الْقَيُّوْمُ:
هوَ الدائمُ الذي لا يتغيَّرُ وهوَ
القائمُ بتدبيرِ أمورِ الخلائِقِ ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﳍﱠ([1])
وَاللهُ سبحانَه وتعالى قَائِمٌ بنفسِه غَنِيٌّ أي مُستَغنٍ عنْ كلِّ ما سواهُ في
الأمورِ كلِّها. قالَ أبو حامدٍ الأسفرايينيُّ([2]):
“معناهُ أَنَّه بوجودِه مستغنٍ عنْ خالقٍ يخلُقُهُ وعَنْ مَحَلٍّ يَحُلُّهُ
وعَنْ مكانٍ يُقِلُّهُ، قالَ اللهُ تعالى: ﭐﱡﭐﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ
ﲘ ﲙ ﳍﱠ
مبالغة عنِ القيامِ والثباتِ على
الإطلاقِ مِنْ غيرِ حاجةٍ إلى صانعٍ يَصْنَعُه أو مُوجِدٍ يُوجِدُه أو مكانٍ يَحُلُّه”
اهـ وَالكلامُ
على هذهِ الصفةِ الأزليةِ يستفادُ منْهُ نفيُ الحاجةِ إلى المحلِّ والجهةِ، خلافًا
لبعضِ أهلِ الضلالِ كالكراميةِ والمشبهةِ الذينَ قالوا: إِنَّ اللهَ تعالى في جهةِ
فوق، بلْ أطلقَ بعضُهم شنيعَ القولِ بأَنَّه جالسٌ على عرشِه مستقرٌّ عليهِ
استقرارَ السلطانِ على عرشِه، تعالى اللهُ عنْ ذلكَ كلِّه علوًا كبيرًا.
ويقالُ في
الردِّ عليهم أنْ لو كانَ اللهُ على العرشِ كمَا زعموا لم يخلُ إمَّا أنْ يكونَ
مثلَ العرشِ أو أصغرَ منهُ أو أكبرَ، وفي جميعِ ذلكَ إثباتُ التقديرِ والحدِّ
والنهايةِ للهِ تعالى وهوَ كفرٌ بإجماعِ الأمةِ. وَقالَ الإمامُ
الفقيهُ أبو منصورٍ البغداديُّ في الفَرْقِ بينَ الفِرَقِ: “وأجمعوا على
أَنَّ اللهَ تعالى غنيٌّ عنْ خلقِه لا يَجْتَلِبُ بِخَلْقِه إلى نفسِه نفعًا ولا
يدفعُ بهم عنْ نفسِه ضرَرًا”([3])اهـ وليسَ معنى
القيومِ أَنَّ اللهَ قائمٌ فينَا أيْ داخلٌ وحالٌّ فينا والعياذُ باللهِ تعالى،
فاللهُ لا يحلُّ في شىءٍ ولا يَنْحَلُّ منهُ شىءٌ ولا يحلُّ هوَ في شىءٍ ليسَ
كمثلِهِ شىءٌ وهوَ السميعُ البصيرُ، وقدْ قالَ ابنُ العربيِّ رحمهُ اللهُ([4]):
مَنْ قالَ بالحلولِ فدينُه معلولٌ وما قالَ بالاتحادِ إلَّا أهلُ الإلحادِ.اهـ
فائدةٌ:
قالَ
الحافظُ ابنُ حجرٍ: أخرجَ النسائيُّ بسندٍ جيدٍ مِنْ طريقِ مجاهدٍ عنِ ابنِ عمرَ
رضيَ اللهُ عنهمَا أَنَّه سمعَ النبيَّ ﷺ يقولُ: ((أَسْتَغْفِرُ
اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ))
في المجلسِ قبلَ أنْ يقومَ مائةَ مرةٍ([5])،
ووردَ عنِ النبيِّ ﷺ أَنَّه قالَ: ((مَنْ قالَ أَسْتَغْفِرُ الله الَّذي
لا إِلَهَ إِلَّاهُوَ الحَيُّ القَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غَفَرَ اللهُ لَهُ
وَإنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ))([6])،
وعنْ أنسِ بنِ مالكٍ قالَ: قالَ رسولُ
اللهِ ﷺ لفاطمةَ رضيَ اللهُ عنها: ((مَا يَمْنَعُكِ أَنْ
تَسْمَعِي مَا أُوصِيكِ بِهِ أَنْ تَقُولِي إِذَا أَصْبَحْتِ وإِذَا أَمْسَيْتِ:
يا حَيُّ يا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ أَصْلِحْ لِي شَأنِي كُلَّهُ ولا
تَكِلْنِي إِلى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ))([7])
.
([2]) أحمد بن محمد بن أحمد الأسفراييني أبو حامد من أعلام الشافعية،
ولد في أسفرايين سنة 344هـ (بالقرب من نيسابور) ورحل إلى بغداد فتفقه فيها وعظمت
مكانته وألف كتبا، توفي سنة 406هـ انظر الأعلام ج 1 ص211.
([4]) محمد بن علي بن محمد ابن العربي، أبو بكر الحاتمي الطائي
الأندلسي، المعروف بمحيي الدين بن عربي، الملقب بالشيخ الأكبر: من أئمة المتكلمين
في كل علم. ولد في مرسية (بالأندلس) وانتقل إلى إشبيلية. وقام برحلة، فزار الشام
وبلاد الروم والعراق والحجاز(560هـ – 638هـ) وترجمه الحافظ ابن حجر في لسان
الميزان، وذكر أنه اعتدّ به حُفّاظ عصره كابن النجار.اهـ الأعلام ج6
ص281 ولسان الميزان لابن حجر ج 5 ص 352، وقد ذكره عبد الوهاب الشعراني وقال إنه
مبرأ مما دُسَّ عليه في بعض كتبه، انظر لطائف المنن والأخلاق ص 390.