الْقَرِيْبُ: أيْ قريبٌ بعلمِهِ مِنْ خلقِهِ
فالمطيعُ قريبٌ مِنَ اللهِ بلا كيفٍ كمَا قالَ الإمامُ أبو حنيفةَ([1])،
قالَ تعالى: ﱡﭐ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱠ([2])
قالَ تعالى: ﱡﭐ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳊﱠ([3]).
فأمَّا معنى قربِه منهم فذلكَ راجعٌ إلى الكراماتِ والمنزلةِ لا إلى المكانِ
والمسافةِ، وذلكَ معلومٌ مشهورٌ بينَ الناسِ أَنَّهم يقولونَ: فلانٌ قريبٌ مِنْ
فلانٍ، وإنما يريدونَ قربَ المنزلةِ لا قربَ المسافةِ، وعليهِ يُتأولُّ قولُه
تعالى في الحديثِ القدسيِّ: ((مَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ
ذِرَاعًا))([4])
أيْ مَنْ تَقَرَّبَ إليَّ بالطاعةِ ضاعفتُ لهُ الثوابَ وزدتُه كرامَةً، وكذلكَ
يقولونَ للفاسقِ في فسقِه إِنَّهُ متباعدٌ عنِ اللهِ، يريدونَ بذلكَ التباعدَ مِنْ
طاعتِه وعبادتِه، وعلى هذا المعنى يقالُ إِنَّ الكافرَ بعيدٌ عنِ اللهِ، والمؤمنَ
قريبٌ مِنَ اللهِ، وأَنَّ اللهَ قريبٌ مِنْ المؤمنينَ بعيدٌ عنِ الكافرينَ، ومعنى
ذلكَ قربُ رحمتِه وكرامتِه ولطفِه وفضلِه مِنَ المؤمنينَ، وبُعْدُ جميعِ ذلكَ مِنَ
الكافرِ، فأمَّا قربُ المكانِ فلا يليقُ باللهِ تعالى، وعلى ذلكَ يُتأولُّ جميعُ
ما في القرآنِ مثلُ قولِه تعالى: ﱡﭐ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱠ([5])،
وقولِه: ﱡﭐ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱭ ﱠ([6])،
وقولِه تعالى: ﱡﭐ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ([7])ﱫﱠ([8])،
وقولِه تعالى: ﱡﭐ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱠ([9])
فجميعُ ذلكَ لا يخلو أنْ يكونَ قربًا بالطاعةِ مِنَ العبدِ([10]).
قالَ أبو حنيفةَ : “وليسَ قربُ اللهِ تعالى ولا بعدُه مِنْ طريقِ طولِ
المسافةِ وقصرِها ولكنْ على معنى الكرامةِ والهوانِ ولكنِ المطيعُ قريبٌ منهُ بلا
كيفٍ والعاصي بعيدٌ عنهُ بلا كيفٍ والقربُ والبعدُ والإقبالُ يقعُ على المناجي
وكذلكَ جوارُه في الجنَّةِ والوقوفُ بينَ يديهِ بلا كيفٍ([11]).اهـ
فيجبُ الاعتقادُ بأَنَّ اللهَ سبحانَه وتعالى موجودٌ بلا جهةٍ ولا مكانٍ، وليسَ
شىءٌ منَ العالمِ أقربَ إلى ذاتِه مِنْ شىءٍ ءاخرَ، فالجنةُ التي هيَ فوقَ السماءِ
السابعةِ والعرشُ الذي هوَ سقفُ الجنةِ، وحملةُ العرشِ ليسوا أقربَ إلى ذاتِ اللهِ
بالمسافةِ مِنْ جهنمَ ومِنَ الفرشِ الذي هو منتهى العالمِ مِنْ جهةِ أسفل، بلْ كلُّهُم
بالنسبةِ لذاتِ اللهِ على حدٍّ سواءٌ، كما لا يقالُ: إِنَّ أهلَ الجنةِ أقربُ إلى
ذاتِ اللهِ مِنْ أهلِ النارِ مِنْ حيثُ المساحةُ والمسافةُ. ويكفرُ مَنْ يعتقدُ
أَنَّ اللهَ تعالى في جهةٍ أو في مكانٍ، وإذا قيلَ: الأنبياءُ والأولياءُ قريبونَ
مِنَ اللهِ تعالى، فهوَ بمعنى القربِ المعنويِّ وليسَ المسافيِّ والمكانيِّ، أيْ
أَنَّ اللهَ يحبُّهم وراضٍ عنهم ويكرمُهم، وإذا قيلَ: الكفارُ بعيدونَ مِنَ اللهِ،
فمعناه البعدُ المعنويُّ، أيْ أَنَّ اللهَ ساخطٌ عليهم، غاضبٌ عليهم لا يحبُّهم،
ينتقمُ منهم ويعذبُهم ويدخلُهم النارَ، وكذلكَ ما جاءَ في قولِه تعالى: ﱡﭐﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢﱣﱤﱠ، فالمرادُ
بهِ التقرّبُ إلى اللهِ تعالى بالطاعاتِ والصلاةِ على معنى القربِ المعنويِّ([12]).
وأمَّا ما وردَ في حديثِ رسولِ اللهِ ﷺ:
((أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ
مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ))([13])
، فمعناهُ أَنَّ الدعاءَ في السجودِ له مزيةٌ خاصةٌ، وهوَ أقربُ إلى الإجابةِ لأنَّ
الدعاءَ لهُ منزلةٌ عظيمةٌ في الإسلامِ، وليسَ معناهُ أَنَّ اللهَ تحتَ جهةِ
المصلي، تنزهَ اللهُ وتقدسَّ عنْ ذلكَ، فالوليُّ قريبٌ مِنَ اللهِ بلا كيفٍ،
والكافرُ بعيدٌ مِنَ اللهِ بلا كيفٍ أيْ بلا جهةٍ ولا مسافةٍ ولا مساحةٍ ولا
مكانٍ، ولا مقابلةٍ ولا اتصالٍ ولا انفصالٍ، بلْ هوَ القربُ المعنويُّ والبعدُ
المعنويُّ، فاللهُ تعالى لا يحويهِ مكانٌ فلا الملائكةُ الذينَ في
السماءِ أقربُ إلى اللهِ تعالى مِنَ الناسِ الذينَ على الأرضِ، فمحمَّدٌ ﷺ لما عُرِجَ
بهِ إلى السماواتِ العُلَى ووصلَ إلى سدرةِ المنتهى وكَلَّمَهُ رَبُّهُ وفرضَ عليهِ
الصلاةَ لمْ يَصِرْ بذلكَ أقربَ إلى اللهِ تعالى مِنْ موسى عليهِ السلامُ الذي كَلَّمَهُ
رَبُّهُ في طورِ سَيناءَ.
دُعَاءٌ: اللهم يَا
قَرِيْبُ يَا مُجِيْبُ وَفِّقْنَا لِلْعَمَلِ بِمَا افْتَرَضْتَهُ عَلَيْنَا يَا
اللهُ.