الْقَاْهِرُ : فاللهُ
القاهِرُ والقَهَّارُ أيِ الغالِبُ لجميعِ خلقِهِ بقدرتِهِ وسلطانِهِ، قالَ تعالى:
ﱡﭐ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱫﱠ([1])، فاللهُ
وصفَ نفسَه في القرآنِ بأَنَّه قاهرٌ لعبادِه. قالَ القشيريُّ في شَرْحِ هذهِ
الآيةِ: “فالربُّ إذًا موصوفٌ بالعلوِّ وفوقيَّةِ الرُتبةِ والعظمةِ، ومنزّهٌ
عنِ الكونِ في مكانٍ أوْ عنِ الكونِ بمحاذاةِ مكانٍ”.اهـ قالَ أهلُ الحقّ: “ليسَ
الشأنُ في عُلوِّ الجهةِ بلِ الشأنُ في علوِّ القدرِ، والفوقيةُ في لغةِ العربِ
تأتي على معنيينِ فوقيةُ المكانِ والجهةِ وفوقيةُ القدرِ قالَ اللهُ تعالى إخبارًا
عنْ فرعونَ: ﱡﭐﲔ ﲕ ﲖﲗﱠ([2])،
أيْ نحنُ فوقَهُم بالقوةِ والسيطرةِ لأَنَّه لا يصحُّ أنْ يقالَ إِنَّ فرعونَ
أرادَ بهذا أَنَّه فوقَ رقابِ بني إسرائيلَ إلى جهةِ العلوِّ إنما أرادَ أنهُم
مقهورونَ لَهُ مغلوبونَ.
فاللهُ تعالى قاهرٌ وقهَّارٌ وهوَ
الذي قهرَ وقصمَ ظهورَ الجبابرةِ، الذينَ عتَوا وتكبَّروا في الأرضِ بغيرِ الحقِّ
وتجبَّروا، واللهُ تعالى غالبٌ على أمرِه، وهوَ الذي ينصرُ المؤمنينَ ويقهرُ أعداءَهم
، فالمؤمنُ منصورٌ معنىً دائمًا، منصورٌ بإيمانِه وطاعتِه للهِ تعالى، وإن كانَ حِسًّا
يقهرُه هؤلاءِ المشركونَ ويغلبُوه ويكيدُوا لهُ، فالنبيُّ ﷺ منتصرٌ بإذنِ اللهِ غالبٌ بإيمانِه
منصورٌ دائمًا لم يُغلبْ أبدًا، لأَنَّ اللهَ نصَرَه، فلا يقالُ إِنَّ النبيَّ ﷺ خسرَ في معركةِ أُحُدٍ أو في غيرِها،
كيفَ يقالُ هذا وهوَ أَخَذَ بالأسبابِ وتوكلَ على اللهِ تعالى، وبهذا هوَ منصورٌ
بإذنِ اللهِ تعالى مهمَا أوذيَ ومهمَا ابتليَ ومهمَا كادَ المشركونَ لهُ، واللهُ
تعالى قاهرٌ ينصرُه ويمكنُ دعوتَه، ها هوَ ﷺ خرجَ مِنْ مكةَ وقتَ الهجرةِ ومعهُ
أبو بكرٍ الصدِّيقُ لكنَّ اللهَ نصرَه
وقهرَ عدوَّه وردَّ كيدَ المشركينَ في نحورِهم، فاللهُ تعالى قاهرٌ لأعداءِ نبيِّه
ﷺ، فقدْ قالَ تعالى: ﱡﭐ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱠ([3])،
فبقدرتِه
سبحانَه جعلَ كلمةَ الذينَ كفروا السفلى وكلمةُ اللهِ هيَ العليا، فَعَلَتْ كلمةُ
التوحيدِ لا إلهَ إلا اللهُ محمدٌ رسولُ اللهِ في المشارقِ والمغاربِ بوقتٍ يسيرٍ،
ففي أقلَّ مِنْ تسعينَ سنةً بعدَ وفاةِ رسولِ اللهِ ﷺ انتشرَ الإسلامُ في بلادِ السندِ
والهندِ ومَا بعدَها مِنَ المشرقِ وفي أقصى المغربِ حتى وصلَ الأندلسَ، فسبحانَ
القاهرِ الذي قهرَ الشركَ والمشركينَ ومكَّنَ دعوةَ رسولِ اللهِ ﷺ وأعلى نداءَ الحقِّ في أغلبِ بلادِ
الدنيا.
دُعَاءٌ:
اللَّهُمَّ يَا قَاهِرَ الكَفَرَةِ المتَجَبِّرِيْنَ وَالمتَكَبِّرِيْنَ
نَسْأَلُكَ أَنْ تُرِيْحَنَا مِنَ اليَهُوْدِ الغَاصِبِيْنَ وَأَنْ تَرْزُقَنَا
صَلَاةً فِي المسْجِدِ الأَقْصَى قَبْلَ الممَاتِ يَا اللهُ يَا رَبَّ
العَالَمِيْنَ.