعالى هوَ المنزَّهُ عن
النقائصِ، قالَ النوويُّ: معَ اعتقادِنا الجازمِ
أنَّ اللهَ تعالى ليسَ كمثلِهِ شىءٌ وأنَّه منزهٌ عن التَجَسُّمِ والانتقالِ
والتحيزِ في جهةٍ وعن سائرِ صفاتِ المخلوقِ اهـ ([5])،
وصفاتُ الأجسامِ نحوٌ من أربعينَ صفةً واللهُ منزهٌ عنها فهو قدُّوسٌ منزهٌ عن
القبائحِ لا يَحتاجُ إلى المكانِ والزمانِ ولا إلى شىءٍ من خلقِهِ، فلا يجوزُ وصفُه
بصفةِ نقصٍ أو قُبْحٍ كالمكْرِ والخِداعِ والنسيانِ والمللِ والاستهزاءِ والفرحِ
الحقيقيِّ الذي فيهِ الانفعالُ كما المخلوقُ والغضبِ الذي فيه الانفعالُ وغيرِها من
صفاتِ الخلقِ.
وفيما
يأتي بعضُ الآياتِ والأحاديثِ المتشابهةِ التي فيها هذهِ الألفاظُ، وبيانُ
معانيها: أمَّا
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﭐﱡﭐﱋ ﱌ ﱍﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒﱠ([6]) ففيهِ إسنادُ المكرِ إلى اللهِ تعالى
لكنْ فى سياقِ المشاكَلَةِ([7])
([8])
فلا يكونُ كمكرِ العبادِ، فالمكرُ مِنَ الخلقِ خُبْثٌ وخِداعٌ لإيصالِ الضررِ إلى
الغيرِ باستعمالِ حيلةٍ، وأمَّا مِنَ اللهِ تعالى فهو مجازاةُ الماكرينَ بالعقوبةِ
مِنْ حيثُ لا يدرون، وبعبارةٍ أخرى إنَّ اللهَ تعالى أقوى فى إيصالِ الضررِ إلى
الماكرينَ مِنْ كلِّ ماكرٍ جزاءً لهم على مكرِهم، فالمكرُ بمعنى الاحتيالِ مستحيلٌ
على اللهِ وكذلك قولُه تعالى: ﭐﱡﭐﲻ ﲼ ﲽﳂﱠ([9]) فليسَ معناه أنَّ اللهَ تعالى يستخفُّ
بالمنافقينَ كَمَا يستخِفُّ العبادُ بعضُهم ببعضٍ، إنَّما جاءتْ هذه اللفظةُ أيْ كلمةُ
يستهزئُ في القرءانِ فى سياقِ المشاكلةِ([10])
أيضًا على معنى المجازاةِ للكفارِ على استهزائِهم فإنَّ المنافقينَ([11])
كانوا عندما يجتمعونَ بأمثالِهم يتكلمونَ بذَمِّ الإسلامِ وكراهيتِهِ ويستهزئونَ
به وبعبادِ اللهِ المسلمينِ، فأخبرَ اللهُ تعالى أَنَّهُ يُجازيهمْ بما يَليقُ بهم
على استهزائِهِمْ، وسمَّى هذهِ المجازاةَ استهزاءً مِنْ بابِ المشاكلةِ كما تقدَّم،
ومثالُها قولُ الشاعرِ ([12]):
(الكامل)
قَالُوا اقْتَرِحْ شَيْئًا نُجِدْ لَكَ طَبْخَهُ |
¯¯ |
قُلْتُ
اطْبُخُوا لِى جُبَّةً وَقَمِيصًا |
وعلى
مثلِ
ذلكَ يُحملُ قولُ اللهِ تعالى فى سورةِ التوبةِ: ﭐﱡﭐﲢ ﲣ ﲤﲪﱠ([13]) أى تركُوا طاعةَ اللهِ بالإيمانِ بهِ
وبرسولِه محمَّدٍ
ﷺ
فتركَهمُ اللهُ تعالى مِنْ رحمتِه خالدينَ فى نارِ جهنَّمَ لا يخففُ عنهم عذابُها([14]).اهـ
وقولُه
تعالى: ﭐﱡﭐﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ
ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱻﱠ([15]) فَمعنى: ﱡﱪ ﱫ ﱠ أي يُخادعونَ المؤمنينَ فَجَعَلَ
مخادعةَ المؤمنينَ مخادعةً للهِ تعالى ﱡﱬ ﱭﱠ يُجازيهِم
على خِداعِهِم ([16])،
إذًا يتبيَّنُ
مما ذكرتُ أنَّهُ ليسَ كلُّ لفظٍ أُضيفَ إلى اللهِ تعالى هو صفةً لهُ حَمْلًا على
المعنى الظاهرِ لهذا اللفظِ، فإذَا وَرَدَ في آيةٍ أو حديثٍ لفظٌ ظاهرُهُ لا يجوزُ
إطلاقُهُ على اللهِ تعالى فلا بدَّ أنْ يُصَارَ إلى تأويلِهِ بحيثُ يُعْطِيْ معنًى
لائقًا باللهِ لا يعارضُ الآيةَ المحكمةَ: ﭐ ﱡﭐﱐ ﱑ ﱒ ﱗﱠ([17]).
([7])
قال السيوطي: اللفظ المستعمل في المشاكلة نحو ﭐﱡﭐﱋ ﱌ ﱍﱠ سورة آل عمران/54. اهـ الإتقان في
علوم القرآن ج 2 ص 36.
قال
ابن نجيم الحنفي: المشاكلة: ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته.اهـ البحر الرائق ج 7 ص 534. ([8])